الحقوق البيئية في مصر (3): تلوث الهواء


2014-12-23    |   

الحقوق البيئية في مصر (3): تلوث الهواء

ترتفع معدلات تلوث الهواء في مصر، فتتجاوز المعدلات المسموح بها لتلوث الهواء بنسبة 120% في المناطق الحضرية، و200% في المناطق الصناعية[1]. وتعد الصناعات الثقيلة من المصادر الرئيسية لتلوث الهواء في مصر[2]، بالإضافة الى حرق المخلفات الزراعية وخاصة قش الأرز الذي يتسبب فيما يطلق عليه "السحابة السوداء"، وحرق القمامة، الى جانب ارتفاع معدلات ناتج عوادم السيارات. ويشعر سكان القاهرة بتلوث الهواء أكثر من سكان المحافظات الأخرى بسبب الموقع الجغرافي للعاصمة بين هضبتين والكثافة السكانية وكونها تحتوي على عدد كبير من المصانع والسيارات ووسائل المواصلات.
 
التلوث الناتج عن المصانع
ينص قانون البيئة في الجزء الخاص بحماية البيئة الهوائية من التلوث، وتحديدا في المادتين 34 و35 منه، على انه عند إقامة مشروع صناعي، يجب مراعاة ان يكون الموقع مناسبا لنشاط المنشأة لضمان عدم تجاوز الحدود المسموح بها لملوثات الهواء ومراعاة ان تكون جملة التلوث الناتج عن مجموع المنشآت في منطقة واحدة في الحدود المصرح بها. بالإضافة الى ضرورة التزام المنشآت أثناء ممارسة أنشطتها بعدم انبعاث أو تسرب ملوثات الهواء بما يجاوز الحدود القصوى المسموح بها.
وقد رصدت وزارة البيئة 750 مخالفة انبعاثات ملوثة في عام 2012، و813 في عام 2013[3]، كما أن العديد من المصانع تتواجد داخل المناطق السكنية مثل منطقتي شبرا الخيمة، والتبين بحلوان. وتعتبر الصناعات الثقيلة من أهم أسباب تلوث الهواء في مصر[4].
وقد اثار قرار الحكومة المصرية الأخير باستخدام الفحم في صناعة الأسمنت الكثير من الاعتراضات بسبب التوقعات بارتفاع معدلات التلوث الناتجة عن استخدام المصانع للفحم، وعليه، زيادة معدلات الإصابة بالأمراض الصدرية.
ورغم وعود وتصريحات وزارة البيئة الخاصة بوضع الضوابط والمعايير البيئية والالتزام بالمعايير العالمية لمنع التلوث الناتج عن طريق استخدام الفحم كمصدر للطاقة، تظل الشكوك والمخاوف حول تأثير هذا القرار على زيادة معدلات تلوث الهواء في مصر.
 
عوادم السيارات مصدر رئيسي لتلوث الهواء في مصر
طبقا للجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، تحتوي مصر على ما يقارب 6.8 مليون مركبة من سيارات ملاكي، سيارات أجرة، سيارات نقل واتوبيسات[5]، بالإضافة الى الدراجات البخارية التي يقدر عددها بحوالي مليون دراجة في الجمهورية طبقا لإحصائيات الإدارة العامة للمرور لعام 2009[6]، و"التكاتك"، والسيارات المتهالكة غير المرخصة وغير المسجلة[7]. وترتفع مشكلة التلوث الناتجة عن عوادم المركبات في القاهرة الكبرى عن غيرها من المحافظات بسبب الكثافة المرورية العالية الناتجة عن زيادة أعداد المركبات عن القدرة الاستيعابية للطرق وانخفاض متوسط سرعة السيارة[8].
وتعد عوادم السيارات من الأسباب الرئيسية لتلوث الهواء في مصر، اذ انها مسؤولة عن 33% من اجمالي أحمال التلوث بالأتربة الصدرية العالقة بالقاهرة الكبرى، وأكثر من 90% من اجمالي أحمال التلوث بغاز أول أكسيد الكربون، و90% من اجمالي احمال التلوث بالهيدروكربونات و50% من اجمالي احمال التلوث بأكاسيد النيتروجين[9].  
وتتسبب عوادم السيارات، طبقا للدكتور هشام منتصر أستاذ المناعة والمكروبيولوجي[10]، في الانسداد الرئوي الحاد وسرطان الرئة؛ كما ان أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكربون الناتجين عن احتراق البنزين يعدان من أهم مسببات الاحتباس الحراري الذي يتوقع علماء البيئة انه سيتسبب في كارثة بيئية في المستقبل. كما ان الهيدروكربونات المنبعثة من دراجة بخارية واحدة ثنائية الأشواط تعادل الانبعاثات الصادرة من 10-15 سيارة تعمل بالبنزين، الامر الذي يعكس تأثير الدراجات البخارية المباشر على تلوث الهواء[11].
والجدير بالذكر أن الكثير من المركبات التي تعمل بمصر تحتاج الى إحلال وتجديد نظرا لقدمها مما يؤدي الى مشاكل في المحركات الخاصة بها وبالتالي زيادة الانبعاثات الصادرة منها.
وقد اتخذت وزارة البيئة خطوات عدة في محاولة منها للحد من التلوث الصادر من عوادم المركبات، فقامت بتبني مجموعة من البرامج[12]. البرنامج الأول هو الخاص ب “استبدال التاكسيات القديمة"، وقد تم تصميمه بعد صدور قانون المرور لعام 2008 والذي نص على ان سيارات النقل الجماعي الاقدم من 20 سنة غير مؤهلة للحصول على تراخيص التشغيل أو تجديد التراخيص. وقد تم استبدال أكثر من 1000 سيارة أجرة (تاكسي) بسيارات جديدة تعمل بالغاز الطبيعي مع تسهيلات مالية وإدارية للمشاركين في البرنامج. كما قامت الوزارة بوضع ومتابعة برنامج لإعادة تدوير وتخريد السيارات القديمة حتى لا تكون عبئا على البيئة.  
وفي سبيل حل مشكلة الدراجات البخارية، تم حظر انتاج الدراجات البخارية ثنائية الأشواط في مصر منذ عام 2007، ووقف استيرادها منذ 2008، وقامت الوزارة باتخاذ خطوات لإقناع أصحابها باستبدالها بدراجات بخارية رباعية الأشواط.
كما قامت وزارة البيئة باستحداث برنامج فحص عادم المركبات بوحدات المرور، ولكن هذا البرنامج لم يستمر لعدة أسباب منها انتهاء العمر الافتراضي لأجهزة الكشف وعدم تجديد العقود مع الشركات الموردة، ويتم حتى الوقت الحالي فحص اتوبيسات هيئة النقل العام. ذلك بالإضافة الى برامج تهدف الى تحويل اتوبيسات النقل العام والجهات الحكومية للعمل بالغاز الطبيعي بدلا من السولار أو البنزين.
 
السحابة السوداء: الفشل في التخلص السليم من المخلفات الزراعية يؤدي الى "تلوث حاد في الهواء" 
"السحابة السوداء" هو الاسم الإعلامي الذي يطلق على ظاهرة التلوث الحاد للهواء، وهي ظاهرة تحدث في مصر منذ 16 عام، وتتعرض القاهرة الكبرى والمحافظات القريبة منها للنصيب الأكبر من التلوث الحاد بالهواء. ويتسبب في هذه الظاهرة عدة أسباب أبرزها حرق المخلفات الزراعية الناتجة عن زراعة القطن والأرز والذرة بصعيد مصر، وتعد مشكلة حرق "قش الأرز" هي الأبرز بين المخلفات الزراعية[13].
فيما يخص حرق قش الأرز، فهو يعد المسبب الأبرز لظاهرة "السحابة السوداء" في فصل الخريف، وتحديدا في شهري سبتمبر (9) واكتوبر (10).
ويلجأ الفلاحون الى حرق قش الأرز لعدم قيام الحكومة ممثلة في وزارة البيئة ووزارة الزراعة بوضع منظومة للتخلص الآمن من قش الأرز، وهو التخلص منه عن طريق تدويره لإنتاج "البيوجاز"، الأسمدة الزراعية، الورق، وغيرها من الاستخدامات التي قد تنتج من تدويره[14].
ويتسبب حرق قش الأرز في انتهاك الحق في الصحة المنصوص عليه في المادة 18 من الدستور المصري، حيث يؤدي حرق القش الى ظهور حالات إصابة بالربو وصعوبات في التنفس وسعال وزيادة حالات حساسية الصدر[15].
وقد انتهجت الحكومات المتعاقبة عدة طرق محاولة منها للتصدي لهذه الأزمة، ولكن تبقى هذه الحلول غير كافية طالما لا يوجد نظام لجمع وكبس قش الأرز، وإعادة استخدامه بطريقة لا تضر البيئة.
وعلى سبيل المثال، فقد قامت وزارة البيئة بتوقيع غرامة قدرها 4000 جنيه مصري[16] (ما يقارب 570 دولار امريكي) على المزارعين الذين يقومون بحرق قش الأرز، في محاولة لثنيهم عن القيام بعمليات الحرق.
كما ان وزارة البيئة أطلقت عدة برامج للتعامل مع ما يقارب مع 400 ألف طن قش ارز سنويا، فقامت بتوقيع بروتوكول تعاون مع وزارة الزراعة لتجميع 200 ألف طن قش ارز، بالإضافة الى تجميع حوالي 155 ألف طن من خلال شركات التجميع، وتقوم من خلال برنامج المزارع الصغير بتحويل 100 ألف طن الى سماد واعلاف[17]. ولكن يبقى أثر هذه البرامج محدودا بسبب غياب وزارة الزراعة عن المشهد، كما يشير نقيب الفلاحين[18]؛ فالفلاح لا يشعر بدور الوزارة في حل مشكلة قش الأرز، كما ان الفلاح لا يجد بديلا موفرا أو رخيصا لحرق قش الأرز اذ لا يستطيع تحمل نفقات النقل الى أماكن التدوير، بالإضافة الى غياب دور الوزارة في رفع الوعي الفلاح بالنفع الذي قد يعود اليه من تحويل المخلفات الى ناتج يمكن ان يوفر عليه إذا استخدمه في تسميد ارضه أو تغذية الحيوانات.
 ويجب على وزارتي الزراعة والبيئة استحداث نظام لإعادة تدوير قش الأرز سواء عن طريق شرائه من المزارعين أو عن طريق تشجيع المشروعات الصغيرة في المحافظات، لحل المشكلة من جذورها ضمن منظومة للحفاظ على البيئة وتضمن التنمية المستدامة.
 
 
 
 



[1] راجع "حملة مصريون ضد الفحم تكتب لبوابة الشروق: هذه أسبابنا لرفض قرار الحكومة استخدام الفحم"، نشر على الموقع الالكتروني لجريدة الشروق بتاريخ 11-3-2014.
[2] راجع الموقع الرسمي للشبكة القومية لرصد ملوثات الهواء www.eeaa.gov.eg/eimp/air.html.
[3] راجع "القاهرة المسمومة: سرطان التلوث يهدد رئة العاصمة"، نشر على الموقع الالكتروني لجريدة الشروق بتاريخ 18-10-2014.
[4] راجع الموقع الرسمي للشبكة القومية لرصد ملوثات التلوث.
[5] نشر الخبر على الموقع الالكتروني لجريدة المصري اليوم بتاريخ 1-1-2014.
[6] نقلا عن الموقع الرسمي لوزارة البيئة www.eeaa.gov.eg
[7] راجع منال الغمري، "خبراء البيئة:16 مليار سنويا خسائر اقتصادية بسبب عوادم السيارات"، نشر على الموقع الالكتروني لبوابة الأهرام، بتاريخ 27-2-2013.
[8] راجع "إنجازات الوزارة في مجال الحد من تلوث الهواء بعوادم المركبات حتى نهاية عام 2013"، نشر على الموقع الرسمي لوزارة البيئة.
[9] المرجع السابق نفسه.
[10] راجع احمد الطنيخي، "عوادم السيارات: الموت البطيء"، نشر على الموقع الالكتروني للأهرام الرقمي بتاريخ 30-12-2009.
[11] راجع "مقترح مشروع لحل مشكلة الموتوسيكلات ثنائية الأشواط بالقاهرة الكبرى"، نشر على الموقع الرسمي لوزارة البيئة.
[12] راجع "إنجازات الوزارة في مجال الحد من تلوث الهواء بعوادم المركبات حتى نهاية عام 2013"، نشر على الموقع الرسمي لوزارة البيئة.
[13] راجع البلاغ المقدممن مركز حابي للحقوق البيئية الى النائب العام ضد وزراء في الحكومة المصرية بخصوص السحابة السوداء بتاريخ 5-11-2014. 
[14] راجع مي المنتصر، "زيادة نسبة حرق قش الأرز وتأثير ذلك على المواطنين"، نشر على الموقع الالكتروني لمنصورة نيوز بتاريخ 14-9-2011. 
[15] المرجع السابق نفسه.
[16] نشر الخبر على الموقع الالكتروني لجريدة اليوم السابع بتاريخ 13-10-2014.
[17] راجع مروة حمزة، "وزير البيئة: تشديد العقوبة على المزارعين في حالة حرق قش الأرز"، نشر على الموقع الالكتروني لجريدة المصريون، بتاريخ 13-10-2014.
[18] راجع مروة أحمد، "السحابة السوداء تهدد سماء مصر…ونقيب الفلاحين: حرق قش الأرز أرخص من تدويره"، نشر على الموقع الالكتروني لجريدة البديل بتاريخ 16-10-2014. 
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني