الحقّ في إجراءات قضائية عادلة


2024-06-06    |   

الحقّ في إجراءات قضائية عادلة

في تقريرها الدوري للبنان في العام 2018، أعربت اللجنة المعنيّة بحقوق الإنسان عن قلقها إزاء عدم توافر ضمانات المحاكمة العادلة أمام القضاء العسكري في لبنان وتحديدًا في ما يتعلّق بـ”الادّعاءات بانتهاك ضمانات المحاكمة العادلة والضمانات القانونية الأساسية، بما في ذلك الاستجواب من دون حضور محامٍ والتعذيب والاعترافات القسرية، بما فيها تلك المأخوذة من الأطفال، والعقوبات التعسُّفية ومحدودية الحقّ في الطعن في قرارات المحكمة العسكرية”[1]. وفقًا للقانون اللبناني، تخضع أصول المحاكمات أمام القضاء العسكري لقانون أصول المحاكمات الجزائية باستثناء النصوص المخالفة الواردة في قانون القضاء العسكري[2]. وعليه، سنبحث في مدى توافر ضمانات المحاكمة العادلة بالمعنى الضيّق المتعلّق بالإجراءات القضائية المتبّعة أمام القضاء العسكري، وذلك من أربع زوايا حيث تختلف عن الأصول المتّبعة أمام المحاكم العادية، وهي: الحقّ في المحاكمة العلنية (1)، وحقوق الدفاع (2)، والحقّ في التقاضي على درجتَين (3) والحقّ في قرار قضائي مُعلَّل (4).

3.1- الحقّ في محاكمة علنية

يشمل الحقّ في علنية المحاكمة أن تجري جلساتها بشكل مفتوح أمام الجمهور العام والإعلام لضمان نزاهة الإجراءات وشفافيتها، كما وإصدار الأحكام وإفهامها بشكل علني. ويجب على المحاكم إطلاع الجمهور على زمان الجلسات الشفهية ومكانها، وتوفير مرافق ملائمة، في حدود معقولة، لمن يرغب منهم في الحضور.  وتجيز الفقرة الأولى من المادّة 14 من العهد الدولي “منع الصحافة والجمهور من حضور المحاكمة كلّها أو بعضها لدواعي الآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي، أو لمقتضيات حرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى، أو في أدنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخلّ بمصلحة العدالة”. وفي الحالات التي تُعقد الجلسات بصورة سرِّية، تبقى المحاكم مُلزَمة بإصدار الأحكام بصورة علنية وبالإعلان عن نتائجها وعن الأدلّة والأسباب القانونية التي استندت إليها، “إلّا إذا كان الأمر يتّصل بأحداث تقتضي مصلحتهم خلاف ذلك أو كانت الدعوى تتناول خلافات بين زوجَين أو تتعلّق بالوصاية على أطفال”[3]. وفي هذا الصدد، تؤكّد “مبادئ ديكو” أنّه، كما هي الحال في القانون العام، يجب أن تكون علنية جلسات المحاكمات العسكرية هي القاعدة، وأن تكون الجلسات السرِّية هي الاستثناء، وألّا يُسمح بها إلّا بقرار مُحدَّد ومُعلَّل وخاضع للرقابة القضائية (المبدأ 14).

يضمن قانون القضاء العسكري علنية الجلسات على اختلاف درجات المحاكمة أمام القضاء العسكري، ويسمح للمحاكم بأن تقرّر عقد جلسات سرِّية وفقًا لأحكام القانون العادي، أي بهدف المحافظة على النظام العام أو الأمن أو الأخلاق العامة أو حماية الأحداث، على أن تصدر الأحكام علنًا[4]. لكنّ القانون يسمح أيضًا للمحكمة العسكرية بأن تحظر نشر وقائع الجلسات أو ملخّصٍ عنها إذا رأت موجبًا لذلك، من دون وضع ضوابط واضحة لإمكانية إصدار هذا الحظر[5].

بالرغم من أنّ هذه النصوص تضمن علنية الجلسات أمام القضاء العسكري نظريًّا، إلّا أنّ وجود المحاكم العسكرية داخل ثكنات عسكرية يؤدّي عمليًّا إلى منع وصول الجمهور إلى قاعات المحاكم إلّا بإذن من رئيس المحكمة. وفي حين تسمح الإجراءات الأمنية التي تتّبعها حاليًّا المحكمة العسكرية في بيروت بدخول المحامين والصحافيين بمجرّد إبراز بطاقتهم المهنية، يبقى دخول الضحايا وذويهم والمراقبين من المنظّمات الحقوقية إلى حرم المحكمة خاضعًا لموافقة رئيس المحكمة المُسبَقة.

يُشار إلى أنّ المحكمة العسكرية كانت تتّجه في قضيّة محاكمة عناصر مديرية أمن الدولة المُتّهَمين بالتعذيب الذي أفضى إلى موت اللاجئ السوري بشّار السعود، إلى عقد الجلسات بصورة سرِّية لأسباب لم يُعلَن عنها؛ غير أنّ رئيس المحكمة العسكرية (روجيه الحلو)، بدّل هذا التوجُّه بحيث أعلن في بداية جلسة المحاكمة الأولى في كانون الأوّل 2022 أنّها ستجري بصورة علنية، معلّلًا تراجعه باعتبارها قضيّة حقوق إنسان تهمّ الرأي العام، لا سيّما في ظلّ حضور مراقبين من منظّمات حقوقية وكذلك الصحافة[6]. ولا بدّ في هذا السياق من الإشارة إلى أنّ هذه المحاكمة تُعَدُّ المحاكمة العلنية الأولى لمُتّهَمين بالتعذيب منذ صدور القانون في العام 2017.

3.2- الحقّ في الدفاع    

يشكّل الحقّ في الدفاع أحد أبرز شروط المحاكمة العادلة، وهو يضمن مجموعة من الحقوق، أبرزها حقّ المتّهَم في أن يدافع عن نفسه أو أن يختار محاميًا ليتولّى الدفاع، و”أن تزوّده المحكمة حكمًا، كلّما كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك، بمحامٍ يدافع عنه، من دون تحميله أجرًا على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر”، بالإضافة إلى الحقّ في أن يُعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتّصال بمحامٍ يختاره بنفسه (الفقرة 3 من المادّة 14 من العهد الدولي). وبمراجعة قانون القضاء العسكري والممارسات الحالية، يتبيّن أنّ حقّ الدفاع يشهد تجاوزًا على أكثر من صعيد.

المحامون العسكريون: غياب معايير الاستقلالية والمهنية

ينصّ القانون على إلزامية أن يتمثّل المدّعى عليه أمام المحكمة العسكرية بمحامٍ. وفي حال لم يختَر محاميًا للدفاع عنه أو تعذّر على محاميه الدفاع عنه، يجيز القانون لرئيس المحكمة أن يعيّن له محاميًا من الضبّاط مع تفضيل الضبّاط المجازين في الحقوق من دون اشتراط ذلك. ويُعيّن هؤلاء الضبّاط بموجب قرار من وزير الدفاع بناءً على اقتراح السلطة العسكرية العليا في بدء كلّ سنة، ويمكن تعديل هذا القرار في أيّ وقت كان من السنة[7].

وعليه، تظهر خطورة هذه النصوص على حقوق الدفاع نظرًا إلى عدم استقلال الضبّاط المحامين عن السلطة العسكرية، وإلى عدم تمرّسهم بالشؤون القانونية والقضائية، وبخاصّةٍ أنّ الإجازة في الحقوق ليست سوى شرط تفضيلي وغير إلزامي. وفي هذا الصدد، تنصّ مبادئ الأمم المتّحدة الأساسية بشأن دور المحامين على أنّ للأشخاص الذين ليس لهم محامون أو موارد كافية لتوكيل محامين الحقَّ في أن يُعيَّن لهم محامون ذوو خبرة وكفاءة تتّفق مع طبيعة الجريمة التي اتُّهموا بها، ليقدّموا إليهم مساعدة قانونية فعّالة[8].

كما أشارت “مبادئ ديكو” (المبدأ 15) إلى الاعتراضات على قيام محامين عسكريين بتقديم المساعدة القانونية، بخاصّةٍ عندما تعيّنهم المحكمة العسكرية، لاعتبارها ممارسة لا تتوافق مع حقوق الدفاع، ورأت أنّ مجرّد حضور محامين عسكريين يضرّ بمصداقية هذه المحاكم على ضوء “نظريّة المظهر”. وعليه، شدّدت المبادئ على أنّ احترام حقوق الدفاع أمام المحاكم العسكرية يتطلّب شرطَين، هما: أوّلًا، ضمان مبدأ حرِّية المتَّهم في اختيار محامٍ يمثّله، وهو شرط متوافر أمام القضاء العسكري في لبنان، وثانيًا، ضمان تمتُّع المحامي العسكري بالاستقلال المطلق، وهو شرط غير متوافر في لبنان.

ورغم أنّ القانون لا يميّز بين قضايا الجنايات والجنح، إلّا أنّ الممارسةالحاليّة تقتصر على تعيين المحامين العسكريين للدفاع عن المدّعى عليهم في القضايا الجنحية فقط، فيما يتمّ تكليف محامٍ مدنيٍ في القضايا الجنائية نظرًا لخطورتها.[9] وقد أظهر رصد “المفكّرة” جلساتِ المحاكمة أمام المحكمة العسكرية في بيروت أنّه غالبًا ما يتمّ تكليف “محامٍ عسكري”، وهو من الضبّاط، للدفاع عن المدَّعى عليهم في القضايا الجنحيّة في حال لم يحضر محامٍ من اختياره. وفي بعض الحالات التي لا يحضر فيها المحامي الذي يختاره المدَّعى عليه، يصرّ رؤساء المحكمة على المدَّعى عليه للقبول بالمحامي العسكري تجنُّبًا لتأجيل الجلسة لحضور محاميه، بخاصّة في حال تعدُّد المدَّعى عليهم واكتمال الخصومة على نحوٍ يسمح ببدء المحاكمة.

وبمراقبة أداء المحامين العسكريين، يظهر أنّ تكليفهم غالبًا ما يتّخذ طابعًا شكليًّا، بحيث يكتفي هؤلاء بحصر دفاعهم بطلب الأسباب التخفيفية للمكلَّفين بالدفاع عنهم بغضّ النظر عن مدى توافر أدلّة على ارتكابهم جرمًا ما. هذا عدا عن أنّه لوحِظ عدم وجود أيّ معرفة سابقة بينهم وبين المدَّعى عليهم، وعدم تواصلهم معهم أو اطّلاعهم على الملفّات مسبقًا، وهو ما يُفرغ عمليًّا حقّ الدفاع من مضمونه.

وقد ظهرت شوائب الاستعانة بمحامٍ عسكري خلال مراقبة “المفكّرة” جلساتٍ عقدتها المحكمة العسكرية في بيروت في تشرين الثاني 2020، حيث اضطرّ رئيس المحكمة آنذاك (منير شحادة) إلى التدخُّل لإزاحة المحامي العسكري بعد أن اتّخذ هذا الأخير موقفًا مشكِّكًا في أقوال المدَّعى عليه الذي كُلّف بالدفاع عنه في قضيّة محاولة رَشْوِ عنصر أمني. وقد بدأ الرئيس بالطلب من المحامي العسكري أن يؤدّي دور محامي الدفاع وليس المحقّق، لكنّ المحامي العسكري أصرّ على تكرار سؤاله الموجَّه إلى المدَّعى عليه، عندئذٍ طلب منه الرئيس أن يتنحّى ضمانًا للمحاكمة العادلة، وكلّف محاميًا عسكريًّا آخر لمتابعة الجلسة[10].

انتهاك لاستقلالية المحامين

تسمح المادّة 59 من قانون القضاء العسكري لرئيس المحكمة بـ”منع المحامي من دخول المحكمة العسكرية لمدّة أقصاها ثلاثة أشهر إذا ارتكب خطأً مسلكيًّا جسيمًا قبل المحاكمة أو في أثناء الجلسات”[11]. وتشكّل هذه الصلاحية خطرًا جسيمًا على حقوق الدفاع واستقلالية المحامين والحصانات المنوطة بمهنة المحاماة. فهي تمنح رئيس المحكمة سلطةً تأديبيةً خلافًا لمبدأ حصر صلاحية تأديب المحامين في المجالس التأديبية المُنشأة داخل نقابتهم تحت إشراف محاكم الاستئناف. هذا فضلًا عن أنّ المحامين لا يُسألون عمّا يصدر عنهم من مرافعات سندًا لحقّ الدفاع المقدّس.[12] وقد نصّت المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين على أنّ الإجراءات التأديبية بحقّ المحامين يجب أن تقرَّر وفقًا لمدوّنات السلوك المهنية وآداب المهنة التي تتوافق مع الأعراف المهنية والمعايير والقواعد الدولية، كما منعت المحاكم والسلطات الإدارية “أن ترفض الاعتراف بحقّ أيّ محامٍ في المثول أمامها نيابة عن موكِّله، ما لم يكن هذا المحامي قد فقد أهليّته طبقًا للقوانين والممارسات الوظيفية”[13]. وعليه، يشكّل هذا النصّ القانوني سيفًا مُصلتًا على المحامين ومسًّا بحقوق الدفاع ومبدأ استقلالية المحامي.

وقد استُخدِم هذا النصّ في أيلول 2022 بحقّ إحدى المحاميات بحيث أصدر رئيس المحكمة العسكرية آنذاك (علي الحاج) قرارًا بمنعها من الدخول إلى حرم المحكمة لمدّة ثلاثة أشهر، على خلفية نقاش جرى بينها وبين القضاة على قوس المحكمة دفاعًا عن موكِّلها الموقوف ومطالبتها بالبتّ في طلبه بوقف المحاكمة ضدّه كونه محكومًا سابقًا في القضيّة نفسها. وفي اليوم التالي للجلسة، أعلمها أحد العناصر العسكرية شفهيًّا بوجود قرار المنع بحقّها من دون أن يتمّ إبلاغها به خطيًّا أو منحها صورةً عنه، في مخالفة واضحة لحقوقها في الدفاع. بالإضافة إلى ذلك، لم يتضمّن قرار المنع أيّ تعليل لأسبابه في حين أنّ المحامية اعتبرت أنّ النقاش الذي جرى بينها وبين القضاة لم يتجاوز حدود الدفاع عن موكّلها ولم يتضمّن أيّ إساءة للمحكمة لكي يُعدّ خطأً جسيمًا يستوجب منعها من ممارسة عملها، وأعابت على المحكمة عدم منحها الفرصة للدفاع عن نفسها وعدم التناسب ما بين خطورة أفعالها والعقوبة التي فرضتها المحكمة بحقّها[14].

بالإضافة إلى ذلك، تجاوز رئيس المحكمة النصّ القانوني في هذه الحالة حيث إنّه لم يمنع المحامية من حضور جلسات المحكمة العسكرية فحسب، بل منعها من دخول كامل “حرم” المحكمة الذي يضمّ دوائر مختلفة للقضاء العسكري، ما أدّى عمليًّا إلى منع المحامية من حضور جلسات موكّليها ومن متابعة ملفّاتهم أمام النيابة العامة العسكرية وقضاة التحقيق ومحكمة التمييز العسكرية أيضًا، ممّا قد يؤدّي في حالات عدّة إلى عزل وكالتها عنهم. وقد عكس ذلك مقاربة لمقرّ المحكمة العسكرية على أنّه مقرّ خاص لا يدخله إلّا من يُجاز لهم بذلك بإرادة صاحب المكان، بدلًا من مقاربته كمرفق عام، ممّا شكّل تعدّيًا غير مبرَّر على حرِّية الولوج إلى الأماكن العامة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ مجلس شورى الدولة كان قد أبطل في العام 2014 قرارًا صادرًا عن المديرية العامة للأمن العام بمنع أحد المحامين من الولوج إلى مراكزها للدفاع عن موكّليه الأجانب المحتجَزين فيها، وألزم الدولة بأن تسدّد للمحامي تعويضًا لما لحق به من أضرار مادِّية ومعنوية استنادًا إلى مبادئ استقلالية المحامي والمحاكمة العادلة.[15]

أيّ تسهيلات لإعداد الدفاع؟

ينصّ القانون على وجوب تبليغ المدّعى عليه بقرار الاتّهام (في حال الجناية) وبموادّ الادّعاء (في حال الجنحة) وبأسماء شهود الحقّ العام قبل ثلاثة أيّام على الأقلّ من انعقاد جلسة المحاكمة[16]، وعلى منح المحامي مهلة 24 ساعة على الأقلّ قبل موعد الجلسة للاطّلاع على ملفّ الدعوى، وهي بالطبع مهل غير كافية لتحضير الدفاع المناسب وفقًا للمعايير الدولية.

بالإضافة إلى ذلك، يسمح القانون للمحامي بأن يأخذ صورة عن جميع أوراق الملفّ باستثناء ما له منها طابع سرّي حيث ينحصر حقّه في الاطّلاع عليها بحضور رئيس المحكمة أو من ينتدبه من القضاة[17]. ولا يوضح القانون الجهة التي تصنّف الأوراق سرِّيةً أو المعايير والإجراءات المتّبعة لذلك، ممّا قد يفتح المجال أمام الاستنسابية في حرمان فريق الدفاع من الحصول على كامل الأدّلة في الملفّ خلافًا لمبدأ تكافؤ الفرص بين الادّعاء والدفاع والمساواة في الأسلحة بينهما. وفي هذا الصدد، تشير “مبادئ ديكو” إلى أنّ التذرُّع بسرِّية المعلومات العسكرية يجب أن يحصل “تحت إشراف هيئات رصد مستقلّة، متى كان هناك ضرورة قصوى لحماية معلومات تتعلّق بالدفاع الوطني”، كما منعت التذرّع بها في عدد من الحالات (المبدأ 10).

وفي الممارسة، يفيد المحامون الذين قابلتهم “المفكّرة” بأنّهم يتمكّنون حاليًّا من الاستحصال على نسخ من الملفّات القضائية ومن الاطّلاع على المستندات السرِّية قبل مواعيد الجلسات بأكثر من 24 ساعة. وتكمن الصعوبة الأساسية في هذا المجال في معرفة فريق الدفاع بوجود هذه المستندات السرِّية، إذ لا يُسمح لهم بالاطّلاع على الملفّ كاملًا لمعرفة ما يتضمّنه، كما لا يتمّ تسليمهم لائحة بمحتويات الملفّ أو بمحاضر الإجراءات المتّبعة أمام قاضي التحقيق. وفي حين يفيد المحامون بأنّ المحكمة العسكرية نادرًا ما ترفض طلبات الحصول على أدلّة إضافية مثل داتا الاتّصالات وحركة التنقّل لموكّليهم داخل لبنان وخارجه، أفاد بعضهم بأنّهم غالبًا ما يصطدمون برفض المحكمة طلبات توضيح آليّات عمل الأجهزة العسكرية والأمنية أو التعليمات التي تنظّم عملهم بحجّة عدم وجوب التصريح عنها، ممّا يُصعّب عمل المحامين لإثبات وجود المخالفات في هذا الإطار.

من جهة أخرى، أفاد بعض المحامين بأنّ الظروف العملية للمحاكمات في القضاء العسكري لا تقدّم التسهيلات اللازمة لتمكينهم من الدفاع عن موكّليهم بشكل جيّد، وبأنّهم يشعرون بأنّ نوعية خدماتهم أمام المحكمة العسكرية قد تكون أحيانًا أقلّ جودة ممّا قد يقدّمونه أمام المحاكم العادية. ومن أسباب ذلك، عدم حيازتهم، داخل حرم المحكمة، هواتفهم الخاصّة التي أصبحت أداة عمل وتواصل أساسية، وعدم تمكّنهم من التواصل مع موكّليهم داخل حرم المحكمة وخلال الجلسات، وصعوبة مناقشة المسائل القانونية مع القضاة غير المدنيين. كذلك أفاد بعض المحامين بأنّهم يضطرّون أحيانًا إلى تجنُّب اللجوء إلى بعض وسائل الدفاع، مثل تقديم الدفوع الشكلية أو طلب الشهود أو الاستمهال لتحضير المرافعة بعد الاستجواب، خوفًا من إطالة مدّة توقيف موكّليهم أو من تكرار جلبهم إلى المحكمة حيث يتمّ احتجازهم عند كلّ جلسة لعدّة ساعات، خلافًا لما هي الحال أمام القضاء العادي. وفي القضايا الجنحيّة، غالبًا ما تحصل المحاكمات بأكملها خلال جلسة وحيدة تجري خلالها جميع الاستجوابات والمرافعات، ويصدر الحكم في اليوم نفسه.

بالإضافة إلى ذلك، أشار المحامون إلى ممارسة شائعة في إدارة الجلسات أمام المحكمة العسكرية حيث لا يتلو رئيس المحكمة محضر الجلسة على الكاتب، بل يقوم الكاتب بتدوين وقائع الجلسة بمفرده. وتؤدّي هذه الممارسة إلى حرمان المدّعى عليهم ووكلائهم من إمكانية الاعتراض في حال حصول خطأ في التدوين أو في حال الامتناع عن تدوين مجريات معيّنة خلال استجواب المدّعى عليهم أو الشهود أو مرافعات المحامين. على سبيل المثال، خلال محاكمة خلدون جابر بتهمة معاملة قوى الأمن بالشدّة بعد أن تمّ توقيفه خلال مشاركته في تظاهرة أمام قصر رئيس الجمهورية، لم يتمّ تدوين طلبه بإبطال إفادته الأوّلية التي أدلى بها تحت التعذيب، كما لم تبتّ المحكمة في هذا الطلب بالرغم من ذكره في المرافعة الخطِّية المقدَّمة من وكيله.

انتهاكات لحقوق الدفاع خلال التحقيقات الأوّلية

لا تقتصر التجاوزات لحقوق الدفاع على مرحلة المحاكمة أمام القضاء العسكري، بل تطال أيضًا مرحلة التحقيقات الأوّلية التي تجري تحت إشراف مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية ومعاونيه. فالمادّة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تمّ تعديلها في العام 2020 تضمن حقوق الدفاع خلال مرحلة التحقيقات الأوّلية، بما فيها حقوق المشتبه فيه في إجراء اتّصال هاتفي وفي الاستعانة بمحامٍ لحضور جلسات التحقيق معه وفي طلب المعاينة الطبِّية الجسدية والنفسية. ويشكّل حسن تطبيق هذه المادّة ضمانة لردع أعمال التعذيب بحقّ المشتبه فيهم، كما تسهم في وقفها وتوثيقها.

في الواقع، يواجه المشتبه فيهم صعوبات للاستفادة من حقوقهم بموجب المادّة 47 بشكل عام أمام مختلف المراجع القضائية[18]، إلّا أنّهم يواجهون صعوبات إضافية للاستفادة منها خلال التحقيقات التي تخضع لصلاحية القضاء العسكري مقارنةً بتلك التي تخضع لصلاحية القضاء العدلي. فيظهر من توثيق “المفكّرة” ومن المقابلات مع المحامين أنّ النيابة العامة العسكرية لا تتشدّد في تطبيق المادّة 47 خلال التحقيقات التي تُشرف عليها، بخاصّة لدى مخابرات الجيش وشعبة المعلومات لدى قوى الأمن الداخلي ودائرة الأمن القومي في الأمن العام، وتتقاعس في محاسبة مخالفات هذه الأجهزة لحقوق المشتبه فيهم. ومن شأن هذا التراخي في ممارسة الرقابة القضائية أن يحصّن التعدّيات التي ترتكبها الأجهزة العسكرية والأمنية على الحقوق المدنية.

وبمراجعة قضايا التعذيب المشمولة في العيّنة، تبيّن أنّ محاضر التحقيق مع خلدون جابر وحسن شعيب خلت من أيّ إشارة إلى المادّة 47 خلافًا للقانون، في حين اكتفى محضر التحقيق مع زياد عيتاني بالإشارة إلى أنّه تمّ إعلامه عن “حقّه في توكيل محامٍ والاتّصال بأحد أقربائه أو أصدقائه ولم يبدِ رغبة بذلك”. أمّا محضر التحقيق مع بشّار السعود، فقد أشار القرار الاتّهامي الصادر بحقّ المتّهمين بتعذيبه إلى أنّه جاء خاليًا من أيّ ترويسة ولم يتضمّن إفادة السعود، ممّا يؤكّد مباشرة أمن الدولة التحقيق معه قبل إتمام الإجراءات الرسمية وتلاوة المادّة 47 عليه.

كما وثّقت “المفكّرة” امتناع النيابة العامة العسكرية عن تطبيق المادّة 47 بشكل خاص في قضايا المتظاهرين بعد اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019[19]، وخلال الاحتجاجات التي حصلت في صيدا وطرابلس في نيسان 2020[20] وكانون الثاني 2021[21]، حيث حُرم المتظاهرون الذين أوقفتهم مخابرات الجيش من الاستفادة من حقوقهم وأفادوا بتعرّضهم للعنف الجسدي والمعنوي خلال التحقيق معهم. ولعلّ أبرز مثال على ذلك هو ما جرى في قضيّة أحد المتظاهرين القاصرين، الذي أوقِفَ في نهاية كانون الثاني 2021؛ فقد عمّمت قوى الأمن الداخلي بلاغًا عن فقدانه تبعًا للإبلاغ المقدَّم من أهله بفقدان أثره منذ يومَين، ليتبيّن لاحقًا أنّه كان محتجزًا لدى مخابرات الجيش مع 24 متظاهرًا آخر، قبل أن يُنقَلوا إلى وزارة الدفاع ثمّ يُحالوا أمام قاضي التحقيق العسكري، كلّ ذلك من دون إبلاغ أهله بتوقيفه أو السماح له بالاستفادة من حقوقه[22]. وقد تقدّم محامون بعدّة إخبارات إلى النيابة العامة التمييزية طالبين منها التحقيق في جرائم الإخفاء القسري وحجز الحرِّية والتعذيب التي ارتُكِبت بحقّ المتظاهرين سندًا لقانون معاقبة التعذيب رقم 65/2017 وقانون المفقودين والمخفيين قسرًا رقم 105/2018؛ إلّا أنّ هذه الأخيرة حفظت جميع هذه الإخبارات من دون التحقيق بشأنها.

3.3 الحقّ في التقاضي على درجتَين

تنصّ الفقرة 5 من المادّة 14 من العهد الدولي على أنّ لكلّ شخص أُدينَ بجريمةٍ الحقّ في اللجوء إلى هيئة قضائية أعلى لكي تعيد النظر في حكم الإدانة وفي العقوبة الصادرة ضدّه. وأوضحت اللجنة المعنيّة بحقوق الإنسان أنّ هذا الحقّ يشمل إعادة النظر في وقائع القضيّة وأدلّتها كما في أساسها القانوني، وإمكانية اللجوء الفعّال إلى نظام الاستئناف[23]. وتشير “مبادئ ديكو” إلى أنّه يجب أن يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على الدرجة الأولى وأنّ تُقدَّم الطعون ضدّ قرارتها، بما فيها الاستئناف، أمام المحاكم المدنية (أي الجزائية) انطلاقًا من ضرورة دمج المحاكم العسكرية في النظام القضائي العام (المبدأ 17).

وبمراجعة قانون القضاء العسكري، يتبيّن أنّ المدّعى عليه أو المتّهم لا يتمتّع بالحقّ في إعادة النظر في الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية. ففيما يُمكنه استئناف الأحكام الصادرة عن القضاة المنفردين العسكريين بالجنح البسيطة ضمن شروط معيّنة[24]، لا يتيح له القانون إمكانية استئناف الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية في القضايا الجنحيّة والجنائية. ويبقى حقّه في الطعن محصورًا في طلب نقض هذه الأحكام أمام محكمة التمييز العسكرية لأسباب قانونية محدَّدة تتعلّق بالصلاحية، وإهمال المعاملات الجوهرية المنصوص على مراعاتها تحت طائلة الإبطال والخطأ في تطبيق القوانين[25]. وتاليًا لا يوفّر له القضاء العسكري الحقّ في أن تقوم محكمة عليا بإعادة النظر في الوقائع التي أدّت إلى إدانته وفرض العقوبة بحقّه وفقًا لما تفرضه المواثيق الدولية. وكانت اللجنة المعنيّة بحقوق الإنسان قد أعربت في العام 2018 عن قلقها إزاء “محدودية الحقّ في الطعن في قرارات المحكمة العسكرية” في لبنان[26].

أمّا لجهة الطعن في القرارات الصادرة عن قضاة التحقيق العسكري، وخلافًا لما هي الحال أمام القضاء العادي، فإنّه لا يحقّ للمدّعى عليه إلّا الطعن في القرارات المتعلّقة بالصلاحية أمام محكمة التمييز الجزائية[27]، وباخلاء السبيل أمام محكمة التمييز العسكرية[28]. ومن شأن ذلك أن يحرم المدّعى عليهم أمام القضاء العسكري من العديد من الضمانات المكرَّسة في قانون أصول المحاكمات الجزائية، ومنها إمكانية الطعن في قرارات البتّ في الدفوع الشكلية والقرار بالظنّ أو بالاتّهام وقرارات البتّ في طلبات التوسُّع في التحقيق وإخضاعه للمعاينة الطبِّية.

في المقابل، يُتيح القانون للنيابة العامة العسكرية الطعن في جميع القرارات الصادرة عن قضاة التحقيق التي تُخالف رأيها أو طلبها[29] أمام مراجع قضائية مختلفة (محكمة التمييز الجزائية ومحكمة التمييز العسكرية والهيئة الاتّهامية في بيروت)[30]. وقد اعتبرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أنّ مبدأ المساواة أمام القضاء وتكافؤ الفرص القانونية لا يكون متحقّقًا في حال كان للادّعاء دون المحكوم عليه الحقّ في تقديم استئناف بشأن قرار بعينه[31].

3.4-  الحقّ في قرار قضائي معلَّل

وفقًا للمعايير الدولية، يتوجّب على المحاكم تقديم أسباب كافية لقرارتها، كما والإعلان عن الأحكام التي تُصدرها، بما فيها نتائجها والأدلّة والأسباب القانونية التي استندت إليها[32]. ويشكّل موجب تعليل القرارات القضائية أحد مبادئ حسن سير العدالة وإحدى ضمانات المحاكمة العادلة الأساسية كونه يثبت لجميع الأطراف في الدعوى أنّه تمّ الاستماع إليها ومناقشة حججها، ويشرح لها أسباب ردّها أو الأخذ بها، وتاليًا يسهم في تعزيز استعدادها للقبول بالحكم. كما أنّها تُلزم القضاة بأن يستندوا في تحليلهم إلى حجج موضوعية وبأن يحافظوا على حقوق الدفاع. ويُعَدّ موجب التعليل شرطًا أساسيًّا لتمكين المدّعى عليه من ممارسة حقّه في الطعن في الحكم. وقد أشارت “مبادئ ديكو” إلى أنّ “بيان أسباب الحكم الذي تصدره أيّ محكمة (هو) شرط لازم لأيّ إمكانية استئناف ولأيّ إشراف فعّال في هذا الصدد” (المبدأ رقم 14).

وبمراجعة قانون القضاء العسكري، يظهر أنّ المحكمة العسكرية معفيّة من موجب التعليل، إذ ينصّ القانون على أنّ المذاكرة بين القضاة تحصل على أساس أسئلة تتعلّق بمدى اقتراف المدّعى عليه الأفعال الجرمية، ومدى ترافق هذه الأفعال بظروف مشدّدة أو مخفّفة، أو مدى استفادتها من أعذار قانونية، ثمّ تُحدّد العقوبة بالإجماع أو بالأكثرية[33]. كذلك ينصّ القانون على البيانات الإلزامية التي يجب على الحكم تضمّنها تحت طائلة البطلان، وهي الآتية[34]:

  1. أسماء القضاة ورتبة كلّ من العسكريين منهم.
  2.    اسم المدّعى عليه وشهرته وجنسيته وعمره.
  3. الجرم أو الجرائم التي أُحيل المدّعى عليه من أجلها إلى المحكمة العسكرية.
  4.    حلف الشهود والخبراء اليمين القانونية، أو بيان سبب عدم تحليفهم.
  5.    خلاصة مطالعة مفوّض الحكومة الأخيرة، وخلاصة دفاع وكيل المدّعى عليه، وطلب المدّعى عليه الأخير؛ ويمكن الاكتفاء بالطلب الأخير لكلّ منهم.
  6.    الأسئلة المطروحة والقرارات المتّخذة بشأنها بالإجماع أو بالأكثرية.
  7.    العقوبات المقضيّ بها والموادّ القانونية التي طُبِّقت ولا لزوم لتدوين نصّها.
  8.    ما إذا كانت الجلسة علنية أو سرِّية، وفي هذه الحالة الأخيرة الإشارة إلى القرار المتّخذ بهذا الصدد.
  9.    أنّ الحكم تُلِيَ علنًا وتاريخ صدوره.

وعليه، يتبيّن أنه يكفي أن يتضمّن الحكم الأسئلة المطروحة والقرارات المتّخذة بشأنها بالإجماع أو بالأكثرية، والعقوبات المقضيّ بها والموادّ القانونية التي طُبّقت، من دون أن تكون المحكمة مُلزَمة بتبرير النتيجة التي وصلت إليها ومناقشة الأدّلة ومدى انطباق الموادّ القانونية على الأفعال المُدَّعى بها. وبالفعل، تعتمد المحكمة العسكرية الدائمة ومحكمة التمييز العسكرية، حاليًّا، نموذجًا للأحكام يتمّ ملؤه بخطّ اليد حيث تتمّ الإجابة عن الأسئلة المذكورة بـ”نعم” أو “لا”، من دون أن تتضمّن شرحًا كافيًا لأسباب الحكم. ويؤكّد المحامون الذين قابلتهم “المفكّرة” أنّ المحاكم العسكرية لا تضيف إلى النموذج المعتمَد لديها أسبابًا كافية لأحكامها، وأنّه حتّى في حال وجود مخالفة من أحد أعضاء المحكمة، يقتصر تعليل هذه المخالفة على جملة قصيرة مفادها عدم موافقة العضو على النتيجة التي وصلت إليها الأغلبية.

وغالبًا ما تصدر الأحكام عن المحاكم العسكرية في اليوم نفسه لجلسة اختتام المحاكمة، إذ ينصّ القانون أنّه لا يحق للقضاة مبدئيًا الاتصال بأحد أو مغادرة غرفة المذاكرة قبل إصدار الحكم.[35] ويعتبر رئيس المحكمة العسكرية الحالي (العميد خليل جابر) أنّ غياب التعليل هو “ميزة” في القضاء العسكري كونه يتيح له أن يكون “قضاءً استثنائيًّا سريعًا”، إذ يسمح للمحكمة بإصدار أحكامها بشكل سريع، في حين أنّه لو كان التعليل مطلوبًا لكانت المحكمة تحتاج إلى أشهر لإصدار أحكامها، ممّا سيؤدّي إلى تراكم الملفّات لديها. ويفيد بأنّه خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2023، ورد إلى المحكمة نحو 3000 ملفٍّ جديدٍ وأصدرت أحكامًا في أكثر من 700 قضيّة.[36]

والواقع أنّ غياب التعليل في قرارات المحاكم العسكرية يسهم في إضعاف ثقة المحكومين والضحايا والمجتمع عامة بصوابية قراراتها، وفي تعزيز القناعة باعتباطيتها. ووفقًا للمحامين الذين قابلتهم “المفكّرة”، غالبًا ما يعتبر المحكومون من القضاء العسكري أنّهم “مظلومون” لعدم معرفتهم بأسباب الحكم عليهم أو لشعورهم بأنّ العقوبة التي فُرضت عليهم لا تتناسب مع خطورة أفعالهم. ويرى بعضهم أنّ المحاكمات غير العادلة التي تجري أمام القضاء العسكري تسهم في تفاقم مشاعر الغبن والحقد تجاه الدولة اللبنانية لدى المتقاضين، ممّا قد يؤول إلى تكرار الجرائم.

بالإضافة إلى ذلك، يفيد هؤلاء المحامون بأنّهم يعيشون في حالة من القلق بانتظار الأحكام، وغالبًا ما يتفاجأون بالنتيجة. فهم لا يعرفون أسباب رفض المحاكم العسكرية طلباتهم، ولا كيفيّة مقاربتها للأدلّة التي عُرضت خلال المحاكمة، ولا أسباب وصولها إلى نتيجتها، ممّا يحملهم غالبًا على تقديم طعن ضدّ هذه الأحكام. يشير هؤلاء المحامون إلى أنّ غياب التعليل يحرمهم من إمكانية الإدلاء بأسباب للطعن، ويمنع محكمة التمييز العسكرية من ممارسة دورها الرقابي بفعالية.

كذلك يؤدّي غياب التعليل إلى صعوبة معرفة توجّهات المحاكم العسكرية وكيفيّة مقاربتها للوقائع وتقييمها للأدلّة وتفسيرها للقانون، ممّا يعيق إمكانية استخلاص مبادئ الاجتهاد أمام القضاء العسكري. كما يظهر من أعمال الرصد القضائي في “المفكّرة” أنّ الباحثين يواجهون صعوبات للحصول على نسخ من الأحكام العلنية الصادرة عن القضاء العسكري، ممّا يعيق إمكانية دراستها. وقد أفاد عدد من المحامين بأنّ تغيير رئيس المحاكم وأعضائها غالبًا ما يؤدّي إلى إحداث تغيير كبير، ليس في كيفيّة إدارة الجلسات فقط، إنّما في توجّهات المحكمة العامة، لا سيّما لجهة مقاربتها للوقائع (مثلًا مدى اعتبار الجيش الحرّ السوري منظّمة إرهابية) ونتيجة المحاكمات والعقوبات التي تفرضها، ممّا يُصعّب القول بوجود اجتهاد مستقرّ لديها.

وقد اعتبر أحد المحامين الذين قابلتهم “المفكّرة” أنّه بالرغم من تمتُّع المحاكم العسكرية بفعالية وإنتاجية أعلى من المحاكم العدلية، إلّا أنّه لا يمكن اعتبارها مساحة لإنتاج القانون، فهي ليست سوى مجرّد جهاز إداري “لتخليص المعاملات”.

لتحميل الدراسة بصيغة PDF


[1] CCPR/C/LBN/CO/3 الفقرة 43.

[2]  المادّة 33 من قانون القضاء العسكري.

[3] CCPR/C/GC/32 الفقرتان رقم 28 و29.

[4] المادّتان 54 و55 من قانون القضاء العسكري، المادّتان 178 و249 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، المادّة 40 من قانون حماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرَّضين للخطر رقم 422/2002.

[5] المادّة 55 من قانون القضاء العسكري.

[6] نبيلة غصين، المحاكمة الأولى لجرائم التعذيب في غياب ذوي الضحية، المفكّرة القانونية، 20/12/2022.

[7] الموادّ 21 و57 و59 من قانون القضاء العسكري.

[8] مبادئ أساسية بشأن دور المحامين، اعتمدها مؤتمر الأمم المتّحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، في هافانا، كوبا، 7 أيلول 1990. المبدأ رقم 6.

[9] القاضية نجاة رامز أبو شقرا (2022)، ضمانات المحاكمة العادلة أمام القضاء العسكري، مجلة الدراسات القانونية الصادرة عن الجامعة العربية في بيروت، عدد 2021، المقالة 7، ص. 10

BAU Journal – Journal of Legal Studies: Vol. 2021, Article 7. DOI: https://doi.org/10.54729/FFRH6748

[10] لور أيّوب، تهم من دون أدلّة تلاحق متظاهري الانتفاضة: المحكمة العسكريّة تعلن براءةالجوكر، المفكّرة القانونية، 16/11/2020.

[11] المادّة 59 من قانون القضاء العسكري.

[12] المادّة 74 من قانون تنظيم مهنة المحاماة.

[13] مبادئ أساسية بشأن دور المحامين، المبادئ 19 و26 إلى 29.

[14] المفّكرة القانونية، منع محامية من دخولحرمالمحكمة العسكريّة طوال 3 أشهر: اعتداء على استقلالية المحامي وحقوق الدفاع، المفكّرة القانونية، 6/10/2022.

[15] سارة ونسا، شورى الدولة في لبنان يدعو الأجهزة الأمنية الى احترام استقلالية المحامي: المحاكمة العادلة خطّ أحمر، حساسية الأمن العام ليست كذلك، المفكّرة القانونية، 3/06/2014.

[16] المادّة 49 من قانون القضاء العسكري.

[17] المادّة 58 من قانون القضاء العسكري.

[18] غيدة فرنجية، الاستعانة مجّانًا بمحامٍ خلال التحقيقات الأوّلية في لبنان: العوائق أمام التنفيذ، المفكّرة القانونية ومركز جينيف لحوكمة قطاع الأمن (ديكاف)، نيسان 2022.

[19]  غيدة فرنجية، نور حيدر، سارة ونسا، كيف استخدمت السّلطة سلاح التوقيفات لقمع حرّية التظاهر والاعتراض؟ وغيدة فرنجية، معارك المادّة 47: كيف انتزعت الانتفاضة حقوق الدّفاع للمحتجزين؟، نُشر في العدد 66 من مجلّة المفكّرة القانونية – لبنان، تشرين الأوّل 2020.

[20] ماهر الخشن، ادّعاءات بالتعذيب والصّعق بالكهرباء لدى مخابرات صيدا وطرابلس، نُشر في العدد 66 من مجلّة المفكّرة القانونية – لبنان، تشرين الأوّل 2020.

[21]  لور أيّوب، شبهات تعذيب وإخفاء قسري في ملفّات موقوفي احتجاجات طرابلس، المفكّرة القانونية، 9/02/2021. لور أيّوب، احتجاجات طرابلس: بلاغ من النيابة العامّة عن مفقود لدى مخابرات الجيش، المفكّرة القانونية، 17/02/2021. لور أيّوب، ادّعاء بالإرهاب ضدّ متظاهري طرابلس: سلاح جديد في وجه المعارضة، المفكّرة القانونية، 23/02/2021.

[22] لور أيّوب، احتجاجات طرابلس: بلاغ من النيابة العامّة عن مفقود لدى مخابرات الجيش، المفكّرة القانونية، 17/02/2021.

[23] CCPR/C/GC/32 الفقرتان 48 و49.

[24]  المادّة 72 من قانون القضاء العسكري.

[25]  المادّة 74 من قانون القضاء العسكري.

[26] CCPR/C/LBN/CO/3 الفقرة 43.

[27] المادّة 78 من قانون القضاء العسكري.

[28]  المادّة 45 من قانون القضاء العسكري.

[29] المادّة 78 من قانون القضاء العسكري.

[30] القاضي نجاة ر. أبو شقرا، (2020)، الطعن في قرارات قاضي التحقيق العسكري، مجلّة الدراسات القانونية الصادرة عن الجامعة العربية في بيروت، عدد 2020، المقالة 10.

 BAU Journal – Journal of Legal Studies – مجلة الدراسات القانونية : Vol. 2020 , Article 10. DOI: https://doi.org/10.54729/2958-4884.1065.

[31] CCPR/C/GC/32 الفقرة 13.

[32] CCPR/C/GC/32 الفقرتان رقم 29 و49.

https://www.echr.coe.int/documents/604084/839313/Guide_Art_6_criminal_ARA.pdf الفقرة 110.

[33] المادّة 63 وما يليها من قانون القضاء العسكري.

[34] المادّة 70 من قانون القضاء العسكري.

[35]  المادّة 63 من قانون القضاء العسكري.

[36] مقابلة مع العميد خليل جابر، رئيس المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت، في تاريخ 25/07/2023.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكم عسكرية ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني