في اليوم الأخير للعدوان الإسرائيلي على لبنان، مثل الصحافي الاقتصادي منير يونس يوم الثلاثاء في 26 تشرين الثاني 2024 أمام المباحث الجنائيّة في بيروت للتحقيق معه في الدعوى التي رفعها ضدّه رئيس تحرير موقع VDL News الإخباري جورج غرّة، وذلك على خلفية منشورات ليونس تناولت الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان. استمر التحقيق مع يونس، المعروف بكشفه ملفات الفساد وممارسات غير قانونية في القطاع المصرفي والمالي، لمدّة 6 ساعات متواصلة بحضور وكيله المحامي قاسم كريم وتحت إشراف النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجّار، وعلى وقع أصوات الغارات الاسرائيلية غير المسبوقة على بيروت.
بدأت القضية حين نشر موقع VDL تقريرًا يتناول يونس ويتّهمه بـ “عمليات احتيال واختلاس” خلال عمله السابق في صحيفة القبس الكويتية. على أثرها، ادّعى يونس على الموقع بجرائم القدح والذم والتشهير أمام النيابة العامّة الاستئنافيّة في بيروت، فعاد الموقع ونشر تقريرًا ثانيًا يتّهم فيه يونس بأمور عدّة من بينها “ابتزاز رجال أعمال وتشويه سمعة شخصيات وإثارة الفتن بين شركات وأخرى لجني المال”. وبعدها رفع رئيس تحرير الموقع جورج غرّة دعوى على يونس بواسطة وكيله المحامي رودريغ متّى في 17 تشرين الأول 2024 بـ “جرائم النيل من مكانة الدولة، إحاكة مؤامرات على الدولة، النيل من هيبة الدولة، ابتزاز رجال أعمال وتشويه سمعة شخصيّات وذلك وفقًا للمواد 319، 296 و383 من قانون العقوبات”. وعلم يونس بالدعوى من خلال خبر نشره موقع VDL يعرض فيه تفاصيلها، ثمّ تلقى لاحقًا اتصالًا من المباحث الجنائية يطلب منه الحضور للتحقيق معه.
وعليه، توجّه يونس صباح يوم الثلاثاء عند الساعة الحادية عشر صباحًا إلى الطابق الرابع في قصر العدل في بيروت مع المحامي قاسم كريم، وجرى التحقيق معه على وقع أصوات الانفجارات الناتجة عن القصف الإسرائيلي لمدينة بيروت والتي أدّت إلى ارتجاج النوافذ الزجاجية لقصر العدل أكثر من مرّة. واستمر التحقيق مع يونس في تلك الظروف لمدّة ست ساعات متواصلة، تخلّلتها بعض الاستراحات التي لم تشمل السماح ليونس بالخروج من المكتب أو التدخين. وانتهى التحقيق معه عند الساعة الخامسة مساءً، وذلك بعد انتهاء دوام العمل في قصر العدل، وقطع الكهرباء في الممر المؤدّي إلى غرفة التحقيق، وخروج مُعظم الموظفين ما عدا بعض العناصر الأمنيّة وصحافيتان إحداهما مندوبة “المفكرة القانونية”، وبالتزامن مع إصدار الجيش الإسرائيلي تهديدات لمبانٍ سكنية في قلب العاصمة.
وعلمت “المفكرة” أنّ الأسئلة التي طُرحت على يونس تناولت منشورات له على منصّة “إكس”، كما مقالات صحافية ومقابلات له اتصلت بالأوضاع الاقتصاديّة والمالية في لبنان، كما انتقادات لقرارات مالية اتخذها حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وحملت الأسئلة صيغة الاتهامات ليونس بأنّه “السبب وراء تصنيف لبنان على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (فاتف)”، وأُخرى تعتبر أنّ يونس “يُحرّض على تصنيف لبنان على القائمة السوداء”. كما اتصلت أسئلة أُخرى بعمله الصحافي، إذ طلب منه المحقّق الإفصاح عن مصادر معلوماته وهو ما رفضه يونس تمسّكًا بحقّه في حماية سريّة مصادره. كما طلب منه إثبات المعلومات التي نشرها عن الوضع المالي. كما سُئل يونس عن السبب وراء المنشورات التي انتقد فيها السياسة المالية للبنان في الوقت الذي تشنّ فيه إسرائيل حربًا على لبنان، بحسب ما علمت “المفكرة”. وفيما خصّ المدّعي جورج غرّة، أكدّ يونس للمحقّق أنّه لا يعرف غُرّة ولم يلتق به يومًا.
وبعد انتهاء التحقيق، أمر النائب العام التمييزي بالتكليف جمال الحجّار المحققين بالطلب من يونس توقيع تعهّد بـ “عدم التهكّم على سياسيين”، لكنّ يونس رفض التوقيع على هذا التعهد، وقام بتعديل نصّه لكي يصبح “أنا لا أتهكّم ولن أتهكّم على أحد، وأتعهّد بالالتزام بالقوانين التي ترعى أصول العمل الصحافي”. وعندها أصدر الحجّار إشارة بترك يونس بسند إقامة.
ويسجّل أنّ النيابة العامّة التمييزية قد تجاوزت صلاحيتها القانونية لدى تكليفها المباحث الجنائية للقيام بالتحقيق مع يونس الذي تناول عمله الصحافي ومقالات صحافية ومقابلات تلفزيونية. فقانون المطبوعات يحصر صلاحية التحقيق في هذه القضايا بقاضي التحقيق دون النيابات العامّة أو الأجهزة الأمنية بهدف حماية العمل الصحافي من الضغوطات والتهديدات، إذ تنصّ المادة 29 منه على أنّه إذا “اقتضت الدعوى تحقيقًا قضائيًا فعلى قاضي التحقيق أن يقوم به وأن يحيل القضية على المحكمة في مهلة لا تتجاوز خمسة أيام”. وقد تمسّك العديد من الصحافيين بهذه الحماية ورفضوا المثول للتحقيق أمام الأجهزة الأمنية والنيابات العامّة، كما نشر تجمّع نقابة الصحافة البديلة نموذجًا لمذكرة قانونية يمكن تقديمها لهذه الجهات من أجل رفض المثول أمامها.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.