نص المادة 308 من قانون العقوبات الأردني هو نفسه نص المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني وله مرادف في عدد كبير من الدول العربية، وهو الذي يعفي الرجل من الملاحقة في جرم الاغتصاب أو هتك العرض أو الخطف للزواج أو ما شابه، في حال انتهت الواقعة بزواج. وهو من هذه الزاوية، أحد أبرز شواهد الذكورية، حيث يرى المجتمع أن
تسامحه مع الرجل يكون مبررا في حال تبرعه لإسعاف عشيرتها من العار.أما المرأة المعتدى عليها فلا مكان ولا محل لها في المعادلة. لا أحد يسأل عن سعادتها في حال حكم عليها العيش مع رجل لم يتردد قبل الزواج منها، عن الاعتداء عليها. ولذلك، توالت الحملات على طول العالم العربي لإلغاء هذه المادة. في ظل كل ذلك، تطالعنا محكمة تمييز الأردن بحكم غريب، حكم ظاهره اعلان المساواة بين المرأة والرجل، وباطنه تشريع المادة من خلال إخراجها من لائحة المواد التي تميز بين الجنسين. موقف مشابه لمن يسعى الى تشريع جرائم الشرف أو الاغتصاب الزوجي من خلال اعلان إمكانية استفادة المرأة المرتكبة منها أيضا. مساواة شكلية، مساواة مخادعة من شأنها إخفاء غابات من اللامساواة والتمييز. المفكرة تنشر هنا تعليقا للحقوقي أيمن هلسا حول هذا الحكم، فاتحة موقعها الالكتروني للتعليق على هذا الحكم أو على أي عمل قانوني آخر يخشى منه تكريس اللامساواة تحت غطاء المساواة الشكلية (المحرر).
في سابقة فريدة من نوعها أثارت الجدل في الأوساط القانونية، استخدمت محكمة التمييز نص قانوني ذات رمزية ذكورية عالية لصالح امرأة مدعى عليها.
ففي قرارها الصادر في القضية رقم 349/2013، قضت المحكمة بالأكثرية وفي هيئتها العامة أنه لا يوجد ما يمنع من تطبيق المادة 308 من قانون العقوبات الأردني لسنة 1960 التي تفيد الرجل الذي يرتكب هتك العرض أو الاغتصاب أو غيرها من الجرائم المخلة بالشرف من إيقاف الملاحقة أو تعليق تنفيذ الحكم إذا تزوج الضحية المعتدى عليها، على المرأة التي تقوم بأي من هذه الأفعال (هتك عرض رجل)[1]. فسندا لطرائق التفسير الأصولية، يضع المشرع النصوص القانونية للأغلب الأعم من الأحوال وأن ذكره لعبارة "المعتدى عليها" تدفع للبرهة الأولى الى القول باستلزام أن تكون المعتدى عليها انثى وليس ذكرا، إلا أن التقصي عن الغاية التي ارتآها المشرع من ايراد النص تسعف للتفسير بأن عبارة "المعتدى عليها" تمتد لتشمل الذكر.
وتعزز المحكمة هذه النتيجة بقولها إن القياس على ما انعقد عليه اجماع الفقه الجنائي وتواترت عليه الاجتهادات محظور في مقام التجريم والعقاب ولكنه ليس كذلك في مجال التبرير أو ما في حكمه كحالة وقف التنفيذ. كما أردفت المحكمة أنه يكاد يجمع الفقه أن القياس جائز إذا كان يقرر سببا للتبرير أو لامتناع العقاب إذ لا مساس له بحق المتهم لأنه يخرجه من دائرة العقاب ولا ضرر منه بحق المجتمع لأن المفسر لا يأخذ بالقياس إلا حين يتأكد من أن الأخذ به يتفق مع مقاصد المشرع.
وفيما يتعلق بالمادة 308، تجدر الإشارة إلى ان هناك مجموعة من النشطاء يطالبون بإلغاء هذه المادة. وقد بدأت هذه المطالبة في العام 2012 على إثر إعفاء مغتصب طفلة في مدينة الزرقاء ذات أربعة عشر عاماً من عقوبة الاغتصاب، بعد أن عقد قرانه عليها مع إتمامها عامها الخامس عشر. ويوضح هؤلاء النشطاء إن تزويج المغتصبة لمغتصبها جريمة إضافية بحقها، وهو حل يتم اللجوء إليه دفعاً "للعار" الاجتماعي، وتضطر الضحية وعائلتها للرضوخ له حفاظاً على السمعة.
بمعزل عن طبيعة النص، يبقى تفسير محكمة التمييز لنص المادة 308 سابقة هي الأولى من نوعها في الأردن، وهو يطرح مجموعة من التساؤلات بشأن مدى إمكانية استفادة المرأة من نصوص تمييزية وردت في تشريعات أخرى مثل نص المادة 22 من قانون الإقامة وشؤون الأجانب الذي يعطي الحق للأجنبية المتزوجة من أردني إذن إقامة لمدة 5 سنوات في حين أن المرأة الأردنية المتزوجة من أجنبي ليس لديها هذا الحق. وكذلك الأمر في قانون الجنسية الذي يعطي الحق لغير الأردنية المتزوجة من أردني حق الحصول على جنسية بخلاف الأردنية المتزوجة من غير أردني لا تملك إعطاءه حق المطالبة بالجنسية الأردنية.
[1] جاء في هذه المادة " 1-إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المعتدى عليها أوقفت الملاحقة وإذا كان صدر حكم بالقضية علق تنفيذ العقاب الذي فرض على المحكوم عليه. 2-تستعيد النيابة العامة حقها في ملاحقة الدعوى العمومية وفي تنفيذ العقوبة قبل انقضاء ثلاث سنوات على الجنحة وانقضاء خمس سنوات على الجناية إذا انتهى الزواج بطلاق المرأة دون سبب مشروع".
للمزيد عن قرار محكمة التمييز الخاص بالمادة 308 انقر على الرابط ادناه
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.