“كنّا على وشك مغادرة محيط قصر العدل، أوقفنا مدنيون، سلّمونا لعناصر من الجيش، نُقلنا على الأرجح إلى ثكنة اللواء 11 قرب العدلية وأعيننا مغطاة بقمصاننا، أجلسونا على ركبنا، تعرّضنا للضرب والشتم والإهانة، ثمّ وضعونا بعد 3 ساعات تقريباً في آلية للجيش وأوصلونا إلى منطقة المتحف وأنزلونا في الطريق”، رواية يكرّرها الشبّان الأربعة الذين أوقفهم الجيش أمس الإثنين بعد مشاركتهم في اعتصام تضامني مع الناشطين عبد الرحمن زكريا ومحمد رستم اللذين أوقفا الأسبوع الماضي على خلفية مساعدتهما المودعةوالناشطةساليحافظ في استرجاع وديعتها من مصرف لبنان والمهجر يوم الأربعاء الماضي في 14 أيلول الجاري. وتخلّل الاعتصام خلع لبوابة قصر العدل وقطع للطريق وانتهى بمناوشات بين المتظاهرين والجيش الذي أطلق النار في الهواء لتفريقهم.
وبعد رميهم في منطقة المتحف “كأنّنا نفايات” بحسب تعبير أحد الشبان الأربعة، توجّه اثنان منهم وهما علي حمد ومحمد الضناوي إلى ساحة الشهداء حيث نقلا من هناك إلى مستشفى الجامعة الأميركية لتلقي العلاج وغادراها فجر اليوم، بينما عاد محمد نعمان وخالد عبدالله إلى منزلهما.
وكان الجيش ذكرفيبيانصدر أمس تعليقاً على التوتّر الذي حصل أمام قصر العدل أثناء الاعتصام أنّه “أوقف عدداً من مثيري الشغب”. وهو ما ردّ عليه المتظاهرين الأربعة أثناء تواصل “المفكرة القانونية” معهم بأنّهم لم يشاركوا في المناوشات مع الجيش وبعضهم قال إنّ دوره اقتصر على محاولة تهدئة التوتر، فيما أكد واحد منهم أنّ أحد الأشخاص باللباس المدني الذين أوقفوه وسلّموه إلى الجيش كان يرشق الجيش بالحجارة في وقت سابق.
وتحدّث الشبان لـ “المفكرة” عن انتهاكات كثيرة تعرّضوا لها بدءاً من احتجازهم في ثكنة للجيش من دون السماح لهم بإجراء أي اتصال هاتفي مروراً بالضرب المبرح والإهانة والتهديد وصولاً إلى تصوير أحدهم وهو يتعرّض للضرب، ثم رميهم في الشارع من دون عناية طبية. ويخبرون عن تعاطف بعض العناصر في الثكنة معهم قبل وصول ثلاثة ضباط انهالوا عليهم بالضرب وتقصّدوا إذلالهم. وقد شارك ثلاثة من الشبّان معنا صوراً تظهر آثار الضرب الذي تعرّضوا له على أجسامهم. كما اطّلعت “المفكرة” على تقريرين للطبيب الشرعي الذي كشف على اثنين منهم وأكّد وجود كدمات وآثار الضرب عليهما.
واتخذ علي حمد ومحمد الضنّاوي صفة الادعاء الشخصي على الضباط الثلاثة بجرم الضرب والإيذاء والقدح والذم بعدما استمعت فصيلة ميناء الحصن إلى أقوالهما أثناء تواجدهما في مستشفى الجامعة الأميركيّة في بيروت ليل أمس تحت إشراف مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي.
“كانوا يأخذون استراحة ثمّ يعودون لضربي”
يروي علي حمد (25 عاماً) الذي كان من المعتصمين أمام قصر العدل أنّ عناصر بلباس مدني ألقوا القبض عليه عند الساعة الخامسة والنصف بعد الظهر تقريباً: “غادرت محيط قصر العدل عند الساعة الثالثة وعندما عرفت أنّ هناك توتراً بين الجيش والمعتصمين عدت، كانت الأمور شبه هادئة، وفجأة تأتي عناصر مدنيّة، تنهال عليّ بالضرب، تمسكني وتسلّمني إلى ملازم أول في الجيش”.
يكمل علي “قلت له (للملازم) ما خصّني ليُجيبني وهو يضربني: ما خصّك يا (كلمة نابية)، وبعدها ضربني مدنيون وعسكريون بكعوب البواريد، والعصي والأرجل”.
ويصف علي كيف ركّعوه على الأرض في محيط قصر العدل قبل أن يعصبوا عينيه بقميصه وهو لا يعرف من أين تأتيه الضربات ليطلب منه الملازم فتح شنطته قائلاً له: “انقبر فتاح شنطك” ويقول: “عندما فتحت شنطتي رأى كوفية معي، فانهال عليّ بالضرب وهو يشتمني ويقول ما إلك دخلة يا (كلمة نابية) مستعملاً معجماً من الشتائم”.
يقول علي إنّ الملازم أجبره على فتح هاتفه وعندما رأى مجموعة على واتساب يتضمّن اسمها كلمة “وجع” بدأ يسخر منه ويضربه، وبعدها رمى الهاتف بوجهه، ثمّ وضعوه في آلية عسكرية (ريو) مشيراً إلى أنّ أحد المحامين الذي كان واقفاً جنب الريو سأله عن اسمه فمنعه الجيش من الإجابة: “هدّدني العسكري، وقال لا تقل اسمك ولكنّي قلته” يقول علي.
يؤكّد علي كما الشبّان الثلاثة أنّ العناصر في ثكنة الجيش حيث تم اقتيادهم كانوا متعاطفين معه “شرّبوني ماي، وسيجارة، كان الوضع هادئاً إلى أن وصل الضباط وبدأ أحدهم بتوجيه الحديث لي “صار يقلي صرماية الجيش بتشرّفك، وبعدها ضرب الضباط رأسي بالحائط وأنا راكع على ركبتيّ، انهالوا عليّ بالضرب بركبهم وأرجلهم على كلوتي، أخبرتهم أنني تعرّضت لضربة على كتفي منهم قبل وصولي، فزادوا الضرب على كتفي، أخبرتهم بأنني أعاني من مشكلة كهرباء جزئية في رأسي فضربوني على رأسي”.
يقول الشبّان الذين كانوا مع علي في الثكنة إنّه كان أكثر من تعرّض للضرب وهو يخبر “المفكرة” أنّه غاب عن الوعي من كثرة الضرب الذي تعرّض له “فقدت وعيي من كثرة الضرب، واستيقظت على الضرب، وكانوا يستريحون ثمّ يعودون إلى ضربي”.
ويشير علي إلى أنّه “الوحيد من بين الشبّان الأربعة الذي كان هناك شخص يقف إلى جانب الضابط ويصوّره وهو يُضرب”.
يتحدّث علي عن إهانة وذلّ مقصودين لا يستطيع فهم مبرراتهما ويقول: “طُلب منّي التعرّف على أغراضي وما أن رفعت رأسي لأقوم حتى ضُربت وكمش أحدهم شعري وأخذني زحفاً لأتعرف على أغراضي، وهو يقول لي إنت هيك بتمشي”.
لم يتوقّف الأمر عند إهانة علي وشتم والدته إذ سأله أحد الضباط عن إحدى صديقاته التي كانت في محيط قصر العدل مستخدماً أبشع الشتائم في وصفها ووصف علاقته بها: “بداية رفضت إعطاء اسمها، فكان الجواب منهم بأنني سأقرّ بكلّ شي عندما يدخلوني غرفة الكهرباء، وعندما ينقلوني إلى الريحانية حيث لن يعرف عنّي مخلوق” يقول علي مضيفاً: “إجا عسكري يمكن ضابط قال لي مهدداً أنت بس تصير فوق حتكون من حصّتي”.
واطّلعت “المفكرة” على تقرير الطبيب الشرعي الذي كشف على حالة علي “وجود كدمات حمراء على جبينه وكتفه الأيمن حيث نرى كدمة ناتجة عن رضة بواسطة العصا، وذمة على ظهر اليد اليمنى مع ألم عند تحريك الأصابع وكدمات وخدوش متعدّدة على ركبتيه وكدمات على كتفه وساعده الأيسر، وكدمات على خاصرته اليسرى واحمرار على خده الأيسر وكدمات على الجهة اليسرى للعنق، وألبس طوقاً حول العنق لتثبيته”.
“أنتم كبش محرقة”
محمد الضناوي (27 عاماً) كان أحد الشبان الذين أخذهم الجيش أمس الإثنين أيضاً، وهو كان برفقة علي، ويروي القصّة نفسها بأنّه وبينما كان يهمّ بترك محيط العدليّة تقدّمت منه مجموعة أشخاص بلباس مدني بينما كان عناصر الجيش خلفه، أمسكه مدنيون وسلّموه للجيش، كما يكرّر قصّة طلب أحد المحامين أسماءهم ليمنعهم الجيش من الإجابة.
ويقول محمد: “نقلونا إلى الثكنة حيث كنّا 4 موقوفين في الغرفة، لا أعرف إن كنّا 4 في الريو لا أذكر صراحة”.
يعيد محمد كلام الشبّان من أنّ العناصر عند وصوله إلى الثكنة لم يتعرّضوا له ويقول: “بل على العكس سمعنا أحدهم يقول لنا أنتم كبش محرقة، بعدها وصل 3 ضباط، ملازم أوّل وملازم ونقيب، وبدأ الضرب، ضربت على رقبتي بعصا خشبية، وبركبة الضباط على ظهري، تعرّضت للشتائم، شتمونا وشتموا أمهاتنا، كمية الشتائم التي سمعناها لم تكن معقولة”.
أكثر ما يؤلم محمد هو تعرّضه للتنمّر: “كانوا يقولون لي يا بغل ويا دب في إشارة إلى وزني، وكانوا يسألونني من أعطاني سعر ساندويش المرتديلا الذي كنت آكله نهاراً أمام قصر العدل، لا أعرف كيف عرفوا أنني أكلت ساندويش مرتديلا، طوال الوقت يسألونني عمّن يدفع لي، وأنا أجيبهم أني أعمل”.
ويروي محمد أنّه طُلب منه فتح تلفونه فأجاب بأنه يحتوي على أشياء خاصة: “لم يفتحوه وأصلاً كان رح يطفي” يقول محمد .
واطّلعت “المفكرة” على تقرير الطبيب الشرعي الذي أفاد بأنّ محمد الضناوي وصل إلى طوارئ مستشفى الجامعة الاميركية عند الـ 11 مساء، وأنّه يعاني من ألم حاد وشديد في العمود الفقري لعنقه وينسحب على العمود الفقري لظهره. وأنّه لدى معاينة لركبتيه تبيّن وجود كدمات حمراء مستوى العظمة المتحركة في رأس الركبة (الصابونة) مع ألم حاد، وأعطاه الطبيب مدة تعطيل عشرة أيام.
محمد في المستشفى وهو يضع طوق العنق
“شعرنا وكأننا نتعامل مع عصابة”
“ليس لدي أي علاقة (بالمناوشات مع الجيش)، أنا لست حتى ثورجي أو ممن ينزلون على الأرض، عبد الرحمن ابن ضيعتي (تكريت)، الضيعة كلها نزلت تتضامن وأنا نزلت” يقول محمد نعمان (34 عاماً) أحد الشبّان الذي أوقفهم الجيش أمس مؤكداً بأنّه ليس من مثيري الشغب جواباً على بيان الجيش، وأنّه أصلاً كان أثناء النهار يحاول تهدئة المعتصمين لأنّ الهدف ليس افتعال أي صدام مع الجيش أو القوى الأمنية.
يروي محمد نعمان أنّه أثناء تركه باحة قصر العدل شاهد الجيش يضرب أخاه على دوار العدلية فتوجّه صوبه ليفاجأ بمدنيين وعسكريين يضربونه ومن ثمّ يضعونه في آلية عسكرية بعدما ضُرب بعصا على رأسه “لا يمكنني أن أصف كيف ضربنا، كيف أُخذنا، كيف عوملنا ورُمينا في الشارع، لا أصدق أنّ هذا من فعل الجيش، شعرنا وكأننا نتعامل مع عصابة”.
يكرر محمد نعمان أيضاً ما قاله الشبّان من أنّ العناصر في الثكنة كانت متعاطفة جداً ويتحدث عن ضباط انهالوا عليه بالضرب على رأسه المصاب أصلاً وعلى ظهره “كان في الثكنة ضابطان وثالث لا أعرف بالرتب رأيت نجوماً، ولكن اثنين منهما كانا على الأرض (في التظاهرة) ويعرفان جيداً أنّ لا علاقة لنا بما حصل (في إشارة إلى المناوشات)، لم يوفّروا شتيمة، وأكثر من ذلك طلبوا مني فتح هاتفي أخبرتهم بأن عليه صور خطيبتي ولا أفتحه حتى لو كلّفني الأمر حياتي”.
بعدما أطلق سراح الجيش الشبّان الأربعة وتركهم في المتحف، توجّه محمد نعمان إلى منزله ولم يذهب إلى المستشفى ولكنّه يؤكد لـ “المفكرة” بأنّه سيدعي ضد الأشخاص الذين اعتدوا عليه وشتموه.
آثار الدماء على رأس محمد نعمان
“المدني الذي أوقفنا هو نفسه كان يرمي الحجارة”
خالد عبدالله وهو أحد الموقوفين الأربعة يخبر “المفكرة” بأنّه كان موجوداً من أجل دعم أبناء منطقته، وأنّه كان يحاول تهدئة المعتصمين عندما تصاعدت حدّة التوتر مع الجيش وأنّه بعدما هدأت الأوضاع وانسحب المعتصمون فوجئ وهو يصعد سيارته بمدني يطلب منه النزول مستخدماً ألفاظاً نابية “رأيت شخصاً مدنياً يقترب مني ويقول لي نزال، وعندما تأمّلت هذا الشخص تذكرت بأنّه كان من الأشخاص الذين رموا الحجارة على مكافحة الشغب، يعني كان مندسّاً” يقول خالد.
ويكرّر الرواية ذاتها لرفاقه بأنّه “أول ما وصل إلى الثكنة لم يتعرّض لأي مضايقات وأنّ أحد العسكريين قال لهم “انتوا كبش محرقة” تماماً كما أخبرنا محمد، مضيفاً “كانوا العساكر متعاونين جابولنا ماي ودخان وسمحولنا بدخول الحمام”، وأنّ من تعرّضوا لهم بالضرب هم الضباط وقال إنه طلب من أحد العسكريين أن يتحدث عبر الهاتف لكنه رفض.
تصوير دارين دندشلي
الادعاء على عبد الرحمن زكريا ومحمد رستم
وفي تطورات ملف الناشطين عبد الرحمن زكريا ومحمد رستم، ادّعت النيابة العامة الاستئنافية على كلّ من عبد الرحمن زكريا ومحمد رستم بتهم استيفاء الحقّ بالذات وحجز حرّية وحيازة أسلحة، وذلك بعدما أوقفا على خلفية مساعدتهما المودعة سالي حافظ في استرجاع وديعتها من مصرف لبنان والمهجر يوم الأربعاء الماضي. وأحال النائب العام الاستئنافي في بيروت زياد أبو حيدر ملف الموقوفين إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، ومن المقرّر أن تبدأ غداً أولى جلسات التحقيق معهما.
وصدرت دعوات لاستئناف الاعتصامات التضامنية مع الناشطين أمام قصر العدل يوم غد بالتزامن مع جلسات التحقيق.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.