انعقدت اليوم الجمعة 11 أفريل الجلسة الثانية فيما يُعرف بقضية التآمر على أمن الدولة بعد جلسة أولى انتظمَت يوم 04 مارس الفارط، طغت فيها الإخلالات الشكلية المتمثّلة أساسا في عدم جلب الموقوفين بقرار صادر عن رئاسة المحكمة الابتدائية بتونس، بناء على فصل من مجلة الإجراءات الجزائية، يتحدث عن إمكانية عقد محاكمات عن بعد باستخدام وسائل الاتصال السمعية والبصرية، وهو إجراء تمّ اتخاذه منذ خمس سنوات بسبب انتشار فيروس الكورونا.
وانتظمت قُبيل انعقاد الجلسة وقفةٌ احتجاجية من أمام المحكمة الابتدائية بتونس حضرتها عائلات الموقوفين وعدد من ممثلي المعارضة للتنديد بفراغ الملف من أي قرينة تُدين الموقوفين، مؤكدين الطابع السياسي للاعتقالات وتدخل الجهاز التنفيذي في القضاء الذي أصبح يقتصر على مجرد وظيفة تطبّق التعليمات.
فوضى ومنع من الدخول
كان الارتباك سائدا بخصوص تسيير أعمال الجلسة، إذ سُمِحَ بداية بدخول عدد من المحامين والصحافيين، ولكن مُنِعَ عدد آخر من أفراد عائلات الموقوفين والصحافيين والمحامين من الحضور، دون تفسير أسباب ذلك، كما تمّ إقرار تدابير تسمح بدخول فرد من كل عائلة أحد أفرادها موقوف في القضية، فيما لم يُسمح لمن هم في حالة سراح باصطحاب فرد من العائلة معهم، مثلما حصل مع شيماء عيسى التي تم السماح لابنها لاحقا بمرافقتها إلى قاعة الجلسة. كما مُنع عز الدين الحزڨي والد المعتقل جوهر بن مبارك من الدخول في البداية، والصحافيين زياد الهاني الذي استُدعي للتحقيق في أكثر من مناسبة وتمّ إيقافه بسبب تصريحات إعلامية أزعجت السلطة، ولطفي حجي مدير مكتب الجزيرة في تونس الذي أُغلق بقرار سياسي منذ اتخاذ التدابير الاستثنائية في جويلية 2021، ومنية العرفاوي التي تم استدعاؤها سابقا هي وزميلها محمد بوغلاب على معنى المرسوم 54، وجيهان علوان الصحفية وزوجة القيادي في حزب التيار الديمقراطي محمد الحامدي وخولة بوكريم التي سبق وأن سحبت منها هيئة الانتخابات بطاقة الاعتماد المخصصة لتغطية الانتخابات وتسهيل عملها الصحفي، كما مُنع رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمان الهذيلي من دخول القاعة، فيما سُمح لممثلي عدد من سفارات الدول الأجنبية، مثل هولندا وألمانيا والسويد وفرنسا وبريطانيا بالدخول.
بدأت الجلسة في الساعة 09:45 وسط هتافات عائلات الموقوفين المنادية بإحضار المعتقلين وعدم مواصلة عقد الجلسات دون حضورهم، عبر رفع شعار “محاكمة علنية حق موش مزية”. غادر القضاة الجالسون على إثرها قاعة المحكمة. وبالشروع في المناداة على الموقوفين في حدود الساعة الحادية عشرة، صدَحت حناجر زوجات السجناء رضا بالحاج وعبد الحميد الجلاصي وعصام الشابي بالنشيد الوطني، مع تكرار المطالبة بإحضار المتّهمين.
وعند تلاوة أسماء المعتقلين الذين استُبعدوا من الحضور في الجلسات بقرار من المحكمة نفسها، أصرّ الدفاع على تدوين عبارة “لم يتم إحضارهم” بدلا من “لم يحضروا”، حيث ذكر رئيس فرع هيئة المحامين بتونس أنّ النقطة الأساسية هي تدوين أن المتهمين رفضوا الحضور في الجلسة عن بعد ولكنّهم يطالبون بالحضور في قاعة المحكمة، وهم متمسكون بذلك.
فيما رفض عدد من المنسوبة إليهم شبهة التآمر وهم في حالة سراح، مثل أحمد نجيب الشابي ورضا الشعيبي، الحضور في قاعة الجلسة. يقول سمير ديلو للمفكرة القانونية إن منوّبه نجيب الشابي قرر إثر الجلسة الفارطة عدم الحضور لما في ذلك من “تزكية لمحاكمة صورية لا شرعية لها”، مضيفا أنّه هناك “عملية توظيف للقضاء ودوْس المحاكمة العادلة لم تحدث حتى قبل في زمني بن علي وبورقيبة، وكأنّ القضاء يخشى المتّهمين وليس العكس. وذكّر بالمناسبة بشروط المحاكمة العادلة المتمثّلة في الاستقلالية والحضورية والعلنية، خصوصا بعد مرور أكثر من السنتين على إثارة قضية التآمر دون السماح للمعتقلين بالدفاع عن أنفسهم ومواجهة التّهم المنسوبة إليهم والردّ عليها.
هيئة الدفاع تلتزم بحضور المعتقلين
التزمَ لسان الدفاع بنقاش المحاكمة والقضيّة على مستوى الشكل، حيث طالب المحامي عبد العزيز الصيد بإحضار المتهمين إلى قاعة الجلسة، لاستنطاقهم وتلقّي أجوبتهم وتمكين الدفاع من المرافعة، وتساءل: “علامَ سيترافع المحامي؟ كيف للموقوف أن يدفع التّهم عنه؟ أنتم تطلبون منّا أن نكون شهود زور”. فيما ذكّر شرف الدين القلّيل بأنّ المحامين سيظلّون يكرّرون طلباتهم بتأخير الجلسة إلى حين العدول عن قرار استبعاد الموقوفين من الحضور في قاعة الجلسة. من جانبه، اعتبر المحامي شوقي الطبيب أن عدم إحضار المتّهمين قرار غير قانوني يتنافىَ والفصل 141 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية الذي يفترض موافقة المتّهم على المحاكمة غير الحضورية، مؤكدا أنّ الحضور إلى قاعة المحكمة يُعدّ من أبسط حقوق المنوّبين: “هذا قرار مَعيب يمسّ من جوهر وأسس المحاكمة العادلة”، يقول المحامي.
فيما يعتبر أمين محفوظ أنّ هذه المحاكمة سياسية وخارج القانون، وتشهد للمرة الثانية على قبر باب الحقوق والحريات وقبر القضاء ومجلة الإجراءات الجزائية، كما ركّز بسام الطريفي على مبدأ العلنية الذي يُعتبر من أهم أركان المحاكمة العادلة، مُبديا استغرابه من عدم تمكين عدد من الصحافيين والناشطين الجمعياتيين من الدخول إلى قاعة المحكمة ليختم بالقول: “لا أسمح لنفسي بالترافع على شخص مسلوب الحرية ومُغيَّب”.
من جانبها تقول المحامية دليلة مصدق شقيقة المعتقل جوهر بن مبارك: “ما يزعجني هو برود القضاء ولا مبالاته إزاء هذا الظلم. الإنسانية نفسها ماتت في هذا العهد السعيد. تبيّن أنّ القضاء هو الذي يخشى المتهمين وليس العكس” مُذكّرة بالإضراب عن الطعام الذي يخوضه خمسة موقوفين في سجن المرناقية في تونس منذ ثلاثة أيام، ويخوصه جوهر بن مبارك الذي تم تحويله إلى سجن بلي في الوطن القبلي، منذ ثلاثة عشر يوما.
وفي تدخله لوصف الإخلالات الإجرائية التي تقوم بها المحكمة، قال أمين بوكر إن هذه المحاكمة ستُعاد مرّتين، حتى تستعيد المحكمة شرعيّتها، وهو ما كان سببا لمغادرة هيئة المحكمة قاعة الجلسة.
وكان حطاب بن سلامة الموقوف الوحيد على ذمّة القضيّة الذي كان حاضرا في جلستَيْ 04 مارس و11 أفريل، والذي لم تكن تهمته سوى أنه وضع سيارته أمام بيت خيام التركي الموقوف في ملف التآمر.