“الحصانات” تهدّد الحقيقة والعدالة في قضية المرفأ: المفكرة تجيب على أسئلتكم


2021-07-08    |   

“الحصانات” تهدّد الحقيقة والعدالة في قضية المرفأ: المفكرة تجيب على أسئلتكم

تسرّب للإعلام بتاريخ 2 تموز 2021 أن المحقّق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار طلب أذونات بملاحقة قادة أجهزة أمنية ووزراء سابقين إضافةً إلى رفع حصانات عن نواب يُشتبه في تورّطهم في الجريمة. وقد أذنت هذه التسريبات بانطلاقة جديدة لمعركة إسقاط الحصانات في لبنان والتي أمكن اعتبارها أحد أبرز أسباب نظام الإفلات من العقاب.

لغاية تعميم المعرفة ودرءًا لمحاولة البعض التهرّب من مسؤولياته حيال إعطاء الأذونات أو رفع الحصانات، نقدّم هنا إجابات على أهم الأسئلة التي تستدعيها طلبات القاضي بيطار.

1- هل من حصانةٍ لرئيس الوزراء أو الوزراء الحاليين أو السابقين في جريمة تفجير المرفأ؟

لا حصانة دستورية أو قانونية لرئيس مجلس الوزراء والوزراء، بل امتياز خاصّ لناحية إجراءات المحاكمة. فلا يمكن مباشرة الملاحقة بحقه في الأفعال التي تشكل خيانة أو إخلالا بالواجبات الوظيفية إلا بعد الحصول على موافقة ثلثي أعضاء المجلس النيابي (المادة 70 من الدستور). وفي هذه الحالة، تتمّ المحاكمة أمام محكمة خاصة وهي المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

وفي هذا الإطار، أكمل المحقّق العدلي طارق بيطار ما بدأه سلفه فادي صوّان في ملاحقة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب كما أكد أنه ينوي استجواب وزراء سابقين كمدعى عليهم وهم تباعا وزيريْ الأشغال العامة السابقيْن يوسف فنيانوس وغازي زعيتر ووزير المالية السابق علي حسن الخليل، بعدما أضاف إلى اللائحة وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق. وفي حين طلب القاضي بيطار الأذونات اللازمة لملاحقة هؤلاء على خلفية كونهم محامين أو نواباً، فإنّه اعتبر أنّ له صفة ملاحقتهم بصفتهم الوزارية السابقة في الشبهات التي تحيط بهم في ملف تفجير مرفأ بيروت من دون أي إجراء إضافي. وهو بذلك، يكون أكّد كسلفِه القاضي فادي صوان أنّ بالإمكان ملاحقة هؤلاء أمام القضاء العدلي وذلك بالاستناد إلى القرارات الصادرة عن محكمة التمييز في 1999 و2000، التي ضيقت مدى تطبيق المادة 70 من الدستور المشار إليها أعلاه.

فالقرار الصادر في العام 1999 في إطار قضية الوزير السابق شاهي برصوميان أكّد على مبدأ عدم حصرية صلاحية الاتّهام والاختصاص، بمعنى أنه بإمكان القضاء العادي محاكمة الوزراء ما لم يتدخّل المجلس النيابي لاتّهامهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وطالما أنّ المجلس النيابي في جريمة تفجير المرفأ لم يتحرّك لاتّهام الرؤساء والوزراء ومحاكمتهم، فلا يمكن التذرّع بأي شكل من الأشكال بأنّهم لا يقبلون أن يحاكموا إلا أمام المجلس الأعلى.

أما القرار الصادر في 2000 في إطار قضية السنيورة فهو يقوم على التمييز بين الأعمال المرتكبة من الوزراء وفق طبيعتها، وتحديدا فيما إذا كانت مرتبطة مباشرة بالوظيفة الوزارية. وقد تمثل ذلك من خلال التّفرقة بين فئتين من الأفعال التي يمكن أن يقوم بها الوزراء: الفئة الأولى وهي التي تندرج تحتها الأفعال النّاجمة عن الإخلال بالوظيفة أو الخيانة العظمى، وتشملها الحصانة الدستورية وتعود صلاحية الإتّهام فيها للمجلس النيابي واختصاص النظر بها للمجلس الأعلى وهي تشمل الأعمال “المتّصلة بصورة مباشرة بممارسة الوزير لمهامه القانونيّة الوزاريّة” والتي تتعلق “بالطّبيعة السياسية لعمل الوزير وجوهر مهامه الوزاريّة كما هو مقرّر في القوانين”. أما الفئة الثّانية فتضمّ الأفعال التي تشكل الجرائم الأخرى، ويعود إختصاص النّظر فيها للقضاء العادي ومنها “الأعمال الجرميّة المرتكبة من الوزير في “معرض” ممارسته لمهامه، أو في حياته الخاصّة، والأفعال المرتكبة منه ذات الصّفة الجرميّة الفاضحة والتي تؤلّف تحويلا للسلطة عن طريق إحلال المصلحة الخاصّة مكان المصلحة العامّة”. وهذا التفسير ينطبق بشكل خاص في حال وجود شبهة صرف نفوذ أو سعي أي من الوزراء من خلال فعله أو امتناعه عن الفعل لتحقيق منفعة شخصية له أو لسواه.

ويلحظ أن العديد من القوى السياسية ترفض هذه القراءة وتتوسع في تعريف “الإخلال في الوظيفة الوزارية” أو تتمسك حتّى بأنّ أيّ ملاحقة لوزير على خلفية أيّ عمل يتّصل بوزارته تخضع للإجراءات المنصوص عليها في المادة 70. وعليه، وفق هذه القوى، أيّ ملاحقة لهؤلاء توجب الحصول مسبقا على موافقة ثلثي النواب وعلى أن تتم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء حصرا (وهو مجلس بحكم غير الموجود). كما يلحظ أن النيابة العامة التمييزية تتمسك بقراءات مماثلة عبرت عنها في كتابها الذي قدمته بتاريخ 23/12/2020 لمحكمة التمييز الناظرة في تنحية المحقق العدلي السابق في قضية تفجير المرفأ فادي صوان وأيضا في ما يتصل بوقائع الذم والتعرض المنسوبين لوزير الداخلية محمد فهمي.

2- ما هي الحصانة النيابية وما هو مسار رفعها؟

طلب القاضي بيطار في كتابه المرسل إلى مجلس النواب رفع الحصانة عن ثلاثة نواب كانوا وزراء معنيّين في الجريمة وهم: علي حسن خليل، غازي زعيتر، ونهاد المشنوق.

هذا الطلب يأتي على خلفية المادة 40 من الدستور التي تنص أنه “لا تجوز خلال دورات انعقاد المجلس ملاحقة النائب جزائياً أو اتّخاذ إجراءات جزائية بحقه أو إلقاء القبض عليه أو توقيفه إلا بإذن المجلس”. علما أنه في حال وجود حكومة مستقيلة، يُعتبر المجلس النيابي في دورة انعقاد استثنائية، الأمر الذي يُلزم أخذ هذا الإذن للقيام بالإجراءات الجزائية بحق النواب المذكورين (مادة 69 من الدستور).

وفي هذا السياق، يهمّ تدوين الآتي:

  • أنه بعد التعديل الدّستوري عقب اتّفاق الطائف، رُفعت الحصانة النيابية في مناسبتيْن فقط كانت إحداهما فقط بعد تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب عام 1994، وهي حالة رفع الحصانة عن النائب الراحل حبيب حكيم في العام 1999. الأولى حصلت في 1994 واتّصلت بالنائب السابق يحيى شمص.
  • أن الحصانة النيابية المطلوب رفعها في هذه القضية هي حصانة مؤقتة بحيث تسري فقط في فترة دورات انعقاد المجلس، بمعنى أنه يكون للقاضي إمكانية الملاحقة الجزائية خارج حالات انعقاد البرلمان، وتحديدا في حال تشكيل الحكومة قبل بدء الدورة العادية في منتصف تشرين الأول 2021.
  • أنّ هذه الحصانة تعتبر من النظام العامّ (م 89 من النظام الداخلي لمجلس النواب) بمعنى أنه لا يمكن للنواب أن يستغنوا عنها أو أن يرفعوها عن أنفسهم دون انتظار قرار المجلس، ما يجعل البيان المشترك الصادر عن الخليل وزعيتر في 2 تموز لجهة استعدادهما المثول فورًا أمام المحقق العدلي مجردا عن أي قيمة فعلية.
  • أن ربط الحصانة بانعقاد المجلس يعني أن الهدف منها هو الحؤول دون استهداف نائب معين بغية تعطيل عمله البرلماني. وقد أكدت المادة 98 من النظام الداخلي على ذلك بربط مسألة الحصانة بمدى جدّية الملاحقة والتأكد من أن الطلب بعيد عن الغايات السياسية وأيضا بحرمان النائب من ممارسة عمله النيابي. وعليه، يصبح رفض رفع الحصانة غير مبرر في حال عدم إثبات تهيؤ النواب المذكورين لعمل نيابي معين واحتمال تعطيل هذا العمل بفعل الملاحقة، علما أنه لا يعرف عن أيّ منهم أيّ نشاط من هذا القبيل. بالمقابل، ليس للنواب إطلاقا أي صلاحية في تأكيد ترتّب مسؤولية جزائية على النائب من عدمها المتروكة للهيئة الحاكمة أي المجلس العدلي في هذه الحالة.
  • يخشى بالمقابل أن يستغلّ المجلس النيابي وجوب الاستحصال على ترخيص مسبق منه لرفع حصانة هؤلاء بصفتهم النيابية، ليفرض قراءته المتزمتة بشأن المادة 70 الناظمة لكيفية ملاحقة الوزراء في اتجاه حصر محاكمة الجرائم المعزوة لهم بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. في حال تمّ ذلك، فإن المجلس النيابي يكون في صدد الحلول محل المحقق العدلي في تفسير الدستور وتطبيق القانون، بما يشكل إخلالا جسيما بمبدأ الفصل بين السلطات.
  • أما في مسار إجراءات رفع الحصانة، يقدم طلب رفع الحصانة بواسطة النيابة العامة التمييزية إلى رئيس المجلس الذي يدعو هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل إلى جلسة مشتركة لدرس الطلب، على أن يكون لهذه الهيئة تقديم تقرير بشأنه في مهلة أقصاها أسبوعان (م 92 من النظام الداخلي لمجلس النواب). وقد دعا رئيس المجلس هذه الهيئة للانعقاد يوم الجمعة القادم في 10/7/2021. إذا لم تقدم الهيئة المشتركة تقريرها في المهلة المعنية، وجب على رئاسة المجلس إعطاء علم بذلك للمجلس في أول جلسة يعقدها، وللمجلس أن يقرر منح الهيئة المشتركة مهلة إضافية بالقدر الذي يراه كافياً أو وضع يده على الطلب والبت به مباشرةً (م 93). ويتّضح من ذلك أنّ النصوص القانونية تتيح للمجلس المماطلة في البت بالطلب من خلال مهلة إضافية لا حدود صريحة لها. وعندما يباشر المجلس بهيئته العامة البحث في طلب رفع الحصانة فعليه الاستمرار بالمناقشة حتى البت بالموضوع نهائيًا، على أن يتّخذ القرار بالأكثرية النسبية أي بأكثرية الحاضرين في الجلسة (م 96) .

3-ما هو مسار ملاحقة قادة الأجهزة الأمنية؟

طلب القاضي بيطار الإذن لملاحقة عدد من قادة الأجهزة الأمنية الحاليين، الذين هم في عداد الموظفين الذين لا يمكن ملاحقتهم جزائيا إذا كان الجرم ناشئا عن الوظيفة إلا بناء على موافقة الإدارة التي ينتمي إليها. وقد شملت هذه الطلبات كلا من:

  • المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم والذي طلب إذن ملاحقته من وزير الداخلية محمد فهمي. وفي حين أكد هذا الأخير أنه سيقبل الطلب، عاد وتراجع عن قراره وسط حملة إعلامية وإعلانية للدفاع عن إبراهيم،
  • والمدير العام لأمن الدولة طوني صليبا، والذي يعود قانونا منح الإذن بملاحقته إلى رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، علما أنه تسرب إلى الإعلام إرسال طلب الإذن إلى رئيس الجمهورية أو رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب،

ووفق المادة 61 من نظام الموظفين، يتعين على المرجعيْن المذكوريْن البتّ بالطلب، بقرار معلل، خلال مهلة خمسة عشر يوم عمل، تعقب ورود الطلب إليهما. وتكون القرارات بمنح الإذن غير قابلة للطعن، ويعتبر انقضاء هذه المهلة دون البتّ به موافقة ضمنية عليه. أمّا في حالة رفض أي من هذين المرجعين طلب النيابة العامة بإعطاء الإذن بالملاحقة، جاز وفق المادة المذكورة للنائب العام التمييزي بناء على طلب المحقق العدلي البتّ به (أي إعطاء الإذن من عدمه)، بقرار معلل يبلغ الى المعنيين، ضمن مهلة مماثلة، ويعتبر انقضاء هذه المهلة دون البت بالموافقة، موافقة ضمنية على الملاحقة. وبذلك، يتبيّن أن للنائب العام التمييزي غسان عويدات هنا دور محوري في القضية في حين أنه كان أعلن تنحيه عن النظر فيها بفعل تضارب المصالح.

أما الموظفون السابقون وفي مقدمتهم قائد الجيش السابق جان قهوجي ومدير المخابرات السابق كميل ضاهر والعميدين غسان غرز الدين وجودت عويدات، فقد عمد بيطار إلى الادّعاء عليهم من دون الاستحصال على أي إذن مسبق. وهو بذلك عمد إلى تفسير نص المادة 61 من قانون الموظفين بصورة ضيقة على نحو يستثني من تطبيقه الموظفين السابقين. وكانت محاكم عدة دعت لتفسير هذا النص بصورة ضيقة بالنظر إلى كونه استثناء.

4-ما هو مسار ملاحقة القضاة؟

أرسل المحقق العدلي طارق بيطار إلى النيابة العامة التمييزية طلباً لملاحقة قاضييْن يشتبه في ارتكابهما إهمالا في القضية.

تتطلّب ملاحقة القضاة إجراءات معقّدة. فإذا ارتكب أحد قضاة محاكم الدرجة الأولى (وهو ما ينطبق على القضاة المعنيين بالقضية) جنحة، تلاحقه النيابة العامة التمييزية على أن تقام الدعوى أمام الغرفة الجزائية في محكمة التمييز. أمّا إذا كان الفعل المسند إلى القاضي من نوع الجناية، فيعين الرئيس الأول لمحكمة التمييز(أي رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود) قاضيًا من درجة المدعى عليه أو أعلى ليقوم بالتحقيق معه أي يحلّ مكان المحقق العدلي لجهة التحقيق مع القضاة، على أن يتولّى النائب العام التمييزي وظيفة الادّعاء العام واستعمال الدعوى العامة (م 347 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). وبذلك، يتبيّن أن للنائب العام التمييزي غسان عويدات هنا أيضا دور محوري في القضية.

الأمر يصبح أكثر خطورةً بما يتّصل باحتمال الادّعاء على عويدات نفسه، على خلفية نظره في قضية تخزين النترات في المرفأ وامتناعه عن اتخاذ قرارات حمائية. فإذا أراد بيطار ملاحقة عويدات لاشتباهه بأي فعل قام به، يجب أن يتولى مهمة النائب العام التمييزي في هذه الجريمة فقط قاضٍ من الدرجة السابعة عشرة على الأقل يعيّن بمرسوم في مجلس الوزراء (م 354 من أصول المحاكمات الجزائية). ويبدو تعيين هذا القاضي مستعصيا حاليًا بفعل تعنّت رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب عن اتخاذ قرارات من هذا النوع بحجة خروجها عن مهام الحكومة بتصريف الأعمال.

5-ما هو مسار ملاحقة المحامين؟

وجّه المحقق العدلي كتابَين: الأول إلى نقابة المحامين في بيروت لطلب إعطاء الإذن بملاحقة علي حسن خليل وغازي زعيتر كونهما محاميين مسجلين فيها، والثاني إلى نقابة المحامين في طرابلس لطلب إعطاء الإذن بملاحقة يوسف فنيانوس كونه مسجلا فيها. ويتصل هذان الطلبان بعدم جواز ملاحقة المحامي لفعل نشأ عن ممارسة المهنة أو بمعرضها إلا بقرار من مجلس النقابة يأذن بالملاحقة، على أن يقدر مجلس النقابة ما إذا كان الفعل ناشئا عن المهنة أو بمعرضها. فإذا تبيّن لمجلس النقابة أنّ الفعل ليس ناشئًا عن المهنة أو ليس بمعرضها، يمكن ملاحقة المحامي دون إذنها (م 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة).

وفي الحالة الراهنة، يتبيّن بوضوح أنّ المحامين المذكورين مشتبه بهم بصفتهم الوزارية ولا علاقة لعملهم كمحامين بالملاحقة ولا حاجة للإذن لملاحقتهم، وهذا هو الموقف المرتقب من النقابتين. وما يبدد أيّ شك في هذا الخصوص هو أنّ قانون تنظيم مهنة المحاماة يمنع الجمع بين المحاماة والوزارة وعلى المحامي عند البدء في مزاولة أعماله كوزير أن ينقطع عن ممارسة المهنة ويعلم النقيب بذلك (م 15 من قانون تنظيم مهنة المحاماة).

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، استقلال القضاء ، مقالات ، مجزرة المرفأ ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني