ثلاث سنوات مرّت على مجزرة المرفأ، ولا يزال التحقيق في الجريمة معطّلًا منذ أكثر من ثمانية أشهر بفعل رفض القوى السياسية الحاكمة للعدالة والمحاسبة.
ففي العام الأوّل، واجه التحقيق جدار الحصانات التي امتنعت مختلف المراجع السياسية عن رفعها لتمكين المحقق العدلي طارق بيطار من القيام بعمله. وفي العام الثاني، واجه التحقيق تعسّف المدّعى عليهم في استخدام حقوق الدفاع من خلال تقديم سلسلة من دعاوى الردّ والمخاصمة والنقل أدّت إلى تعليق التحقيق وتعطيل عمل المحقق، وسط حملة ممنهجة للتحريض ضدّ الأخير والتشكيك في عمله و”فبركة الارتياب” بحقّه.
أما العام الثالث، فقد بدأ بمشهدية سقوط جزء من الإهراءات، الشاهد الصامت على المجزرة، التي امتنعت السلطات عن حمايتها تخليدًا لذكرى المجزرة. وبدأ العام بإعلان القوى السياسية بأنّ التحقيق لن يعود إلّا إذا تنحّى القاضي بيطار. وحوّل خطاب القوى السياسية القضية إلى قضية قاضٍ يجب إزالته وقضيةموقوفين يجب البحث في كيفية إطلاق سراحهم، بدلًا من أن تكون الأولويّة لاتخاذ الإجراءات الضرورية لإزالة العقبات أمام عودة التحقيق.
فعملت القوى السياسية على تعطيل التشكيلات القضائية التي من شأنها تعيين رؤساء لغرف محكمة التمييز، وتاليًا استرجاع الهيئة العامّة للمحكمة نصابها القانوني لكي تتمكّن من البت بدعاوى المخاصمة التي تعلّق التحقيق بمفعل المادة 751 من أصول المحاكمات المدنية. وهو ما حمل ائتلاف استقلال القضاء، بالتعاون مع عدد من النوّاب، إلى تقديم مشروع قانون لتعديل هذه المادة التي أصبحت وسيلة لتعطيل التحقيقات في أي قضية، ومنها جريمة المرفأ والجرائم المالية. في المقابل، حاولت القوى السياسية اللجوء إلى بدعة القاضي “البديل” بحجّة ضرورة البتّ بطلبات إخلاء سبيل المدّعى عليهم الذين كانوا موقوفين (وعددهم 17)، والتي شكّلت عمليًا محاولة لإزاحة القاضي بيطار بشكل غير مباشر.
إزاء كل تلك الممارسات التعطيلية وانعدام الأفق لعودة التحقيق، شهد العام الثالث مسعىمن القاضي بيطار لإحداث خرق في نظام الإفلات من العقاب وإعادة إطلاق مسار التحقيق من خلال ما وصفه ائتلاف استقلال القضاء “اجتهاد الضرورة”، بعدما سقطت بدعة “القاضي البديل”. إلّا أنّ ذلك المسعى اصطدم بردّة فعل عنيفة وغير مسبوقة من قبل النائب العام التمييزي غسان عويدات الذي نفذّ “انقلابًا” على التحقيق ونقض قرار محكمة التمييز بقبول تنحّيه عن القضية ليستولي على صلاحيات المحقق العدلي ويطلق سراح جميع الموقوفين. وبدل أن يمكّن المحقق العدلي من استكمال عمله، ادّعى عليه عويدات بجرم اغتصاب السلطة، ممّا ألزمه بتعليق التحقيق مجددًا.
كذلك شهد هذا العام تطوّرات خارجية قد تسهم في الحفاظ على إمكانية الوصول إلى الحقيقة والعدالة، أبرزها صدور حكم عن محكمة العدل العليا في بريطانيا الناظرة في الدعوى المدنية المقدّمة من عدد من ضحايا 4 آب ومكتب الادّعاء في نقابة المحامين، بمسؤولية شركة “سافارو” تجاههم وإلزامها بالتعويضات. وعلى الصعيد الأممي، أصدرت مقرّرة الأمم المتحدة الخاصة المعنيّة باستقلاليّة القضاة والمحامين مارغريت ساترثويت بيانًا بإدانة عرقلة التحقيق والتهديدات التي تعرّض لها بيطار، وهو الموقف الأول الذي يصدر عن مرجعية في الأمم المتحدة حول القضية. ولا تزال جهود عدد من ضحايا 4 آب مستمرّة للمطالبةبإنشاء بعثة تقصّي حقائق في القضية من قبل مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
وفي إطار متابعتها المستمرّة لمسار التحقيق والعراقيل التي يواجهها، وثّقت المفكّرة القانونية مختلف المحطّات التي مرّ بها التحقيق والأحداث والمواقف المتعلّقة به، وهي تنشر اليوم سلسلة زمنية لأبرز الأحداث والمواقف التي برزت خلال العام الثالث على الجريمة. كما يمكنكم أيضًا الاطّلاع على سلسلة الأحداث التي برزت خلال العامين الأوّل (الصفحة 17) والثاني (صفحة 99).
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.