"أجابنا موظف لديها (صاحبة العمل) بصفة سائق … وصرح لنا أنها خارج البلاد وتحديدا في دولة فيينا … وأنها أخبرته أنه في حال اتصالنا بأنها تريد تطبيق القانون بحال ثبت أن الموقوفة (العاملة) … هي متورطة في السرقة وغير ذلك لا تريد منها شيئا وأن إقامتها منتهية الصلاحية ومستعدّة لتسوية وضعها في الأمن العام لترحيلها من البلاد، كونها لا ترغب بوجودها ثانية في منزلها." هذا الكلام دوّنه أحد عناصر قوى الأمن الداخلي في محضر تحقيق مؤرخ في 30/3/2017. وقد لخّص فحوى الشكوى التي قدمتها صاحبة عمل ضد عاملتها الأثيوبية التي كان تم توقيفها قبل ذلك بأيام تبعا لهذه الشكوى. نفهم إذاً أن جلّ ما تدّعيه صاحبة العمل وفق تصريحها هو تطبيق القانون بحق عاملة تجرأت على سرقتها. وعليه، ادّعت النيابة العامة على العاملة بجرم السرقة وعدم تجديد جواز السفر. وقد تبعه بذلك قاضي التحقيق في قراره الظني، وأيضا قاضي الحكم (قاضي المنفرد الجزائي في بيروت) في حكمه الصادر بتاريخ 30/6/2017 وقد أنزل هذا الأخير بالعاملة نتيجة ذلك حكما بالحبس شهرا وبغرامة قدرها أربعمائة ألف ليرة لبنانية وبالترحيل بعد قضاء عقوبتها. ويذكر أن عدم دفع الغرامة يفرض حبس العاملة بحدود يوم إضافي عن كل عشرة آلاف ليرة لبنانية، مما يضاعف عمليا العقوبة في هذه الحالة لتصبح شهرين وعشرة أيام حبس. وفيما نص الحكم على احتساب مدة توقيف العاملة، فإن هذه المدة وصلت بصدور الحكم إلى ثلاثة أشهر ويومين، ويحتمل أن مدة التوقيف زادت فيما بعد في مركز الأمن العام بانتظار تنفيذ قرار ترحيلها.
للوهلة الأولى، نظنّ أن الحكم مبني على وقائع واضحة، لكن التدقيق في الملف يظهر انحيازا واضحا للمحكمة وللقانون ضد العاملة من زوايا عدة، سنعمل على تفصيلها أدناه.
الانحياز الأول: تحميل العاملة جرم عدم تجديد الإقامة
يخرج من الحكم أنه تم تحميل العاملة جرم عدم تجديد الإقامة، فيما أن صاحبة العمل كانت استمرت في تشغيلها لأكثر من عشرة أشهر بعد انتهاء صلاحية إقامتها من دون أن تتخذ أي مبادرة لتجديدها. ويلحظ في الملف أمران: الأول، أن صاحب العمل كان تعهد صراحة في العقد النموذجي الموقع لدى كاتب العدل بالاستحصال على إجازة عمل وبطاقة إقامة العاملة وفقا للأصول وذلك على كامل نفقته كما تعهد بتجديدهما ما دام الفريق الثاني (العاملة) يعمل لديه (مادة عاشرا من العقد). والثاني، أن الأمن العام كان أعطى العاملة وضمنا صاحبة العمل للمرة الأخيرة مهلة شهر لتجديد الإقامة (حتى 21 تموز 2016). إلا أن هذه المهلة انقضت من دون القيام بأي مبادرة.
وعليه، اكتفى القضاة في مراحل الملاحقة الثلاث (النيابة العامة، قضاء التحقيق، قضاء الحكم) بتحميل العاملة وحدها مسؤولية عدم تجديد أوراقها، من دون التدقيق في أسباب عدم التجديد ومدى تورط صاحبة العمل فيه، وبخاصة أن العقد حمّل هذه الأخيرة مسؤولية ذلك. حتى أن أيا من هذه المراجع لم يسأل عن الشخص الذي كان يحوز الأوراق الثبوتية للعاملة، في ظلّ الممارسة المخالفة للقانون باستيلاء أصحاب العمل عليها[1]. ويتماشى عموما موقف القضاة هذا مع الممارسات القضائية الهجينة والتي دأبت، مع استثناءات قليلة، على تحميل العاملات مسؤولية عدم تجديد أوراقهن فيما أن هذا التجديد لا يجري عمليا إلا بموافقة صاحب العمل.
وما يزيد هذه الأسئلة إلحاحا هو أن قاضي التحقيق سارع إلى تضمين قراره الظنيّ رواية نسبها للعاملة عن أسباب عدم تجديد الإقامة، بما يرفع ضمنا المسؤولية عن صاحبة العمل. فقد ورد في القرار الظني (وأيضا في محضر التحقيقات الأولية) أن العاملة "لم تتمكن من تجديد إقامتها كونها كانت بصدد استحصالها على جواز سفر جديد من سفارة أثيوبيا". وفيما توحي هذه العبارة أن العاملة وسفارتها وحدهما يتحملان مسؤولية عدم تجديد الإقامة، فإن التدقيق في ظاهر أوراق الملف يظهر أن تصوير الأمر على هذا الوجه مخالف تماما للحقيقة. فأولا، العاملة لم تصرح يوما أنها لم تتمكن من تجديد إقامتها، بل هي صرحت وفق ما دوّن في محضر قوى الأمن الداخلي أنهم "تأخّروا في تجديد إقامتي"، بمعنى أنها لم تعدّ نفسها يوما مخولة أو قادرة على القيام بذلك بنفسها. وعليه، يؤشر استبدال عبارة "تأخروا" ب "لم تتمكن" في القرار الظني بانحياز مؤداه قلب مسؤولية "عدم تجديد الإقامة". وما يزيد من قابلية القرار الظني للانتقاد في هذا المضمار هو أن قاضي التحقيق لم يوجه إلى العاملة أي سؤال في هذا المضمار، إنما اكتفى بما أدلت به للضابطة العدلية بعد تحويره على النحو الذي تقدم. وثانيا، وهو الأهم، أن التدقيق في صورة جواز سفرها المبرزة في الملف تظهر بشكل جلي عدم صحة السبب الذي أدلت به العاملة على نحو يعكس جهلها لوضعها القانوني. فجواز سفرها تم تجديده فعليا بتاريخ 27 حزيران 2016 وهو يبقى صالحا حتى 26 حزيران 2021. وهذا الأمر إنما يؤشر إلى أن صاحبة العمل جددت جواز سفر العاملة واحتفظت به من دون متابعة اجراءات تجديد الإقامة لدى الأمن العام، لأسباب بقيت من دون أي سؤال.
وفي حال صحة ذلك، وبخلاف ما خلص إليه القرار الظني، تكون صاحبة العمل هي المسؤولة تعاقديا وقانونا عن عدم تجديد الإقامة، فيما تستفيد العاملة من عذر القوة القاهرة لعلة استيلاء صاحبة العمل على أوراقها.
الانحياز الثاني: القضاء يغض الطرف عن مخالفات صاحبة العمل الجسيمة: اتجار بالبشر؟
الانحياز الثاني في العمل القضائي يخرج عن غض طرف المراجع القضائية الثلاثة عن مخالفات جسيمة ارتكبتها صاحبة العمل.
عدم تسديد أجور العاملة لأكثر من سنة
فإلى جانب تغييب مسؤولية صاحبة العمل في عدم تجديد أوراق العاملة، تم تغييب مخالفة أكثر جسامة، مفادها عدم تسديد العاملة أجورها منذ أكثر من سنة، بما يخالف البند 6 من العقد حيث تعهدت صاحبة العمل بتسديد كامل الأجر الشهري بنهاية كل شهر وبدون أي تأخير غير مبرر. وهذا ما نقرأه بوضوح كلّي في محضر استجواب العاملة أمام قاضي التحقيق حيث جاء حرفيا "أنه لها بذمة المدعية أجور عن عملها لديها لحوالي السنة". وهذا أيضا ما نقرأه في محضر التحقيقات الأولية لدى الشرطة القضائية حيث صرحت بالفم الملآن أن "السيدة هدى لم تعطني راتبي (البالغ مايتي دولار شهريا) منذ السنة تقريبا". من يعلم شروط العمل القاسية التي يتعرض لها عاملات المنازل بعيدا عن عائلاتهن، يعلم خطورة تعرضهن لعدم تسديد أجورهن والذي يشكل حتما أحد عناصر العمل القسري المكونة لجرم الإتجار بالبشر. ورغم ذلك، لم يجد أي من المراجع القضائية سببا لاستدعاء صاحبة العمل أو لإتخاذ اجراءات بحق صاحبة العمل التي لم تسدد أجر العاملة منذ سنة، إنما تابعوا أعمالهم بشأن التحقيق مع هذه الأخيرة في شكوى السرقة التي قدمتها الأولى ضدها، كأنهم لم يسمعوا أو يروا شيئا. حتى أن القرار الظني لم يذكر هذه الواقعة قط. وكذلك الأمر بالنسبة لقاضي الحكم الذي لم يطرح أي سؤال في خصوصها وجاء حكمه خاليا تماما منها. وعليه، عدا عن أن المراجع القضائية أغمضوا أعينهم عن فعل من شأنه أن يشكل جناية استغلال جد خطيرة، فإنهم حتى لم يعتبروا أن من شأن هذه الواقعة أن تشكل سببا تخفيفيا لمسؤولية العاملة الجرمية (على فرض ثبوتها).
وبالتدقيق في الملف، يظهر أن مخالفات صاحبة العمل المسكوت عنها لم تنحصر في هذين الأمرين (عدم تجديد إقامة العاملة وعدم تسديدها أجورها لمدة سنة كاملة)، بل أنها امتدت لتشمل تعهدات أخرى وردت صراحة في العقد أو هي تخرج عن المبادئ العامة للقانون، وتشكل عوامل إضافية لفتح تحقيق ضد صاحبة العمل بجرم الإتجار بالبشر. ومن أبرزها:
لا إجازات للعاملة
أولا، عدم منح العاملة إجازة عمل. فقد ورد في محضر التحقيق معها أنها "تعمل في منزل المدعية منذ حوالي ثلاث سنوات بصورة مستمرة بمعنى أنها لم تغادر إلى أثيوبيا". وهذا التصريح الذي بقي من دون تحقيق يتعارض صراحة مع المادة 12 من عقد العمل الموقع لدى كاتب العدل حيث جاء أنه يحق لها إجازة ستة أيام سنويا. هذا من دون الحديث عن الإجازات الأخرى الأسبوعية التي لم تتناولها التحقيقات أبدا.
استباحة حق العاملة بالخصوصية
ثانيا، استباحة حق العاملة بالخصوصية، خلافا لما تنص عليه المادة ثامنا من العقد حيث تعهدت صاحبة العمل باحترام هذا الحق. وهذا الأمر يتحصل من واقعة جد خطيرة، كان من شأنها في ظل محاكمة عادلة أن تؤدي إلى إنهاء ملاحقة العاملة بشكل كامل. فالدليل الذي قدمته صاحبة العمل ضد العاملة، على فرض صحته، استحصلت عليه بطريقة غير شرعية، وذلك حين أباحت لنفسها تفتيش غرفة العاملة لديها وحاجاتها الشخصية، من دون أن يكون لها حق بذلك. نسأل هنا: كيف سها عن بال المراجع القضائية النظر في قانونية هذا الإجراء الذي يتعارض مع أصول المحاكمات الجزائية بشكل جلي وواضح؟ وألا يعكس غضّ النظر هذا رأيا مسبقا لدى المراجع القضائية، قوامه أن خصوصية العاملة لا تستفيد من أي حماية قانونية؟
وبما لا يقل خطورة في هذا المجال، هو استيلاء صاحبة العمل على خليوي العاملة واحتفاظها به من دون أي مسوغ شرعي. وللأسف هنا أيضا، لم تجد الضابطة العدلية في هذا التصرف أي إشكال، بل بدت منسجمة مع مواقف صاحبة العمل. فما يشغل بالها هو كيف تستخدم العاملة هاتفها الخليوي. وهذا ما يعكسه السؤال الموجه إليها: "هل تقومين بسرقة الأموال والاتصال بأحد الأشخاص لإعطائه المال؟" وقد جاء جواب العاملة جدّ معبر عن مدى الإخلال بخصوصيتها. فعدا عن أنه تعين عليها التأكيد على أن "السيدة هدى" هي التي اشترته لها وتركته بحوزتها، تعين عليها لنفي استخدام الهاتف للسرقة أن تكشف هوية كل من تتواصل معهم. "كنت استعمل هاتفي ليلا فقط عندما أنتهي من عملي لأتواصل مع أهلي في أثيوبيا ومع ثلاث صديقات لي أثيوبيات تعرفهم السيدة هدى وهي من تسمح لي بالاتصال بهم". ولا نحتاج إلى الكثير من التحليل لندرك فظاعة الممارسات المتبعة في ما يتصل بخصوصية العاملات: فعدا عن أنه يتعين على العاملة استئذان صاحبة العمل بأي اتصال تقوم به، فإن التمتع بالخصوصية (بما فيها امتلاك هاتف خليوي) غالبا ما يصبح قرينة على تورط العاملة في أعمال جرمية.
وبالطبع، يبلغ التعرض للخصوصية، بتواطؤ صاحبة العمل مع السلطات العامة، حده الأقصى في التعهد الذي حررته صاحبة العمل بتاريخ 27 نيسان 2015 والذي جاء فيه حرفيا "أؤكد أنه لا يوجد أي علاقة زواج أو ارتباط من أي نوع كان تربط العاملة بأي شخص عربي أو أجنبي مقيم على الأراضي اللبنانية، وأتعهد بموجبه في حال تبين لاحقا وجود أي علاقة زواج أو حصلت بعد دخول العاملة مراجعة الأمن العام بعد تأمين تذكرة سفر بغية ترحيلها إلى بلادها". ويجدر التذكير أن وزارة العدل كانت عممت على كتاب العدل بناء على طلب الأمن العام بوجوب الاستحصال على التعهد المذكور، قبلما تعود عنه بناء على طلب المفكرة القانونية[2].
احتجاز حرية العاملة
ثالثا، استباحة صاحبة العمل حرية العاملة مع إعطاء ذاتها حقا باحتجاز حريتها خلافا لمجمل المبادئ القانونية. وهذا الأمر يتحصل بشكل مباشر من محضر استجوابها أمام قاضي التحقيق حيث صرحت بالفم الملآن "أنه عند تركها في المنزل بمفردها، يتم إقفال الباب وهي لا تحوز على مفتاح للمنزل". هذه العبارة، التي تعكس ممارسة خطيرة جدا مفادها احتجاز حرية العاملة ومنعها من ممارسة حقها بالخروج من المنزل، لم تستوقف قط قاضي التحقيق. فهذه العبارة وردت عرضا، في سياق التحقيق عن المسألة التي كانت تشغل بال قاضي التحقيق وهو الاستفسار من العاملة عن سبب تواجد مفتاح للشقة بحوزتها. فكأنما قاضي التحقيق لا يجد إشكالا في أن تحتجز حرية العاملة كما يحتجز أي موقوف أو سجين أو "عبد": ما يشغله هو أن تكون العاملة قد استحصلت على مفتاح حريتها، على أساس أن استحصالها على مفتاح البيت على هذا الوجه إنما يشكل قرينة أخرى على نواياها الجرمية. وموقف قاضي التحقيق هذا إنما ينسجم مع شكوى صاحبة العمل التي كانت أثارت الأمر كدليل على تورط العاملة بالسرقة، حين ادّعت أنها وجدت بحوزتها مفتاحا احتياطيا للمنزل مخبأ في خزانتها. "مفتاح الحرية" هذا أيضا شغل بال الضابطة العدلية إلى درجة أنها عادت وفتحت محضر التحقيق مع العاملة مجددا لسؤالها عن سبب وجوده معها وكيفية استخدامه. العاملة أجابت إذ ذاك أنها وجدته في جارور جنب باب الصالون و"قد فتحت باب المنزل به لتقوم بتعبئة خطها أيام من محل للأجهزة الخليوية قرب البناء الذي تعمل فيه".
الانحياز الثالث: محاكمة غير عادلة
الانحياز الثالث تمثل في مجموعة من الاجراءات التي خرجت عن معايير المحاكمة العادلة. ومن أهم هذه الاجراءات الآتية:
- مباشرة الدعوى على أساس أدلة تم الحصول عليها بطريقة غير شرعية، وبخاصة بما اتصل بقيام صاحبة العمل بتفتيش غرفة عاملتها، كما سبق بيانه،
- أن مجمل التحقيقات مع العاملة، بما فيها التحقيقات الحاصلة أمام المحاكمة، حصلت من دون مترجم، وذلك بعدما دوّن في محاضر قوى الأمن الداخلي تصريح للمدعية بأنها تجيد "فهم اللغة العربية جيدا"، وذلك لأنها "موجودة في لبنان منذ ثلاث سنوات". وفيما عاد قاضي التحقيق وأكد على أنها تجيد اللغة العربية، فإن المحكمة لم تكبد ذاتها عناء سؤالها عن ذلك. ويجدر طبعا التساؤل فيما إذا كان من شأن وجود العاملة في لبنان في إطار العمل المنزلي أن يجعلها قادرة على فهم الأسئلة الموجهة إليها أو التعبير عن نفسها، والأهم فهم ما تم تدوينه في المحاضر نقلا عنها.
- أنه تم التحقيق معها ومحاكمتها من دون محام، رغم قيام نقابة المحامين بتوكيل محام للمرافعة عنها في إطار المعونة القضائية، بناء على طلبها المقدم إلى قاضي التحقيق. ورغم أن المحامي ع. ب سجل تكليفه بالدفاع عن المدعى عليها في ملف دعواها، فإنه لم يحضر أيا من جلسات التحقيق معها أو محاكمتها اللاحقة، كما لم يقدم عنها أي دفاع. وهذا الأمر يطرح أسئلة حول الأسباب التي أدت إلى تقاعسه عن أداء واجبه بهذا الخصوص.
- وأخيرا، وبدل أن تعمل قاضية الحكم على تعويض غياب المحامي بدور إيجابي لاستجلاء تفاصيل القضية، فإنها اكتفت بتدوين نفي العاملة للشكوى المقدمة ضدها، من دون أن تكبد نفسها عناء استجوابها حول تفاصيل الدعوى، أو الأهم استجواب صاحبة العمل.
الانحياز الرابع: معاقبة الفقر؟
الانحياز الرابع يتأتى عن اجتماع انحيازين قانوني وقضائي ضد ذوي القدرات المحدودة، وفي مقدمتهم عاملات المنازل.
ففيما ينص قانون العقوبات (مادة 54) على حبس المحكوم عليه الذي يعجز عن تسديد الغرامة بحدود يوم واحد إضافي عن كل عشرة آلاف ليرة لبنانية، يستمر عدد من القضاة (بما فيهم القاضية الناظرة في هذه الدعوى) في إنزال عقوبة الغرامة في العديد من عاملات المنازل، رغم وجود أكثر من مؤشر على عجزهن عن تسديدها. وبذلك، ومع تحويل الغرامة إلى حبس (40 يوما في هذه الحالة)، تكون عقوبة الحبس التي نفذتها العاملة في جزئها الأكبر عقوبة أنزلت فيها ليس بسبب السرقة، إنما بسبب عجزها عن تسديد الغرامة، وبكلمة أخرى بسبب فقرها. وما يزيد الحكم بالغرامة قابلية للنقد هو صدوره في قضية ثبت فيها للمحكمة أن العاملة لم تحصل على أي أجر خلال السنة الماضية، بل في قضية أحجمت فيها المراجع القضائية عن اتخاذ أي خطوة لتمكين العاملة من قبض هذه الأجور.
فضلا عن كل هذه الانحيازات، تجدر الإشارة إلى أن صاحبة العمل لم تقدم شكواها بهدف التقصّي عن مرتكب السرقة أو إلى استعادة الأموال المسروقة (وهي عبارة عن ساعة زعمت أن قيمتها ألف وخمسمائة د.أ)، بل فقط لتثبيت تورّط العاملة بالسرقة تمهيدا للتملص منها وترحيلها. والدليل على ذلك هو أنها لم تلجأ إلى المخفر إلا بعد استرجاعها للساعة التي زعمت سرقتها، وهي ساعة لم يتسن لأي من القضاة الاطلاع عليها لتحديد قيمتها. أمر وحيد أكيد وهو أن قيمة الساعة المسروقة هي أقل بكثير من قيمة سنة من عمر العاملة، سرقتها صاحبة العمل من دون شفقة ولا رحمة.. والأهم من دون حساب.
وهكذا، تم توقيف العاملة الأثيوبية ومحاكمتها وترحيلها من دون تعويض، فيما كانت السيدة هدى تصرف المال الذي وفرته من بدلاتها في "دولة فيينا".
للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك/ي الضغط هنا
[1] نزار صاغية، "مضبطة إتهام برسم النيابة العامة: نعم، نحن نُتْجر بالبشر"، المفكرة القانونية، العدد 43، أيلول 2016. وذلك تعليقا على دراسة بينت أن 94% من أصحاب العمل الذين تم استجوابهم صرحوا أنهم يحتفظون بالأوراق الثبوتية للعاملات لديهم.