نشرت الجريدة الرسمية[1] في 15/3/2016 قرار رئيس الجمهورية بالعفو عن العقوبة بحق 203 من المحكوم عليهم. وفي سابقة لم تحدث من قبل، تضمنت القوائم المرفقة بالقرار التصنيف الأمني للمعفو عنهم حيث تم تصنيف 200 منهم كمتعاطفين مع جماعة الإخوان و3 كإثاريين[2]. وقد أحدث النشر ضجة في الأوساط القضائية والقانونية وتناولته العديد من وسائل الاعلام، في محاولة لاستكشاف أسباب هذا التغيير الطارئ الذي طال طريقة نشر قوائم العفو. وقد تساءل البعض عما إذا كان السبب هو التأكيد على خلوّ القوائم من أعضاء الأخوان المسلمين. وفي اليوم التالي، فوجئ الجميع بإعادة نشر ذات العدد من الجريدة الرسمية متضمنا تعديلا لقائمة المستفيدين من العفو مع محو خانات التصنيف والتهمة وموعد انتهاء العقوبة، وذلك على غرار ما كان متبعا في قرارات العفو السابقة. وقد بدت إعادة النشر وكأنها ترمي إلى تصحيح خطأ مادي. وكما أن نشر القرار مع قوائم التصيف الأمني شكّل سابقة، كذلك الأمر بخصوص إعادة نشر نفس العدد من الجريدة الرسمية بذات الرقم وتاريخ الإصدار. فلم تتبع القواعد المعمول بها في هذا الشأن وهي نشر قرار جديد برقم جديد بشأن إدخال تعديل على القرار الخاطئ، أو نشر استدراك يوضح الخطأ المادي المراد تعديله. فما حدث مع قوائم العفو هذه المرة جاء مخالفا لكل الأعراف ويرقى إلى درجة التدليس. وهدفه محو هذا الخطأ من التاريخ المطبوع للجريدة الرسمية حيث سيتم أرشفة العدد المعدل المعاد نشره، وسيتم إعدام العدد الذي احتوى على القوائم المصنفة أمنيا. فلا يحتوي أرشيف الجريدة الرسمية على ما يوضح هذا الخطأ الذي يكشف تحكم أمن الدولة في مصائر المساجين، ومدى شكلية اللجنة التي شكلت بغرض العفو عن المساجين.
وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أهمية نشر القوانين والقرارات في الجريدة الرسمية، والذي يعتبر أحد أركان القاعدة القانونية، تعددت أشكال الإعتداء على قواعد النشر هذه خلال السنوات الست الماضية. ففضلا عن الإعتداء الحاصل أعلاه، نلفت النظر إلى نشر القوانين والقرارات بشكل كامل، أو نشر القوانين كعدد تابع بالجريدة الرسمية بتاريخ سابق لصدورها الفعلي لتصحيح شكلها.
التلاعب في تواريخ النشر بالجريدة الرسمية
تعددت نماذج التلاعب في تواريخ النشر بالجريدة الرسمية، لاسيما خلال المرحلة الإنتقالية والتي تولت فيها السلطة التنفيذية عملية التشريع بجانب اختصاصاتها التنفيذية، منها ما حدث أثناء إصدار القرار الجمهوري بالدعوة للانتخابات البرلمانية. فهذا القرار صدر في مساء يوم الخميس الموافق 21/2/2013، وأعلن عنه من خلال صفحة المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية على موقع الفيسبوك[3]؛ وقد أشار في ديباجته أنه صدر بعد الإطلاع على القانون رقم 2 لسنة 2013 بشأن تقسيم الدوائر الانتخابية، في حين أن القانون المشار إليه لم يكن قد نشر بالجريدة الرسمية حتى حينه.[4] وهذا الأمر يعني أن القرار صدر تنفيذا لقانون لم يكن معمولا به حين صدوره، على اعتبار أن النشر هو ركن نفاذ القانون وليس توقيع رئيس الجمهورية. ولتجاوز نتائج هذا الخطأ الإجرائي الذي وقعت به الرئاسة، تمّ نشر القانون ملحق خاص في الجريدة الرسمية (العدد 8 تابع أ) مع وضع تاريخ سابق لتاريخ النشر الحقيقي.
عدم نشر القوانين بالجريدة الرسمية
في يناير 2016، تقدّم النائب محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، إستنادا إلى دراسة كان أعدّها الصحفي القضائي محمد بصل، بطلب إلى د. علي عبد العال رئيس مجلس النواب لسؤال وزيري العدل والشؤون القانونية عن سبب عدم نشر 10 قرارات بقوانين صدرت في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في الجريدة الرسمية حتى الآن. وقال السادات إن "هذه القرارات بقوانين غير موجودة على موقع مجلس النواب الذي نشرت عليه الأمانة العامة القرارات بقوانين الصادرة في عامي 2014 و2015 كإخطار رسمي للنواب"، متسائلا عما إذا كانت هذه القرارات بقوانين قد صدرت فعلاً ولم تنشر، أم أنها لم تصدر وحدث خطأ في تسلسل القوانين. وتشير الدراسة إلى أن هذه القوانين العشرة غير المنشورة في عهد السيسي ليست الأولى من نوعها خلال العامين الأخيرين. فقد انقضى عام 2014 دون نشر 9 قرارات بقوانين هي المرقمة 205 و206 و207 و208 و209 و212 و213 و214 و215 لسنة 2014، ثم نُشرت جميعًا في شهري يونيو وسبتمبر 2015، وإن معظم القرارات بقوانين التي لا يتم نشرها في مواعيدها، وتنشر لاحقًا بعد فترات طويلة، تكون تصديقًا على اتفاقيات دولية وقعت عليها مصر بأغراض اقتصادية أو تمويلية، أو ترخيص لوزير البترول بالتعاقد مع شركات أجنبية للتنقيب عن الغاز والبترول في مصر.
وطبقا لتحقيق منشور بجريدة الشروق[5]، هناك 5 مراسيم بقوانين صدرت في عهد المجلس العسكري هي أرقام: 133 و134 و135 و129 و105 لسنة 2011، لم تنشر حتى الآن بالجريدة الرسمية، بينما تم نشر البعض الآخر بعد مرور نحو 4 سنوات على صدورها، كما تم نشر قوانين أصدرها الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2015 خلال عام 2016.
وتأتي هذه الفجوة الزمنية الواسعة بين تاريخ إصدار القوانين ونشرها بالمخالفة لنص المادة 225 من الدستور المصري الحالي والتي نصت على أن "تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال 15 يوما من تاريخ إصدارها، ويعمل بها بعد 30 يوما من اليوم التالي لتاريخ نشرها، إلا إذا حددت لذلك ميعادا آخر. ولا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها…" وهو ذات المبدأ الذي سبق وقررته المادة 188 من دستور 1971 التي كانت تنصّ على أن "تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من يوم إصدارها…"
وهو أمر يهدد صحة العديد من القوانين ويجعل من الإعتداء على قواعد نشر القوانين والقرارات منهجاً متبعاً في ظل التضييق على إتاحة المعلومات، والسماح للسلطة التنفيذية بالعبث بمقدرات الوطن لاسيما أن سلطة التشريع كانت ممنوحة للسلطة التنفيذية خلال السنوات الماضية لفترة تجاوزت الثلاث سنوات كاملة موزعة بين المجلس العسكري ومحمد مرسي وعدلي منصور والسيسي.
موقف المحكمة الدستورية من نشر القوانين والقرارات
يأتي هذا التأخر غير المبرر في النشر، في الوقت الذي توسعت فيه المحكمة الدستورية في إلزامية النشر لتطول كلا من القوانين والقرارات الإدارية المخاطبة للمواطنين حيث استقرت أحكامها على ضرورة نشر جميع القرارات التي تمثل قواعد قانونية جديدة حتى يمتنع القول بالجهل بها، ولكفالة وقوف المخاطبين بها على ماهيتها ومحتواها ونطاقها.
واتفقت جميع هذه الأحكام على أن "نشر القاعدة القانونية ضمان لعلانيتها وذيوع أحكامها واتصالها بمن يعنيهم أمرها، وامتناع القول بالجهل بها، وكان هذا النشر يعتبر كافلا وقوفهم على ماهيتها ومحتواها ونطاقها، حائلا دون تنصلهم منها، ولو لم يكن علمهم بها قد صار يقينيا، أو كان إدراكهم لمضمونها واهيا، وكان حملهم قبل نشرها على النزول عليها، وهم من الأغيار في مجال تطبيقها، متضمنا إخلالا بحرياتهم أو بالحقوق التي كفلها الدستور، دون التقيد بالوسائل القانونية التي حدد تخومها وفصل أوضاعها، فقد تعين القول بأن القاعدة القانونية التي لا تنشر، لا تتضمن إخطارا كافيا بمضمونها ولا بشروط تطبيقها، فلا تتكامل مقوماتها التي اعتبر الدستور تحققها شرطا لجواز التدخل بها لتنظيم الحقوق والحريات على اختلافها».
ما حدث من تلاعب في تغيير القوائم المرفقة بقرار العفو الأخير من دون الإشارة إلى هذا التعديل، يعدّ أخطر من التلاعب الذي كان يتمّ سابقاً من استخدام الأعداد المكررة والتوابع لتصحيح أخطاء وقعت فيها السلطة بإصدار قرار قبل قانون، أو التأخر في إصدار قرارات عن موعدها المحدد. وأخطر ما في هذا الإعتداء هو أنه يفتح الباب للتلاعب في القوانين بعد نشرها في الجريدة الرسمية وهو باب لم يجرؤ أي من الأنظمة السابقة على الإقتراب منه.