الحرب في جمهورية الكونغو الديمقراطية… حركة M23، رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية: تاريخ طويل وعاصف


2025-03-17    |   

الحرب في جمهورية الكونغو الديمقراطية… حركة M23، رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية: تاريخ طويل وعاصف
مقاتلو حركة M23 يتوجهون نحو غوما في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية.

 مطاردة مرتكبي الإبادة الجماعية، سباق على المعادن الثمينة، واضطهاد كينشاسا لأقلية التوتسي…، في هذا التقرير، من غوما في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، تبيّن الصحافية البلجيكية كوليت براكمان المختصّة في بلدان البحيرات الكبرى في أفريقيا، أنّ الحرب المستعرة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية ليست سوى فصل جديد في تاريخ طويل من الصراعات المتكرّرة. وكما في كل مرة، تلقي كيغالي بظلالها على المشهد، وتتشابك المصالح المحلية والاستعمارية في دوامة مستمرة منذ ثلاثة عقود.

نشكر Afrique  XXI على قبولها ترجمة وإعادة نشر المقالة.

غوما (شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية)، 13 شباط/فبراير 2025 – في حيّ توميا الشعبي، احتشد الناس حول جثة شاب مسجّى على الأرض، شعره المضفّر مبلّل بالدماء. غير بعيد عنه، عند أحد التقاطعات، يرقد شاب آخر بذراعين متقاطعتين، بعد أن اخترق الرصاص جسده من مسافة قريبة. أطلقت عليه النار دورية يُطلق عليها، بسخرية، لقب “المحرّرون”— جنود بلا شارات، بوجوه متجهّمة، مدجّجون بالسلاح، يجوبون الشوارع كما لو أنها مملكتهم الخاصة. هل كان مجرّد سوء فهم؟ الشاب ذو الذراعين المتقاطعتين كان يرتدي زيًا عسكريًا، لكنّه لم يكن جنديًا. كان يصوّر فيديو كليب مع المغني إيدينغو ديلكا — الضحية الأولى ذات الشعر المضفّر.

لم يكن إيدينغو ديلكا مجرّد مغنٍ، بل كان رمزًا، ومطلوبًا أيضًا. قبل أيام، انتهز الفوضى الناجمة عن اندلاع حريق في سجن مونزينزي ليهرب. فقد كان محتجزًا بتهمة وصف رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي، بـ”زوبا” (أي الأبله). قبل ذلك، فرّ من مدينة بيني في الشمال بعد أن فضح جرائم ميليشيات “القوات الديمقراطية المتحالفة” الإسلامية. في غوما، كان يستعدّ لأداء أغنية تكشف ما اعتبره تحالفًا غير معلن بين حركة 23 مارس M23 — التي تسيطر حاليًا على المدينة — و”القوّات الديمقراطية المتحالفة”، بهدف تفكيك البلاد. في شمال كيفو، كما في بيني، كان ديلكا يقدّم نفسه “مغنيًا ثوريًا”، محرّضًا الناس على المقاومة. حول جثته، وقفت عائلته مكلومة، بينما صاح أصدقاؤه أمام الصحافيين: “إيدينغو كان قدوة لنا”. تعهّدوا بمواصلة نضاله.

في هذه الأثناء، واصل مقاتلو M23 زحفهم جنوبًا نحو بوكافو (جنوب بحيرة كيفو)، ثم إلى أوفيرا، وما بعدها. بتدريبات متقدّمة من الجيش الرواندي، باتوا يتقدّمون بسرعة، مسيطرين على ضفاف بحيرة كيفو، ومتجهين الآن نحو بحيرة تنجانيقا، وربما إلى مانيِيما، ومنها إلى كاتانغا. في إقليم النحاس، لا يُتوقّع أن تواجههم مقاومة تُذكر، إذ يعمّ الغضب ضدّ أبناء إقليم كاساي، المقرّبين من الرئيس تشيسكيدي، الذين استحوذوا على حقول التعدين. على الجانب الآخر، لا يزال سكان كاتانغا أوفياء للحاكم السابق مويز كاتومبي، بل وحتى للرئيس الأسبق جوزيف كابيلا، باعتبارهما من أبناء الإقليم.

لم يعد مقاتلو M23 مجرّد هواة. لقد استغلّوا اللحظة المناسبة للهجوم: انشغال العالم بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وخطوة كهذه ليست محض صدفة.

أطفال تلال ماسيسي

يمتدّ تاريخ التوتسي في شمال كيفو لعقود، إذ جلبهم المستعمرون البلجيكيون إلى تلك التلال في ثلاثينيات القرن العشرين. لكنهم لم يكونوا غرباء تمامًا عن المنطقة، فعند وصولهم، وجدوا مجتمعات محلية تتحدث بالفعل لغة الكينيارواندا، وتحترم سلطة “الموامي” — الزعيم التقليدي الرواندي الذي أطاح به البلجيكيون. ومنذ ستينيات القرن الماضي، مُنحت الجنسية الكونغولية، ثم الزائيرية، للناطقين بالكينيارواندا. لكن هذا الاعتراف كان متقلبًا، يُمنح في فترات ويُسحب في أخرى، وفقًا لتغيّرات المشهد السياسي. ووسط هذا التذبذب، واجه التوتسي اضطهادًا متكرّرًا، إذ أثار نجاحهم الاقتصادي وقدرتهم على بناء العلاقات حسد بعض الفئات، مما جعلهم هدفًا للصراعات العرقية. وبلغت التوترات ذروتها في خلال حرب ماسيسي في العام 1993، حين استولت الميليشيات العرقية على أراضي التوتسي، ما أدى إلى نزوح 300 ألف شخص، بينهم 60 ألفًا لجأوا إلى رواندا. 

في أوغندا، وجد بعض هؤلاء الشباب أنفسهم عاطلين عن العمل، فانضمّوا إلى الجبهة الوطنية الرواندية، المؤلفة من لاجئين روانديين، وشاركوا في الحرب ضدّ نظام جوفينال هابياريمانا في خلال تسعينيات القرن الماضي. بعد الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا في العام 1994، تولّت الجبهة الوطنية الرواندية بقيادة بول كاغامي السلطة. لكن مع تدفق مئات الآلاف من اللاجئين الهوتو إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، انفجرت سلسلة جديدة من النزاعات، ما أشعل فتيل حروب الكونغو (1996-1997، 1998-2002). وفي خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تكرّرت هذه السيناريوهات مع تمرّدات لوران نكوندا وبوسكو نتاغاندا، ما أجبر آلاف التوتسي في شمال كيفو على النزوح مجددًا إلى رواندا. في العاصمة الرواندية كيغالي، يُقدَّر عدد اللاجئين الراغبين في العودة إلى أراضيهم بنحو 100 ألف شخص. 

وفي محاولة لمعالجة الأزمة، وُقّعت اتفاقيات 23 آذار/مارس 2009، التي تعهّدت بتسهيل عودة التوتسي إلى الكونغو. لكن هذا الوعد لم يُنفّذ قط، إذ واجه جوزيف كابيلا معضلة شائكة: كيف يمكن إعادة توطينهم في أراضٍ باتت تحت سيطرة آخرين، بما في ذلك لاجئون هوتو وصلوا في العام 1994؟ ومن رحم هذا الإحباط، ولدت حركة 23 مارس (M23)، التي حملت اسمها من ذكرى الاتفاقيات التي لم تُنفَّذ. 

من يد تشيسكيدي الممدودة إلى القطيعة

في العام 2018، وبعد انتخابات شابها الكثير من الجدل، تولّى فيليكس تشيسكيدي الرئاسة خلفًا لجوزيف كابيلا. وقد أعلن رئيس اللجنة الانتخابية المستقلّة، كورنيي نانغا، فوز تشيسكيدي، لكنه اعترف لاحقًا بأنّ النتائج لم تعكس الفائز الحقيقي. اليوم، يقود نانغا بنفسه حزب “تحالف نهر الكونغو”، الذي يسعى إلى الإطاحة بالنظام الحاكم في كينشاسا. 

عند تولّيه الحكم، حاول تشيسكيدي تبنّي نهج جديد في العلاقات الخارجية، فمدّ يده إلى بول كاغامي في رواندا. وزار نصب الإبادة الجماعية في كيغالي، ووقّع اتفاقيات تعاون اقتصادي وأمني، شملت منح شركة الطيران RwandAir حق تسيير رحلات إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى جانب مشاريع مشتركة لاستغلال الذهب في جنوب كيفو، فضلًا عن بناء مصفاة في بوكافو. كما أُعيد تفعيل التفاهم بشأن تفكيك الميليشيات المسلّحة، وخصوصًا متمردي الهوتو التابعين لـ”القوات الديمقراطية لتحرير رواندا”، الذين تضاعف نفوذهم بعد انضمام أجيال جديدة من أحفاد اللاجئين الهوتو منذ العام 1994، وراكموا ثروات طائلة من مناجم الكولتان في جنوب كيفو، مستخدمين أساليب الترهيب والعنف الوحشي، بما في ذلك عمليات الاغتصاب الجماعي، لتعزيز سيطرتهم.

غير أنّ هذه النوايا الحسنة لم تصمد طويلًا أمام الواقع المعقّد. وسرعان ما تبيّن أنّ طموحات كاغامي تتجاوز حدود التعاون الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، نظرت أوغندا بقلق إلى هذا التقارب، إذ رأى في رواندا شريكًا استراتيجيًا لكنه أيضًا منافس قوي على النفوذ في المنطقة. ومع تصاعد الخلافات، بدا أنّ الخصم الأكبر لتشيسكيدي لم يكن كاغامي أو موسيفيني، بل كان هو نفسه.

العلاقات الخطرة مع النظام الرواندي السابق

على الرغم من تولّيه الرئاسة، ظلّ الرجل الآتي من بروكسل، فيليكس تشيسكيدي، وفيًّا لأصدقاء شبابه، حتى أنّه استدعاهم إلى قلب السلطة، وأطلق عليهم ساخرًا لقب “32-2″، في إشارة إلى رمز الاتصال الدولي لبلجيكا ورمزها المحلي. وحظي هؤلاء الآتون من أوروبا برواتب سخيّة ومناصب رفيعة، على الرغم من افتقارهم في كثير من الأحيان إلى المؤهّلات الحقيقية التي تبرّر وجودهم في دوائر صنع القرار. لكن لم تكن هذه الصداقات وحدها التي أثارت الجدل، فقد تبيّنت خطورة بعض العلاقات الأخرى التي نسجها تشيسكيدي في خلال إقامته الطويلة في بروكسل. من بين هؤلاء، برز اسم كيا ماندونغو، ابن ماندونغو بولا نياتي، الحاكم السابق في عهد موبوتو. وبصفته مستشارًا خاصًا للرئيس، أدّى ماندونغو دورًا محوريًا في فتح الأبواب أمام تشيسكيدي للوصول إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث عاش الأخير لسنوات، وأسهم في توقيع سلسلة من العقود. 

لكن الأهم من ذلك، أنّ كيا ماندونغو كان على علاقة وثيقة بجان بيير هابياريمانا، ابن الرئيس الرواندي السابق جوفينال هابياريمانا، الذي لقي حتفه في 7 نيسان/أبريل 1994، حين أُسقطت طائرته، في حادثة كانت الشرارة التي أشعلت الإبادة الجماعية في رواندا. من خلال هذه الصداقة، وجد ماندونغو نفسه مرتبطًا بشكل غير مباشر بالنخبة الهوتية السابقة، التي تضمّ عددًا من المتورّطين في الإبادة الجماعية، والتي لجأت إلى أوروبا وأفريقيا بعد سقوط نظامهم. لم يكن هذا التقارب ليغيب عن أنظار بول كاغامي، الرئيس الرواندي الأسبق، ورجل الاستخبارات المخضرم، الذي ربما رأى في هذه الشبكات تهديدًا محتملًا، قد يؤدي إلى محاولة إحياء نفوذ الهوتو من جديد. 

وفي موازاة تلك العلاقات المعقّدة، دعا تشيسكيدي وفدًا من حركة M23 إلى كينشاسا، حيث أقام قادتها لأكثر من عام في أحد فنادقها. ولم يكن الهدف الحقيقي من ذلك الاستقبال، التفاوض حول عودة عائلاتهم إلى الكونغو، بل كان مشروعًا سياسيًا وأمنيًا يقضي بتحويلهم إلى “لواء خاص” يتولّى حماية الرئيس شخصيًا، خوفًا من شبكات جوزيف كابيلا داخل الجيش. لكن بعد فترة طويلة من الانتظار من دون تحقيق أي تقدّم، غادر قادة M23 كينشاسا في نهاية المطاف، عائدين إلى معسكراتهم في أوغندا، في خطوة بدت وكأنّها تحضير لمواجهات مستقبلية. 

التحضير لعودة اللاجئين

لم يمضِ وقت طويل حتى ظهرت القطيعة بين كيغالي وكينشاسا إلى العلن، إذ لم يقتصر الأمر على اكتشاف بول كاغامي وجود شخصيات متورّطة في الإبادة الجماعية ضمن الدائرة المقرّبة من الرئيس الكونغولي، بل جاءت الضربة القاضية عندما أقدم تشيسكيدي على منح أوغندا مشروع بناء طريق استراتيجي يربط بين جنوب كيفو والحدود الأوغندية، متجاوزاً بذلك المسارات التقليدية لنقل المعادن التي كانت تمر عبر رواندا، وهو ما اعتبره كاغامي خيانة.

في مواجهة هذا التطوّر، بدأت كيغالي بالتحرّك على الأرض، فأعادت حشد مقاتلي M23 الذين كانوا في معسكرات أوغندا، لتبدأ أولى عملياتهم العسكرية في العام 2021. وبسرعة خاطفة، سيطرت الحركة على مدينة بوناغانا الحدودية، وسط لامبالاة دولية، قبل أن تواصل زحفها لتبسط نفوذها على مناطق واسعة من شمال كيفو، وخصوصًا في تلال ماسيسي، حيث بدأت الاستعدادات لعودة آلاف اللاجئين التوتسي الذين لا يزالون يقيمون في رواندا منذ عقود. وعلى الرغم من أنّ مقاتلي M23 يقاتلون تحت قيادة سلطاني ماكينغا، وهو أحد الضباط السابقين لدى لوران نكوندا، برزت أيضًا شخصيات سياسية مؤثرة مثل برتراند بيسيموا، المتحدث الرسمي باسم الحركة. 

وعلى مدار ثلاث سنوات، لم تحظَ المخيّمات الضخمة للاجئين التي أُقيمت حول مدينة غوما سوى بالقليل من الاهتمام الدولي، بينما وجد آلاف المدنيين أنفسهم عالقين في الخطوط الأمامية، بين نيران المعارك، في سلسلة من الهجمات المتتالية التي أودت بحياة أعداد لا تُحصى من الضحايا. 

الحرب كحجّة انتخابية

في خلال الحملة الانتخابية لعام 2023، فوجئ الكونغوليون برؤية رئيس مختلف. فبعد سلسلة من الإخفاقات الاقتصادية، ونظام المحسوبية الذي عزّز نفوذ الكاسائيين على حساب باقي الأقاليم، حاول تشيسكيدي إعادة صياغة صورته أمام الناخبين، ولجأ إلى التركيز على قضايا اجتماعية يصعب الطعن فيها، مثل مجانية التعليم الابتدائي، وتوفير الرعاية الصحّية المجانية للنساء الحوامل، بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية لتحسين الطرق في العاصمة كينشاسا، التي تعاني من اختناقات مرورية خانقة.

وعلى الرغم من هذه الإنجازات، لم يتمكّن الرئيس من إخفاء الفساد العميق الذي ينخر نظامه. إذ استمرّت النخبة السياسية في استنزاف خزينة الدولة، حيث استحوذت رواتب النواب وحدها على أكثر من 60% من الميزانية، بعد أن ارتفع دخل النائب الواحد من 20.000 إلى 30.000 دولار شهريًا (حوالي 28.635 يورو). ومع اقتراب موعد انتخابات 2023، جاءت الفضيحة الكبرى: عمليات تزوير واسعة النطاق طالت العملية الانتخابية، وصلت إلى حدّ وضع آلات التصويت داخل منازل النوّاب قبل أن تصل إلى مراكز الاقتراع، ما جعل الانتخابات مهزلة حقيقية.

ومع ذلك، تم الاعتراف دوليًا بفوز تشيسكيدي، بل وحتى داخل البلاد، لم يكن ذلك بسبب شفافية الأرقام، وإنّما لنجاحه في إحياء الحسّ الوطني لدى مواطنيه. إذ لم يتردّد في تصعيد نبرته الهجومية في خطاباته، مهدّدًا بول كاغامي بأنّه، “عند أول اشتباك” سينقل الحرب إلى أراضي رواندا الصغيرة.

وطنية مُستغلّة

سعى النظام في كينشاسا إلى تعزيز الجيش، واستعانت الحكومة بمدرّبين رومانيين ومستشارين فرنسيين ومرتزقة من جنسيات مختلفة. وقد وصل أجر بعضهم إلى 10.000 دولار شهريًا، في حين لم يكن الجنود العاديون يتلقون رواتبهم أساسًا. فقد كان الجنرالات يختلسونها ويحوّلونها إلى العاصمة فيما يُعرف بعملية “العودة”. 

لم يقتصر الأمر على الجيش النظامي، بل لجأت كينشاسا إلى تجنيد شباب “وازاليندو” (“أبناء الوطن”) من قرى كيفو. كان معظمهم من العاطلين عن العمل والمجرمين، لكن كان بينهم أيضًا طلاب جامعيون أرادوا الدفاع عن بلادهم، في دليل على أنّ الشعور الوطني لا يزال حيًّا بين الشباب الكونغولي. لأشهر عدّة، غذّت الدعاية الرسمية هذا الحسّ الوطني عبر حملة معادية لرواندا، وصلت إلى أعلى المستويات في الدولة، حيث استقبل تشيسكيدي صفوة المفكّرين التحريفيين، مثل تشارلز أونانا، بينما كان بول كاغامي يستعد للحرب. ورافق هذا التوجّه المتشدّد للنظام حالة من الشك والريبة تجاه الخصوم السياسيين المحتملين. ومن بين هؤلاء، مويس كاتومبي، الحاكم السابق لإقليم كاتانغا، وكذلك جوزيف كابيلا، الرئيس السابق، الذي فضّل المنفى على البقاء في البلاد.

لكن لم تستمرّ الوحدة الظاهرية خلف الرئيس طويلًا، وسرعان ما تلاشت أمام طموحاته السياسية. فقد سعى تشيسكيدي، مدفوعًا بدائرته المقرّبة من الكاسائيين، إلى تمرير تعديل دستوري يسمح له بالترشح لولاية ثالثة، على الرغم من أنّ الدستور لا يجيز ذلك. ومع أنّ مؤيّديه من إقليم كاساي – الذين عانوا من التهميش في خلال حكم موبوتو – دعموا المشروع، إلّا أنّ الرفض الشعبي كان واسعًا. فالشعب الكونغولي، الذي عانى طويلًا من دكتاتورية موبوتو، ظلّ متمسّكًا بشرعية القانون، رافضًا أي محاولة للالتفاف على الدستور.

الاستراتيجي وأصدقاؤه في دافوس

تشيسكيدي، في محاولته لمواجهة كاغامي، ربما استخفّ بقدرات جاره. فعلى الرغم من مغادرته المبكرة لأكاديمية “فورت ليفنوورث” العسكرية في الولايات المتّحدة، يُعَدّ بول كاغامي واحدًا من أكثر الاستراتيجيين حنكة في القارة الأفريقية. فقد خاض حروبًا كثيرة، بدءًا من القتال إلى جانب يوري موسيفيني في أوغندا في الثمانينيات، حين كان مسؤولًا عن أمن المناطق التي سيطرت عليها قوّاتهم. ثمّ تولّى قيادة الجبهة الوطنية الرواندية بعد مقتل صديقه فريد رويغيما في العام 1990، وقاد حربًا طويلة ضدّ جيش هابياريمانا، قبل أن يتصدّى لاحقًا للعملية الفرنسية “تركواز” (22 حزيران/يونيو – 21 آب/أغسطس 1994)، التي قُدِّمت على أنّها مهمّة إنسانية. وفي نهاية المطاف، تمكّن من إيقاف الإبادة الجماعية في حق التوتسي في تموز/يوليو 1994، ليبدأ بعدها مشروع إعادة بناء رواندا التي دمّرها الصراع، مستفيدًا من دعم الشتات الرواندي الذي عاد ليسدّ الفراغ الذي خلّفه مقتل قرابة مليون شخص في خلال الإبادة.

لطالما نظر كاغامي، القائد الصلب الذي لا يعترف بالحدود، إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية باعتباره “منطقة أمنية عازلة” يحقّ له التدخّل فيها لمنع “القوات الإبادية” للهوتو من إعادة تنظيم صفوفها. 

قاد كاغامي الحرب في الكونغو ثلاث مرات، وغالبًا عبر ميليشيات متمرّدة موالية له، لتحقيق هدفين: إنشاء منطقة آمنة، واستغلال الموارد الهائلة في شمال وجنوب كيفو. ولم يتردّد في نهب ثروات هذه المنطقة الغنية بالمعادن، مستفيدًا من شبكة علاقاته القوية مع حلفائه في دافوس—أصدقاء نافذون في عالم المال والأعمال، استقطبهم بذكاء، وجعلهم يرونه كشريك يمكنه تأمين إمدادات موثوقة من المواد الاستراتيجية، بغض النظر عن التكلفة البشرية لذلك.

الغرور القاتل

لطالما شكّلت حماية التوتسي الكونغوليين عبر الميليشيات محور سياسة بول كاغامي، بينما ظلّ أمن رواندا هاجسه الأوّل، وإغراء “كبار” العالم بأسلوبه المعتاد. فقد استخدم مزيجًا من الخدمات السياسية والعسكرية – سواء لصالح فرنسا في عهد إيمانويل ماكرون، أو لموزمبيق، ولكن بالدرجة الأولى للولايات المتحدة – بالإضافة إلى براعته في تنفيذ المهام الدولية ضمن الأمم المتحدة. 

إلّا أنّه في تلك الحرب تحديدًا، وبعد النجاحات الأوّلية، قد يقع كاغامي ضحية للغرور وأخطاء التقدير التي يولّدها الإحساس بالحصانة السياسية. فقد تحدّى الاتحاد الأفريقي وقوى إقليمية وازنة، مثل جنوب أفريقيا وأنغولا، حيث قاد كلٌّ من جواو لورينسو في لواندا وسيريل رامافوزا في بريتوريا حركات تحرّر وطني. كما أنّ رهانه على العلاقات الدولية قد يصطدم ببراغماتيين مثل دونالد ترامب الذي لا تحرّكه اعتبارات الإبادة الجماعية، وقد يفضّل ببساطة التعامل مع الكل (جمهورية الكونغو الديمقراطية) بدلًا من الجزء (رواندا) إذا اقتضت المصالح ذلك.

في المقابل، لا ينبغي الاستهانة بروح المقاومة الكونغولية، حتى لو استغرقت وقتًاِ لتنظيم نفسها. ففي ستينيات القرن الماضي، بعد اغتيال باتريس لومومبا، اندلعت انتفاضات واسعة النطاق في شرق البلاد ووسطها، وكانت من أضخم الثورات الفلاحية في أفريقيا، على الرغم من أنّ حكم موبوتو الطويل طمس الكثير من معالمها. واليوم، وعلى الرغم من اغتيال إيدينغو ديلكات في غوما، فإنّ أغانيه المقاومة بدأت بالفعل بالانتشار في أنحاء البلاد.

**

هذه نسخة معرّبة من النص الأصلي المنشور بالفرنسية على موقع أفريقيا XXI: 

M23, Rwanda et RD Congo, une longue et tumultueuse histoire

تعريب فيفيان عقيقي.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني