عاد الحديث مؤخرًا عن موضوع الانتحار لا سيّما بعدما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية أخبارًا عن حوادث انتحار حصلت في فترات متقاربة خلال العام الحالي، وعلى الرغم من صعوبة تحديد سبب الانتحار طالما المنتحر نفسه لم يترك رسالة توضح دوافعه، غالبًا ما يتّجه اللبنانيون إلى وضع هذه الحوادث في إطار تداعيات الانهيار الاقتصادي غير المسبوق والذي تعيشه البلاد منذ العام 2019. صحيح أنّه لا توجد دراسة في لبنان تربط بين ارتفاع نسب الانتحار والأزمة الاقتصادية كما يؤكّد الاختصاصيون والاختصاصيات اللواتي قابلتهنّ “المفكرة القانونيّة” إلّا أنّ دراسات عدّة وثّقت ارتفاع نسب الانتحار في فترات الأزمات الاقتصادية عالميًا، هذا فضلًا عن تأكيد الاختصاصيين تأثير تداعيات الأزمة الاقتصادية على الصحة النفسية التي هي بدورها عامل أساسي يُساهم في ارتفاع نسب الانتحار.
شكّلت الأزمات المتلاحقة التي عاشها لبنان صحوة على أهميّة الصحّة النفسيّة بين الناس إلّا أنّ هذه الصحوة لم تُترجم عمليًا بالحصول على الدعم والمتابعة النفسيين المطلوبين، فارتفاع أعداد مراجعي عيادات الصحّة النفسيّة لم يكن بالقدر المتوقع مقارنة مع ازدياد الاضطرابات النفسيّة في ظل غياب الأرقام، وذلك بسبب معوقات كثيرة منها غياب التغطية الصحية وارتفاع كلفة العلاج والدواء وحتى التنقّل.
الأرقام غير دقيقة وقد تكون أعلى
تشير الأرقام التي نشرتها الدولية للمعلومات مؤخرًا، والمستندة إلى البيانات الصادرة عن المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي، إلى أنّه خلال الأشهر والأيام الماضية من العام الحالي ارتفع عدد ضحايا الانتحار إلى 66 ضحية، مقارنة بـــ 40 حالة في الفترة نفسها من العام الماضي، ما يعني ارتفاعًا بنسبة 65%. ولفتت الدولية للمعلومات إلى أنّه من شأن استمرار الأمر على هذه الوتيرة، أن يرفع العدد في نهاية العام الحالي إلى أكثر من 170 ضحية، وهو الرقم الأعلى منذ العام 2012 والذي كان سُجّل أيضًا العام 2019.
وتبيّن الأرقام التي نشرتها الدولية للمعلومات أنّ عدد حالات الانتحار كان 108 حالات العام 2012 ومن ثم ارتفع إلى 111 حالة العام 2013 وإلى 144 العام 2014 ليعود وينخفض إلى 138 العام 2015 وإلى 128 العام 2016. وعادت حالات الانتحار لترتفع في العام 2017 إلى 143 حالة وإلى 155 العام 2018 و إلى الحد الأعلى أي 170 حالة في العام 2019.
يرى الاختصاصيون في الصحّة النفسية أنّه لا توجد أرقام دقيقة لحالات الانتحار، فالاعتماد على السبب المعلن للموت غير كاف حسب ما يرى البروفيسور المساعد رامي بو خليل رئيس قسم الطب النفسي في مستشفى “أوتيل ديو” الذي يشير إلى أنّه قبل الأزمة كان هناك دراسة أعدّت في الجامعة الأميركية في بيروت، تحدّثت عن حالة انتحار كل 3 أيام، متوقّعًا أن يكون هذا العدد قد تضاعف بعد العام 2019.
ليس بعيدًا تُشير المعالجة النفسية ميا عطوي رئيسة جمعية “إمبرايس” Embrace إلى عدم وجود أي رصد او إحصاء على المستوى الوطني لحالات أو محاولات الانتحار، لافتة إلى أنّ “إمبرايس” ومن خلال الخط الساخن لاحظت أنّ نسبة الاتصالات التي تتضمّن تعبيرًا عن أفكار الانتحار أو محاولات الانتحار ارتفعت خلال السنتين الأخيرتين من 30% إلى 40%.
وتلفت عطوي إلى أنّ عمليّة رصد محاولات الانتحار تتطلّب آلية تجمع المصادر من مراكز عدة، منها مراكز الطوارئ والمتدخلين الأوليين والمستشفيات الحكومية وغير الحكومية والصليب الأحمر والدفاع المدني وقوى الأمن الداخلي، بالإضافة إلى محاولات الانتحار التي تأتي على الخط الساخن وتلك التي تحصل داخل المنزل ولا يبلغ عنها.
الأزمة الاقتصادية وربطها بالانتحار
لا توجد أيّ دراسة محلّية توثّق مدى ارتباط نسب الانتحار بالأزمة الاقتصادية “فالأمر يتطلّب أصلًا عزل الأزمة الاقتصادية عن باقي الأزمات وهو أمر ليس سهلًا في لبنان بسبب تداخل الأزمات وتواترها بدءًا من جائحة كورونا وصولًا إلى تفجير المرفأ وغيرها من الأزمات” حسب ما يرى الدكتور رامي بوخليل. ويشير بوخليل في حديث مع “المفكرة القانونيّة” إلى أنّ دراسات عالمية وثّقت ارتفاع نسب الانتحار في أوقات الأزمات الاقتصادية، تمامًا كما حصل في ثلاثينيات القرن الماضي تحديدًا بين الحرب العالمية الأولى والثانية، ومع الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأميركية وفي اليونان وبالتالي لا يمكن استبعاد تأثير الانهيار الاقتصادي على نسب الانتحار في لبنان.
وبربط آخر بين الأزمة الاقتصادية ونسب الانتحار، يلفت بوخليل إلى أنّه في أوقات الأزمات الاقتصادية عادة ما ترتفع نسب الاضطرابات والأمراض النفسية لأسباب عدّة منها مثلًا الأزمات التي تترافق مع الأزمة الاقتصادية كصعوبة الوصول إلى الدواء والاستشفاء بسبب ارتفاع ثمنه أو انقطاعه، وبالتالي ارتفاع نسبة الاضطرابات النفسية أو سوء أوضاع المرضى قد يؤشر إلى احتمال ارتفاع نسب الانتحار أيضًا.
من جهتها ترى ميا عطوي أنّه منذ العام 2019 كانت تأثيرات تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي على صحة المواطنين واضحة لا سيّما من خلال زيادة الطلب على خدمات الصحّة النفسية في العيادات الخاصة أو الجمعيات أو المراكز التي تقدّم خدمات صحّة نفسية، إلّا أنّها ترفض اعتبار الأزمة الاقتصادية السبب الأساسي للانتحار في لبنان، فـ “علميًا 90% من أسباب الانتحار تعود إلى مرض نفسي، مع الإشارة إلى أنّ الأزمات تساهم في زيادة نسبة الاضطرابات والأمراض النفسية التي تُساهم في دورها بزيادة نسبة الأفكار الانتحارية ومحاولات الانتحار”.
وتقودنا هذه المعطيات إلى سؤال أساسي وهو إن كان أصلًا من الممكن الحديث عن أسباب للانتحار، وفي هذا الإطار يقول بوخليل إنّه من الممكن الحديث عن عوامل معرّضة منها الاستعداد الوراثي والجنس (المرأة تحاول الانتحار أكثر من الرجل الذي ينجز انتحارًا يوصل فيه للموت أكثر)، هذا فضلًا عن غياب المحيط الداعم للأشخاص واستعمال المواد المخدّرة ووجود سلاح والبطالة والأمراض والاضطرابات النفسية بطبيعة الحال، مضيفًا أنّ تحديد سبب الانتحار ليس سهلًا فنسب الانتحار تتأثر بالفصول مثلًا.
ويرى مدير البرنامج الوطني للصّحّة النّفسيّة في وزارة الصحة الدكتور ربيع شماعي أنّه إذا أردنا التحدّث عن عوامل مساعدة لارتفاع نسب الانتحار فلا بدّ من القول إنّ الأزمات الإقتصادية عامل طبعًا بالإضافة إلى الاضطرابات النفسية وغيرها من الأزمات التي تؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية، ويقول: “من الصعب جدًا فصل الأزمات عن بعضها البعض في لبنان، كلّ الوضع الذي نشهده ونمر به يؤثر سلبًا على الصحة النفسية للمواطن”.
هل نحن بخير؟
إذا كان من الصعب حسم العلاقة بين ارتفاع نسب الانتحار في لبنان والأزمة الاقتصاديّة، فإنّ الاختصاصيين يجمعون على أنّ الأزمات المتعدّدة التي عانى منها لبنان منذ العام 2019 حتى يومنا رفعت نسبة الاضطرابات والأمراض النفسية لا سيّما اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق رغم غياب الدراسات الشاملة كما يقول بوخليل. ويشير إلى أنّ هناك دراسة أجريت قبل الأزمة تقول إنّ ربع المجتمع اللبناني قد يُعاني من واحد من الاضطرابات النفسية على الأقل. ويُضيف بوخليل أنّه لا يمكن الاتّكال على هذه الأرقام لأنّ منطق الأمور يقول إنّها ارتفعت. ويُشير إلى دراسة أجراها قسم الطب النفسي في مستشفى “أوتيل ديو” بين كانون الثاني 2017 وآذار 2022 قيّم خلالها تأثير الأزمة المتعددة الأبعاد التي يعاني منها لبنان. وشملت الدراسة 1655 ملفًا لمراجعين خضعوا للاستشفاء في القسم. وتمّ تقسيم المراجعين إلى ثلاث مجموعات وفقًا لأحداث زمنية محدّدة تشير إلى بداية أزمة معيّنة. وتوصّلت الدراسة إلى عدد من النتائج منها ارتفاع عدد النساء اللواتي دخلن إلى قسم الطب النفسي بعد تفجير مرفأ بيروت وارتفاع نسب المرضى النفسيين الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا بالإضافة إلى ارتفاع نسب اضطراب ما بعد الأزمة والاكتئاب ومحاولات الانتحار.
وليس بعيدًا تتحدّث عطوي عن ظهور عوارض اضطرابات أو أمراض نفسية عند أشخاص لم يعانوا منها في السابق وحتى لم يكن لديهم استعداد لها وتحديدًا الاكتئاب والقلق، مشيرة إلى أنّ سبب ذلك هي الضغوطات التي مرّ فيها لبنان مؤخرًا من تداعيات للأزمة الاقتصادية والاجتماعية وكورونا وتفجير مرفأ بيروت وعدم الاستقرار والقدرة على تحسّس المستقبل وبالتالي غياب الشعور بالأمان.
صعوبة الوصول إلى خدمات الصحة النفسيّة
“أزوره فقط لأجدّد وصفة الدواء، المراجعة أصبحت بـ 25 دولارًا، وأدويتي وحدها تكلّفني ما بين ـمليونين وثلاثة ملايين ليرة كلّ شهر” تقول إحدى السيدات (52 عامًا) التي اضطرّت وبسبب الأزمة الاقتصادية للتوقّف عن زيارة طبيبها النفسي، مشيرة إلى أنّها تعرف جيدًا أنّها بحاجة إلى زيارة واحدة على الأقل للطبيب شهريًا، ولكنّها تحاول الحفاظ على الحد الأدنى ممّا يضمن اتّزانها وقدرتها على قيامها بواجباتها اليومية فكان عليها الاختيار بين الدواء أو المراجعة.
تمامًا كما هذه السيّدة تتحدّث إيمان (26 عامًا) عن توقّفها عن زيارة طبيبها النفسي. “بداية كنت أتابع مع طبيب أرتاح معه، كانت مراجعته تكلّفني 40 دولارًا، وبسبب الأوضاع الاقتصاديّة اضطررت إلى مراجعة طبيب آخر في إحدى الجمعيات، ومن ثمّ توقّفت تمامًا عن العلاج، الضغط كبير على الجمعيّة وبدلًا من مراجعة الطبيب مرتين شهريًا يكتفون بمرّة واحدة” تقول إيمان.
وتتحدّث إيمان عن تحوّل الدواء إلى عبء نفسي ومادي فهي وبسبب ارتفاع كلفة فاتورة أدويتها الشهريّة والتي تتجاوز 3 ملايين ليرة اضطرّت سابقًا إلى اللجوء إلى دواء “جنريك” لم يكن فعالًا فساءت حالتها. “إذا اعتمدت الجنريك لا تتجاوز كلفة الأدوية 700 ألف ليرة، ولكن ليس كلّ الجنريك فعّالًا، الأمر كان مؤذيًا لي، حاليًا قرّرت تخفيف الجرعة من دون الرجوع إلى طبيبي، فعليّ أن أجد حلولًا تتناسب مع وضعي المادي”.
التوقّف عن أخذ الدواء أو تقليل الجرعة من دون استشارة الطبيب يؤدي إلى تراجع حالة الأخير وفي بعض الحالات يشكّل هذا الأمر خطرًا حقيقيًا على حياته كما يقول الدكتور بوخليل. أمّا في ما خصّ “الجنريك” فيوضح بوخليل أنّ بعضه لا سيّما غير المسجّل قد لا يكون فعّالًا أو أقله لا نعرف مدى فعاليّته لافتًا إلى أنّ هناك أدويّة “جنريك” اجتاحت السوق وأنّ بعض المسجّل حتى لم يكن ليُعطى رخصة لو لم يعاني لبنان من أزمة.
ويُشير بوخليل إلى أنّ الأدوية حاليًا وبعد الرفع الجزئي للدعم باتت متوافرة بشكل عام إلّا أنّه لا تزال هناك مشكلة في أدوية اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط ( ADHD ) وفي الأدوية التي تؤخذ عن طريق الحقن وذلك لأنّ هذا النوع من الأدوية كلفته قليلة وسوقه محصور بالمستشفيات ما دفع وكلاء الأدوية إلى التوقف عن استيراده.
وفي هذا الإطار يقول نقيب مستوردي الأدوية جوزيف غريّب إنّ أسعار الأدوية التي تعطى عادة للأمراض النفسية تتراوح بين دولار و40 دولارًا وهو ما يجعلها تنتمي إلى شريحة الأدوية الأقل كلفة وأنّ هناك خيارات من الجنريك بأسعار مقبولة، مشدّدًا على أنّ أيّ دواء مسجّل في الوزارة يعني أنّه فعّال وذات جودة عالية.
وفيما خصّ الأدوية غير المسجّلة، فيشير غريّب إلى أنه إضافة إلى عدم ضمان فعاليّتها هناك خوف من طريقة حفظها قائلًا: “إذا كانت هذه الأدوية فعّالة وضمن المعايير المطلوبة لماذا لم تُسجّل لا سيّما أنّ الوزارة فتحت المجال لتسجيل أي دواء ضمن المعايير المطلوبة”.
ويلفت غريّب إلى أنّ رفع الدعم التدريجي عن الأدوية ساهم في توافرها في الأسواق وأنّ الوضع حاليًا وإن لم يكن بأحسن أحواله فهو جيّد (من حيث توفّر الأدوية وليس أسعارها) مقارنة بما مرّ به لبنان من سنتين وأنّ حتى الأدوية القليلة جدًا المقطوعة حاليًا ستتوافر خلال أسبوع.
وفي حين يُشير غريّب إلى أنّ حجم استهلاك الأدوية المخصصة للأمراض النفسية ارتفع بنسبة 25% في لبنان خلال السنتين الأخيرتين حسب الأرقام المتوافرة، يلفت أيضًا إلى أنّ حجم استيراد الأدوية ومنها تلك المخصّصة للأمراض النفسيّة ارتفع ولكن من حيث العدد وليس الكلفة بسبب اعتماد “الجنريك”.
على الرغم من تأكيد المعنيين بالصحّة النفسيّة على أنّ الأزمات المتلاحقة التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة أحدثت ما يشبه صحوة حول أهميّة الصحة النفسيّة الأمر الذي كان واضحًا من خلال ارتفاع عدد مراجعي الاختصصايين أو الأطباء النفسيين إلّا أنّ هذا الارتفاع لم يكن بقدر توقّعات الأخصائيين، بحسب بوخليل.
وتُقدّر نقيبة النفسانيين في لبنان الدكتورة ليلى عاقوري ديراني أنّ نسبة من يصلون إلى الدعم النفسي المختصّ لا تتجاوز 10% من الأشخاص الذين هم بحاجة إلى هذا الدعم.
وهناك عدد من العقبات تحول دون وصول الناس إلى العلاج، الأساسية منها، بحسب بو خليل هي غياب الجهات الضامنة الحقيقية التي تغطّي كلفة الصحّة النفسية الأمر الذي يمكن وصفه بالكارثة الحقيقية طبيًّا وأخلاقيًا في حقّ الصحة النفسية، بالإضافة إلى نقص الممرضين والممرضات في كل قطاعات الصحة ومنها النفسية. ومن العقبات التي يذكرها بو خليل هي التنظيم والتوجيه الحقيقيين، إذ من الضروري أن يكون هناك خارطة للمراكز الصحية والجمعيات والعيادات التي تقدّم هذه الخدمات وتفاصيلها. وفي هذا الإطار تقول عاقوري إنّ هناك حاجة لهذا الأمر مشيرة إلى أنّ موقع نقابة النفسانيين يضع لائحة بأسماء الأطباء المرخص لهم.
ومن العقبات التي تحول دون وصول الناس إلى العلاج هي النقص في عدد الأطباء النفسانيين إذ يُقدّر أنّ 30% منهم هاجر منذ تفجير مرفأ بيروت حتى اليوم فضلًا عن كلفة العلاج وإن كان هناك عدد كبير من الجمعيات والمراكز الصحية تقدّم هذه الخدمات مجانًا أو بأسعار مقبولة. كما أنّ أجرة الطريق على سبيل المثال لا الحصر تبقى عائقًا أمام عدد كبير من المحتاجين للعلاج أو المتابعة النفسية.
وتقول عاقوري إن النقابة تسعى لتحديد تعرفة الطبيب النفسي وأنّ المتعارف عليه حاليًا هو 20 دولارًا وطبعًا هناك أطباء تحدّد التعرفة بأقل وهناك من يحددها بأكثر.
وليس بعيدًا يقول شمّاعي إنّه من المعلوم أنّ الصحة النفسية تاريخيًا في كلّ البلدان ومنها لبنان، لم تشهد مستوى التطوّر نفسه كما هو حال القطاع الصحّي بشكل عام، وبالتالي في لبنان، الأشخاص الذين يطلبون العلاج النفسي ويصلون إليه هم أقلّ وبنسبة كبيرة مما يصلون إلى العلاج الجسدي، وهذا الأمر يعود غالبًا إلى الوصمة وغياب الوعي.
ويُشير شماعي إلى أنّ الوزارة تعمل على تشجيع الأشخاص على طلب المساعدة ذاكرًا أنّ البرنامج الوطني للصحة النفسية يعمل على أكثر من صعيد، منها خط الحياة، الخط الوطني الساخن للدعم النفسي والوقاية من الانتحار الذي يديره البرنامج مع جمعية “إمبرايس”، وهو 1564، وأيضًا عبر نشر خدمات الصحة النفسية من خلال شبكة الرعاية الأوّلية، وتدريب الإعلاميين.
ويوضح شماعي أنّ 50 مركز رعاية أوًلية يقدّم حاليًا بالتعاون مع دائرة الرعاية الأوّلية وعدد كبير من الجمعيات المحلية والدولية، خدمات نفسية وضمنها الأدوية النفسية، كما يذكّر بتطبيق “خطوة خطوة” الذي تمّت دراسته مع منظمة الصحة العالمية وأثبت فعاليته للوقاية ولعلاج الاكتئاب والقلق لافتًا إلى أنّ هذا التطبيق يقدّم خدمة مجانية إذ يستطيع أي مواطن أو مواطنة متابعة 5 جلسات مجانيّة وتلقّي مساعدة عن بعد من قبل أشخاص مدرّبة ومتخصّصة.
الانتحار والتغطية الإعلاميّة
تعتبر عطوي أنّ تزايد حالات الانتحار في فترة معيّنة يمكن أن يكون دليلًا على ما يُسمّى في علم الانتحار الانتحار بالتقليد أو عدوى الانتحار (suicide cluster أو suicide contagion)، مضيفة أنّ أسباب هذه الظاهرة عادة ما تكون حدوث حادثة انتحار تتمّ الإضاءة عليها من قبل الإعلام بشكل كبير ويتفاعل معها أناس يمرّون بظروف حياتية ومعيشية نفسية مشابهة، فتتزايد حالات الانتحار في هذه الفترة. وتضيف أنّ هذا ما حصل مثلًا في لبنان في العام 2019 حين شهدنا عددًا من حالات انتحار في أسبوع واحد.
وترى عطوي أنّ الإعلام أدى دورًا في إلقاء الضوء على الموضوع والتشديد على أن سبب الإنتحار واحد وهو الظروف المعيشية، معتبرة أنّه لا بدّ من إطلاق جرس إنذار لإرشاد وسائل الإعلام إلى طريقة تغطية مواضيع كهذه وكيفية وضع عنوان المقال والصور والأهم عدم التركيز على هدف واحد أو ظروف معينة واحدة أدت إلى الانتحار.
وفي هذا الإطار نشرت “إمبرايس” بالتعاون مع معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت في أيار الماضي سياسة عامة تتناول دور الإعلام في تغطية موضوع الانتحار واضعة توصيات وطنية لتحسين طرق التغطية الإعلامية للانتحار.
من جهته يُشدّد بوخليل على أهميّة معرفة الإعلام بحساسية تغطية موضوع الانتحار كعدم تصوير الشخص وأدوات الانتحار ووصم الشخص أو عائلته،
ويعتبر أنّ الحديث عن الانتحار في الإعلام لا يشجّع على الانتحار بل على العكس في بعض الأوقات يجب أن يُشعر المريض أنه من الطبيعي أن يشعر بالضعف والاضطراب النفسي وأنّه من المهمّ ألّا يصل إلى الانتحار.