“
قد تكون مدينة بعلبك وجوارها، من قرى البقاع الشمالي، أكثر مناطق لبنان حرماناً، ومع ذلك لم يستطع دوّار الجبلي في دورس، ولاحقاً ساحة خليل مطران في بعلبك حشد أكثر من 500 شخص منذ بداية الإنتفاضة الشعبية. ورغم ذلك، يعتبر استمرار نزول المتظاهرين على قلّتهم، إلى الشارع لليوم العاشر على التوالي، أمراً ملفتاً في منطقة يهيمن عليها حزب الله الشريك الأساسي في الحكومة.
بدأ المتظاهرون النزول إلى الشارع منذ بداية الانتفاضة الشعبية إثر دعوة من أحد الناشطين في الحراك ويدعى علي طه وهو من بعلبك والدكتور سهيل رعد وهو عضو في البلدية. ومنذ ذلك اليوم وهم ينزلون يومياً عند الساعة الخامسة بعد الظهر. في الأيام الأولى، احتشد المتظاهرون في دوّار الجبلي في دورس المحازية لمدينة بعلبك نظراً إلى موقعها على طريق رئيسية وعلى مدخل مدينة بعلبك ومدخل البقاع الشمالي. ولكن مع بدء نزول بعض الطفّار و”المشاكسين” و”البهورجيّة” (الاستعراضيين) و”الشبّيحة” في سيارات “مفيّمة”، بدأ الناس ينفرون وتداعوا الأربعاء الماضي إلى النزول إلى ساحة خليل مطران على المدخل الجنوبي لمدينة بعلبك.
ولكن في كلتا الساحتين كانت مشاركة أهالي بعلبك المدينة خجولة لصالح مشاركة كبيرة من القرى المحيطة. وبلغ “النزوح” من دورس إلى بعلبك أوجه يوم الخميس الماضي بعد الدعوة التي وجّهها نوح زعيتر أحد أبرز تجّار المخدرات والمطلوبين في المنطقة، إلى الناس للنزول إلى دوّار الجبلي للمطالبة برفع الحرمان عن أهل المنطقة وبإصدار عفو عام. وبلغ عدد المتظاهرين في بعلبك يومها أكثر من 350 شخصاً مقابل حوالي 150 في دورس. وحضر زعيتر لمدّة 5 دقائق إلى دورس على وقع التصفيق برغم الوجود الأمني في مكان التظاهرة، علماً أنه مطلوب بموجب العديد من مذكرات التوقيف.
يقول أحد المشاركين الذي طلب عدم ذكر إسمه إنّه حين تبيّن لزعيتر أنّ عدد المتظاهرين في دورس قليل، أرسل إبنه إلى ساحة خليل مطران لدعوة الناس إلى التوجّه إلى الجبلي ولكن الغالبية رفضت كون الساحة في بعلبك أكثر أماناً. ووقعت مشادّات و”بلطجة كلامية” من قبل مرافقيه انتهت بانتقال عدد قليل من الأشخاص معهم إلى دورس.
ولم يقف ترهيب المتظاهرين عند نوح زعيتر وإبنه، فيوم الجمعة بعد انتهاء كلمة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، انطلقت مسيرات سيّارة لأنصاره جابت شوارع المدينة والجوار. وتوقف جزء من المسيرة بمحاذاة ساحة التظاهر في بعلبك حيث حصل تلاسن ومشادات كلامية وهدّد بعض مناصري الحزب المتظاهرين بالأذى إن لم يُفرغوا الساحة.
ولكن على الرغم من كل ذلك ومن وضع بعلبك وجوارها الحسّاس سياسياً نظراً إلى هيمنة حزب الله على المشهد هناك، بقي المتظاهرون في الساحة يوم الخميس إثر الاستعراض الذي قام به نوح زعيتر وإبنه وعادوا إليها الجمعة وصمدوا فيها على الرغم من التوتّر الذي تلا كلمة نصر الله.
يؤكّد المشاركون إنهم نزلوا إلى الشارع يدفعهم الحرمان الذي يعيشيونه كونهم أبناء هذه المنطقة المهمّشة أولاً وكونهم لبنانيون تستهدفهم الأزمة أسوة بغيرهم ثانياً. وقد غابت عن الحراك البعلبكي الوجوه البارزة المعارضة للثنائي الشيعي باستثناء المرشح الخاسر في الانتخابات النيابية عبدالله الشل، وهو ما عزز طابعه المطلبي المستقل.
وقد رفع المشاركون في ساحتي خليل مطران ودوّار الجبلي العلم اللبناني وصَدَحت الأغاني الوطنية وأغاني خاصّة ببعلبك وبالجيش ووضع في “الساحة” علم كبير وقّع المشاركون عليه. ورددوا هتافات مثل “كلّن قرطة حراميّة” و”يسقط يسقط حكم الأزعر” و”ثورة”. ورفعت لافتات في دورس كتب عليها “بعلبك أم الثوّار” و”الأمن والأمان” و”العفو العام الفوري” و”مدينة بعلبك مدينة سياحية وليست عسكرية” وصورة شهيد الحراك حسن العطار وعليها عبارة شهيد الثورة. ونال الوضع الصحي المتردي في بعلبك نصيباً جيّداً من اللافتات: “نريد محاسبة تجار أدوية السرطان الفاسدة”، و”المستشفيات الحكومية مقبرة للفقراء”، إضافة إلى الفساد: “شبكة الفساد بهالبلاد اكبر من شبكة الصرف الصحي”.
غلب العنصر الشبابي على التظاهرات من دون غياب المشاركين الأكبر سناً. وقد جالت “المفكّرة” عليهم وسألتهم عن أسباب مشاركتهم وعمّا إذا سبق أن شاركوا في حراكات سابقة، فتبيّن أنّ الغالبية سبق أن تظاهرت في رياض الصلح وساحة الشهداء في بيروت. وأجمعوا على رفض سياسة التجويع التي تنتهجها الحكومة والمحاصصة والمحسوبية وغياب الخدمات والبنى التحتية وقلّة فرص العمل. وطالب المتظاهرون باستقالة الحكومة وبعضهم بإسقاط النظام، داعين إلى محاسبة الفاسدين وإعادة الأموال المنهوبة واحترام الحقوق وإرساء الأمن والأمان وتأمين فرص العمل والضمان الصحّي للجميع. وشكا المتظاهرون بشكل خاص من غياب وسائل الإعلام المرئية عن حراكهم أسوة بمناطق أخرى تنال النصيب الأكبر من التغطية الإعلامية.
ونال نوّاب المنطقة وبلديّاتها نصيباً من الانتقادات، حيث قال أحد المشاركين “نحن ننتخبهم من دون فائدة”، فيما أكّد آخر أنّ سبب نزوله الرئيسي هو فشل البلديات في القيام بدورها. وطبعاً لم يغب تشريع الحشيشة عن مطالب المتظاهرين حيث أكّدوا أن عدم تشريعها يضرّ بالمنطقة.
يقول أحد المشاركين (60 عاماً) إنّه يعوّل على “وعي الناس ووحدتهم وبقائهم في الشارع من أجل إنجاح الحراك”، وهو ما لقي صدىً عند مشارك آخر (25 عاماً) قال إن “ثمّة فسحة أمل أتاحها الحراك هذه المرة لم يسبق أن لمسنا مثلها”. ووصل الإصرار بأحد المتظاهرين (25 عاماً) إلى القول “لا أريد هؤلاء السياسيين ولو على جثتي”.
“