تحول في المدة الاخيرة قاضي التحقيق بالمكتب عدد 13 بالمحكمة الابتدائية بتونس الى شخصية رئيسية من شخصيات البرامج الحوارية التي تبثها المؤسسات الاعلامية التونسية المرئية والمسموعة. وقد حصل ذلك رغم أنه لم يسجل أي حضور في أيّ من هذه البرامج. كان قاضي التحقيق 13 حاضراً رغماً عنه في كل البرامج الاعلامية التي تتناول ملف الخطر الإرهابي ودور القضاء المشبوه في الحرب على الإرهاب. اتُّهم قاضي التحقيق 13 بكونه أفسد مجهود الأمن في الكشف عن الأطراف الضالعة في الإعتداء الإرهابي على متحف باردو بعدما أفرج بوصفه متعهّدا بالقضية عن الإرهابيين الذين أثبتت الأبحاث الأمنية باعترافات صريحة أنهم اقترفوا الإعتداء. بعض هذه الإتهامات صدرت عن شخصيات رسمية في الدولة وبعضها الآخر تضمن مطالبة صريحة بمحاكمة قاضي التحقيق وتأليبا للرأي العام ضده. ورغم ذلك، امتنع القاضي عن أي ردّ عليها.
كشفت تسريبات يبدو أن الغاية منها إعلام الرأي العام بحقيقة مجريات الأبحاث أن قاضي التحقيق أفرج عن المتهمين المفترضين بعدما تأكد لديه أن إعترافاتهم انتزعت تحت التعذيب وبعدما كشفت الأبحاث عن أن اعترافاتهم تتناقض مع مجريات الوقائع. كما أعلن بمناسبة ذات التسريبات أن أبحاثا قضائية تمّت مباشرتها لتعقّب من مارسوا التعذيب ومن أذنوا به أو سعوا للتغطية عليه. كان يُنتظر تبعاً لذلك أن تتراجع الهجمة الإعلامية ضد قاضي التحقيق بالمكتب عدد 13، لكن ما حصل كان نقيض ذلك تماماً. فسرعان ما برز طرحٌ في الخطاب الإعلامي والسياسي يبرّر التعذيب في قضايا الإرهاب، ويعتبر كلّ من يدين التعذيب مبيضا للإرهاب. وذلك بالتوازي مع بروز خطاب يستهدف شخص قاضي التحقيق ويوجه له تهديدا صريحا بالتشهير بشخصه.
وتبدو الحملة الموجهة على قاضي التحقيق 13 بالمحكمة الابتدائية بتونس في بعدها هذا حملة ضد قاض تجرأ على المؤسسة الامنية فكشف عن شبهات عودة تعذيب في عملها. ويؤشر إنخراط نخب سياسية في الحملة الإعلامية هذه على أن التعذيب لا يمكن بحال أن يكون ممارسة فردية، بل هو تصوّر وثقافة سياسيةتتمّ ترجمتها بواسطة عناصر أمنيّة توظّف لخدمة تعليمات سياسية. فيأتي دفاع السياسيّ عن الأمني الذي يُشتبه في ممارسته التعذيب بمثابة دفاع استباقيّ، دفاع منبعُه الخوف من أن تؤدي جرأة قاض رفض الصمت عن التعذيب إلى فضح مباركتها لجريمة قالت قوانينها أنها لا تسقط بمرور الزمن.
الصورة منقولة عن موقع www.jawharafm.net
متوفر من خلال: