البرلمان المغربي يصادق على مقترح تعديل قانون كفالة الأطفال المهملين: نظام لتتبّع الأطفال لدى الأسر الكافلة


2025-05-12    |   

البرلمان المغربي يصادق على مقترح تعديل قانون كفالة الأطفال المهملين: نظام لتتبّع الأطفال لدى الأسر الكافلة

بتاريخ 18 أبريل 2025 صادق مجلس النواب (الغرفة الثانية من البرلمان المغربي) بالإجماع على مقترح قانون تقدم به حزب الاتحاد الاشتراكي أحد أبرز أحزاب المعارضة لتعديل قانون كفالة الأطفال المهملين، وذلك بعد أشهر قليلة من تقديم مقترح آخر لتعديل نفس القانون تقدم به حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة.  المبادرة التي تأتي بعد مرور زهاء ربع قرن على المصادقة على هذا القانون الذي لم يتعرّض لأيّ تعديل، وفي سياق الإعلان عن إطلاق المشاورات الهادفة إلى مراجعة مدونة الأسرة، حيت تروم بالأساس الى الارتقاء بالضمانات القانونية المخولة للطفل المكفول وللأسر الكافلة بعد الاختلالات التي أبرزها التطبيق العملي لهذا القانون.

مضمون مقترح القانون الجديد

يقتصر مقترح القانون الجديد على تعديل مادة واحدة من قانون كفالة الأطفال المهملين تتعلق بتتبع تنفيذ الكفالة وهي المادة 19، التي تنص على أنه:

“يعهد إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين الواقع بدائرة نفوذه مقر إقامة الكافل، بمهمة تتبع ومراقبة شؤون الطفل المكفول، ومدى وفاء الكافل بالتزاماته، وله أن يعهد من أجل ذلك بإجراء الأبحاث التي يراها مناسبة إلى:

أ) النيابة العامة أو السلطة المحلية أو المساعدة الاجتماعية المؤهلة لذلك قانونا أو الجهات المختصة الأخرى؛

ب) أو اللجنة المنصوص عليها في المادة 16أعلاه”.[1]

توجـه الجهات المذكورة أو اللجنة تقارير إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين حول البحث الذي تمّ إجراؤه.

يمكن للقاضي المكلف بشؤون القاصرين، بناء على التقارير المقدمة إليه، أن يأمر بإلغاء الكفالة، وأن يتخذ ما يراه ملائما لمصلحة الطفل”.

وبموجب هذا التعديل ستمنح الأسرة الكافلة الحقّ في الاستماع إليها، للإدلاء بملاحظاتها ودفوعاتها بخصوص التقارير التي يتوصّل بها القاضي المكلّف بشؤون القاصرين في إطار مهامه المتعلقة بتتبع تنفيذ الكفالة، وذلك قبل اتخاذ أيّ قرار يهم وضعية الطفل المكفول بما في ذلك قرار انهاء الكفالة. أما في حالة تخلّف الأسرة الكافلة عن الحضور رغم استدعائها، أو تعذّر توصلها بالاستدعاء، فيمكن البتّ في موضوع الكفالة في غياب الأطراف.

أهمية مقترح تعديل قانون الكفالة

تكمن أهمية مقترح القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان في أنه يعيد إلى الواجهة واقع قانون كفالة الأطفال المهملين، حيث يتطرق لإشكالية تتبع القضاة المكلفين بشؤون القاصرين لتنفيذ الكفالة بعد إسنادها للأسر البديلة، ويتمّ هذا التتبّع قانونًا من خلال التقارير التي ينجزها المساعدون الاجتماعيّون أو السطات الإدارية أو النيابة العامة، إلا أنه على مستوى الواقع العملي يطرح إشكال حجية هذه التقارير حيث لا يتيح القانون الحالي إمكانية استدعاء الأسر الكافلة من أجل المنازعة في مضامين التقارير المذكورة، رغم الآثار الخطيرة التي قد تترتّب عنها من إمكانية الغاء الكفالة، وشمول هذا القرار بالنفاذ المعجّل رغم أيّ طعن، فضلًا عن إشكالية تفعيل هذه التقارير أمام ندرة الموارد البشرية والمالية وعدم التفرغ بالنسبة للمؤسسات المكلفة بتتبع تنفيذ الكفالة.

بلغة الأرقام، تقدر منظمة اليونيسف عدد الأطفال الذين يعيشون في مؤسسات الرعاية بالمغرب بحوالي 100 ألف طفل تقريبا، وتعاني هذه المؤسسات نقصا كبيرا في التمويل وفي المراقبة، وبحسب مؤسسة مغرب الأمهات العازبات -وهي منظمة غير حكومية- فإن هذا العدد مرشح للارتفاع بحيث يتمّ في المتوسط التخلي عن طفل واحد كلّ ساعة.

من جهتها يبرز التقرير السنوي لرئاسة النيابة العامة أنها قامت بتسجيل 2105 طفلا مهملا سنة 2023، من بينهم 839 طفلاً تم العثور عليهم، بينما تم التخلي عن 1266 طفلاً تلقائيًا، وقد عملت على إيداع 1500 طفل بصفة مؤقتة، منهم 758 حالة تمت إحالتها إلى مؤسسات مكلفة بالرعاية الاجتماعية، و742 حالة تم إيداعها لدى أشخاص تتوفر فيهم شروط الكفالة، وفقاً لأحكام قانون كفالة الأطفال المهملين.

هل يغني التعديل الجزئي لقانون كفالة الأطفال عن مطلب التعديل الشامل؟

تعرف المادة الأولى من قانون كفالة الأطفال المهملين الطفل المهمل بأنه:”…الطفل من كلا الجنسين الذي لم يبلغ سنه ثماني عشرة سنة شمسية كاملة إذا وجد في إحدى الحالات التالية:

-إذا ولد من أبوين مجهولين، أو ولد من أب مجهول وأم معلومة تخلت عنه بمحض إرادتها؛

-إذا كان يتيما أو عجز أبواه عن رعايته وليست له وسائل مشروعة للعيش؛

-إذا كان أبواه منحرفين ولا يقومان بواجبهما في رعايته وتوجيهـه من أجـل اكتساب سلوك حسن، كما في حالة سقوط الولاية الشرعية، أو كان أحد أبويه الذي يتولى رعايته بعد فقد الآخر أو عجزه على رعايته منحرفا ولا يقوم بواجبه المذكور إزاءه”.

ويقصد بكفالة الطفل المهمل “الالتزام برعاية طفل مهمل وتربيته وحمايته والنفقة عليه كما يفعل الأب مع ولده، ولا يترتّب عن الكفالة حقّ في النسب ولا فـي الإرث”.[2]

على المستوى العملي ورغم تزايد عدد الأطفال المهملين في المغرب إلا أن عدد القرارات القضائية المتعلقة بإسناد الكفالة إلى أسر بديلة تبقى قليلة، نظرا للتعقيدات الإجرائية التي يفرضها قانون كفالة الأطفال المهملين، وهو ما يبدو من خلال الجوانب التالية:

– لا ينظم القانون الحالي كفالة الأطفال غير المهملين وهم الأطفال الذين لديهم أسر ترغب في إسناد كفالتهم لأسر حيث تبقى وضعيتهم خاضعة لأحكام الفقه المالكي رغم ما يطرحه هذا الوضع من إشكالات قانونية وبالأخص لدى المغاربة المقيمين بالخارج، بحيث لا تعترف المحاكم الأجنبية إلا بقرارات إسناد الكفالة الصادرة تحت رقابة القضاء؛

– لا يعرف القانون الحالي مفهوم الأسرة البديلة كنظام لرعاية وتربية الطفل المهمل وتعويضه عما فقده وحرم منه نتيجة الإهمال أو التخلّي عنه، وذلك بالشكل الذي يضمن له رعاية نفسية وتربوية بشكل متكامل ويوفر له ظروف التنشئة السليمة؛

– تتضمن شروط كفالة الأطفال مقتضيات تمييزية بحيث تشترط المادة 9 من قانون الكفالة الإسلام في الزوجين طالبي الكفالة، حتى لو تعلق الأمر بزواج مختلط، وهو ما يتنافى مع باقي بنود مدونة الأسرة التي تسمح للأم الحاضنة بالحق في الحضانة حتى وان كانت غير مسلمة، علما بأن التزامات الكافلين تجاه الطفل هي مماثلة لالتزامات الأبوين؛

–  وجود صعوبات عملية في تتبّع تنفيذ كفالة الأطفال، بحيث يرجع الاختصاص في إسناد كفالة الطفل المهمل لقاضي القاصرين لمقر إقامة الطفل، بينما يعود الاختصاص في تتبع تنفيذ الكفالة إلى مقر إقامة طالب الكفالة؛

– طول أمد البحت المنصوص عليه في المادة 16 حيث قد يتجاوز سنة كاملة، خاصة في حالة إسناد الكفالة المؤقتة، وفي حالة ظهور نتائج سلبية بانتفاء الشروط المنصوص عليها قانونا، يكون من الصعب انتزاع الطفل من بيئته الجديدة، بعدما كوّن علاقة حميمية مع الأبوين الكافلين، كما أن اسناد كفالته لشخص أو مؤسسة أخرى يستوجب المرور بنفس المسطرة؛

– يثار سؤال حول حجية وقيمة التقارير التي ينجزها أعضاء اللجنة التي يستعين بها قاضي شؤون القاصرين وما اذا كانت ملزمة أم على سبيل الاستئناس، خاصة في حالة تعارضها، وكذلك في حالة تعذر الحصول على تقرير من أحد أعضاء اللجنة المذكورة؛

– تطرح صعوبة على مستوى تتبع وضعية الأطفال المتكفل بهم خارج المغرب، حيث يواجهون أحيانا مشاكل تتعلّق بعدم احترام بعض الدول الأجنبيّة لالتزاماتها الدولية في مجال حماية الأطفال المتكفل بهم في اطار نظام الكفالة، لا في إطار نظام التبني، فضلا عن إخلال طالب الكفالة بالتزاماته من خلال عدم تهيّؤ ظروف ملائمة لاستقبال المكفول، إلى جانب انعدام التواصل بين السلطات القضائية المغربية ونظيراتها الأجنبية، وعدم وجود اتفاقيات ثنائيّة تتعلّق بكفالة الأطفال المهملين؛

-يطرح سؤال استقبال قانون الكفالة المغربي من طرف الأنظمة القانونية الأجنبية، خاصة تلك التي تقر نظام التبني ولا تعترف بنظام الكفالة المعمول به في جل الدول الإسلامية، وهو ما يثير من الناحية العملية إشكالات معقدة تتعلق بتنازع القوانين، خاصة أن اتّفاقية حقوق الطفل لا توضح العلاقة القانونية بين الكفالة والتبني ومدى ملاءمته، الشيء الذي ينتج عنه انتهاكات حقوق الطفل المكفول ؛

– لا ينظم القانون الحالي التنازل عن الكفالة، حيث يوجد فراغ تشريعي يؤزم من وضعية الأطفال المكفولين في حالة تنازل طالب الكفالة عن كفالته، رغم ارتباط الطفل به ماديا ومعنويا، ويطرح هذا الإشكال بشكل كبير عند إنهاء العلاقة الزوجية، بحيث لا تحدّد المحكمة التي تبتّ في دعوى الطلاق مستحقّات الأطفال المكفولين، مما قد يمسّ باستقرار وضعيتهم؛

وتجدر الإشارة الى أن عددًا من الهيئات والمنظمات غير الحكومية التي استمعت لها اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة أوصت بضمان أن تشمل التعديلات القانونية المرتقبة عددا من القوانين الأخرى التي تمس الأسر وعلى رأسها قانون كفالة الأطفال المهملين، لاعتماد قانون شامل ينظم  الكفالة ويكرس حق الطفل المكفول في أسرة بديلة.

لقراءة المقترح

مواضيع ذات صلة

مقترح لتعديل قانون كفالة الأطفال المهملين بالمغرب

كفالة الأطفال” ومصلحتُهم الفُضلى في العلاقات الدوليّة: قضية كفالة طفل بين المغرب وفرنسا

محكمة النقض بالمغرب تحسم سلباً في بنوة الطفل الطبيعي

سابقة في اعمال آلية التظلم للأطفال بالمغرب: الجمعيات تطلب الانتصاف لطفلة ضد مقرر قضائي

التبني في تونس من مفخرة تشريعية الى موضوع سؤال

التبني غير القانوني: الأم المتخلية تاجرة أم ضحية للإتجار بالبشر؟

التبني كأحد مظاهر الإختفاء القسري

التبني.. في نظر ثلاثة متبنين من لبنان

التبني غير الشرعي….قصة قديمة مع لبنان

التبنّي بين الدولة المصرية والكنيسة: قضية الطفل شنودة نموذجاً
أبعاد جديدة لحق الفرد بحماية حياته الخاصة في قرار لمجلس الشورى: سرية قيود الأحوال الشخصية في قضايا التبني وصولا الى أمرة النفس


[1]   تتكون هذه اللجنة من ممثل النيابة العامة، ممثل وزارة الأوقاف، ممثل السلطة المحلية، ممثل السلطة الحكومية المكلفة بالطفولة.

[2] المادة الثانية من قانون كفالة الأطفال المهلمين.

انشر المقال



متوفر من خلال:

حقوق الطفل ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني