في 12 نوفمبر الفائت أصدرت وزارة التربية بلاغا قالت من خلاله إنها “في إطار الحرص على حوكمة المنظومة التربوية وحمايتها، وسعيا إلى تحصين المكانة الاعتبارية للسيدات والسادة المربّين وضمان العدالة والإنصاف بين جميع التلاميذ” تُذكّر مكونات الأسرة التربوية بأنه “يُحجّر تحجيرًا باتًا على المدرّسين العاملين بمختلف المؤسسات التربوية العموميّة الابتدائيّة والإعداديّة والثّانوية التابعة لوزارة التربية تقديم دروس خصوصية خارج فضاء المؤسسات التربويّة العموميَّة”.
لا إصلاح تربوي شامل ولا مقاربات تعليمية جديدة ولا ميزانيات استثنائية، فقط ديباجة مُنمّقة لا علاقة لها ببقية البلاغ التي تتلخص في تعداد العقوبات التي قد يتعرّض لها المخالفون كالإيقاف والإحالة على مجلس التأديب والعزل. أغلب ما جاء في البلاغ استعادة لمحتوى مناشير وأوامر وزارية قديمة، لكن الجديد هو التهديد بالتتبّع العدلي.
بعد السياسيين والناشطين “المتآمرين” والإعلاميين “المتحاملين” والتّجّار “المحتكرين” ورجال الأعمال “الفاسدين” جاء دور المدرسين “الجَشِعين”. بُعيد صدور البلاغ تناقَلَت عدة صفحات فيسبوكية أخبارا عن مداهمات لمراكز تعليمية خاصة وبيوت مدرسين وإيقافات للبعض منهم، وهو ما نفاه الكاتب العام لنقابة التعليم الثانوي، وكذلك فعل وزير التربية خلال جلسة برلمانية بتاريخ 19 نوفمبر الجاري عندما أبدى استغرابه من “حملات الشيطنة” التي تستهدف المدرسين وحتى المراكز التعليمية الخاصة!
ملايين التونسيين من تلاميذ وأولياء ومُدرّسين معنيين بالدروس الخصوصية، ومن الصعب تصوّر أن بلاغ الوزارة والخطاب التحريضي الرائج هذه الأيام سيُساعدان في فهم هذه الظاهرة وأبعادها.
ماذا يقول القانون؟
صدر أول نص قانوني يتعلق بالدروس الخصوصية في تونس منذ قرابة الأربعين عامًا، تحديدا في 25 مارس 1988 مع نشر الأمر عدد 679 لسنة 1988 المتعلق بضبط شروط تنظيم دروس التدارك أو الدعم والدروس الخصوصية. لم يَمنع هذا النص المُدرسين المباشرين في المؤسسات العمومية التربوية من تقديم دروس خصوصية خارجها، لكنّه فرض جملة من الشروط؛ إذ يُمكن للمدرس القيام بدروس خصوصية لفائدة مجموعات من التلاميذ لا يتجاوز عددها الثلاث مجموعات ولا يتجاوز عدد التلاميذ في كل واحدة منها الأربعة التلاميذ (الفصل 7)، وتُلقَى الدروس في قاعات مُعدّة للغرض (الفصل 8)، ولا يمكن للمدرّس أن يَقبل في الدروس الخصوصية التي يقوم بها، تلاميذ الأقسام التي توكَل له في المؤسسة أو المؤسسات التعليمية التي يُدرّس بها (الفصل 9). هذا الترخيص للمدرسين بالقيام بأنشطة خاصة خارج مؤسساتهم الأصلية سيتدعّم مع صدور الأمر عدد 486 لسنة 2008 المتعلق بضبط شروط الترخيص في إحداث مؤسسات تربوية خاصة وتنظيمها وتسييرها، والذي نص في الفصل 39 منه على إمكانية الترخيص لمدرسي المدارس الإعدادية والمعاهد والمعاهد النموذجية العمومية في القيام بحصص عمل إضافية في المؤسسات التربوية الخاصة على ألا يتجاوز مجموع الساعات الإضافية بين العمومي والخاص 10 ساعات بالنسبة للمدرس الواحد.
في واقع الأمر استندَ بلاغ 12 نوفمبر 2024 إلى الأمر الحكومي عدد 1619 لسنة 2015 المتعلق بضبط شروط تنظيم دروس الدعم والدروس الخصوصية داخل فضاء المؤسسات التربوية العمومية، والذي ألغِيَت بمقتضاه أحكام الأمر عدد 679 لسنة 1988. وينص هذا الأمر في فصله السابع على منع المدرسين العاملين بمختلف المؤسسات التربوية العمومية التابعة لوزارة التربية تعاطي نشاط القيام بدروس خصوصية خارج فضاء المؤسسات التربوية العمومية. في حين نَصَّ الفصل 13 على أن تعاطي نشاط القيام بدروس خصوصية خارج فضاء المؤسسة التربوية العمومية يتعرّض مرتكبه إلى عقوبة تأديبية من الدرجة الثانية، وفي صورة العود يمكن أن تسلط على المخالف عقوبة العزل. وقد صَدَر الأمر الحكومي عدد 1619 في عهد وزير التربية الأسبق، ناجي جلول (2015 – 2017)، ضمن اتّفاق أوسع بين الوزارة ونقابات التعليم يَشمل تحسين أجور المُدرّسين وتَحسين ظروف العمل في المؤسسات التربوية والشروع فورا في إصلاح تربوي، لذلك لم يلقَ حينها معارضة واسعة من المربين.
لكن ما حصل فيما بعد أن الأجور لم تتطور بالشكل الكافي، ولم ينطلق الإصلاح التربوي وتوترت العلاقات بشكل حاد بين الطرفين الوزاري والنقابي، كما لم تتوقف الدروس الخصوصية خارج المؤسسات التربوية العمومية، بل تَزايدَ حضورها وارتفعت كلفتها وتطورت أشكالها. ومن المرجّح أن صدام نقابات المدرسين مع وزير التربية الأسبق، حاتم بن سالم (2017 – 2020)، دَفعَ الوزارة إلى مزيد التصلب في مسألة منع الدروس الخصوصية خارج المؤسسات العمومية، ففي 5 أفريل 2019 تمَّ تنقيح الفصل 13 من الأمر الحكومي 1619 / 2016 ليُوكلَ إلى المتفقدين الإداريين والماليين بوزارة التربية، بناءً على أذون، مهام التفقد وإجراء عمليات المراقبة الميدانية وتحرير التقارير المتعلقة بمخالفة أحكام الفصل 7. كما وَجّهَت الوزارة في 23 جويلية 2019 مذكرة إلى المندوبيات الجهوية للتربية والتعليم تطلب فيها التوقف عن منح معلمي وأساتذة المؤسسات العمومية تراخيص التدريس بالمؤسسات التربوية الخاصة ابتداء من السنة الدراسية 2019 / 2020.
لم تُغيّر هذه الأوامر والتنقيحات والمذكرات شيئا في واقع المؤسسات التربوية العمومية والخاصة، ولم تحد من تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية خارج المؤسسات العمومية. وسبق لوزارة التربية أن نشرَت في السنوات الفائتة بلاغات مشابهة للبلاغ الأخير، لكنها لم تُأخَذ على محمل الجدّ. لكن ما أثارَ قلق عدد من المدرسين، وحتى أولياء التلاميذ المتشبثين بالدروس الخصوصية، أن السياق العام الراهن في تونس يتميز باستسهال الإيقافات والمحاكمات والعقوبات، و”مشهدية” حملات “التطهير” الرسمية التي تترافق عادة مع حملات تحريض وسَحل إلكترونية.
ماذا يقول الواقع؟
الدّروس الخصوصية خارج المؤسسات التربوية العمومية ليست بالأمر الطارئ في المشهد التربوي التونسي. تَحرّكَ المُشرّع في أواخر ثمانينيات القرن الفائت لتَقنينيها، ممّا يعني أن ظهور هذه “المكملات” التربوية سابق لأمر 1988 بسنوات. نتحدث عن ظاهرة يتجاوز عمرها الـ40 عاما، تطوّرَت عبر السنوات حتى أصبحت بندًا شبه ثابت في ميزانية العائلة التونسية وجداول أوقات أبنائِها المتمدرسين. تصدر من حين إلى آخر أرقام عن منظمات تُعنى بالتعليم أو الدفاع عن حقوق المستهلكين تقدّر حجم “سوق” الدروس الخصوصية في تونس بمليارات الدينارات، لكن دون تقديم منهجية احتساب مُقنِعة في أغلب الحالات. ومهما كانت جدية الدراسات وموضوعية الأرقام فهي تبقى تقديرية، فنحن لا نتحدّث عن سلع مادية ولا تحويلات مالية تترك أثرًا. وكثيرا ما تُستعمل هذه التقديرات والأرقام في سياق التحريض على المدرسين وتصويرهم ك”مصاصي دماء” يُثقلون كاهل العائلة التونسية بنفقات شهرية إضافية مرهقة، ويبتزّون التلاميذ الذين لا يتلقون حصصا خصوصية ويعاقبونهم بسوء المعاملة في القسم وتدني الدرجات في التقييمات والامتحانات. هذه هي الصورة النمطية السائدة تقريبا، لكن هناك في الفقرة الأخيرة من بلاغ 12 نوفمبر الفائت اعتراف “خجول” من الوزارة بأن الأمور أكثر تعقيدا من الصورة النمطية الرائجة، فقد نبّهت “كافة الأولياء إلى مخاطر الانخراط في هذه الظاهرة بدفع أبنائهم إلى تلقي دروس خصوصية خارج فضاءات المؤسسات التربوية العمومية”. هناك إذن أولياء يرغبون في تلقي أبنائهم دروسا خصوصية، ومدرّسون مستعدون أو يسعون إلى تقديمها، وحتى لا نسقط في نقاش أسبقية البيضة أم الدجاجة، فلنتفق أن هناك “عرض” و”طلب”، وبالتالي هناك “سوق”. كيف خُلِقَت الحاجة إلى هذه السوق؟
من الصعب تأريخ مسار ازدهار الدروس الخصوصية في تونس بدقة، لكنه بكل تأكيد مرتبط بالتحولات السياسية والاجتماعية-الاقتصادية التي عاشتها تونس مع وصول الجنرال بن علي إلى الحكم في 1987. فضلا عن تقنين الدروس الخصوصية في 1988، صدر في 22 جوان 1992 الأمر عدد 1184 المتعلق بضبط نظام المعاهد النموذجية بالتعليم الثانوي، والأمر عدد 1187 المتعلق بضبط شروط الترخيص في إحداث مؤسسات تربوية خاصة. بعد سنوات قليلة من توليه رئاسة البلاد، وضَعَ بن علي ووزراء التربية في حكوماته أُسُس ضرب التعليم العمومي المجاني والموحّد، وخَلق تعليم بسرعات ومستويات مختلفة.
إلى حدود أواخر التسعينيات كانت الدروس الخصوصية موجّهة بالأساس للتّلاميذ الذين يُعانون من ضعف استيعاب لبعض المواد، بخاصة في مرحلة التعليم الثانوي، أو كَتَدعيم معارف التلاميذ الذين يستعدّون لاجتياز امتحانات مفصلية مثل مناظرات ختم التعليم الابتدائي “السيزيام” ومُناظرة ختم التعليم الأساسي “النوفيام” ومناظرة ختم التعليم الثانوي “الباكالوريا”. ويبدو أن الأمور أخذت منحًى تصاعديا من حيث مدى انتشار الظاهرة وتَكلفتها منذ مطلع الألفية الثالثة، وذلك لأسباب منطقية يمكن تعدادها. بداية عشرية 2000 تميّزت بانفجار أزمة بطالة حاملي الشهادات الجامعية بعد أن كان الحصول على شغل شبه مضمون آليا للمتخرجين. نتيجة لهذا الوضع صارت بعض الشعب التعليمية في الثانوي يُنظَر لها كبوابة نحو اختصاصات جامعية تُنتج دفعات من العاطلين عن العمل (آداب، علوم انسانية واجتماعية، اقتصاد وتصرف، الخ) في حين أن شُعبًا أخرى كالرياضيات والتقنية والعلوم التجريبية والإعلامية تُوفر آفاقا أفضل في الجامعة ثم في سوق الشغل. هذا الوضع الجديد سيَخلق تنافسا كبيرا بين التلاميذ لضمان مقعد في المعاهد النموذجية والشعب التي تَضمن حظوظا أكثر في سوق الشغل، وحتى التلاميذ المتوسطون ثم المتفوقون صاروا يقبلون على الدروس الخصوصية، إذ أن كل نقطة إضافية في المجموع العام قد تَخلق فارقا في الترتيب والتوجيه.
لم تفعَل الدولة شيئا تقريبا لوقف هذا التيار، بل زادت في سرعته بجملة من السياسات والقرارات. في 2 جانفي 2002 صدر أمر حكومي يقضي بتعديل طريقة احتساب معدل “الباكالوريا”، حيث صار المعدل السنوي في الرابعة ثانوي يشكل 25 % من معدل المناظرة ومجموع الامتحان النهائي يشكل 75 % منها فقط، ممّا جعل الأولياء والتلاميذ يسعون بشتى الوسائل -ومنها الدروس الخصوصية- إلى ضمان أكثر ما يمكن من النقاط قبل اجتياز الامتحان النهائي. وفي 14 ماي 2008 صدر قرار حكومي بإحداث مدارس إعدادية نموذجية ليحتدّ التنافس أكثر فأكثر. كما انتهجت وزارة التربية، منذ سنة 2006 بالنسبة للتعليم الابتدائي و2008 بالنسبة للتعليم الثانوي، سياسة التعويل على المُعوّضين لسد الشغورات المؤقتة والطويلة في الإطار التدريسي بدلا من القيام بانتدابات قارة بعد التكوين الضروري. كل هذه التغيرات في المشهد التربوي ترافقت مع بداية تردي البنية التحتية التربوية في تونس نتيجة التقادم ونقص الصيانة، وتخبّط أصحاب القرار حول توجهات وغايات الإصلاح التربوي، وكذلك بداية تدهور الأوضاع الاقتصادية للطبقات الوسطى في السنوات الأخيرة من حكم زين العابدين بن علي. وكان المدرّسون من بين الفئات التي مسّتها المتغيرات الاقتصادية وأثرت على مقدرتها الشرائية ووضعها الاعتباري، وربّما سَهَّل هذا الأمر انخراط أعداد متزايدة منهم في “منظومة” الدروس الخصوصية وعرضهم لخدماتهم مع تزايد طلب الأولياء عليها.
ساءت الأمور أكثر منذ 2015، ففي شهر جوان من تلك السنة قرّرت الحكومة تمتيع كل تلاميذ الابتدائي بالارتقاء الآلي إلى المستوى الموالي نظرا لرفض المعلمين اجراء الامتحانات وإصلاحها ردّا على تصلب وزارة التربية ورفضها تلبية مطالبهم المادية والمعنوية. بعدها تتالَت الإضرابات والحركات الاحتجاجية في القطاعين الابتدائي والثانوي مثل حجب الأعداد المسندة في الامتحانات والاعتصامات في مقرات المندوبيات الجهوية للتربية، ووَصلَ الاحتقان بين الطرفين الوزاري والنقابي إلى حد غير مسبوق خاصة بعد أن تحوّل إلى مادة إعلامية شبه يومية. ومازالت قطاعات التعليم إلى اليوم الأكثر تصادما مع الطرف الحكومي الذي اختار الحل الأسهل لكسب “المعركة شعبيا”: التنصل من المسؤوليات وتصريف الاستياء العام من أوضاع التعليم العمومي باتجاه المدرسين، والحديث بمناسبة أو من دونها عن أجورهم ومِنحهم التي تستأثر بأغلب ميزانية الوزارة وغياباتهم والدروس الخصوصية. في الأثناء كانت العديد من العائلات تشعر بأنها عالقة في منتصف معركة لا تعنيها وأن أبنائها يدفعون الثمن نقصا في التكوين وتراجعا في المستوى، فسعت إلى “إنقاذهم” إما بنقلهم إلى المؤسسات التعليمية الخاصة أو من خلال الدروس الخصوصية في عدة مواد. تأزّم أوضاع البلاد اقتصاديا وسياسيا في السنوات الأخيرة وضبابية المستقبل زاد في “هوس” جزء كبير من العائلات التونسية بضرورة تفوق أبنائها مهما كان الثمن وتعزيز حظوظهم في الوصول إلى إحدى الكليات “المرموقة” أوتَسفيرهم للدراسة خارج البلاد.
ما الحل إذاً؟
الحل عند الوزارة، ويتمثل في تطبيق ما ورد في الفقرة الأولى من بلاغها الصادر في 12 نوفمبر: “الحرص على حوكمة المنظومة وحمايتها”، و”تحصين المكانة الاعتبارية للسيدات والسادة المربين”، و”ضمان العدالة والإنصاف بين جميع التلاميذ”. هكذا وبكل بساطة. لكن هذا لن يحدث بالتهديد والوعيد ولا بالنوايا الحسنة.
إصلاح المنظومة التربوية يتطلّب أولا الاتفاق على الخطوط العريضة لمستقبل التعليم في تونس في إطار مقاربة تشاركية لا تُقصي أحدا من الفاعلين في القطاع والمعنيين به، وضخ تمويلات ضخمة لصيانة البنى التحتية وتجديدها وزيادة عددها وتجهيز المؤسسات التربوية العمومية بالأدوات البيداغوجية المتطورة، وتوفير ما يكفي من الموارد البشرية الكفؤة من مدرسين وإداريين وتقنيين مستشارين ومتفقّدين وأخصائيين اجتماعيين ونفسانيين. وتحصين المدرسين يكون بضمان أجور محترمة تحفظ كرامتهم، ومِنَح تُحفزهم، وتكوين مستمر يُطوّر مهاراتهم ومعارفهم، وحمايتهم من العنف داخل المؤسسة التربوية، وتوفير قاعات درس لائقة، وتخفيف الاكتظاظ في الأقسام وملائمة طول البرامج التعليمية وعدد التقييمات مع الامتداد الفعلي للسنة الدراسية والاحتياجات الحقيقية لتلاميذ يَدرسون في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين. لا يمكن لمنحة إنتاج تقدر بـ40 دينارا (13 دولارا) كل ثلاثة أشهر أن تكون مُحفّزة للمدرسين، وكذلك التأخر لمدة أشهر في صرف المستحقات عن ساعات العمل الإضافية والإشراف على النوادي المدرسية. وبالطبع لن تؤدي الشيطنة المستمرة للمدرسين وحَشرِهم في موقع صدام مع أولياء أمور التلاميذ إلى تحسن الأمور داخل القسم. أما العدل بين التلاميذ فلن يتحقق في ظل التعليم متفاوت السرعات والجودة القائم في تونس حاليا، ونحن لا نتحدث هنا عن المساواة التامة التي تظل ضربا من الخيال في ظل التفاوت الطبقي والفوارق التنموية بين مختلف جهات البلاد.
باختصار، الحل لظاهرة الدروس الخصوصية هو توفير تعليم عمومي مجاني وعصري ذو جودة لكل التونسيين في مؤسسات تربوية جذابة للتلاميذ تُنمّي عقولهم ومهاراتهم وتحفظ كرامتهم وحرمتهم الجسدية، وتحت إشراف مهنيين يتمتعون بالكفاءة اللازمة ويتلقون أجورا مُحفّزة. ومع كل هذا يجب أن تعيد الدولة أيضا الثقة والأمل للتونسيين في إمكانية تمتّع كل المتمدرسين حتى ذوي المستويات “الضعيفة” و”المتوسطة” بفرصة الولوج إلى سوق الشغل في بلادهم والحصول على وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم وتُحقّق ذواتهم. عندما يتحقق كل هذا ستختفي الدروس الخصوصية والمؤسسات التربوية الخاصة أو ستنحسر إلى الهامش وتبقى مجرد خيار لأقلية من التلاميذ.
في انتظار حدوث كل هذا فسيكون من الأنسَب التوصل إلى حلول وسط بالنسبة لمسألة الدروس الخصوصية وتقنينها ووضع شروط صارمة من حيث عدد الساعات والتلاميذ والأماكن المخصصة لها، مع فرض مراقبة على المراكز الخاصة والمدرسين العاملين فيها. وفي كل الأحوال، حتى وإن استمر المنع الرسمي فإن الدروس الخصوصية ستتواصل بطريقة أو بأخرى (بما في ذلك عبر منصات التعلم عن بعد) مادامت أسبابها العميقة قائمة، وربما تُصبح أعلى تكلفة -بسبب التضييقات- وفقا لقواعد العرض والطلب والوَفرة والندرة.