في خطوة فسرها كثيرون على أنها عقبة في طريق ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة في يونيو 2018، أصدرت محكمة جنح الدقي في 25/9/2017 حكما بمعاقبة المحامي والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية خالد علي بالحبس لمدة ثلاثة أشهر وكفالة 1000 جنيه لإيقاف تنفيذ الحكم. وذلك على خلفية اتهامه بإتيان فعل علني فاضح مخل بالحياء أثناء احتفاله بالحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين المملكة العربية السعودية ومصر في يناير 2017[1]. ويُعتبر خالد علي من أبرز المعارضين للنظام الحالي وصاحب الدور الأكبر في الحصول على عدد من الأحكام القضائية المهمة المرتبطة بتكريس الحقوق الإقتصادية والإجتماعية[2]، كما برز دوره على الساحة السياسية خلال الفترة الماضية من خلال القضية المعروفة إعلامياً بقضية تيران وصنافير؛ مما جعله مرشحا محتملا للانتخابات الرئاسية القادمة.
وكما أشرنا، اعتبر عدد من المتابعين للشأن السياسي والقضائي المصري الحكم الصادر في حقه بالحبس (حال تأييده أمام محكمة الاستئناف) مانعاً من موانع الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية القادمة، كونه حُكماً صادراً في جريمة مُخلة بالشرف على حد قولهم، وذلك استناداً على نص المادة الأولى من قانون تنظيم الإنتخابات الرئاسية[3] التي تشترط "أن لا يكون المرشح قد حُكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة".
ويتبادر إلى الأذهان على الفور سؤال يستحقّ الوقوف عنده: لماذا تمّ اعتبار الفعل المُتهم به خالد من الجرائم المخلة بالشرف؟ وما هي الجرائم المخلة بالشرف في القانون المصري؟ فهل عرفها المشرع أو ذكرها على سبيل الحصر؟ وما هي تطبيقات المحاكم المصرية فيما يتعلق بهذا النوع من الجرائم؟ ومن هذا المنطلق، يحاول هذا المقال الإجابة على تلك الأسئلة فاتحاً النقاش حول إدراج المشرع عبارة "الجرائم المخلة بالشرف" كمانع من الترشح للإنتخابات الرئاسية.
ماهية الجرائم المخلة بالشرف وكيفية تعامل المحاكم المصرية معها
في البداية تجدر الإشارة إلى أن قانون العقوبات المصري لم يضع أي تعريف لماهية الجرائم المخلة بالشرف، كما لم يحصرها أو يحددها على وجه الدقة؛ بينما يستعملها المُشرع كأداة لحرمان المُدانين بها من بعض الحقوق، مثل الحرمان من تقلد بعض الوظائف العامة[4]، أو ممارسة بعض المهن[5]، أو الفصل من الوظائف التي يشغلونها[6].
بالتالي، وفي ظل الفراغ التشريعي المشار إليه، أصبح للإدارة سلطة تقديرية واسعة في تقرير إذا كانت أي جريمة تخل بالشرف أم لا. وقد سعت محكمة النقض إلى وضع حد لهذه السلطة وقررت في أحد أحكامها أن "تكييف الجريمة وإصباغ صفة الإخلال بالشرف عليها من عدمه سلطة القاضي الإداري وحده، وفقاً لنوع الفعل المُعاقب عليه وظروف ارتكابه"[7]، مما يعني أن نفس الجريمة قد تعتبر في ظروف معينة جريمة مخلة بالشرف، وفي ظروف أخرى لا تعتبر كذلك؛ حسب ما يقرره القاضي الاداري.
وقد حاولت المحكمة الإدارية العليا في عدد من أحكامها تفسير ماهية الجرائم المخلة بالشرف، فذهبت إلى أنه: "لم يحدد قانون العقوبات أو أي قانون آخر سواه الجرائم المخلة بالشرف والأمانة تحديداً جامعاً مانعاً، كما أنه من المتعذر وضع معيار مانع في هذا الشأن، علي أنه يمكن تعريف هذه الجرائم بأنها تلك التي ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع مع الأخذ في الاعتبار نوع الجريمة والظروف التي ارتكبت فيها والأفعال المكونة لها ومدى كشفها عن التأثر بالشهوات والنزوات وسوء السير"[8]. وظهر التباين في تحديد ما إذا كانت جريمة مُخلة بالشرف أم لا في حكمين صادرين من المحكمة الإدارية العليا فيما يتعلق بجريمة إصدار شيك لا يقابله رصيد. فقد ذهبت في أحدهما[9] إلى عدم تكييفها كجريمة مُخلة بالشرف، وذلك نظراً للظروف التي تمت فيها الجريمة وما يحيطها من وقائع – حيث أن الشيك محل الجنحة قد صدر ليس من شخص المتهم ولكن صدر بصفته رئيس مجلس إدارة شركة، كما إنه تخالص وسدد القيمة المالية المستحقة – وبناء على ذلك اعتبرت المحكمة في ظل تلك الظروف والملابسات عدم إعتبار الجريمة "مخلة بالشرف". بينما في حكم آخر[10]؛ اعتبرت المحكمة جريمة إصدار شيك بدون رصيد "جريمة مخلة بالشرف"، وذلك لأن المتهم كان قد أحيل إلى محاكمة جنائية في قضايا أخرى مماثلة لإصداره شيكات بدون رصيد، فاعتبرت المحكمة إعتياد المتهم على هذه الجريمة ينُم عن ضعف في خلق المتهم وسوء سيرته.
كل ما سبق يدلل على غياب تعريف واضح للجريمة المُخلة بالشرف، أو أي معايير دقيقة للقياس عليها، وبالتالي، فإن الأمر يخضع فقط للسلطة التقديرية للقاضي الإداري وما يراه من ظروف ووقائع محيطة بكل نزاع.
عدم جواز ربط حق دستوري أصيل بقيد غامض التفسير
في تحول جديد من نوعه، وللمرة الأولى أدرج المشرع المصري شرطاً جديداً يجب توافره في من يترشح للإنتخابات الرئاسية، وهو ألا يكون قد حُكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة[11]. وقد تم ذلك في ظل الفترة الإنتقالية التي تلت عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، وأثناء تولي المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية الأسبق رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة، وفي ظل غياب مجلس النواب واستحواذ رئيس الجمهورية على سلطة التشريع.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الشرط لم يرد في قوانين تنظيم الانتخابات الرئاسية السابقة سواء إبان عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك[12] أو حتى في فترة تولي المجلس العسكري لشؤون البلاد[13]. فطالما كان قانون مباشرة الحقوق السياسية السابق[14]، والذي كان ينظم شروط وموانع ممارسة الحياة السياسية بما فيها الترشح لرئاسة الجمهورية، ينص على جرائم معروفة ومحددة على سبيل الحصر كمانع من الترشح للانتخابات مثل جرائم الرشوة والسرقة والنصب[15]. وبذلك، كان يلتزم المشرع بكون الحق في الترشح للإنتخابات الرئاسية أوحتى البرلمانية[16] هو أحد الحقوق الدستورية المصونة التي لا يجب الحرمان منها لأسباب غير واضحة أو غامضة التفسير.
وفي الوقت الذي كان يجدر بالمُشرع أن يحد من استخدام مصطلح "الجرائم المخلة بالشرف" في قوانين الوظائف العامة والخدمة المدنية، نجده توسع في استخدامه للدرجة التي تصل إلى حد استعماله كقيد على حق دستوري أصيل لا يجوز المساس به كحق الترشح للانتخابات الرئاسية. ليخالف المشُرع بذلك أحد أهم المبادئ الدستورية الراسخة وهو مبدأ المساواة[17]. لأنه في هذه الحالة قد يتم التمييز بين شخصين ارتكبا جريمتين من الجرائم التي قد يعتبرها البعض مخلة بالشرف، ولكن يتم قبول طلب ترشح أحدهما وإقصاء الآخر، فقط لأن الهيئة الوطنية للانتخابات اعتبرت ما ارتكبه الأول فعلاً مخلاً بالشرف والآخر ليس كذلك، دون الارتكان إلى معيار موضوعي مُعتبر. ومن شأن هذا الأمر أن يفتح الباب واسعا أمام الاستنساب والإنتقائية في إبعاد أو إبقاء المرشحين وأن يشكل عمليا أداة للعزل السياسي.
كما يجب على المُشرع أيضاً حينما يؤسس لأي جزاء وارد في القانون مثل الحرمان من الترشح في الإنتخابات الرئاسية، أن يؤسسه على أفعال محددة واضحة معلومة للجميع، حتى يتجنبها من يرغب في تقلد هذا المنصب الرفيع، ولكن هذا القانون أسس جزاء الحرمان على "ظروف وملابسات" تحيط بالفعل هي التي تجعله مخلاً بالشرف. وهو أمر يضع الكثير من علامات الإستفهام حول قصد المُشرع من اتّباع هذا الأسلوب الغامض في تقرير عقوبة بهذه الأهمية. فضلاً على أن القاعدة القانونية الأشمل التي ترسخ بأنه "لا عقوبة بدون جريمة"، تحمل في معناها أيضاً أنه لا يجوز فرض عقوبة حتى ولو كانت عقوبة تكميلية كالحرمان من حقوق وحريات بعينها دون تعريف واضح لا يشوبه الغموض لتلك الجريمة.
وعلى أساس كل ما تقدم، يرجح أن يقود الحكم على خالد علي إلى فتح نقاش واسع حول هذه المسألة، نقاش يصعب أن يبقى طويلا خارج المحاكم.
[1] راجع " الحكم على خالد علي بالحبس: محاكمة غير عادلة مؤداها تفريغ الانتخابات الرئاسية من مضمونها" – موقع المفكرة القانونية. 27-9-2017
[2] ومنها على سبيل المثال حكم إلزام الدولة بحد أدنى للأجور، وأحكام إسترداد عدد من الشركات المملوكة للدولة بعد خصخصتها.
[3] القانون رقم 22 لسنة 2014 بشأن تنظيم الإنتخابات الرئاسية.
[4] تنص المادة (14) من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 على أن " يُشترط فيمن يعين في إحدى الوظائف ما يأتي: .. 3- ألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رُد إليه اعتباره."
[5] حيث نصت المادة (13) من قانون رقم 17 لسنة 1983 الخاص بنقابة المحامين على أن "يشترط فيمن يطلب قيد اسمه في الجدول العام أن يكون ..4- ألا يكون قد سبق إدانته بحكم نهائي في جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو بعقوبة جناية، ما لم يكن قد رد إليه اعتباره."
[6] تنص المادة (69) من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 على أن" تنتهي خدمة الموظف لأحد الأسباب الآتية: ..9- 9- الحكم عليه بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو تفقده الثقة والاعتبار."
[7] محكمة النقض المصرية – الطعن رقم 1413 لسنة 07 مكتب فنى 10 صفحة رقم 1113 – الصادر بتاريخ 24/4/1965.
[8] حكم المحكمة الإدارية العليا رقم 5086 لسنة 24 قضائية عليا – بتاريخ 22/9/1996.
[9] الطعن رقم 5086 لسنة 24 قضائية – الصادر في 22/9/1996.
[10] الطعن رقم 3648 لسنة 47 قضائية – الصادر في 26/5/2007.
[11] قانون تنظين الإنتخابات الرئاسية رقم 22 لسنة 2014. – المادة الأولى / الفقرة الخامسة
[12] القانون رقم 174 لسنة 2005 بشأن تنظيم الإنتخابات الرئاسية.
[13] قانون رقم 12 لسنة 2012.
[14] قانون رقم 73 لسنة 1956.
[15] راجع المادة 2 فقرة 2 من القانون رقم 73 لسنة 1956.
[16] يراجع المادة (8) من قانون رقم 46 لسنة 2014 بشأن إصدار قانون مجلس النواب.
[17] المادة (53) من الدستور المصري: " المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات العامة …"