مَازَال تاريخ الرّقابة في تونس لم يُكتَب بعد. ليس لقلة حماسٍ من طرف الباحثين، بل بسبب غياب الوثائق، التي تَحتكرها الدولة حصراً. وشأنها شأن كل وثائق أرشيف الدولة، ما زالت أرشيفات الرقابة، بمختلف أصنافها الفنية والأدبية والصحافية، غير متاحةٍ. وهذا تقليد عربي لا تكاد تشذّ عنه أي دولة. لكن كتاب أنس الشابي الجديد “مذكرات رقيب كتب: من التعليم الدّيني إلى مواجهة النهضة واليسار الإسلامي” (أركاديا، تونس 2024)، يكسر هذه القاعدة. فالرّقيب –الذي عادةً ما يختفي وراء وظيفته من دون أن نعرف الكثير عن شخصيته – يقرّر هذه المرة أن يتكلم أخيراً، مع أنّ الشابي كان رقيباً مُعلن الإسم والصفة منذ أن وُضعَ على رأس الرقابة مطلع تسعينات القرن الماضي. لكنه اليوم، ومن خلال أول مذكرات يُصدرها رقيب عربي، يروي لنا الجانب الخفيّ من حرفة الرقابة وموقعها ضمن العملية السياسيّة لحماية النظام الحاكم، بوصفها كونها إحدى الأدوات الإيديولوجية للدولة إلى جانب كونها إحدى أدواتها القمعية. سيما وأنه يقدم إلى جانب السرد، وثائق اتّصلت بسنوات خدمته، ستكون مفيدةً لكتابة هذا التاريخ الناقص، وحتى لكُتَّاب تاريخ تلك الفترة.
لا يَشرع الشابي في رواية قصته مع الرقابة، بل يَستبقها بفصل حول الظروف السياسيّة والدوافع الشخصية التي جَعَلت منه الرقيب المفضّل لدى الرئيس زين العابدين بن علي. ثم يُتابع قصته «الرقابية» بفصل حول مغادرته كرسي الرقابة والشرط السياسي الذي دفعه إلى هذا الخروج. وهي فصول تمهيدية وختامية، تكتسي أهميةً، لا في تحليل آليات الرقابة، بل في الكشف عن لحظات صعود وخفوت قوة نظام بن علي. ومن وراء ذلك الصراع الذي كلّل عهد الجنرال في مواجهة الحركة الإسلامية، وكيف أدّى ذلك الصراع إلى تفويت عقدين من الزمان على التونسيين.
وقَبل الشروع في كتابة هذه المراجعة قرأت مقالاً للكاتب الصحفي صالح عطية، حول الكتاب (جريدة الرأي العام 23/04/23). كُنت متوقعاً موقف عطية، لكن ما لم أتوقعه غضب الرجل من صدور الكتاب، الذي وصل إلى حد المطالبة بمنعه أو هكذا فهمت قوله: “حريّ بالدولة التونسية اليوم، أن تتخذ موقفاً واضحاً من مثل هذه الكتابات، التي لا تشرّف تونس، ولا تشرّف النخب التونسية، سواء كانت في الحكم أو في المعارضة، أو في أجهزة الدولة. إنها فضيحة بكل معنى الكلمة، لم يجُد بها تاريخ البلاد مطلقاً”. لا أدري حقيقةً ماذا يريد صالح عطية حقاً؟ هل نمنع رجلاً يريد أن يقول أنه كان رقيباً للكتب؟ فالقطع مع فكرة “مناشدة أجهزة الدولة للقيام بالمنع”، هي الدّرس الذي يجب أن يخرج به أي قارئ للكتاب، لأنها وإن نجحت في منع الكتب من التداول فإن جدوى منع أفكار الكتاب –ومهما كان موقفها منها– تبدو منعدمةً وليس أفضل على ذلك من دليل، ما جرى بعد 2011، قياساً لعقدين من الرقابة المُشَدّدَة.
الزيتوني «الأحمر»
وصل أنس الشابي إلى موقع الرقيب من طريق غير متوقعّة. فقد كانت دراسته في معهد ابن شرف (الحيّ الزيتوني سابقاً) أين كان والده يشغل خطة قيّم عامّ للمبيت. كان وسطه العائلي والتّلمذي محافظا ومُتديّنا. فقد درس لدى آخر طبقة من شيوخ الزيتونة ومن بينهم الشيخ محمد الأخوة والشيخ محمد المختار السلامي، مفتي الجمهورية السابق، وراشد الغنوشي الذي سيصبح فيما بعد أحد أشد أعدائه. وبعد نجاحه في امتحان الباكالوريا انتقل للدراسة في كلية الشريعة وأصول الدين، حيث درس على طبقة أخرى من شيوخ الزيتونة كالشيخ محمد علي السهيلي والطيب بن قمرة ومن خريجي الأزهر كعبد الله الأوصيف وعبد المجيد النجار والحبيب الهيلة. في الجامعة سيقع التحوّل الكبير في حياة الشابي، من مجرد شابٍ محافظ إلى متمرد: “في تلك الفترة وأنا بصدد الدراسة في الكليّة عثرت على مجموعة من الكتب بأقلام مفكّرين ساهموا مساهمة كبرى في تكوين جيلي ومن جاء بعدي في اتجاه نقد الموروث فكريّا والدفاع عن العدل الاجتماعي والطبقات المقهورة سياسيّا أبرزهم وأكثرهم تأثيراً: صادق جلال العظم صاحب كتاب “نقد الفكر الديني”، وهو الكتاب الأمّ الذي قَلَبَ ما ارتحتُ إليه من عقائد وأحدث لدي رجّة فكريّة فتحت لي آفاقا واسعة للبحث والدرس، فأعدت النظر في كلّ ما كنت أعتقد. و حسين مروة الشيخ الشيعي الذي انتقل إلى الماركسيّة بعد دراسة في الحوزة العلميّة في النجف ليترك لنا كتابه الموسوعي “النزعات الماديّة في الفلسفة الإسلاميّة”. و محمود أمين العالم ومهدي عامل والعفيف الأخضر الشيخ الزيتوني والمنظّر اليساري”.
يبدو واضحاً أن تأثر الشابي بأدبيات ما بعد هزيمة 1967، التي توجّه أغلبها نحو نقد التراث العربي الإسلامي بوصفه سبباً في طغيان الفكر المثالي على المشروع القومي المهزوم، هو ما جعله ينتقل بعُنفه من المحافظة الاجتماعية والدينية إلى نقيضها في الدفاع عن العلمانية. في المقابل، أفرزت هزيمة 67 تياراً آخر فسّر أسبابها في بعد المشروع العربي عن الدين، وهو التيّار الأغلبيّ على المستوى الشعبي، والذي ظهر في عقد السبعينات فيما سيُعرف بـ”الصحوة الإسلامية”. ضمن هذا الصراع في تفسير أسباب الهزيمة، بدأت كل شعارات النضال الطبقي والتحرري الوطني في الاختفاء لتفسح المجال لاستقطاب ثقافي بين الإسلاميين والعلمانيين، وهي سمة ستَطبع أغلب الصراعات السياسية في العالم العربي خلال الثمانينات والتسعينات وما بعدهما. في هذا السياق، أصبحت التناقضات بالنسبة لليسار غير واضحةٍ. لذلك اختلفت اختلافاً جذرياً بين “التناقض مع السلطة” و”التناقض مع الرجعية”.
بعد حصوله على الإجازة في أصول الدين سنة 1977، توجَّهَ أنس الشابي للتعليم والصحافة. وبحكم تكوينه الديني، وموقفه الإيديولوجي، أصبح متابعاً لما تنشره الجماعة الإسلامية من كتب ودوريات، كان أهمها في ذلك الوقت “مجلة المعرفة”. وبداية من عام 1981 التحق بالحزب الشيوعي التونسي؛ “وكان اعتقادي يومها أنّ الحزب الشيوعي هو السدّ الذي سيقف ضدّ الإخوانجيّة ولكن ما حصل فيما بعد غيّر رأيي”. لم يجد الشابي في الحزب الشيوعي ما كان يبحث عنه من صلابة في مواجهة الإسلاميين، على حدّ قوله، فغادرهَ سنة 1985 عائداً إلى الكتابة في الصحف العامة، إلى أن حدث انقلاب 7 نوفمبر 1987، ودخلت البلاد طوراً جديداً من الحكم، مضى في سنواته الثلاث الأولى ليناً، مفسحاً مجالاً من الحرية النسبية. بين 1987 و1990، أصبح الشابي من كبار المُساجلين في الصحف التونسية حول قضايا الإسلاميين والقضايا الدينية بصفة عامةٍ. كانت تلك السنوات خصبةً بالنقاش في تونس، وقد دفعَت سياسة بن علي لسحب البساط من الحركة الإسلامية من خلال إعادة بعض الرموز الدينية إلى التداول، وإلى تذكية النقاشات حول الموقف من الحركة الإسلامية والموقف من الدين وعلاقته بالسياسة على نحو عامّ. في هذه الفترة كانت مقالات الشابي تنتقد بشدة مسألة تحويل الكلية الزيتونيّة إلى جامعة. ثم شرع في حربٍ معلنةٍ ضد برنامج إصلاح التعليم، الذي جاء به وزير التربية محمد الشرفي، بسبب تعيين القيادي السابق في الجماعة الإسلامية، حميدة النيفر، عضوا في لجنة صياغة الإصلاح في مادة التربية الإسلامية. والطريف أن حركة النهضة –خصوم الشابي– كانوا في ذلك الوقت في حرب مفتوحةٍ ضد برنامج الشرفي الذي كانت تعتبره –وما زالت – جزءاً من “برنامج تجفيف منابع الإسلام في تونس”.
عشرية الرقابة
في أعقاب انتخابات 1989، بدأت العلاقات بين نظام بن علي وحركة النهضة تذهب نحو التصعيد. بين 1990 و1991، شهدت البلاد وقائع معركة مؤجّلةٍ بين طرفين، لم يكن وجود أحدهما يحتمل وجود الآخر. وفي الحرب، تكون العناصر الأكثر صلابةً من الطرفين، إيدولوجياً وسياسياً، الأكثر طلباً والأقوى دوراً. في هذا السياق، أصبح أنس الشابي رقيباً للكتب. وعلى نحو أدق رقيباً على الكتب الإسلامية الحركية ذات النزوع السياسي. يقول الشابي: “كانت مقالاتي حول مقاومة التيّارات الإسلاميّة قد لفتتْ انتباه السلطة ورأت أن تستعين بي في معركتها التي وصلت الذروة بجريمة باب سويقة في شهر أفريل 1991، وبانتقال أحمد خالد إلى وزارة الثقافة ألحقني بديوانه (…) وكلّفَني بمراقبة رصيد مكتبات المطالعة العموميّة، وقد فاق عددها أيامها الثلاثمائة مكتبة موزّعة في كامل أرجاء الوطن ورصيدها يعدّ بملايين النسخ، وبعد زيارتها جميعها صادرت عدداً كبيراً من العناوين (…) ثم تمّ تكوين لجنة لمراقبة الكتاب المورّد تتكوّن من ممثلين عن وزارة الداخليّة والشؤون الدينيّة وكتابة الدولة للإعلام، وقد عيّنت فيها بصفتي الشخصيّة، وبقيت فيها منذ تأسيسها إلى أن أُقلت سنة 1999”.
خلال عمله الرقابي في وزارة الثقافة، أفضت تقارير الشابي إلى إغلاق العشرات من دور النشر، التي كانت مقرّبةً من الحركة الإسلامية، أو ناشطة في نشر كتب إسلامية حركية لسيد قطب وأبي الأعلى المودودي وغيرهما من قادة الحركات الإسلامية. لكن خروج أحمد خالد من وزارة الثقافة عجَّلَ بخروجه من هناك بعد فتور علاقته مع الوزير الجديد، منصر الرويسي، ليجد نفسه في وكالة الاتّصال الخارجي في عام 1993، وقد كان على رأسها في ذلك الوقت صلاح الدين معاوية. لم تكن الوكالة –المخصصة للدعاية – المكان المناسب للرقابة، فعَادَ الشابي إلى وزارة الثقافة بعد وقت وجيز. لكن ما يرويه من تفاصيل حول طبيعة النشاط داخل الوكالة يستحق التوقف، بخاصة الطرائف حول العمل الدعائي المتخلّف الذي كانت تقوم به هذه المؤسسة.
يعتقد الشابي أنه لم يكن صلباً ولا عشوائياً في رقابته على الكتب، قائلاً : “إن عدد الكتب المورّدة من الخارج والمصادرة محدود جداً، إذا ما قارنّاه بآلاف العناوين التي توزّع في السوق وذلك في الفترة التي أمسكتُ فيها بالرقابة، وقد كان أسلوبي في العمل واضحاً لدى الناشرين وهو الابتعاد عن كلّ ما هو حركي مباشر و تحريضي، ولم يكن المنع ينصبّ على الأسماء بل على العناوين من ذلك أن دار سينا للنشر طبعت سنة 1994 مجموعة من المقالات المختلفة التي نشرها سيّد قطب قبل التحاقه بالإخوان المسلمين تحت عنوان “المجتمع المصري، جذوره وآفاقه” سمحتُ لها بدخول المعرض”. ومع ذلك فإن الشابي لم يكتَفِ بمصادرة الكتب التي يكتبها إسلاميون، أو تلك التي تتحدث عن الإسلام في جوانبه الحركية والسياسية، بل طال مقصّه كتّاباً عُرفوا لدى الناس بأنهم من رؤوس العلمانية والحداثة في البلاد. فقد منع ترويج كتاب عبد المجيد الشرفي “لبِنات”، ولم يَسمح به إلا بعد خروج الشابي من الرقابة سنة 1999، وكذلك كتاب عن الردّة لآمال القرامي والسبب أنّه “يروّج لمقال الإسلاميّين بتكفير بورقيبة وبالحديث عن ردّة المجتمع”، على حد قوله. وصفحات من أطروحة المنصف بن عبد الجليل عن الفرق الهامشيّة، حيث طالب في تقريره بحذف فقرات منه لأنّها تحمل “تهجّما مجانيّا على الطائفة العلويّة”. والطريف أن الشابي منع كتبًا أخرى “لم تجد حظّها من الإشهار والتشهير” هي بعض كتب مديح النظام الفجة. من بينها كتاب يوسف رزوقة “بن علي وخطاب المستقبل”، الذي هو في الأصل أطروحة جامعية في معهد الصحافة، وقد رأى الشابي أن منعه أفضل من السّماح برواجه وذلك لأنّه “يحمل قدراً كبيراً من الإسفاف في مدح رئيس الدولة وفعلاً مُنع من الرّواج رغم الاعتراضات التي وصلتني من هذه الجهة أو تلك”. وكذلك كتاب محمد علي الحباشي “تونس منذ الاستقلال، من وقائع الساحة النقابيّة والسياسيّة 1959-1997، الذي طلَبَ من صاحبه تعديل مضمونه لأنّه حسب قوله “كتاب غاية في التّدليس بحيث حجب عن الزعيم بورقيبة أيّ فضل له على البلاد ونسب كلّ ما تحقّق في الوطن من منجزات للرئيس بن علي”.
يكشف لنا الشابي في مذكراته –بعد أن استقر به الأمر رقيباً في وزارة الداخلية في عام 1995 إلى غاية 1999- عن تعقيدات آليات الرقابة في التسعنيات، حيث لم يكن وحده يحتكر هذه المهمة. فقد كانت هناك “جهات متعدّدة تتدخّل في المنع أو السماح للكتاب بالرّواج من بينها رئاسة الجمهورية التي هي صاحبة الاختصاص الحصري في الكتب المتعلّقة بالرئيسين بورقيبة وبن علي ومن حولهما من وزراء في الخدمة أو بعد الخروج منها (…) كما أنّ لوزارة الشؤون الدينيّة رأيا في الكتب الدينيّة غير أنّها لا تنظر إلى الكتاب إلا من ناحية انضباطه للعقيدة وأحكامها بتشدّد يغلب عليه الطابع الأكاديمي في تتبّع المصادر والمراجع وتقييمها، أمّا تقارير منظمات العفو الدولية وأمنستي وغيرهما فالقرار فيهما يتّخذه وزير الثقافة بالتشاور مع غيره من الوزراء”.
التجربة ودروسها
جاء الشابي إلى الرقابة في سياق سياسي صِدَامي بين النظام والحركة الإسلامية، وكان خروجه منها مشروطا بتوقف هذا الصدام. عند مستدار القرن، كانت الحركة الإسلامية مفككة بين السجن والمنفى، أما النظام فقد كان في أقوى لحظات عهده. لذلك لم يكن الشابي رقيبا-موظفاً وصل بالترقي في السلم الوظيفي، كما هو حال أسلافه من الرقباء، بل رقيباً إيدولوجياً مسيساً. تلاقت مصلحته السياسية مع مصلحة النظام، وكان تناقضهما الرئيسي مع الإسلاميين في تلك اللحظة. وهذا التحليل، لم يكن حكراً على الرقابة أو الشابي، بل شائعاً في وسط قطاع من اليسار، الذي قرّرَ بعد 1987 أن “تناقضه الرئيسي” لم يعد مع السلطة بل مع “الإسلاموية الرجعية”، وانخرط في صفوف النظام للدفاع عن “العلمانية والحداثة”.
كان خروج الشابي من الرّقابة –حسب روايته– بدفع من الهاشمي الحامدي. في نهاية التسعينيات، وبعد فترة من انشقاقه عن حركة النهضة، بدأ الحامدي في التقرب من النظام، بعد أن أصبح مستثمراً في الإعلام من خلال قناة ومجلة “المستقلة” في لندن. كان بن علي يُراهن على الحامدي في شق صفوف حركة النهضة، لذلك فَتحَ له المجال ودعَمَه مادياً، على نحو كبير كشفته وثائق لجان التحقيق بعد الثورة. وكان الحامدي يلعب لعبة إعادة إنتاج صورة جديدة لبن علي والنظام، على أنه نظام يُراعي الدين على المستوى الشخصي والمؤسسي “كما سُمحَ لجريدته المستقلّة بدخول البلاد، ونُشرت فيها العديد من المقالات عن السياسة الدينيّة للرئيس وعن زوجته وبناته والتزامهم الديني”. وهذا يَكشف يوضوح عن عدم مبدئية النظام في صراعه مع الإسلاميين، فلم تكن تَعنيه العلمانية ولا الحداثة بقدر ما كانت خصومته معهم بسبب أنهم يهدّدون سلطته.
كان الشابي رقيباً لعصر ما قبل الإنترنت، لذلك كان رقيباً مُجدياً، من حيث كونه يصل في النهاية إلى مصادرة الكتب التي يريد. كانت الرقابة في ذلك العصر أداةً ذات قدرة على المراقبة والسيطرة والعقاب بيد السلطة، لكن عصر ما بعد الإنترنت عطّل تلك الجدوى إلى الأبد. أصبحت الرقابة عبثاً، جرياً وراء سراب السيطرة الوهمية. لذلك فإن الدرس الأساسي الذي يخرج به المرء من هذا الكتاب هو أن الرقابة أصبحت جزءاً من ماضي البشرية، ولن يستطيع أي نظام إعادة مجدها، رغم المحاولات التي نراهَا في تونس اليوم، والتي لا تتجاوز إعادة إنتاج نسخة كاريكاتورية من رقابة الأمس.