بتاريخ 25/09/2024، أصدرت محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي جان مارك العويس قرارًا بفسخ القرار بمنع المحامي محمد صبلوح من دخول حرم المحكمة العسكرية لمدة 3 أشهر الذي صدر عن رئيس المحكمة العسكريّة الدائمة في بيروت العميد خليل جابر في تاريخ 14 آب 2024. وقد رأت المحكمة أنّ شروط المادة 59 من قانون القضاء العسكري التي تجيز لرئيس المحكمة إصدار هكذا منع غير متحققة، فاعتبرت أن قرار جابر منعدم الوجود و”كأنّه لم يكن”.
وكان العميد جابر قد أبلغ المحامي صبلوح خلال مثوله أمام قوس المحكمة للدفاع عن أحد موكليه أنّ “هيئة المحكمة” قد أصدرت قرار المنع استنادًا إلى المادة 59 من قانون القضاء العسكري، وجرى إخراج صبلوح من المحكمة بطريقة مهينة بعد أن وجّه العميد جابر أمرًا للعناصر العسكرية بإخراج من قاعة المحكمة قائلًا: “كْحشوه”. وتبلّغ صبلوح القرار الخطّي بالمنع في 19 آب 2024، ليتبين أنّ القرار مؤرّخ بعد خمس أيّام من إبلاغه به، ,انّه استند إلى ثلاثة أسباب: أولها، أنّ صبلوح نشر على منصة تويتر منشورات وصف فيها المحكمة العسكرية بالسكسونية أي محكمة العصور الوسطى، وثانيًا أنّ صبلوح “دأب على استعمال أسلوب القدح والتحقير بهيئة المحكمة والإساءة إلى سمعتها بدلًا من استعمال وسائل الطعن القانونيّة المتاحة”. وثالثًا أنّ “هيئة المحكمة في جلسات سابقة وجهت عدّة تنبيهات لصبلوح على القوس وذلك بسبب تهجّمه على القضاء العسكري والأجهزة الأمنية وإلقائه التهم عليها من دون وجه حق محاولًا تحقير هذه الأجهزة واتهامها بالتحيّز والاستنسابية مستخدمًا سلوكًا مستفزًّا لا يمتّ بصلة لسلوك محامي ملتزم بآداب وأخلاقيّات مهنته”.
على إثرها، تقدّم صبلوح بطعن ضد قرار المنع أمام محكمة التمييز العسكرية بوكالة المحامين حافظ بكور وهلا حمزة التي كانت قد تعرّضت في العام 2022 لقرار منع ممثال قبل أن يتراجع عنه رئيس المحكمة العسكرية السابق. وفي حديث سابق لـ “المفكرة القانونية” مع صبلوح، أكدّ “أنّني استخدمت حقّي في التعبير إزاء أحكام أصدرتها المحكمة العسكريّة الدائمة برئاسة العميد جابر عبر صفحاتي الخاصّة على وسائل التواصل الاجتماعي”. ونفى ما ذكره القرار حول تنبيهات سابقة وجّهت إليه، مؤكدًا أنّّه “لم توجّه لي المحكمة أي تنبيه أو إنذار” في السابق.
وعليه، جاء قرار محكمة التمييز العسكرية ليعتبر أنّ قرار رئيس المحكمة العسكرية يتجاوز الشروط التي نصّت عليها المادّة 59 من قانون القضاء العسكري التي تُجيز للرئيس “أن يمنع المحامي من دخول المحكمة العسكرية لمدة أقصاها ثلاثة أشهر إذا ارتكب خطأ مسلكيًا جسيمًا قبل المحاكمة أو في أثناء الجلسات”.
بداية، رفضت محكمة التمييز العسكرية طلب صبلوح باستبعاد تطبيق المادة 59 لتعارضها مع المادة 74 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، معتبرةً أنّ الأولى تتناول الخطأ المسلكي الجسيم المرتكب من المحامي قبل المحاكمة أو أثناء الجلسات، فيما الثانية تتناول جرائم القدح والذم والتحقير المرتكبة بمعرض المرافعات الخطية أو الشفهية والتي لا يسأل عنها المحامي في حال عدم تجاوزه حقوق الدفاع.
ثمّ أوضحت المحكمة أنّ “المقصود بالخطأ الجسيم الحاصل قبل المحاكمة إنما هو الخطأ الحاصل في مقر المحكمة وقبل الشروع في الجلسات”. فاعتبرت أنّ نشر صبلوح تعليقات على منصات التواصل الاجتماعي تناول فيها المحكمة “لا يعد فعلًا حصل قبل المحاكمة أو أثناء الجلسات، وذلك بمعزل عن التوصيف الذي يمكن إعطاؤه لمضمونه، فلا يعد مشمولًا بأحكام المادة 59”.
أمّا لجهة التنبيهات التي صدرت عن المحكمة بحق صبلوح، فوجدت التمييز العسكرية أن القرار المستأنف لم يحدد ما هي الدعاوى التي تم توجيه تنبيهات للمحامي صبلوح فيها ولم يوثق الأقوال التي تتضمن تحقيرًا أو اساءة للمحكمة لا في متن القرار ولا متن محاضر الجلسات. وعليه، خلصت المحكمة إلى أنّه بما أنّ “هيئة المحكمة العسكريّة الدائمة قد اختارت عدم الادعاء جزائيًا على المستأنف في حال إساءته إلى أعضائها وتحقيره إياهم، فإنّه لا يستقيم الاستناد إلى أقوال سابقة صادرة عنه دون أي تحديد أو توثيق لها في محاضر المحاكمة، وفي القرار المطعون فيه للقول بارتكابه خطأ جسيمًا ليتم تطبيق المادّة 59 بحقه”.
وكان ائتلاف استقلال القضاء وتحالف حريّة التعبير في لبنان اعتبرا في بيان مشترك أنّ قرار منع صبلوح من دخول حرم المحكمة العسكرية “يهدّد حرّية المحامين وحقوق الدفاع”. وشدد البيان على حق المحامي في “انتقاد أداء المحاكم والنيابات العامّة والأجهزة الأمنية ليس فقط من خلال اتّباع الوسائل القضائية البحتة، إنّما أيضًا أمام وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي”. كما لفت إلى أنّ “القانون اللبناني يحصّن بشكل خاص الانتقادات التي يوجّهها المحامي في معرض مرافعاته صونًا لحق الدفاع”. كما أكدّ البيان على أنّ “المادة 59 من قانون القضاء العسكري لعام 1968 تمسّ بمبادئ استقلالية المحاماة وحقوق الدفاع، وتتعارض مع قانون تنظيم مهنة المحاماة لعام 1970 الذي يحصر صلاحية تأديب المحامين بنقابتي المحامين تحت إشراف محاكم الاستئناف المدنية”. وأخيرًا أكدّ “أنّ الإجراءات المعتمدة لإصدار قرار المنع في حقّ المحامي محمد صبلوح وتبليغه وتنفيذه لم تراعِ حقوقه بالدفاع وشكّلت وسيلة للتضييق على عمله وترهيبه وإهانته خلافاً لمبادئ استقلالية المحاماة”. وطالب البيان محكمة التمييز العسكرية بإبطال القرار ضمن أقصر المهل تمكينًا لصبلوح من مواصلة عمله أمام المحكمة. كما طالب كلّ من مجلس النواب ونقابتي المحامين بالعمل على إلغاء المادة 59.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.