الرقابة تتحول الى “رقابة فنية”


2013-09-13    |   

الرقابة تتحول الى “رقابة فنية”

بتاريخ 28 آب 2013 أبلغ مكتب الرقابة في جهاز الأمن العام اللبناني المخرج لوسيان أبو رجيلي، منع عرضه العمل المسرحي "بتقطع أو ما بتقطع"، والذي أنتجته جمعية "مارش" التي تعمل في إطار مكافحة الرقابة على الأعمال الفنية في لبنان. تتناول هذه المسرحية اشكالية عمل مكتب المراقبة في الأمن العام واشكالية الرقابة بشكل أساسي في إطار كوميدي ساخر. وقد برر رئيس مكتب الاعلام في الأمن العام العميد منير عقيقي قرار المنع خلال برنامج الفساد الذي يعرض على قناة الجديد بتاريخ 3 أيلول 2013، "بأن العمل كذب وافتراء بحق المكتب الذي لا يتصرف وفق الآلية المذكورة في المسرحية" واصفا العمل "بالمهزلة" الفنية وفق ما تثبت منه اختصاصيو المسرح الذين تمت استشارتهم. وكان لوسيان قد صرح أنه "لم يستوحِ أحداث المسرحية من الواقع مباشرةً، لكنني، أعرف كيف يؤدي الموظفون في مكتب الرقابة مهامهم. فقد اطلعت على هذه التأدية من خلال زياراتي المتعددة للأمن العام، حين كنت أقدم نصوصي السابقة[1]".
 
ويطرح هذا الأمر 3 إشكاليات:
أولا:استمرار الرقابة المسبقة على المسرح، بمعزل عن أي معايير
ان فكرة اجراء الرقابة المسبقة على المسرح تندرج في إطار الممارسات التعسفية التي من شأنها تضييق الحريات وبشكل أساسي الحريات الاعلامية والفنية. الا أن الأمن العام يستند في منع عرض الأفلام والأعمال المسرحية علىمرسوم صادر عام 1977(في عز الحرب الأهلية) الذي أعطى صراحة حق رفض العرض أو الموافقة كلّيًا أو جزئيًا عليه للأمن العام، دون أن يتضمن أية معايير أو مبادئ توجيهية.وهذا الأمر انما يؤشر الى أن الرقابة المسبقة على المسرح في لبنان انما تسمح بمنع أي عمل لا يرغب الرقيب بإدائه. وهذا هو بالطبع حال أي عمل يعمد الى انتقاد الرقيب: فللأمن العام الذي تمرس في منع أي عمل فني من شأنه المس بسمعة القيادات وأصحاب النفوذ (فهؤلاء انوجدوا للمجاملة وليس للمساءلة)، أن يولي موجب المجاملة أهمية مضاعفة فيما يخصه. 
 
ثانيا: الاستعانة بفناني "المجاملة"
وبهدف اضفاء المشروعية على قرار المنع، استخدم الأمن العام 4 اختصاصيين للدفاع عن مؤسسة العام والدعوة الى شرعنة وتشديد العمل الرقابي. وقد اتفق هؤلاء على رأي واحد تختصره العبارات التالية التي تداولتها المقالات التي تناولت هذا الموضوع: "النص صبياني، تعتير كلامي، يدعو للشفقة والاستغراب، وبعض جمل الحوار فيه مركبة بهلوسة تشهيرية تدل على انعدام مستواه الفني، نص يسيء، بـ"مخيلة" كاتبه، وشطحات أفكاره اللاواعية، وإلى مؤسسة الأمن العام. المسرحية لا علاقة لها بالمسرح، بل صنف كلام ركيك، فضلاً عن كونها غير مستوفية الشروط من حيث البناء".[2] وهذا وقد دعا أحدهم إلى تشديد الرقابة على الفن في لبنان، مؤكداً، أنه "مع التحرر الموضوعي للرقابة، لأننا، وعلى رغم الرقابة الموجودة، نرى أن الشاشات وخشبات المسرح، تعج بالتفاهات وتكرس الزمن الساقط، فكيف بالحري إذا رفعنا الرقابة نهائياً". بداية من يؤكد موضوعية وكفاءة واستقلالية "الاختصاصيين" الذين اعتمدهم الأمن العام؟  خاصة وأن النقد الفني لا يستند الى معايير صارمة غير قابلة للجدل. وان دل أمر الاعتماد على اختصاصيين لمنع عرض المسرحية على شيء فهو يدل على افتقاد الأمن العام لأي حجة لتبرير المنع.
 
ثالثا: الرقيب لا ينصت الى القضاء
تم رصد عام 2012 عدد من الأحكام القضائية التي كرست حرية الابداع الفني. فقد أقرت محكمة استئناف بيروت في حكم صادر في 14-11-2012 هامشا واسعا للمسرح الكوميدي. فمفهوم التعرّض للأخلاق والآداب العامة يتم تفسيره بشكل أضيق عندما يطال الفن البناء. وفي السياق نفسه، سجل القاضي الجزائي في بيروت جورج عطية في حكمه الصادر في 19-11-2012 موقفا آخر على صعيد حرية الابداع الفني، مع ابطال التعقبات عن أحد أبرز الناشطين في مجال الغرافيتي في 2012 سمعان خوام لغياب النص، وخصوصا أن الفعل المدعى به (رسم لوحات فنية عن الحرب اللبنانية على الجدار في محلة الكرنتينا) هو عبارة عن أعمال فنية حضارية تدخل ضمن نطاق فن الرسم التصويري ويجسدها من يقوم بها في لوحات ترسم على الجدران.[3]

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني