ما حُسم فقط أنّ لا تمديد لرياض سلامة ولا تعيين لبديل له. وعلى الأرجح، فإنّ استقالة نواب الحاكم قد طويتْ نتيجة المفاوضات الماراتونية بينهم وبين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إلّا إذا تعثّر الاتفاق قبل الاثنين. فهذه المفاوضات لم تُسفر بعد عن أيّ اتفاق نهائي على كيفية التعامل مع المرحلة المُقبلة، لا سيّما لناحية طلبهم تغطية قانونية للصرف من الاحتياطي، من خلال إقرار مجلس النوّاب لقانون يسمح للحكومة باقتراض 1200 مليون دولار من الاحتياطي الإلزامي لمدة 6 أشهر (200 مليون دولار شهريًا)، حيث يُفترض أن تستعمل هذه الأموال لدعم رواتب موظفي القطاع العام ودعم الدواء مع استخدام جزء لضبط سعر الصرف ومنع أيّ انهيار نقديّ إضافيّ ينتج عن إلغاء منصّة “صيرفة”.
مع تسليم ميقاتي بهذا الشرط وتخلّي النوّاب الأربعة عن كلّ المطالب المُتعلّقة بإقرار القوانين الإصلاحية، التي تبيّن أنّها لم تكن جدية أصلًا، بقيتْ عقبة وحيدة تتمثّل في السعي إلى ضمان موافقة مجلس النوّاب على توقيع عقد الاقتراض بين الحكومة والمصرف المركزي، أو السّعي إلى إيجاد فتوى تسمح بتخطّي موافقة المجلس، اعتمادًا على الاستثناءات التي يتضمّنها قانون النقد والتسليف لمبدأ عدم منح المصرف المركزي قروضًا للقطاع العام المحدد في المادة 90. إذ تنص المادة 91 على أنّه “في ظروف استثنائية الخطورة أو في حالات الضرورة القصوى، إذا ما ارتأت الحكومة الاقتراض من المصرف المركزي، تحيط حاكم المصرف علمًا بذلك”. لكن هذا الاستثناء مشروط بدرس المصرف مع الحكومة “إمكانية استبدال مساعدته بوسائل أخرى، كإصدار قرض داخلي أو عقد قرض خارجي أو إجراء توافرت في بعض بنود النفقات الأخرى أو إيجاد موارد ضرائب جديدة…”. وتضيف المادة نفسها: “فقط في الحالة التي يثبت فيها أنّه لا يوجد أيّ حلّ آخر، وإذا ما أصرّت الحكومة، رغم ذلك، على طلبها، يمكن للمصرف المركزي أن يمنح القرض المطلوب، على أن يقترح المصرف على الحكومة، إن لزم الأمر، التدابير التي من شأنها الحدّ مما قد يكون لقرضه من عواقب اقتصادية سيّئة وخاصة الحدّ من تأثيره، في الوضع الذي أعطي فيه، على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية”.
هذه الشروط دفعت الحكومة إلى طلب استشارة مجلس شورى الدولة، في 24 تموز الحالي، بشأن إمكانية السير بتوقيع عقد استقراض مع المصرف المركزي اعتمادًا على المادة 91 من قانون النقد والتسليف. بعد يوم واحد، صدر رأي الغرفة الإدارية في “الشورى” برئاسة القاضي فادي الياس وعضوية المستشارين كارل عيراني ولمى أزرافيل، وخلص إلى أنّ تفسيره للمادة 91 لا يسمح بإبرام العقد المعروض عليه. وجاء في تعليله أنّ طرفيْ العقد لم يثْبتا عدم وجود أيّ حلّ آخر غير الاستقراض. ولمّا أشارت الحكومة إلى أنّ القرض سيغطّى من التوظيفات الإلزامية، فقد رأى “الشورى” أنّ المصرف لم يثبت التزامه بالمادة 69 من القانون نفسه التي تشير إلى أنّ عليه أن يبقي 30% على الأقل من موجوداته من الذهب والعملات الأجنبية بما يضمن سلامة تغطية النقد اللبناني. أي لم يثبت أنه لن يتم المساس بهذه النسبة لتغطية القرض.
تجدر الإشارة إلى أنّ مسألة قوننة استعمال الاحتياطي كانت طرحت في آذار 2022. فقد تداول مجلس الوزراء حينها بعقد استقراض نموذجي منوي اعتماده بين المصرف المركزي والحكومة. وعرضت رئاسة الحكومة العقد على هيئة الاستشارات والتشريع، التي أعادت التذكير بنص المادة 91 التي تسمح للمصرف برفض إقراض الحكومة إذا تبيّن له أنّ الظروف المدلى بها لا تبرّر طلب القرض.
وأوضحت الاستشارة الموقّعة في 5/4/2022 من القاضي محمد فواز ومن رئيسة الهيئة القاضية جويل فواز، أنّه بحسب المادة 95 من قانون النقد والتسليف لا بدّ، في مراحل التفاوض بين الحكومة والمجلس، من إبراز المستندات والدراسات والتقارير التي تبيّن الأسباب الموجبة لعقد الاستقراض وإحالتها مع نتيجة المفاوضات إلى مجلس النوّاب. ولأنّ هذا الشرط موضوعي وليس شكليًا ومن شأن عدم احترامه أن يحجب موافقة مجلس النواب، ولأنّ القرض سيُسدّد من الخزينة، ولأنه سيتم استعمال التوظيفات الإلزامية للمصارف في عقد الاقتراض خلافًا للهدف من إنشائه، لا يمكن الاقتراض من دون الحصول على إجازة مجلس النوّاب.
وعليه، فإن مجلس النوّاب هو الجهة الصالحة للموافقة على اقتراض الحكومة من المصرف المركزي. لكن بسبب الظروف الراهنة وفي ظل مقاطعة عدد من الكتل للتشريع، لا تزال المفاوضات مستمرّة لتأمين نصاب الجلسة التشريعية. ولكي يضمن الموافقة على مبدأ عقد الجلسة، اقترح ميقاتي تخفيض مبلغ القرض من 1200 مليون دولار على فترة 6 أشهر إلى 400 مليون دولار على فترة 4 أشهر. وفي حال فشلت مساعي عقد جلسة تشريعية، فإنّ رئاسة الحكومة تدرس إمكانية الالتفاف على رأي “الشورى” من خلال الاقتراض بالليرة على أن يتمّ تحويل المبلغ إلى الدولار في السوق السوداء عن طريق مصرف لبنان نفسه. وإلى أن يتمّ الاتفاق على المخرج الذي يضمن الحصول على الأموال المطلوبة، تشير المعلومات إلى أنّ ميقاتي أقنع سلامة بتأمين حاجات القطاع العام من الدولارات لشهر آب قبل رحيله.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.