الحقوق البيئية في مصر (1): الخلفية الدستورية والقانونية


2014-11-10    |   

الحقوق البيئية في مصر (1): الخلفية الدستورية والقانونية

احتلت حماية البيئة حيّزا هاما من اهتمامات الحقوقيين في الفترة الأخيرة في مصر بسبب اتجاه الحكومة المصرية لاستخدام الفحم في توليد الطاقة، وهو الأمر الذي أدى الى فتح ملف حماية البيئة في مصر والانتهاكات التي تحدث في هذا الإطار. وتعمل المفكرة على تخصيص عدد من المقالات لتسليط الضوء على المسائل المطروحة في هذا الشأن. ونباشر هذه المقالات باستعادة لتطور مفهوم الحق في البيئة الصحية السليمة في الدساتير المصرية الأخيرة، وفي التشريعات التي تحكم هذه المسألة. كما نتناول الأجهزة التنفيذية المناط بها تنفيذ هذه النصوص، وفي مقدمتها وزارة البيئة وجهاز شؤون البيئة (المحرر).
 
البيئة في الدستور المصري
تطور مفهوم الحقوق البيئية في الدستور المصري منذ 2007 وحتى 2014. فالنص الأصلي لدستور 1971 لم يتضمن أي مادة تنص على الحق في بيئة صحية سليمة أو عن حماية البيئة. وفي 2007، تم تعديل الدستور ليتضمن مادة خاصة بالبيئة جاء فيها أن: "حماية البيئة واجب وطني، وينظم القانون التدابير اللازمة للحفاظ على البيئة الصالحة" (مادة 59). ونلاحظ أن هذه المادة جاءت "بدائية" تؤكد على ضرورة حماية البيئة، من دون أي تفريق ما بين واجب الدولة وواجب الأفراد في هذا المجال.

وقد طور دستور 2012 الصادر بعد الثورة هذا المفهوم فنص على أن “لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة. وتلتزم الدولة بصون البيئة وحمايتها من التلوث، واستخدام الموارد الطبيعية، بما يكفل عدم الإضرار بالبيئة والحفاظ على حقوق الأجيال فيها" (مادة 63). وهنا نلاحظ تطور المفهوم من مجرد اعلان هدف أو قيمة معينة الى منظور حقوقي ينص على حق كل انسان في بيئة صحية سليمة. بالإضافة الى ذلك، رتب دستور 2012 التزاما على الدولة بالحفاظ على البيئة وباتخاذ التدابير اللازمة لهذه الغاية. وقد عكس هذا النص تطورا في دور الدولة في حماية البيئة حيث تم التأكيد على التزامها وواجبها ومسؤوليتها في القيام بذلك. كما ذهب هذا الدستور الى حد تعداد الحقوق البيئية: فنص على "حماية الرقعة الزراعية وزيادتها"، والعمل على "تنمية الأصناف النباتية والسلالات الحيوانية والثروة السمكية وحمايتها" مع ربط ذلك لتحقيق الأمن الغذائي (مادة 15) مما يعكس فهما عميقا للعلاقة بين حماية البيئة ومقومات الحياة الاساسية للإنسان. كما نص على أن "الثروات الطبيعية للدولة ملك للشعب" (مادة 18) وألزمت الدولة "بالحفاظ عليها وحسن استغلالها ومراعاة حقوق الأجيال فيها"، كذلك بالنسبة لنهر النيل وموارد المياه (مادة 19). كذلك تم تخصيص مادة في الدستور لالزام الدولة بحماية الشواطئ والبحار والممرات المائية والبحيرات، بالإضافة الى المحميات الطبيعية (مادة 20). ويعكس هذا التفصيل في الدستور، التعمق في مفهوم حماية البيئة والحقوق البيئية وأهميتها بما استدعى اعطاءها قيمة دستورية.
ا
لتوجه نحو تعزيز حماية البيئة في مصر تم تعزيزه في الدستور الحالي الذي تم اقراره في 2014. فبالاضافة الى كل ما تقدم، نص الدستور ولأول مرة في مصر على "الرفق بالحيوان" (مادة 45). كما أبدى الدستور نظرة أكثر شمولية للعلاقة بين الانسان والبيئة. فربط حماية الرقعة الزراعية بحماية سكان الريف من المخاطر البيئية (مادة 29) كما نص على حماية الثروة السمكية ودعم الصيادين وتمكينهم من مزاولة أعمالهم "دون الحاق الضرر بالنظم البيئية" (مادة 30). واذ أعاد الاشارة الى "حقوق الأجيال القادمة"، ربط بين حماية البيئة من جهة وهذه الحقوق وتحقيق التنمية المستدامة من جهة أخرى.

ونلحظ أن الدستور المصري تطور على مدار تعديلاته فيما يخص الحقوق البيئية. ولكن المناقشات التي نشرت فيما يخص دستوري 2012 و2013 لم تتناول الحقوق البيئية فتبين أن النصوص المتصلة بالبيئة تم اقرارها دون أي نقاش أو خلاف. وبذلك، بقيت الأسئلة الكبرى كالعلاقة بين البيئة والاستثمار موضع تجاهل وتغييب تامّين.
 
حماية البيئة في القانون المصري
تم اصدار قانون البيئة عام 1994، أي قبل دسترة الحق في البيئة، ثم تم تعديله عام 2009 أي بعد تكريس مبدأ حماية البيئة في 2007، ولم يتم تعديله حتى الآن.

وينقسم القانون الى عدة أبواب: الباب التمهيدي يتناول الاحكام العامة وتعريف المصطلحات التي يتناولها المشرع في القانون، بالإضافة الى تناول جهاز شؤون البيئة المعني بصورة رئيسية بوضع سياسة حماية البيئة واعداد الخطط ومتابعة تنفيذها مع الجهات الإدارية المختصة. ثم يتناول القانون المواد الخاصة بحماية البيئة الأرضية من التلوث، ويتناول الفصل الأول علاقة البيئة بالتنمية؛ وتحث المواد على ضرورة إقامة مشاتل لإنتاج الأشجار، وحماية الطيور والحيوانات البرية والمائية، كذلك النباتات النادرة، بالإضافة الى الحفريات الحيوانية والنباتية. ثم يتناول الفصل الثاني حظر تداول المواد والنفايات الخطرة وكيفية معالجتها.
أ
ما الباب الثاني، فيتناول حماية البيئة الهوائية من التلوث، وينص على كيفية حماية البيئة من ملوثات الهواء خصوصا من المنشآت التي تقام بها المشاريع، كذلك يحظر القانون الحرق المكشوف للقمامة والمخلفات الصلبة (مادة 37)، وينظم حرق أنواع الوقود في أغراض الصناعة وتوليد الطاقة (مادة 40). كما يحظر استخدام مبيدات الآفات أو المركبات الكيماوية لأغراض الزراعة أو الصحة العامة بسبب آثارها الضارة على الهواء (مادة 38). كما يمنع "التدخين في الأماكن العامة المغلقة الا في الحدود المسموح بها في الترخيص الممنوح لهذه الأماكن، ويراعى في هذه الحالة تخصيص حيز للمدخنين بما لا يؤثر على الهواء في الأماكن الأخرى. ويحظر التدخين في وسائل النقل العام" (مادة 46). بالإضافة الى ذلك حظر القانون الاتجار غير المشروع في "المواد المستنفذة لطبقة الأوزون أو استخدامها في الصناعة أو استيرادها أو حيازتها".

بخصوص حماية البيئة المائية من التلوث، خصص القانون لها بابا خاصا. وقد تناول القانون التلوث من السفن (التلوث من الزيت، التلوث من المواد الضارة، التلوث بمخلفات الصرف الصحي والقمامة) والتلوث من المصادر البيئية وهي التي تنتج بصورة رئيسية من المنشآت التجارية والصناعية والسياحية والمحال العامة القريبة من الشواطئ. وفي سبيل ضمان ذلك، يحظر القانون إقامة أية منشآت على الشواطئ البحرية "لمسافة مئتي متر الى الداخل من خط الشاطئ الا بعد موافقة الجهة الإدارية المختصة وموافقة جهاز شئون البيئة" (مادة73). كما يتناول الباب الخاص بحماية البيئة المائية الشهادات الدولية التي يجب على السفن أن تحوز عليها لمنع التلوث، كذلك، الإجراءات الإدارية والقضائية المتبعة لمراقبة تطبيق القانون، والتي يجب اتخاذها عند انتهاك مواده. كما يقر القانون في الباب الرابع منه العقوبات المترتبة على انتهاك مواده، والتسبب في تلوث البيئة.

نلاحظ أن القانون قد شمل العديد من الأسباب التي تؤدي الى تلوث البيئة، ونص على المواد التي تحمي البيئة من ذلك وتضمن التنمية وحماية حقوق الأجيال القادمة، ولكن تبقى نسبة التلوث في مصر عموما وفي القاهرة خصوصا مرتفعة جدا، بالإضافة الى التعديات الخاصة بإنتاج الطاقة والنتائج المترتبة على حرق الوقود للصناعة وغيرها من التعديات، وهو الأمر الذي يطرح أسئلة مقلقة بشأن مدى فاعلية هذا القانون. وهي الأمور التي سنتناولها في الحلقات القادمة.
 
وزارة البيئة: الهيكل التنظيمي لحماية البيئة
منذ 1997، يوجد في تشكيلة الحكومة المصرية وزير متفرغ لشؤون البيئة[1]، الأمر الذي عكس آنذاك اهتماما متزايدا في اظهار تمسك الدولة بالاعتبارات البيئية. وكان قانون 1994 قد أنشأ قبل ذلك جهاز شؤون البيئة التابع لمجلس الوزراء، والذي يعتبر بمثابة الجهاز التنفيذي لوزارة الدولة لشؤون البيئة[2]. ويعد هذا الجهاز  مشاريع القوانين الخاصة بتحقيق أهدافه، كما له الحق في ابداء رأيه في مشاريع القوانين الخاصة بحماية البيئة (مادة 5 من القانون)، كما يقوم الجهاز بإصدار الدراسات والتقارير الخاصة بالوضع البيئي في مصر. كما أن الجهاز هو المعني بوضع الاشتراطات التي يجب على أصحاب المشروعات والمنشآت الالتزام بها قبل انشائها وأثناء التشغيل لضمان عدم تلوث البيئة، كما على الجهاز أن يقوم بمتابعة تطبيق هذه الاشتراطات ميدانيا لضمان التزام أصحاب المشاريع والمنشآت بها، واتخاذ التدابير القانونية عند وجود أي مخالفات.



[1] راجع الموقع الرسمي لوزارة البيئة www.eeaa.gov.eg
[2] المرجع السابق نفسه.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني