“
نشرنا في اليومين الماضيين الحلقتين الأولى عن الحراكات الحقوقية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثانية عن الحراكات الحاصلة حول الحقوق المدنية والسياسية. ننشر هنا الحلقة الثالثة التي تتناول عددا آخر من الحراكات الحقوقية (المحرر).
الحراك البيئي .. ثقافة في طور النمو
“في السنوات الأخيرة، توجه جزء من الرأي العام والحراك الحقوقي نحو الإهتمام بالشأن البيئي في تونس. ومن خلال متابعتنا، نستطيع القول بأن الثقافة البيئة في تونس هي ثقافة في طور النمو”. هكذا إستهل “الرمضاني” حديثه عن المجال الحقوقي البيئي. كان قد أطلق المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية “المنتدى السنوي من أجل عدالة بيئية” في 2015 لمتابعة ومناقشة المظالم البيئية التي تشهدها في تونس.
كان هذا المنتدى بمثابة فرصة لتلاقي النشطاء والمعنيين والتوعية البيئية والتشكيل التدريجي للمواقف المشتركة حول هذه المظالم والعمل على حلها. عقد هذا المنتدى جلسات عديدة خلال سنة 2018. المستحدث هذه السنة هي “المنتديات الجهوية”. حيث كان هناك العديد من اللقاءات التشاوية في الولايات تونسية، كولاية القيروان وقفصة. كما تم استحداث منظمة “راج” منصة “المنتدى الأخضر للمناخ” الإلكترونية والتى تعنى بالمظالم البيئية ومراقبة مدى إلتزام الدولة بتطبيق القوانين المحلية والإتفاقيات الدولية في هذا الخصوص. وسيتم الحديث أكثر عن هذه المنصة في الجزء الثاني من هذا التقرير.
قضايا الأسرة والعنف ضد المرأة .. بين القانون وتطبيقه
في سنة 2017، تم إقرار قانون حماية المرأة من العنف. ونلحظ أن الجمعية التونسية لنساء حول التنمية كانت من الجمعيات القليلة، إن لم تكن الوحيدة، التى ركزت إستراتيجية عملها لعام 2018 على ضمان تفعيل هذا القانون. “16 يوم من أجل التوعية بقانون حماية المرأة من العنف” كان النشاط الأبرز الذي جنَدت من أجلها هذه الجمعية نشطاءها في العديد من الولايات التونسية.
نستشفّ من نقص عدد الجمعيات والمنظمات المهتمة بمتابعة تطبيق القانون بعد إقراره، إحدى إشكاليات العمل الحقوقي في تونس. فبالرغم من أن الجمعيات والمنظمات الحقوقية حققت نجاحات كبيرة في بناء ترسانة قانونية حمائية، إلا أن هذا الجهد الذي يركز على استصدار ومراكمة النصوص القانونية، يسقط جانبا آخر مهما لاحظناه مرات عديدة ألا وهو ضرورة متابعة مسار ما بعد عملية إقرار القانون. عملية التحشيد ورص الصفوف لعشرات الجمعيات خلال مسار إقرار القانون سرعان ما تخبو لينتهي الحال بجمعية أو إثنتين لا غير تعملان على تطبيق القانون بعد المصادقة عليه. قانون حماية المرأة من كل أشكال العنف مثال واضح على ذلك.
الفئات المهشة في تونس بين الفوز والتهميش
فضلا عن تحركات المثليين ومجتمع الميم المشار إليها أعلاه ضمن خانة الحريات الفردية، لوحظ في 2018 حراك مميز لذوي الإٌعاقة وللعمال المهاجرين.
2% حق مش مزية لذوي وذوات الإعاقة
“2 بالمائة حق موش مزيّة” (أي 2 بالمائة حق وليس تفضيلا)، حملة أطلقتها المنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة للضغط على القوة الحاكمة والمعنيين لتفعيل القوانين والقرارات الرسمية التى تضمن تمتع ذوي الإعاقة بحقهم في التشغيل على قدم المساواة مع جميع المواطنين، خصوصا قانون عدد 41 لسنة 2016 المؤرخ في 16 ماي 2016 والذي ينص على إسناد نسبة لا تقل عن 2% من الانتدابات السنوية بالوظيفة العمومية بالأولوية لفائدة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يستجيبون للشروط المنصوص عليها بهذا القانون ولهم المؤهلات للقيام بالعمل المطلوب. كما طالبت المنظمة تخصيص فرصة عمل واحدة على الأقل لأشخاص من ذوي الإعاقة في كل منشأة أو مؤسسة عمومية أو خاصة تضم بين 50 و99 موظف وفرص عمل بنسبة لا تقل عن 2% في كل منشأة ومؤسسة عمومية أو خاصة تحتوي على مائة شخص أو أكثر. تخللت الحملة وقفات إحتجاجية عديدة دعت إليها مكاتب المنظمة التونسية للدفاع عن الأشخاص ذوي الإعاقة في كل من قفصة، مدينة في الجنوب الغربي التونسي يوم الثلاثاء 09 أكتوبر 2018. كما قامت المنظمة بجولات على العديد من الولايات التونسية مثل مدنين، الكاف، قفصة، للقاء المعنيين. وقد حاولت المنظمة عقد إتفاقيات ضامنة لتوظيف 2% من ذوي الإعاقة في هذه الجهات. كان أهم هذه اللقاءات لقاء قفصة، كما شرح لنا أ. يسري مزاتي، رئيس المنظمة، خلال حوارنا معه. حيث اجتمع مع مدير عام شركة فسفاط قفصة الذي تعهد بانتداب 2% من ذوي الإعاقة خلال الانتدابات القادمة.
من جهة أخرى، حقق ذوو وذوات الإعاقة إنتصارا يعد الأبرز في 2018. فقد فاز 15 من أصل 18 مرشحا كرئيس قائمة من ذوي وذوات الإعاقة في الإنتخابات البلدية، وهي الأولى من نوعها في تونس. كما فاز 144 شخص من بين ذوي وذوات الإعاقة في المجالس البلدية التي يبلغ العدد الإجمالي لأعضائها 7500. ولهذا الفوز دلالتان. الأولى هي حجم الإقبال الكبير من قبل هذه الفئة ووعيهم المتزايد بأهمية مشاركتهم السياسية وترشحهم لمواقع صنع القرار. كما يدل على وعي هذه الفئة بأهمية تحدي الوصم والإقصاء الإجتماعي القائم على إستضعافهم والتقليل من قدراتهم. جاء هذا الفوز بعد نضال دام سنوات أثمر في 2018 وبعد أن أدرج صناع القرار الاقتراح المقدم من قبل المنظمة التونسية للدفاع عن حقوق ذوي وذوات الإعاقة بأن يكون شخص من هذه الفئة من ضمن العشرة الأوائل في القائمات الانتخابية، على أن يترتب على كل من لا يلتزم بذلك حرمان القائمة أو الحزب من التمويل العمومي.
ذوي وذوات الإعاقة وحق التعليم
شهد أكتوبر 2018 حدثا آخر لا يقل مساسا بحقوق ذوي وذوات الإعاقة، بحيث رفضت إدارة المدرسة الوطنية لعلوم وتقنيات الصحة بتونس أن تسمح لستة وعشرين طالبا يشكون من إعاقة بصرية من الالتحاق بصفوف الدرس بها بداية السنة الجامعية 2018-2019. الأمر الذي دفع الطلبة الذين هدد القرار حقهم في التعليم، كما حرم القادمين منهم من المناطق البعيدة عن العاصمة تونس من السكن الجامعي، إلى الإعتصام لأيام متعددة أمام مقر وزارة التعليم العالي.
سبقت هذه الحادثة، تحديدا في سبتمبر 2018، محاولة إدارة المدرسة الوطنية لعلوم وتقنيات الصحة بتونس حرمان الطلبة المكفوفين من حقهم في التعليم بدعوى عجزها عن تأطيرهم ومحاولة إدارة المعهد العالي للغات بنابل منع الطالبة صفاء فحيل من الترسيم بالمعهد بحجة أنها تستعمل في تنقلها كرسيا متحركا بما يمنعها من استعمال المرافق التربوية التي لم تصمم هندسيا لمن كان في مثل وضعها. وفيما لم يسجل أي تحرك من قبل المعنيين في هذه الحالات، وجد الطلبة أنفسهم مرغمين على مباشرة تحركات إحتجاجية منفردين ودون أي مساندة من اتحادات الطلبة أو من الجمعيات الممثلة للمعوقين. وصل صدى تحركاتهم هذه للإعلام والناشطين الحقوقيين الذي باشروا بالتحرك مناصرة ودعما. لذلك اضطرت وزارة التعليم العالي التي غابت عن المشهد في البداية للتدخل بإعلان تعهد من جانبها كسلطة إشراف إداري بالحفاظ على حق الطلبة المحتجين في التعليم وبتوفير ما تستدعيه ممارسة هذا الحق من موارد.
مظاهرة “الإيفواريين” رفعا لشعار “لا للتمييز العنصري”
بالرغم من التطور القانوني اللافت في تونس فيما يخص مناهضة التمييز العنصري، تحديدا مع إقرار القانون الأساسي عدد 11 لسنة 2018 المتعلق بالقضاء على جميع أشكال الميز العنصري بتاريخ 09/10/2018، ما زالت الممارسات العنصرية من اعتداءات وتمييز قائم على لون البشرة مستمرة في البلاد. الأقليات المنحدرة من دول أفريقيا جنوب الصحراء (إيفواريين) في تونس هي من أبرز الفئات التي تتعرض لهذه الممارسات اللاإنسانية التي لا تخلو من العنف على أساس لون البشرة، وتصل إلى حد القتل. خلال 2018، حدث ثلاث حالات وفاة إيفواريين في تونس في أقل من أسبوع، كان آخرها مقتل رئيس جمعية جالية كوت ديفوار في تونس “فاليكو كوليبالي” ليل الأحد 23 دسيمبر 2018 طعناً بالسكين. بشكل عفوي، دفعت هذه الحادثة عددا كبيرا من الجالية الإيفوارية بالتظاهر أمام المسرح البلدي في العاصمة التونسية في نهار الثلاثاء 25 ديسمبر 2018 رافعين شعار “لا للعنصرية”. الجدير بالذكر هو كيفية إحتجاج الإيفوريين. حيث رفعوا مطالبهم من خلال رقصاتهم وأغانيهم الإيفورية التقليدية التي ملأت ساحة بورقيبة. شاركهم الرقص والغناء عدد كبير من التونسيين ومن جنسيات عربية وأجنبية مختلفة.
اللامركزية والحكم المحلي.. صلب الإنتخابات البلدية
اللامركزية والحكم المحلي مبادئ نص عليها الباب السابع من دستور 2014 والقاضي بأنّ “اللامركزية تتجسد في جماعات محلية، تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون.”
إنطلاقا من هذين المبدأين، تكمن أهمية الإنتخابات البلدية في 6 ماي 2018، وهي الأولى من نوعها في تونس، والتي هي بمثابة إنطلاقة للبلديات لتصريف شؤونها باستقلالية، في إطار الدولة وما يضبطه دستور البلاد. لذلك إنصب عمل العديد من الجمعيات والمنظمات على التوعية الشعبية بأهمية المشاركة في هذه الإنتخابات من خلال الإضاءة على أهمية البلديات واللامركزية والحكم المحلي في التنمية ومحاربة سياسات التهميش والإقصاء للمناطق، خصوصا تلك التي عاشتها المناطق الداخلية التونسية قبل الثورة.
من أبرز المنظمات التى ركزت مجمل عملها في 2018 على الإنتخابات البلدية، من تعزيز الوعي الجماهيري بالإنتخابات البلدية إلى مراقبة مسار العملية الإنتخابية إلى توثيق نتائج الإنتخابات هي “شبكة مراقبون”. أكد ، أ. كريم سيالة، مدير برامج في شبكة مراقبون، أن الحملات الإعلامية التى أطلقتها المنظمة على شبكات التواصل الإجتماعية والومضات الإعلامية التى بثّت على فيسبوك وعلى المحطات التلفزية والراديو ساهمت بشكل كبير في إدخال مسألة الإنتخابات البلدية ضمن الخطاب العام اليومي للمواطن التونسي. كما أكد “سيالة” أن شبكة مراقبون رصدت تفاعلا غير مسبوق من قبل رواد مواقع التواصل الإجتماعي مع الحملات التى تطلقها. الأمر الذي يشير إلى مدى إستيعاب وفهم المواطن التونسي لهذه المفاهيم.
الشفافية ومكافحة الفساد
تبلور حق النفاذ إلى المعلومة قانونيا في 2017، لتستهل هيئة النفاذ للمعلومة عملها في أوائل سنة 2018. خلال لقاء المفكرة القانونية الأستاذ عماد الحزقي، أشار إلى أن أغلب المبلغين، هم من عموم المواطنين والجمعيات المدنية. وكانت جمعية “أنا يقظ” من أبرز المنظمات الحقوقية التي ناضلت في سبيل إقرار قانون النفاذ إلى المعلومة في 2017 وهي الآن الأكثر مطالبة ولجوءاً إلى هذا الحق خصوصاً أنها تعمل على مكافحة الفساد وتعزيز شفافية المؤسسات.
كما وأن أبرز بلاغ تظلم رفع للهيئة هو ذاك الذي قدمته “أنا يقظ” ضد الأحزاب رغبة منها في الحصول على كشف لحساباتها المالية وضد وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان بإعتبار أن الحسابات المذكورة مودوعة لديها. كان هذا البلاغ في صلب إستراتيجية عمل “أنا يقظ” لعام 2018 والتي ركزت على مراقبة مصادر تمويل الأحزاب، خصوصاً وأن 2018 كانت سنة إنتخابية بإمتياز، هذا ما أفادنا به أ. أشرف عوادي، رئيس المنظمة.
كما نظمت “أنا يقظ” العديد من النشاطات التوعوية خلال سنة 2018 على أهمية التبليغ عن الفساد. هذا ما أكده “عوادي” خلال حوارنا معه، حيث أشار أن عدد المبلغين عن الفساد لعام 2018، الذي تقدموا ببلاغ لمركز “دعم وإرشاد ضحايا الفساد” التابع لأنا يقظ، تجاوز 250 بلاغ، تم تتبع كل البلاغات التى تستوفي الشروط والمعايير اللازمة، قضائيا.
حراكات حول أخطاء الأجهزة الأمنية
شهت سنة 2018 العديد من الإعتداء بالقتل على مواطنين من قبل الأجهزة الأمنية، الأمر الذي استولد حراكات متفرقة حول الحق في الحياة والحق في الأمان المكفولين دستوريا في تونس. من أبرز هذه الأحداث، دهس” المواطن “خميس اليفرني” من قبل القوى الأمنية في مدينة طبربة، غرب العاصمة التونسية، وذلك خلال الإحتجاجات الليلة ضد ميزانية 2018 وتحديدا يوم 8 فيفري 2018. ورغم وجود شهود عيان للحادثة، أعلنت وزارة الداخلية أن الوفاة ناتجة عن “مرض مزمن”. شغلت هذه الحادثة الرأي العام التونسي الذي أخذ يستنكر ويندد بالممارسات العشوائية والإنتهاكات الحقوقية من قبل الأجهزة الأمنية.
في نفس السياق، وفي 31 مارس 2018، طاردت قوات الأمن شابا يدعى عمر العبيدي، 19 سنة، على خلفية المناوشات بين مشجعي فريقين متباريين في ملعب رادس وأثناء المطاردة، أرغم أعوان الأمن الشاب النزول إلى وادي “ماليان” في مدينة رادس، نوب شرقي العاصمة تونس، رغم أنه أعلمهم أنه لا يجيد السباحة، مما أدى إلى وفاته. تبعا لهذه الحادثة، أطلق ناشطون حملة سمّيت #تعلم_عوم، مطالبين بمحاسبة المعتدين من الشرطة في ظل وجود شهود عيان.
حادثة ثالثة أشعلت الرأي العام التونسي هي حادثة إطلاق أعوان الديوانة النار على “أيمن العثماني” في 12 أكتوبر 2018 تفريق الأهالي خلال عملية مداهمة لمخزن يحتوي على سلع مهربة في سيدي حسين، وهي ضاحية من ضواحي العاصمة التونسية. كان رد الإدارة العامة للديوانة على هذه الحادثة بأن “الضحية سقط وحده”. أطلقت حملة #تعلم_إجري من قبل نشطاء على فيسبوك للتنديد بهذه الحادثة ولفضح الممارسات الظالمة للأجهزة الأمنية.
العدالة الإنتقالية والدوائر القضائية المتخصصة
كان من المتوقع أن تنهي هيئة الحقيقة والكرامة في ماي 2018 ولايتها. إلا أنها عمدت إلى تمديدها بقرار ذاتي حتى آخر ديسمبر 2018 لإنهاء أهمالها. وعليه، شهدت هذه السنة تحويل عدد كبير من ملفات الضحايا إلى الدوائر القضائية المتخصصة. وقد حصل هذا الأمر بشكل تدريجي في خضم حراك منتظم لجمعيات الضحايا، للمطالبة بتحويل مزيد من الملفات إلى هذه الدوائر أو أيضا بالاعتراف بحقوق الضحايا بالتعويض.
وإذ تصدرت هيئة الحقيقة والكرامة منذ إنتخاب أعضائها في أواخر سنة 2013 لغاية أوائل 2018 الحديث عن مسار العدالة الإنتقالية، كان من المتوقع أن يؤدي انتهاء ولايتها وتحويل الملفات إلى الدوائر المتخصصة إلى انتقال مسار العدالة الانتقالية وحراك الضحايا إلى هذه الأخيرة.
أول المؤشرات على ذلك حصلت بمناسبة انعقاد أولى الجلسات في قضية “المطماطي” المحالة إلى دوائر قابس، بتاريخ 2 مارس 2018، حيث شهدنا احتفاء حقوقيا وإعلاميا، محليا ودوليا طغا على الخطاب السياسي المعادي لمسار العدالة الإنتقالية وعمل هيئة الحقيقة والكرامة. وقد توالت الجلسات الاحتفالية من هذا النوع بمناسبة الجلسات المنعقدة للنظر في قضايا أخرى وفي مناطق أخرى. وتجلى ذلك بشكل خاص في الوقفات أمام المحاكم، والتى دعا إليها كل من “تحالف الكرامة ورد الإعتبار”، وهو تحالف يضم مجموعات الضحايا والجمعيات المحلية والدولية التى تعنى بهم، وفي مقدمتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان والمركز الدولي للعدالة الإنتقالية. وبشكل عام، حضر إلى هذه الوقفات ممثلون عن جمعيات ومنظمات، ونشطاء مستقلون وحقوقيون الخ.
وبالحديث إلى العديد من الضحايا، تلمحنا أن ثمة إجماعا من قبلهم على أهمية الدوائر المتخصصة في إعادة الحقوق لأصحابها، ليس من باب التشفي ومعاقبة المجرمين والمعتدين جزائيا بل من باب تعزيز سلطة القضاء وتعزيز ثقافة عدم الإفلات من العقاب. من بين هؤلاء، أة. سلوى القنطري، رئيسة المركز الدولي للعدالة الإنتقالية، أ. حسين بوشيبة، المتحدث الرسمي بأسم تحالف الكرامة ورد الإعتبار، أ. جمال بركات، شقيق الشهيد السياسي كمال بركات، أ. خضير العلمي، سجين سياسي سابق وعضو في تحالف الكرامة ورج الإعتبار، وغيرهم من الشخصيات التى لعبت دورا بارزا في متابعة عمل هيئة الحقيقة والكرامة وقضايا الضحايا.
من جهة ثانية، يلحظ أن المنظمات الحقوقية كانت بادرت دفاعا عن العدالة الانتقالية وتحسبا لانهيار مسارها بعد انتهاء ولاية هيئة الحقيقة والكرامة، إلى تشكيل ائتلاف مدني للدفاع عن مسار العدالة الانتقالية في تونس. يضم هذا الائتلاف أكثر من أربعين جمعية تونسية ودولية، نذكر منها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، منظمة بوصلة، الفيديرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومحامون بلا حدود، النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين. اتخذ هذا الائتلاف خطوته الأولى في 17 أفريل 2018 خلال ندوته الصحفية التى أعلن فيها عن بيان مشترك يتضمن عدة مطالب، أهمها عدم عرقلة التمديد لمدة 7 أشهر لهيئة الحقيقة والكرامة والتعجيل بسد الشغور الحاصل منذ 2014 على مستوى تركيبة الهيئة.
من جهة ثالثة، لم ينفكّ تحالف الكرامة ورد الإعتبار وحملة “ملفي أيش صار فيه يا هيئة” (ماذا حدث لملفي يا هيئة الحقيقة والكرامة)، وهي حملة تضم أطيافا مختلفة من ضحايا عهود الإستبداد الغابرة، من التظاهر والقيام بوقفات أمام مقر هيئة الحقيقة والكرامة من أجل حثها على الإسراع في نشر القرار الإطاري لجبر الضرر والمقرارت الفردية التى تحدد الإنتهاكات التى تعرض لها كل ضحية من ضحايا الإستبداد مع التعويض المناسب له. كان آخر هذه الوقفات وأكبرها في 10 أكتوبر 2018 والذي إستمر لأكثر من 11 أيام. وقد شكل هذا التحرك من منظور الضحايا محاولة أخيرة للحصول على حقوقهم. تزامن مع هذه الوقفة إعتصام نفذته خمس سجينات سياسيات سابقات في سجون الاستبداد داخل مقر الهيئة هنَّ السيدة بسمة البلعي والسيدة حميدة العجنقي (اللتين أخذت جلساتهما العلنية أمام هيئة الحقيقة والكرامة صدى عالميا)، سلمى بن محمد، خيرة المؤدب وبسمة شاكر، للمطالبة بنفس الحقوق.
أنهت هيئة الحقيقة والكرامة في 31 ديسمبر 2018 أعمالها وسلمت تقريرها النهائي والأخير إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة، منهية بذلك مسار وقفات وإحتجاجات طويلة تخللته مطالب عديدة لم يحقق منها إلا القليل. وقد بدا ذلك واضحا خلال المؤتمر الختامي الذي عقدته الهيئة في نهاري 14 و15 ديسمبر 2018، لعرض أهم مخرجات عملها. فقد سادته العديد من المشاحنات والتساؤلات من قبل الضحايا ومنظمات المجتمع المدني حول توصيات الهيئة التي لم يُعلن عنها خلال المؤتمر ومصير الملفات التى لم تحل إلى اليوم للدوائر القضائية المتخصصة.
كما أن النقص الخطير في إجراءات التقصي والتحقيق في ملفات الضحايا التي تم إيداعها لدى الهيئة منذ تأسيسها والتى تجاوز عددها 60 ألف يطرح تساؤلات كبيرة تخرج عن إطار هذا التقرير.
- نشر هذا المقال في العدد | 14 | أبريل 2019، من مجلة المفكرة القانونية | تونس |. لقراءة العدد انقر/ي علىالرابط ادناه:
لمن القانون في تونس 2018؟
“