الاغتيال السياسي يضرب مجددا في تونس ويكشف عن أزمة المسارات


2013-07-26    |   

الاغتيال السياسي يضرب مجددا في تونس ويكشف عن أزمة المسارات

كان ينتظر أن يكون يوم 25 جويلية 2013 يوما مميزا تحتفل فيه تونس بالذكرى 56 لإعلان نظامها الجمهوري. لم تكن الخلافات بين الفرقاء السياسيين لتفسد نكهة العيد بعد أن تنافس الجميع في تخليد الذكرى كلا على طريقته. الا أن الرصاصات التي استهدفت نائب المجلس الوطني التأسيسي محمد البراهمي انتهت الى افساد العيد كاشفة أن فرحة الشعب التونسي بثورته وحريته باتت هدفا لأياد طويلة تصنع الموت وتنذر بالصوملة.
كان الشهيد محمد البراهمي داخل منزله ووسط عائلته الصغيرة منتصف نهار يوم 25 جويلية عندما تلقى اتصالا هاتفيا خرج إثره أمام مسكنه ليجد من كان بانتظاره ليوجه نحوه اربعة عشرة طلقة نارية كانت أكثر من كافية لقتله وهو الرجل الأعزل الذي مارس العمل السياسي السلمي وانخرط في حراك الدفاع عن الديموقراطية ومكتسبات الدولة الحديثة. وقد أتت ثاني عمليات الاغتيال المنظم لتذكر بالاغتيال الأول الذي أودى بحياة شكري بلعيد ولتعيد طرح ذات الأسئلة حول الجهات التي تقف وراء عمليات الاغتيال السياسي في تونس وحول أهدافها الحقيقية. وكان الشهيدان براهيمي وبلعيد قد اشتركا في العمل السياسي سابقا وتشابهت عملية اغتيالهما بشكل يمنع مقاربتهما كعمليتين منعزلتين.
تبعا لذلك، تجد تونس اليوم نفسها في مواجهة مع من يستعملون السلاح في وضح النهار ومن يعتبرون الاغتيال السياسي ومعه العنف بمختلف تجلياته جهادا يرفعون لواءه في وجه أبناء شعبهم، وهو أمر يقتضي التنبه لضرورة ايجاد آليات قانونية تحترم أصول الديموقراطية وحقوق الانسان ولكنها تكون قادرة على التعاطي مع من يتخذون العنف كمنهج في العمل السياسي.
كان ينتظر في إثر عملية اغتيال الشهيد شكري بلعيد يوم 06 فيفري 2013 وتبعا للكشف عن جماعات ارهابية تنشط بالجبال التونسية أن تتم مراجعة قانون الارهاب لنزع ما علق به من أحكام تتعارض مع حقوق الانسان لغاية ايجاد آليات قانونية تسمح بتوصيف من يتبنون الأفكار العنيفة كمجموعات ارهابية وهو أمر يبدو ضروريا ليتسنى التعاطي الأمني والقضائي معها. وكان مطلوبا أن تتم مراجعة هيكلة المؤسسة الامنية بما يمكنها من تطوير أدائها في مجال الاستعلام عن الجريمة المنظمة. كما كان يرجى أن يتم تأهيل فرع من القضاء يكون قادرا على التعاطي مع الجرائم الارهابية في تعقيداتها. غير أن الاستحقاقات جميعها تم الالتفات عنها وقد ذهب في خلد الجهات الرسمية أنها نجحت في فك أسرار الجرائم المتعاقبة المتلاحقة. وتأتي عملية الاغتيال الجديدة لتؤكد تواصل الفشل في ظل غياب الحلول الجذرية.
تحتاج تونس اليوم لأن تحدد موقفا واضحا وصلبا من الارهاب بما يمنع فتكه بمستقبلها ولن يتحقق ذلك الا بتوفر ارادة سياسية تعاضدها مؤسسات وآليات قانونية تضمن النجاح. وقد تبدو الدعوة الى إرساء الآليات القانونية اللازمة للتصدي للعنف السياسي المهيكل والمنظم في ظل التطورات الاقليمية التي تستعمل شعار القضاء على الارهاب ومكافحته كوسيلة للتصدي للديموقراطية وإجهاض المطالبات بها امرا مستغربا. ولكن يتعين التمييز بين حاجة الأنظمة الكليانية للإرهاب كعدو يجمع مختلف من يعارضها وبين حاجة المجتمعات التي تسعى لبناء ديموقراطيتها لحماية ذاتها من الارهاب برؤية مغايرة ووفق تصورات تحترم مبادئ الحرية.
م.ع.ج

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، مقالات ، تونس ، عدالة انتقالية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني