التهجير القسري في لبنان: هكذا تُفاوِض إسرائيل عبر جرائم الحرب


2024-11-20    |   

التهجير القسري في لبنان: هكذا تُفاوِض إسرائيل عبر جرائم الحرب
عائلة مهجّرة إلى بيروت (تصوير حسين عساف)

عمل جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية توسيع عدوانه على لبنان في أيلول الماضي على تهجير عدد كبير من سكّانه قسرًا، وعلى مراحل عدّة. وقد طال التهجير بشكل أساسيّ القاطنين في المناطق ذات الكثافة السكانية الشيعية. وفي بداية هذه التوسعة، شهد جنوب لبنان موجة تهجير كبيرة من القرى الواقعة جنوب نهر الليطاني، وذلك على وقع المجازر الدموية التي ارتكبها الاحتلال في ذلك اليوم وأوامره للناس بإخلاء قراهم. وفي اليوم نفسه، عمد إلى تهجير عدد كبير من سكّان بلدات البقاع والبقاع الغربي بالطريقة نفسها. وبعد أيام قليلة هجّر عددًا كبيرًا من سكّان الضاحية الجنوبية لبيروت عبر أوامر متكرّرة ذات طابع ترهيبيّ ودعائيّ. استمرّ مسلسل التهجير بالتصاعد مع استمرار العدوان، فاتّسعت رقعته ليطال سكّان مدينتي صور وبعلبك ومناطق إضافية في الضاحية، حتى وصل به الأمر إلى تهجير صيادي الأسماك عن البحر والشاطئ جنوب نهر الأوّلي، بحجّة القيام بأنشطة ضدّ حزب الله.

وترصد المنظمة الدولية للهجرة استمرار حركة النزوح داخل لبنان بشكل أسبوعي. فبلغ عدد النازحين حوالي 881 ألفًا بحسب أرقام المنظمة في منتصف تشرين الثاني الجاري، ناهيك عن المهجّرين إلى خارج البلاد. بذلك، أصبحت أقضية من البلاد شبه فارغة من سكّانها بما فيها أربع مدن رئيسيّة ذات كثافة شيعية (النبطية وصور وبعلبك والضاحية الجنوبية لبيروت).

رغم ذلك، لم يسلم المهجّرون من آلة القتل الإسرائيلية التي طاردتهم إلى مناطق نزوحهم أكثر من مرّة مرتكبة في حقهم مجازر.

نقف عند هذا السلوك الإجرامي الإسرائيلي، لنعرض في ما يلي كيف تشوّه إسرائيل قوانين الحرب لارتكاب جريمة التهجير القسري وكيف تستخدمها كأداة للضغط والتفاوض السياسي، وما قد تخفيه من نوايا جرمية خطيرة أخرى.

الدمار في الضاحية- تصوير حسين عساف

أي ضرورة عسكرية للتهجير القسري؟

في أحد قراراتها، اعتبرت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أنّ حظر القانون الدولي للتهجير القسري، يهدف إلى حماية حق الأفراد وتطلّعاتهم إلى العيش في مجتمعاتهم ومنازلهم من دون تدخل خارجي[1]. وعلى هذا الأساس يعتبر إخلاء السكّان من مناطق سكناهم خلافًا لشروط قانونية معيّنة، تهجيرًا قسريًا، وبالتالي جريمة حرب. ولكي يكون إخلاء السكّان المدنيين الجزئي أو الكلّي مشروعًا، يجب أن يقتضيه أمن السكان أو الأسباب العسكرية القهرية فقط بحسب المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة. وفي ما عدا ذلك، يُحظر النقل الجبريّ الجماعي أو الفردي للأشخاص الذي يعدّ مخالفة جسيمة لقوانين الحرب بحسب المادة 147 من الاتفاقية نفسها والمادة 85 من البروتوكول الإضافي الأول لها، ويعتبر ذلك نزوحًا “تعسفيًا” وفقًا للمبدأ 6 من مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن التشريد الداخلي (أي النزوح الداخلي). كما يصنّف نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية النقل القسري للسكّان كجريمة ضدّ الإنسانية عندما يرتكب عن علم في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجّه ضدّ مجموعة من السكان المدنيين.

أما ما فعلته إسرائيل في عدوانها على لبنان، فهو إقدامها على تهجير سكّان مناطق لا تشهد أيّة عمليات عسكرية، ما ينفي توّفر شرط الضرورة العسكرية القاهرة. إذ باستثناء القرى الحدودية وتلك القريبة من الحدود في جنوب لبنان، تعتبر المناطق الأخرى التي شهدت تهجيرًا، مثل بعلبك والضاحية الجنوبية وصور وحتى النبطية، بعيدة نسبيًّا عن مناطق العمليات العسكرية. وفي الواقع، لم تشهد هذه المناطق منذ بداية العدوان أيّة مواجهة عسكرية، بل كل ما تعرّضت له كان قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية للمنشآت المدنية فيها، بما فيها مبانٍ بلدية ومراكز طبية وإسعافية وإغاثية وصروح ثقافية وتراثية ودينية. وبحسب التعليق على البروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف، فلكي تعتبر المنطقة هدفًا عسكريًا مشروعًا، لا يمكن أن يشمل ذلك مساحة واسعة من الأراضي، بل يجب أن تنحصر بمساحة محدّدة. ولا بدّ أن توجد سمة مميّزة تحوّل قطعة من الأرض إلى هدف عسكري مشروع، مثل الممرّات الضيّقة ورؤوس الجسور والنقاط الاستراتيجية كالمرتفعات والدروب الجبلية[2].

وبموجب المبدأ 7 من المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن التشريد (النزوح) الداخلي، يجب، قبل اتخاذ أي قرار يقضي بتشريد أشخاص، أن تُستطلع كافة البدائل الممكنة لتجنّب التشريد كليًا. فإن لم تتوفّر بدائل، اتُخذت كافة التدابير للتقليل إلى أقصى حدّ من التشريد ومن آثاره الضارّة. كذلك بموجب المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، والقاعدة 131 للقانون الدولي الإنساني العرفي للجنة الدولية للصليب الأحمر، يجب أن تُتخذ في حالات النزوح كلّ الإجراءات الممكنة ليتسنّى استقبال المدنيين في ظروف مرضية من حيث المأوى والشروط الصحية والأمان والتغذية وعدم التفريق بين أفراد العائلة الواحدة. فهل حقًّا كانت غاية إسرائيل من إخلاء السكّان حمايتهم، وتوفير الأمان لهم؟

بالطبع لا: فمنذ اليوم الأوّل لحملة التهجير الواسعة، طاردت طائرات الاحتلال مواكب المهجّرين على طرقات الخروج من جنوب لبنان، مرتكبةً أكثر من مجزرة في حقّهم، ثم لحقتهم إلى المناطق التي هجّروا إليها في البقاع وصور والضاحية الجنوبية لبيروت لترتكب فيهم المجازر أيضًا. تزامن ذلك مع مهاجمة مساكن المهجرين قسرًا في مناطق اعتبروا أنها آمنة نسبيًّا وغير مشمولة بأوامر الإخلاء، ومنها الهجوم على مركز إيواء في الوردانية (قضاء الشوف)، بحيث لم يصدر أيّ تحذيرات بشأنها، وهي بعيدة كل البعد عن منطقة العمليّات العسكريّة. بذلك تنتفي نيّة حماية المهجّرين التي يروّج لها جيش الاحتلال من خلال منشوراته التحذيرية وتصريحات مسؤوليه.

من الضاحية الجنوبية- تصوير حسين عساف

تهجير مفتوح الأجل؟

الأمر الآخر الذي فعلته إسرائيل، هو أنّها أبقت هذا التهجير مفتوحًا من حيث المدى الزمني، ما يُخالف الطابع المؤقت للإخلاء والمرتبط بالعمليات العسكرية وفقًا للقانون الدولي الإنساني. وفي إحدى القضايا، اعتبرت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أنّ التهجير قد يكون مسموحًا في ظروف محدودة بموجب القانون الدولي الإنساني مع التأكيد على طبيعته المؤقتة[3].

وفي الواقع، على الرغم من شنّه هجمات واسعة لأيام متتالية على المناطق التي هُجّر منها السكّان، أبقى جيش الاحتلال على تذكيرهم المستمرّ من خلال منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي بعدم العودة إلى بلداتهم “حتى إشعار آخر”. ويبدو أنّ إسرائيل تكرّر الهجمات على “أهداف” في هذه المناطق بين فترة وأخرى، بخاصّة بعد عودة السكّان إليها لاعتقادهم بتوقّف القصف. وتثير هذه الهجمات الممتدة في الزمن شكوكًا حول ما إذا كانت تُشنّ فعليًا ضدّ أهداف عسكرية ، أم أنّ إسرائيل تستمرّ باختلاق أهداف، غالبًا ما تشمل مبان وأحياء سكنية، بقصد إبقاء السكّان بعيدين عن منازلهم، وبقصد تدمير هذه المنازل أيضًا. وما يعزز هذه الشكوك أنه يفترض أنه كان لدى إسرائيل التي تشن حربها منذ 23 أيلول وقتًا كافيًا لاستهداف جميع بنوك أهدافها الاستخباراتية (مخازن أو مصانع أسلحة مثلًا) فضلًا عن أنّه لم يسجل حتى اليوم أي إشعار بإمكانية عودة أي مهجّر إلى منزله رغم ضيق رقعة العمليات العسكرية مقارنة بمساحة التهجير.

وما يعزّز مخالفة إسرائيل للطابع المؤقت للإخلاء، هو تعمّدها تدمير أحياء بكاملها في الضاحية الجنوبية في بيروت والنبطية والقرى اللبنانية الحدودية، بما فيها من منازل ومؤسسّات تجارية. ولم يسلم الأموات من الأذى حيث فجّرت المقابر أيضًا. كذلك في المناطق الأخرى كصور والبقاع، قصفت الأحياء السكنية التي كان يقطنها المهجرون ودمّرت مواقع حيوية مدنية في مناطقهم كالأسواق والساحات. وقد يشكّل هذا النمط من التدمير صعوبة إضافية للمهجرّين في العودة إلى المناطق التي هجّروا منها، والتي يرجّح أن يبقى جزء منها مسلوب الحياة لفترة ليست قصيرة من الزمن. وفي هذا الإطار، يذكر أنّ المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تفرض على دولة الاحتلال ضمان عودة المهجّرين إلى مواطنهم بعد انتهاء العمليات العسكرية فيها، وهو ما يسري على إسرائيل فيما يتعلّق بالقرى الحدودية التي توّغلت إليها.

أمّا تذرّع إسرائيل بأنّها تستمر باستهداف منشآت تابعة لحزب الله في المناطق التي هُجّر منها سكّانها، لتأمرهم بعدم العودة إليها، فهو لا يُبرّر التهجير المستمر. إذ غالبًا ما تشكّل هذه الهجمات جريمة حرب عندما تطال أشخاصًا مدنيين أو منشآت مدنية محمية بموجب القانون الدولي، مثل المستشفيات والمراكز الطبية والمؤسسات المالية (مثل مؤسسة القرض الحسن) وطواقمها، التي لم يثبت استخدامها لأغراض عسكرية. وعليه، لا يُمكن استخدام جرائم الحرب هذه من أجل شرعنة التهجير. كما لا يمكن أن تشكّل الأزمة الإنسانية الناجمة عن تقويض إسرائيل لمقوّمات الحياة في هذه المناطق بفعل هجماتها على المنشآت المحمية، مبررًا لتهجير سكّانها، طالما أنّ هذه الأزمة الإنسانية هي نتيجة نشاط غير قانوني للمرتكب وفقًا لأحد قرارات المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة[4].

مخاطر تطهير عرقي؟

وبالإضافة إلى كون التهجير القسري وفقًا للظروف التي فرضتها إسرائيل جريمة حرب، إلّا أنه قد يشكّل أيضّا مؤشّرًا خطيرًا على وجود نيّة للتطهير العرقي، خصوصًا أنّه يمارس في حقّ فئة محدّدة من السكّان، أي من الطائفة الشيعية. ويستشفّ ذلك من تكرار استخدام الجيش الإسرائيلي لعبارات مثل قرى “شيعية” ومنازل “شيعية” في إطار منشوراته المتعلّقة بتدمير المنشآت المدنية في القرى الحدودية. وما يعزز خطورة هذه المخاوف في السياق اللبناني، هو استخدام إسرائيل للتهجير القسري المتكرر والمستمر في غزّة، كوسيلة لارتكاب الإبادة الجماعية، حيث اعتبرته جنوب أفريقيا في الدعوى التي قدّمتها ضدّها أمام محكمة العدل الدولية، أحد أعمال الإبادة الجماعية ضدّ الشعب الفلسطينيّ في غزة.

ونظرًا لتكرار هذه الهجمات في لبنان ونهجها المشترك، من الممكن أن تشكّل مجتمعةً جريمة الإبادة extermination (وهي مختلفة عن الإبادة الجماعية genocide) كونها تقوم على قتل متعمد بهدف تدمير مجموعة من السكّان المدنيين في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي موجّه ضدّهم. كما قد يشكّل هذا الفعل بالاستناد إلى المادة 7 من نظام روما الأساسي، جريمة ضدّ الإنسانية، باعتباره موجهًا ضد مجموعة من السكّان المدنيين في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ضدّهم، ويتضمّن إبعاد السكان من المنطقة التي يتواجدون فيها بصفة مشروعة، بواسطة الطرد أو بأي فعل قسري آخر من دون مبررّات يسمح بها القانون الدولي.

ورقة ضغط وأداة تفاوض سياسي

انتقل التضليل الإعلامي والقانوني الذي تُمارسه إسرائيل لانتزاع الصفة المدنية عن مناطق سكنية بأكملها وتاليًا “عسكرتها” من أجل شرعنة تهجير أهلها، ليُمارَس على أهلها المهجرّين أيضًا، في أماكن نزوحهم، بحيث جعلتهم أهدافًا عسكريّة أيضًا. بطبيعة الحال، يخدم هذا التضليل الأهداف المعاكسة للأهداف الحمائية التي حدّدها القانون الدولي الإنساني لإخلاء السكّان. وعلى هذا الأساس، يظهر أنّ أسباب عملية التهجير القسري بحد ذاتها، لا تتمتع بطابع عسكري ولا تتعلّق بحماية المدنيين، بل إنّ الهدف منها هو ممارسة ضغط اجتماعي على حزب الله من خلال إيذاء حاضنته الشعبية الشيعية بشكل أساسي وإنزال العقاب الجماعي بهم.

ولم ينتهِ الأمر باستخدام سلاح التهجير القسري عند لحظة التهجير فقط، بل استغلّت إسرائيل هذا الواقع، لتشكيل ضغطٍ إضافيّ، تتحكّم بإيقاعه هبوطًا أو صعودًا بحسب مجريات المعارك العسكرية أو المفاوضات السياسية. إذ بات المهجّرون في مناطق نزوحهم، وكذلك باتت مناطقهم التي هُجّروا منها، عرضة للهجوم الإسرائيلي المتكرّر، والذي يزداد وحشية مع حاجة إسرائيل لممارسة ضغط في المفاوضات السياسية.

برز ذلك بوضوح في الأيام الماضية حيث ازدادت وتيرة المجازر في مناطق النزوح بشكل كبير، كما حصل في برجا وعين يعقوب وجون وعلمات وبعلشميه وعرمون. هذا الأمر يُشكّل ضغطًا مزدوجًا تستغله إسرائيل، فهي من ناحية تقتل المهجّرين قسرًا بشكل مباشر، ومن ناحية أخرى تُثير القلق والمخاوف في المجتمعات المضيفة ضدّهم، بشكل يزيد من احتمالية حدوث اضطرابات وتوتّرات قد تستفيد منها إسرائيل في الضغط المضاعف فضلًا عن احتمالية تهجير النازحين مجددا عن أماكن نزوحهم.

ترافق ذلك مع ازدياد وتيرة القصف على الضاحية الجنوبية لبيروت بعد 12 تشرين الثاني واستهداف مناطق جديدة، مثل منطقة الشياح التي لم تكن خالية من السكّان حينها ولا من الحركة التجارية، فأدّى القصف المتكرر على مبانيها وشوارعها إلى تهجير المزيد من سكّان الضاحية. وهذه المنطقة لا تُعتبرت قليديًا ضمن مناطق الحاضنة الشعبية لحزب الله، رغم أنها ذات كثافة سكّانية شيعية، بل ضمن مناطق نفوذ حركة أمل التي يتوّلى رئيسها التفاوض باسم حزب الله، وهذا ما يشكّل عملية ضغط مزدوج أيضًا، تمارسها إسرائيل من دون أي ضرورة أو غاية عسكرية تُذكر.

كذلك ظهر هذا النهج الإسرائيلي من خلال الهجمات المتكررة على مبانٍ سكنية في العاصمة بيروت في 17 و18 تشرين الثاني التي أدّت إلى حركة نزوح جديدة من هذه المناطق، بالتزامن مع بحث لبنان في مقترح اتفاق لوقف إطلاق النار الذي قدمّته السفارة الأميركية. ويظهر من ذلك أنّ هناك نمطًا من استغلال المجازر بحق المدنيين وتماديًا في جريمة التهجير القسري تعتمده إسرائيل لخدمة تحسين شروطها التفاوضية في لحظات سياسية معينة. ففي كل مرة، يتزامن تلقّي لبنان عروضًا بالشروط الاستسلامية لوقف إطلاق النار، يتزايد التصعيد في الهجوم على النازحين، وتُستحدث موجات تهجير جديدة.

خلاصة

تتباهى إسرائيل دائمًا أنّ لجيشها محامين ومستشارين قانونيين يراقبون امتثال جنوده للقانون الدولي ويحرصون على عدم انتهاكهم لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني. وقد استخدمت هذه السردية مرارًا وتكرارًا كجزء من الدعاية التي تحاول ترويجها حول أكذوبة “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”، وكحجة لتبرئة أفعالها كما فعلت في دعوى الإبادة الجماعية التي قدمتها جنوب أفريقيا ضدّها أمام محكمة العدل الدولية. ولكن، إن صحّ وجود هؤلاء المحامين والمستشارين، فيبدو، وبجدّية، أنّهم يقدّمون للجيش الإسرائيلي الوصفة المثالية لكيفية مخالفة القانون الدولي الإنساني، وكيفية ارتكاب جرائم الحرب، بأبشع طريقة ممكنة، وإرساء سوابق لتبرير أنماط اعتداءاتها الوحشية وشرعنتها، متحصّنين بعقود من الإفلات من العقاب. بل يبدو أنّهم يقدّمون لجيشهم الأدوات لتحوير وتشويه غايات القانون الدولي الإنساني وقواعده ومبادئه، ولتدمير المنظومة القانونية الدولية لحقوق الإنسان ونسفها، تمامًا كما تنسف البيوت والأحياء والقرى والحياة في لبنان وغزة.


[1] محاكمة ميلوسوفيتش، قرار المحكمة الابتدائية، 16/6/2004، الفقرة 63

[2] ICRC, Commentary on the Additional Protocols of 8 June 1977 to the Geneva Conventions of 12 August 1949, p. 621, (Geneva Martinus Nijhoff Publishers, 1987), Human Rights Watch, Israel’s use of Cluster Munitions in Lebanon in July and August 2006, 16 February 2008.

[3] محاكمة ملاديتش، قرار محكمة الاستئناف، 8/6/2021، الفقرة 356.

[4] محاكمة ستاكيتش، قرار محكمة الاستئناف، 22/3/2006، الفقرة 287.

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الحياة ، الحق في السكن ، لبنان ، مقالات ، العدوان الإسرائيلي 2024



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني