التعذيب في لبنان: نهج متواصل والإفلات من العقاب لا يزال سيّد الموقف


2021-06-29    |   

التعذيب في لبنان: نهج متواصل والإفلات من العقاب لا يزال سيّد الموقف
رسم رائد شرف

في 26 حزيران الذي صادف اليوم الدولي للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب، استعادت نقابة المحامين في طرابلس جزءاً من وهجها في الدفاع عن حقوق الإنسان والسجين في لبنان. وعقدت مؤتمراً عنوانه “معاً ضدّ التعذيب” في دار النقابة بالتعاون مع منظمات وجمعيات تُعنى بحقوق الإنسان، من ضمنهم “المفكرة القانونية”.

سلّط المؤتمر الضوء على مجموعة تجارب لسجناء سابقين، ومحامين، وقضاة، وقد أجمع هؤلاء على أنّ جريمة التعذيب ما زالت حاضرة بقوّة في لبنان، لا بلّ تشكّل سياسة ممنهجة وتتمتّع بتغطية أمنية وقضائية في كثير من الأحيان. كما أنّ هناك تأخيراً مقصوداً في ملاحقة مرتكبي جريمة التعذيب، وعدم الكشف عن هويّاتهم، الأمر الذي يسهم في الاستغراق في ارتكاب الجرم.

أظهر الحاضرون في المؤتمر وعياً وإدراكاً لحجم المشكلة، فهي نتاج ثقافة متأصّلة في لاوعي الدولة ووعيها، حيث تصبح سائر الوسائل متاحة من أجل الوصول إلى الاعتراف، نظراً لرسوخ فكرة “الإقرار سيّد الأدلة”. لذلك لم يكُن أمام نقابة المحامين والجمعيات الحقوقية إلّا الصبر ومتابعة الملفّات، وصولاً إلى رفع الصوت والتمسّك بالشراكة ورفع شعار “معاً ضدّ التعذيب”.

شهادة قاضٍ: التعذيب أسلوب ممنهج في التحقيق الأوّلي

شكّلت مداخلة قاضي التحقيق في بعلبك الهرمل حمزة شرف الدين لحظة مفصلية في الفعالية، حيث استعرض جملة من المخالفات التي وثّقها أثناء عمله القضائي. وأشار إلى “تحطيم أسنان الموقوفين، ضرب الأطفال القصّر بشدّة، ندوب في الوجه بعد مرور شهر على حالة العنف التي أعقبت التوقيف، تشوّه بالجلد بسبب الصعق بالكهرباء، جروح عميقة في الرأس، آثار جسدية بسبب شدّة الكلبشات”. ولم يقف الحال عند هذا الحد، بل يتحدّث شرف الدين عن “عنف انتقامي ضد الموقوفين”، تتمّ ممارسته في سجن تبنين الذي يصفه بـ”غوانتانامو لبنان” بسبب العنف المفرط ضدّ الموقوفين.

يختصر القاضي حمزة شرف الدين حالة الموقوف لدى مخابرات الجيش بأنّه “غائب عن رادار القانون والإنسانية”، هذه العبارة تصوّر الحالة السيئة لحقوق الإنسان الموقوف في لبنان. تبدأ المخالفات حسب شرف الدين منذ اللحظة الأولى، من “خلال القيام بمداهمات وتوقيفات دون الاستحصال على الإذن من النيابة العامّة وعدم مخابرتها إلّا بعد عدّة أيام”، وصولاً إلى الاستجواب دون الالتزام بالحضور التلقائي للمحامين في التحقيق الابتدائي وفق المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية المعدّلة بموجب القانون 191 الصادر في 2020، والتحجّج بتأخّر المحامي، والإكراه على الكلام، عدم تسجيل التحقيقات بالصوت والصورة، كذلك خرق قانون سرّية المخابرات 140/1999 والتفتيش في الهواتف وخرق الخصوصية، إلى جانب عدم عرضه على الطبيب الشرعي أو “التأخّر في ذلك إلى حين زوال علامات التعذيب”، وصولاً إلى عدم تلاوة الإفادة على المستجوب، أو السماح له بقراءتها، وإكراهه على التوقيع.

يجزم شرف الدين أنّ “هذه المخالفات تتكرّر في 90% من التحقيقات”، مشيراً إلى أنّ “رتيب التحقيق يتعامل مع مطالبة المستجوب بقراءة المحضر بمثابة التحدّي له والتشكيك في عمله”.

ويشير شرف الدين إلى أنّ الضابطة العدلية تستبق الاتهامات بالتعذيب من خلال التحجّج بـ “معاملة المحتجز للقوى الأمنية بالشدّة”، ناهيك عن حفظ النيابة العامّة التمييزية للشكوى بحق حرس مجلس النواب في أعقاب تعرّض 14 شخصاً لفقء في العين.

لذلك، يعزو القاضي شرف الدين سبب شيوع المخالفات إلى عدم تنبيه الضابطة العدلية من قبل النيابة العامّة إلى “عدم ممارسة التعذيب لانتزاع الاعتراف”. ويتحدّث عن “مشكلة ثقافة” حيث الأولويّة هي للتوقيف والادلاء بالاعتراف، وذلك على حساب الضوابط القانونية والإنسانية، لذلك لا “يتمّ التجاوب مع استنابات قضاة التحقيق لمعرفة أسماء القائمين على التحقيق الأوّلي، وعدم مثول الضبّاط ورتباء التحقيق أمام القضاء العسكري والعدلي للتحقيق معهم حول تعذيب الموقوفين. وينطلق شرف الدين من تجربة شخصية لتأكيد “رفض القيادات الأمنية للتحقيق مع الرتباء”. ويستهجن الممارسات السادية لدى بعض المحققين، و”القيان بصعق الأعضاء التناسلية للسجناء”.

مخالفات للمخابرات بحق المتظاهرين بدون أي محاسبة

عرّت محاضرة القاضي حمزة شرف الدين مخالفات الضابطة العدلية، وتحديداً أجهزة المخابرات في أعقاب التوقيفات التي تزايدت بعد انتفاضة 17 تشرين، وانتقل لطرح إشكالية قانونية أساسية حول “مدى اعتبار مخابرات الجيش بمثابة الضابطة العدلية”.

ينطلق شرف الدين من أنّ 36% من الأشخاص الذين تمّ توقيفهم في الشهور الست الأولى من الثورة كان على يد مخابرات الجيش، وتمّ التثبّت من حالات تعذيب كثيرة لديهم، وهو رقم مستمد من توثيق “المفكرة القانونية” بالتعاون مع “لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين” في عددها الخاص حول “الثورة في مواجهة السّلطة وعنفها“. وأكّد أنه من حيث المبدأ لا تعتبر المخابرات بمثابة ضابطة عدلية، ولكن القانون سمح بتكليف بعض ضباطها بذلك عند الحاجة.

يعزو القاضي حمزة شرف الدين كثرة المخالفات لديهم إلى عدم سيادة القانون، والذهنية القائمة على التعتيم، وقلّة الرقابة القضائية، وشعور عناصرها بفائض القوّة “وأنّهم فوق القانون”، مؤكّداً انتهاج أسلوب “تأخير المخابرات في مخابرة النيابة العامّة”.

يستذكر حمزة شرف الدين جملة مخالفات، كتوقيف المحامي ديفيد عكرة واقتياده إلى ثكنة صربا، والتحقيق معه خلافاً لتعميم النيابة العامّة التمييزية التي طلبت عدم التحقيق مع أي محامي إلّا من قبل قاضي.

كما أشار إلى مخالفة “اختفاء مجموعة من المتظاهرين في طرابلس في كانون الأوّل 2019″، وبعد جهد كبير قامت به مجموعة حقوقية (وهي لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين) مع النيابة العامّة التمييزية، كانت النتيجة بتحديد موقعهم بأنّهم لدى المخابرات، ونقلوا إلى وزارة الدفاع. تكرر الأمر في نيسان 2020 مع 15 شاباً من الشمال، حيث سمحت النيابة العامّة التمييزية وللمرّة الأولى لمجموعة من المحامين (من اللجنة المذكورة) ومندوب الأحداث بزيارة الموقوفين لدى مديرية المخابرات في وزارة الدفاع، ولدى طلب الكشف عليهم من قبل الطبيب الشرعي، تأخّرت النيابة العامّة التمييزية بالبتّ به بحجّة وجوب التقدم بطلب خطي.

يخلص شرف الدين إلى أنّ نهج المخابرات بإخفاء الموقوفين يندرج في خانة الجريمة المنصوص عليها في المادة 38 من القانون 105 الصادر في 2018 الذي يتحدّث عن المفقودين والمخفيين قسراً، وتصل عقوبته إلى السنتين حبس، كما يخالف قرار مجلس شورى الدولة في 2014 والذي يقرّ حق أهالي الموقوف في معرفة مكان توقيفه.

شهادات تعذيب وتنكيل

من أبرز شهادات المعاناة في السجون اللبنانية التي عرضت في المؤتمر، واحدة لأحد الموقوفين في سجن رومية الذي يتحدّث اللهجة السورية ضمن فيديو توثيقي، وأخرى شهادة مصوّرة للناشط خلدون جابر، بالإضافة إلى صرخة المحامي توفيق الضيقة والد الضحية حسّان الضيقة الذي كان حاضراً في المؤتمر.

في الشهادة الأولى، يروي صاحب اللهجة السورية، أنّه تعرّض خلال التحقيق الأوّلي لشتّى أشكال التعذيب من “التعليق بالبلانجو، والشَبح، والمنع من النوم لمدة 24 ساعة، والمنع عن الأكل، والتهديد بالكهرباء، إلى جانب التهديد باعتقال الزوجة”. وأكّد المحتجز أنّ مجموعة من المحققين اجتمعوا على ضربه، ذاكراً أنّه “خلال إحدى جلسات الاستجواب، كان هناك عنصر يحمل بندقية، قام بتلقيمها، وهدّدني بالقتل”. بعد أن أصبح الموقوف بين الأرجل، استمرّ العناصر بالضرب بسلاح “الأخمس”، وكذلك الرّكل إلى أن سال منه الدم.

تعرّض الشاب أيضاً للعنف الجنسي، وهو أمرٌ أكّدته أكثر من رواية لسجناء سابقين، حيث تعرّض للضرب على الخصيتين في إحدى الجلسات.

تواصل سيناريو التعذيب إلى حين وصوله إلى المحكمة العسكرية، هناك عرض الشاب نفسه على قاضي التحقيق، وأظهر له آثار التعذيب الشاهدة على ما حصل معه أثناء الاستجواب الأوّلي. وبعد نقله إلى السجن، رفض آمر السجن دخوله قبل أن يجيء طبيب شرعي ويضع تقريراً ليؤكد تاريخ التعذيب.

لم تنته قصة الشاب هنا، بل تمّ استدعاؤه بعد أسبوع مجدداً من قبل الجهاز الأمني نفسه الذي أوقفه، وعلى حد قوله فقد تعرّض للضغط من أجل التنازل عن الشكوى التي تقدّم بها بتعرّضه للتعذيب.

اليوم، وبعد مرور سنتين، ما زالت الأضرار الناجمة عن الضرب حاضرة في جسده. فقد خضع لعملية جراحية لاستخراج أكياس من الخصيتين، وهو بحاجة إلى عمل جراحي آخر. يُطالب السجين الدولة اللبنانية بإنصافه، ويشير الفيديو التوثيقي الذي تمّ عرضه أنّ “الدولة اللبنانية لم تتحرّك حتى اليوم للتحقيق في هذه القضية”.

شهادة أخرى هي للناشط اللبناني خلدون جابر، الذي تحدّث في فيديو من إعداد “المفكرة” عن ألوان مختلفة من العنف الجسدي والنفسي، فقد تعرّض للضرب بعقب البارودة أثناء التحقيق معه، بالإضافة إلى التحرّش الجنسي بواسطة العصا. ويشير جابر إلى أنّ العنف استمرّ إلى حين بصقه للدم بسبب تكسير أسنانه، لأنّهم كانوا يطلبون إجابات محدّدة على اتهامات معاملة القوى الأمنية بالشدّة، والتعرّض لمقام رئيس الجمهورية، والتحريض على التظاهر.

ويلفت جابر إلى أنّه نقل إلى المستشفى العسكري بعد انتهاء التحقيق الذي تعرّض فيه للضرب من أجل الاستحصال على ورقة بأنّه صالح لدخول السجن، وأودع في زنزانة منفردة تحت الأرض، وحاولوا إكراهه للتوقيع على محضر تعهد بعدم التظاهر مجدداً، إلّا أنّه رفض. نقل خلدون إلى مخفر راس بيروت في 7 تشرين الأول 2020، حيث أفرج عنه، ثم حصل على حكم من المحكمة العسكريّة يُؤكّد براءته من معاملة قوى الأمن بالشدّة وشتم المؤسسة العسكرية فيما أعلنت المحكمة عدم اختصاصها في جرم “شتم رئيس الجمهوريّة”.

تعرّض جابر لأضرار فادحة أثبتها محضر للطبيب الشرعي عقب خروجه، كان قد خسر 70% من السمع بالأذن اليسرى، وأصيب بكسر في الأضراس.

أما الشهادة الثالثة، فكانت للمحامي توفيق الضيقة، “والد الضحية حسّان الضيقة؛ الأب لثلاثة أولاد”. يؤكّد الوالد أنّ ابنه توفّي بسبب التعذيب أثناء التحقيق معه، وأنّه كان يعاني من انهيار عصبي[1]. وأشار إلى أنّ التعذيب استمرّ إلى حين الادّعاء في ذلك لدى قاضي التحقيق، والمحكمة العسكرية.

يلفت المحامي الضيقة إلى أنّه أبلغ رئاسة الجمهورية، وكافّة قيادات الأجهزة الأمنية بمضمون ملف التعذيب، بالإضافة إلى الأمم المتحدة التي تواصلت مع الدولة اللبنانية. ويؤكد أنّه رفض منطق الانتقام، ولجأ إلى القانون الذي لم ينصفه بعد، متحدّثاً عن “تذرّع قضاة النيابة العامّة في جبل لبنان، وقضاة التحقيق بجهلهم بقوانين التعذيب لتبرير عدم التجاوب مع طلباته”.

يتحدّث الضيقة عن “أن من يرتكب التعذيب ليس له حصانة، وليس هناك حاجة لإذن من أجل ملاحقته”. وعليه، فهو يحمل مسؤولية الدولة اللبنانية عن إستمرار جريمة التعذيب وحماية مرتكبيها.

“معاً ضد التعذيب” جهد حقوقي جماعي

يشكّل إطلاق مؤتمر “معاً ضد التعذيب” خطوة ضرورية من أجل محاربة الإفلات من العقاب في جريمة التعذيب. وقد تخلّل المؤتمر عرض لفيديو تضمّن كلمات لمختلف المنظمات المشاركة حيث عرضت فيه نتائج متابعتها لموضوع التعذيب خلال السنوات الماضية.

وفي هذا السياق يمكن تسليط الضوء على مداخلة المحامي محمد صبلوح رئيس مركز حقوق السجين في نقابة المحامين طرابلس، حيث أكّد أنّ تجريم التعذيب “ما زال حبراً على ورق في لبنان”. ينوّه صبلوح بأنّنا “لمسنا مؤخراً تغييراً في التعاطي مع مسألة التعذيب، مع وعود من قبل الأجهزة الأمنية بأنها ستنتهي”، ولكن إلى ذلك الحين ما زلنا نواجه برأيه “ثقافة عنفية غير إنسانية تؤدي إلى نتائج كارثية بحق الضحية وعائلته والمجتمع”. يتطرّق إلى تفاوت في الاستجابة لمحاربة التعذيب بين “تجاوب بطيء من الأجهزة الأمنية، واستجابة تشريعية لدعوات الأمم المتحدة”.

يشير صبلوح إلى جملة خطوات شاهدناها في السنوات الماضية والعقد الأخير من الزمن، في 2016 تمّ إقرار القانون 62 لإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، ولكن 5 سنوات مرّت من دون تفعيلها أو منحها الميزانية للعمل. وفي 2017 أقرّ القانون 65 لتجريم التعذيب، وعلى الرغم من حاجته للتعديل والملاحظات بشأنه، إلّا “أنّ المحامين يعتبرونه انتصاراً للعدالة”، ولكن بعد مرور 4 سنوات على إقراره ما زال حبراً على ورق. وفي 2020 توصّل المشرّع الى اقرار القانون 191 وإقرار تعديل المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تسمح للمحامي بحضور التحقيقات الأولية، إلّا أنّ المخالفات ومنع المحامين ما زال شائعاً، “ما زلنا حتى اليوم نواجه امتناع أجهزة أمنية لا بأس بها، عن تطبيقها بحجج متنوّعة، ما يزيد مخاوفنا من غياب الرقابة وإفلات منتهكي حقوق الإنسان”.

ويلفت صبلوح إلى حصول بعض التغييرات من قبيل توقف التعذيب لدى وصول الموقوف إلى المحكمة العسكرية، بالإضافة إلى تعهد وزارة الداخلية بالتحقيق بتعرض لاجئين بالتعذيب بناء لاتّهام منظمة العفو الدولية لبنان بممارسة التعذيب. كما أشار الى أنه في بعض الحالات، أدّى تقديم شكوى بحصول أعمال تعذيب الى وقف هذه الأعمال بحق المساجين.

نقيب طرابلس: رفعنا توصيات عديدة لو طُبّقت لحاربت التعذيب

وذكّر نقيب المحامين في طرابلس محمد المراد في كلمته الختامية أنّه في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات، أطلقت مجموعة من منظمات المجتمع المدني العاملة في مجالات حقوق الإنسان، المحلية والدولية، بياناً مشتركاً تضمّن توصياتٍ قانونية تتوافق مع القانون الدولي واتفاقية مناهضة التعذيب التي صادق عليها لبنان عام 2000، وُجّهت إلى كل من: المجلس النيابي، الحكومة اللبنانية، القضاء، الأجهزة الأمنية، نقابتا المحامين في طرابلس وبيروت، وجمعيات المجتمع المدني.

واعتبر أنّه “كان من شأن هذه التوصيات، في حال الاستجابة لها، أن تحارب التعذيب وتحاسب مرتكبيه. لكن للأسف، كان التجاوب بطيئاً على الرغم من الضغوط الدولية التي ألزمت المشرع اللبناني بالعمل على تعديل القانون 65/2017 (قانون معاقبة التعذيب)[2] وتعديل المادة 47 من قانون أصول محاكمات جزائية (بموجب القانون 191/2020) الذي أدرج عدّة إصلاحات أو تعديلات يمكن أن تحدّ من التعذيب ومنها السماح للمحامي حضور التحقيقات الأوّلية أمام الضابطة العدلية”[3]. لكنه أسف لأنّ لبنان لا يزال يعاني من إشكاليات تعيق تطبيق هذه القوانين، وتبرز على مستوى الضابطة العدلية والقضاء، و”هذا ما ظهر جلياً في أحداث احتجاز المتظاهرين/ات في السنوات القليلة الماضية، وتحديداً منذ بدء احتجاجات 17 تشرين الأول 2019، والمخالفات القانونية التي تعرّضوا لها من احتجاز تعسّفي إلى سوء المعاملة والتعذيب، والإخفاء القسري[4]، تضاف إلى المخالفة في تطبيق المهل القانونية أثناء التحقيقات، وصولاً إلى غياب تام للمحاسبة عن ارتكاب جرائم التعذيب والإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي”.

وأشار إلى العريضة التي وقعتها قبل أربعة أشهر أكثر من 23 جمعية حقوقية، إلى لجنة حقوق الانسان في مجلس النواب اللبناني، تطالب بمساءلة وزراء الدفاع والعدل والداخلية عن تمنّع الضابطة العدلية والقضاء عن الالتزام بالقوانين المشرعة (تجريم التعذيب 65/2017 وتعديل المادة 47 أ.م.ج 191/2020 والاخفاء القسري 105/2018).

لكنه لفت إلى أنّه “حتى اليوم، لم تتم المساءلة على الرغم من المراجعات المتكررة، ومازالت الوعود بها قائمة على أمل أن تكون قريبة، علماً أنه جرى مؤخراً في اجتماع للجنة حقوق الانسان في المجلس النيابي الذي شارك فيه المعنيون بتطبيق المادة 47 أ.م.ج ونقابتا المحامين والعديد من منظمات المجتمع المدني العاملة في مجالات حقوق الإنسان حيث حصلت نقاشات جدية بهذا الموضوع وخلص الاجتماع إلى رفع توصية بمساءلة وزراء العدل والدفاع والداخلية حول امتناعهم عن تطبيق المادة المذكورة. وبالرغم من التوصيات الصادرة عن لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب أصدرت في مراجعتها الأولى للبنان عام2017، إلّا أنه للأسف لم يُطبّق جوهرها”.

 

توصيات جديدة

وتلا النقيب توصيات جديدة تضمّنها البيان المشترك الصادر عن النقابة والمنظمات الحقوقية تضمّنت النقاط التالية:

“أ- على صعيد الأجهزة الأمنية:

ضرورة احترام الإجراءات والمهل القانونية الواجبة المنصوص عنها في القانون اللبناني، بما فيها المادة 47 من قانون أصول محاكمات جزائية والقانون 65/2017 وتدريب المحققين على آلية تطبيقها، وضمان آلية تحقيق فعالة، شفافة، مستقلة وحيادية في التقارير التي تتضمن اتهامات بالتعذيب، وملاحقة كل من تتوفّر ضدهم أدلة صالحة قانونياً تشير إلى تورّطهم في جرائم التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة، وإيقافهم عن العمل بانتظار نتيجة التحقيق القضائي.

ب- على صعيد الحكومة اللبنانية:

تفعيل الدور الرقابي للوزارات المعنية (الدفاع – العدل- الداخلية) والسهر على حسن تطبيق القوانين واتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة والتي من شأنها إحالة المخالفين للمحاسبة القضائية والادارية.

ج- على صعيد المجلس النيابي:

إقرار تعديل قانون معاقبة التعذيب بهدف توسيع تعريف جريمة التعذيب لكي يتلاءم مع التعريف الدولي وتكريس صلاحية القضاء العادي للنظر فيها وإقرار مبدأ عدم سقوطه بمرور الزمن، وتشديد العقوبات، ومنع المرتكبين من التذرع بأي تبرير أو حصانات، وتعزيز حماية الضحايا.

إنّ تشريع القوانين ومواكبة المجتمع الدولي في حماية الإنسان وتأمين حقوقه أمر مهم، لكن دور المجلس النيابي لا يقتصر على التشريع، بل يتعداه إلى المساءلة والمحاسبة عن أسباب انعدام تطبيقها. من أجل ذلك، فإننا ندعو المجلس النيابي إلى تفعيل الدور الرقابي الذي يضمن تنفيذ وتطبيق القوانين المشرعة.

د- على صعيد نقابتي المحامين والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية:

التعاون والتشبيك في رصد الانتهاكات وكشف الخلل وطرح الحلول من شأنه أن يوحّد الجهود وتفعيل الرقابة على الانتهاكات وفضحها، ومن شأنه أن يوصلنا إلى بلدٍ خال من التعذيب”.

 

 

  1. رانيا حمزة، التعذيب يقتل؟ أبعد من المسؤولية عن وفاة حسان الضيقة، تعطيل موصوف لآليات الوقاية من التعذيب ومكافحته في لبنان، المفكرة القانونية، 2019-06-01.
  2. أنظر مقالة غيدة فرنجية، اقتراح تعديل قانون التعذيب: إصلاحات لتفعيل المحاسبة لكن ماذا عن مرور الزمن الذي استفاد منه الفاخوري؟، المفكرة القانونية، 2020-12-20.
  3. أنظر مقالة غيدة فرنجية، معارك المادة 47: كيف انتزعت الانتفاضة حقوق الدّفاع للمحتجزين؟، المفكرة القانونية، 2020-10-01.
  4. أنظر مقالة لور أيوب، شبهات تعذيب وإخفاء قسري في ملفّات موقوفي احتجاجات طرابلس، المفكرة القانونية، 2021-02-09.
انشر المقال

متوفر من خلال:

احتجاز وتعذيب ، قضاء ، محاكمة عادلة ، حريات ، أجهزة أمنية ، محاكم عسكرية ، محاكم جزائية ، قرارات قضائية ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، انتفاضة 17 تشرين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني