التجارب السريرية في مصر: حرث في بحر الكورونا


2020-09-04    |   

التجارب السريرية في مصر: حرث في بحر الكورونا

أعلن د. عمرو أبو العطا، مسؤول برنامج الترصد والاستعداد والإستجابة بمنظمة الصحة العالمية خلال مؤتمر صحفي بالقاهرة يوم ٣٠ مارس 2020، عن موافقة مصر على المشاركة في إجراء الاختبارات السريرية لتقييم الأدوية المستخدمة في علاج مرض “كوفيد 19” الذي يسببه فيروس كورونا المستجد.

وأوضح أن هناك نوعين من الأدوية حالياً: الأول أدوية تمت الموافقة عليها لعلاج أمراض أخرى، وأدوية لم يتم الموافقة عليها بعد، وفي كلا الحالتين نحتاج إلى إجراء دراسات وأبحاث للتأكد من فعالية وسلامة الدواء وإجراء الاختبارات السريرية، مشيرا الى أنه لا يوجد دواء محدد لعلاج الكورونا. وكانت منظمة الصحة العالمية دعت كافة البلدان في الإقليم وخارجه للمشاركة في هذه التجربة التاريخية وإبداء استعداد لتسهيل هذه العملية، وناشدت في وقت سابق، دول العالم عدم استخدام أي أدوية لم يثبت فعاليتها بعد في علاج فيروس كورونا.

وتجدر الإشارة أنه في السنوات السابقة، تم نشر أكثر من تحقيق استقصائي يتحدث عن أن مصر هي في التصنيف الثاني إفريقياً لجذب شركات الدواء العالمية لإجراء التجارب السريرية على فقراء المرضى المصريين الذين كانوا يفتشون عن علاج لفيروس سي، وثبت العديد من صور الاستغلال والمتاجرة بصحة المرضى من دون وجود قانون يضمن لهم حقهم وتعرف التجارب السريرية أو كما يطلق عليها أيضا “التجارب الإكلينيكية” بأنها أبحاث تجرى لمتابعة وتقييم سلامة وكفاءة علاج أو دواء قبل تعميم تطبيقه بشكل رسمي. تتم التجارب في بعض الأحيان بهدف المقارنة بين تأثير الأدوية المتعارف عليها للعلاج، والدواء الجديد، الذي قد يكون أكثر فاعلية وأماناً أو مساوياً للدواء السابق له. والجهة الرسمية في مصر المسؤولة عن هذا الملف هي لجنة “أخلاقيات البحث العلمي” التابعة لوزارة الصحة المصرية والتي تأسست في عام 2005.

وخطورة هذه التجارب أنها تحصل من دون أي ضمانات قانونية، وذلك بخلاف صريح مع المادة 60 من الدستور التي نصت أن: “لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون. ويحظر الإتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أي تجربة طبية أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، وفقًا للأسس المستقرة في مجال العلوم الطبية، على النحو الذي ينظمه القانون”. وهذا ما يتحصل من التجاذب الحاصل منذ 2002 في هذا الخصوص.

محاولة لوضع قانون ناظم للتجارب السريرية لم تثمر حتى الآن

لم يحظَ مشروع قانون التجارب السريرية بالكثير من المناقشات. وبحسب تحقيق استقصائي نشر في صحيفة الشروق المصرية، فإن أول اقتراح لقانون مماثل حصل في عام 2002 وكان يخص الدراسات الدوائية، إلا أنه رفض. وفي 2012، تم وضع مسودة لقانون التجارب السريرية إلا أنه لم يعلن عنها إلا في 2014 حيث أثارت غضب واستياء كثير من الباحثين، ليتم حفظها والإعلان عن تعديلها. وأخيرا في مايو 2018، أقر مجلس النواب مشروع قانون “التجارب السريرية” إلا أنه لم يصدر لاعتراض رئيس الجمهورية على بعض مواده قام بإعادته للمجلس. وحسب عبد العال، رئيس البرلمان، تعد هذه المرة الثانية في تاريخ الحياة النيابية في مصر التي يعيد فيها رئيس الجمهورية مشروع قانون إلى البرلمان مرة أخرى.

وفي أغسطس 2020، وافق مجلس النواب على مشروع قانون بتنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية، بعد مناقشة وتعديل المواد التي اعترض عليها الرئيس، وتمت إحالته لمجلس الدولة لإبداء الرأي. وبالتالي لم يصدر القانون حتى الآن. وعليه، فالتجارب السريرية التي أُعلن عنها والتي سنتناولها أدناه تمت من دون أي حماية لحقوق المرضى ومن دون مرجعية قانونية.

رحلة التجارب السريرية في مصر لإيجاد لقاح لفيروس كورونا

–  أفيجان

بدأت وزارة الصحة المصرية برحلة التجارب السريرية بشكل رسمي في شهر إبريل 2020 عندما ذاع صيت الدواء الياباني “أفيجان” فقررت مصر خوض التجربة.

وأعلن د. محمد الشناوي مستشار وزير التعليم العالي للاتفاقات والتعاون الدولي، وعضو اللجنة العليا للبحوث الإكلينكية بوزارة التعليم العالي في إبريل الماضي عن موافقة لجنة الأخلاقيات على استخدام دواء أفيجان الياباني لمواجهة فيروس كورونا في التجارب السريرية. وبالتالي بدأ استخدامه على عدد من المرضى في مستشفيات العزل.

وتتابعت التصريحات الرسمية حول تجارب أدوية كورونا حيث أشارت د.ة جيهان العسال نائبة رئيس اللجنة العلمية لمواجهة فيروس كورونا بوزارة الصحة في تصريح تليفزيوني على القناة الأولى المصرية ببرنامج “التاسعة” منتصف شهر يونيو ٢٠٢٠ أن مصر تعمل على تجارب سريرية لعدد من الأدوية مثل الأفيجان والسوفالدي والبلازماوأشارت إلى أن نتائج دراسة دواء الأفيجان انتهت، وفي انتظار نشر نتائجها، أما دراسات السوفالدي والبلازما فما زالت مستمرةومع كثرة التصريحات الرسمية عن الاحتمالات الكبرى لنجاح أفيجان سارعت العديد من شركات الأدوية بتصنيعه لتكسب حصة سوقية على المستوى المحلي والإقليمي وتتفرد باحتكار الدواء المنتظر.

وحسب تصريح د.على عوف رئيس شعبة الأدوية فى الاتحاد العام للغرف التجارية في يوليو الماضي، فإن  11 شركة من شركات الأدوية تصنع دواء أفيجان اليابانى الذي ثبتت فعاليته فى مواجهة فيروس كورونا. وكان من المقرر أن طرح العقار في نسخته المصرية في يوليو الماضي وهو ما لم يحدث نتيجة تراجع اليابان عن هدفها بإدراج “أفيجان” كعقار لعلاج المرضى بفيروس كورونا، بعدما أظهر تقرير لاختبار سريري مؤقت عدم وجود فاعلية واضحة لهذا العقار، حسب تصريح وزير الصحة الياباني كاتسونوبو كاتو في مؤتمر صحفي نقلته وكالة الأنباء اليابانية (كيودو) نشرته وكالة أنباء الشرق الأوسط.

ولكن في مصر، صرح د. محمد الشناوي لصحيفة الوطن المصرية، مستشار وزير التعليم العالي للاتفاقيات والتعاون الدولي، وعضو اللجنة العليا للبحوث الإكلينكية بوزارة التعليم العالي، إن اليابان لم توقف العلاج بـ”أفيجان”، ولكنها ما زالت تجري التجارب بشأنه، وكل ما حدث هو عدم التعجل بشأن الموافقة عليه.

  • ريمديسيفر

في 27 يونيو 2020، صرح رئيس اللجنة العلمية لفيروس كورونا د. حسام حسني أن مستشفيات العزل بدأت التجارب السريرية على عقار “ريمديسيفير” الخاص بعلاج حالات فيروس كورونا، والمصرى الصنع، رغم أنه كان من المقرر إجراء التجارب على العقار الأمريكى الأصلي. إلا أنه نظرا لتأخر العلاج الأصلى، فإن اللجنة استقرت على استخدام المنتج المصرى، خاصة وأن المادة الفعالة فى العقار مستوردة، ونفس المادة الفعالة في العقار الأمريكي.

وفي تصريحات لاحقة، أكد حسني أن “ريمديسيفر” دواء وليس لقاح، وأثبت فاعليته في علاج حالات مصابة إصابة شديدة بالكورونا. وأكد على إنتاجه في مقر المصل واللقاح ليكون متاحا للمصريين في شهر ديسمبر 2020.

  • الهيدروسكي كلوركين

بعد أن تم اعتماده الهيدروسكي كلوركين لفترة في التجارب السريرية لمستشفيات العزل في مصر، ظهرت العديد من الأصوات التي طالبت وروجت بضرورة استبعاده وذلك بعد إعلان منظمة الصحة العالمية تعليق استخدامه حتى التأكد من آثاره كعلاج للفيروس.

ولكن لم يتم استبعاده من البروتوكول العلاجي في مصر حيث صرح د. حسام حسني، رئيس اللجنة العلمية لمكافحة كورونا، إن أي تغيير في بروتوكولات العلاج لا يتم بشكل لحظي، بل نتيجة دراسات تتم على أعداد المصابين والأوضاع وفوائد العلاج، منوهًا بأن المصريين ينساقون وراء الأخبار التي يتم تداولها ويريدون حذف عقار “هيدروكسي كلوروكين” من بروتوكول العلاج. وأكد أن الدواء ثبتت فاعليته على معظم الحالات مؤكداً: “لدينا الدراسات الخاصة بنا، لذا لن نتبع دراسات الدول الأخرى”.

  • سوفالدي

في يونيو الماضي، كشف د. محمود المتيني، رئيس جامعة عين شمس، عن وجود تعاون بين جامعة عين شمس، ووزارة الصحة المصرية، بشأن استخدام عقار “السوفالدي” كتجربة لعلاج مرضى فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، وذلك في إطار الأبحاث السريرية.

ونلاحظ من كل ما سبق أن هناك تخبطا واضحا في إجراء التجارب، وهو الأمر المتوقع عند تجربة عقار على مرض جديد، ولكن الفرق هنا أن هذا التخبط يتم من دون أي حماية لحقوق المرضى المصريين، والتأكد من موافقتهم من إجراء هذه التجارب عليهم.

حصة مصر من لقاحات فيروس كورونا

نلاحظ مما سبق أن أغلب التجارب السريرية في مصر يتم إجراؤها على أدوية، ولا يوجد أنباء عن استطاعة مصر إنتاج “لقاح” ضد الفيروس. بالتالي، صدرت تصريحات من الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية للتأكيد على توفير حصة مصر من اللقاحات التي قد تعتمد عالميا خلال الفترة المقبلة.

فحسب تصريح د. محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الطبية، فأن “مصر ستكون لها حصة من اللقاحات المعتمدة على مستوى العالم، كما سيتم إتاحة اللقاحات للمواطنين بشكل كامل”، كما أشار أن لقاح جامعة أكسفورد سيكون جاهزا خلال أسابيع.

كما أكد د. محمد عز العرب، المستشار الطبي لمركز الحق في دواء، أنه تم بالفعل تأمين حصة مصر من أي لقاح ضد فيروس كورونا المستجد، قد يثبت فاعليته من أي شركة منتجة له على مستوى العالم. كما أضاف أنه يوجد أكثر من52 شركة عالمية تتنافس على وجود لقاح للفيروس، وأن اللقاح الأقرب لمصر هو “أسترا زنكا” بالتعاون مع جامعة “أكسفورد”، وتم وضع اتفاقية بين مصر والشركة التي سوف تطلق اللقاح خلال الثلاثة أشهر القادمة وتخوض الآن المرحلة الثالثة من التجارب والمتوقع الانتهاء منها في شهر سبتمبر المقبل.

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت وزيرة الصحة المصرية هالة زايد في 6 أغسطس 2020، أنه تمت الموافقة من قبل الاتحاد العالمي للأمصال واللقاحات على أن تكون مصر ضمن الدول التي سيتم إشراكها في توفير حصة لها من التطعيم الخاص بفيروس كورونا المستجد.

من جانبه، صرح رئيس هيئة الدواء المصرية، تامر عصام تصريح نشره موقع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة الوزراء أنه يتم حاليًا التنسيق مع إحدى الشركات العالمية؛ لمناقشة آليات وضع مصر في قائمة أوائل الدول التي ستحصل على علاج فيروس كورونا المستجد، مؤكدًا تأمين حصة مصر من أي لقاح يثبت فاعليته من قبل أي شركة منتجة، كما أن الهيئة على جاهزية لتعبئة حصتها محليًا من هذه اللقاحات إذ تأخر توريدها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني