فاق الاردنيون صبيحة في 21-12-2014 على خبر تنفيذ حكم الاعدام بحق احد عشر محكوما بالاعدام في سجن سواقة من بين 122 محكوما بالاعدام ، الامر الذي ادى الى انقسام الشارع الى الاردني الى اتجاهين : الاول مؤيد للخطوة الجريئة من قبل الدولة باعتبارها خطوة في الاتجاه الصحيح في ظل شعور بتزايد غير مسبوق للجريمة في الاردن كما ونوعا يعزوه الكثيرون الى وقف تنفيذ عقوبة الاعدام ، ومن جهة اخرى رأى اخرون في الخطوة اعادة لهيبة الدولة التى تهشمت في السنوات الاخيرة واصبح التطاول على الدولة والقانون امرا مألوفا . في حين عارض الاتجاه الثاني هذه الخطوة واصفين ذلك اليوم بالاحد الاسود ، ورأوا في هذه الخطوة انتهاكا لحقوق الانسان باعتبارها تسلب الانسان اقدس حق وهو حقه في الحياة باسم العدالة والقانون ، ومن وجهة نظرهم ايضا ان عقوبة الاعدام لم تكن يوما من الايام رادعا يحول دون ارتكاب الجريمة مدللين على ذلك بثبات نسب ارتكاب الجرائم المستوجبة لعقوبة الاعدام قبل وبعد وقف تنفيذ هذه العقوبة. فقد اظهرت دراسات عدد الأحكام بالإعدام ما بين عام 2000 وحتى عام 2005 والذي وصل إلى 80 حكماً، أي ما متوسطه 13 حكما في السنة الواحدة، ورغم ارتفاع عدد المحكومين بالأعدام بعد تجميد العقوبة إلى 122حكماً، قبل إعدامات الأحد الماضي، بقيت هذه النسبة ثابتة وبلغت 13.5 حكماً لكل سنة ما بين 2006- 2014 [1].
موقف المنظمة العربية لحقوق الانسان
في موقف اقرب ما يكون الى تصريح للناطق الرسمي باسم الحكومة الاردنية وضحت المنظمة العربية لحقوق الانسان في بيان لها[2] ان الشريعة الالهية لم تترك امرا من امور الحياة الا وعملت على تنظيمه وايجاد القصاص المناسب من اجل تحقيق الامن والسلم الاجتماعي وصون حياة ابناء البشرية من اي اعتداء اثم على النفس البشرية التي حرم الله قتلها الا بالحق، وان المنظمة العربية لحقوق الانسان ومناهضة التعذيب تعتبر تنفيذ حكم الاعدام بحق من ازهق الارواح وروع المجتمع ورمل النساء ويتم الاطفال هو انتصار للشريعة الالهية والقانون ولارواح الضحايا الذين ما زال الم غدرهم وازهاق ارواحهم يشكل جرحا عميقا لاهالي تلك الضحايا . واعتبرت المنظمة في بيان لها ان السلم والامن الاجتماعيين لا يمكن ان يعمّا في اي دولة الا بالتطبيق الفعلي للقانون ويجب على الدولة ان لا ترضخ ارادتها لاي ضغوط مهما كانت تلك الضغوط او من يمارسها ومن يقف خلفهم، وخصوصا تلك المؤسسات التي تتقاضى التمويل الاجنبي لتنفيذ برامج بعيدة كل البعد عن الاعراف والتقاليد الاردنية والاهم من ذلك بعدها عن الشريعة الاسلامية . واضافت المنظمة ولعلنا في العربية لحقوق الانسان نؤمن ان تنفيذ حكم الاعدام بحق هؤلاء سيشكل رادعا حقيقيا لكل من تسول له نفسه بارتكاب تلك الجرائم بدم بارد دون ان تأخذه اي رحمة او شفقة بالضحية واسرتها، وان على المجتمع ان ينتصر للحق ويقف في خندق الوطن عندما يكون الامر متعلقا باستقرار الوطن وامنه وان نفكر في الضحية وننتصر لها كي ترتاح اعين الامهات اللواتي ما زال الالم والحسرة رفيق دربهن لفقدان فلذات اكبادهن . واختتمت المنظمة بيانها بقولها اننا في العربية لحقوق الانسان وان كنا نعرف موقف المجتمع الدولي من الاعدام الا ان تلك الدول لا تعلم خصوصية كل مجتمع وعاداته وتقاليده واعرافه ، كما ان تلك الدول التي تطالب الاردن بايقاف عقوبة الاعدام هي نفسها تطبق عقوبة الاعدام، وان التهاون في تطبيق العقوبة اوجد عادات سلبية زعزعت امن المجتمع ومن الممكن ان يعيد عادات سابقة شفي منها مجتمعنا مثل قضية الثأر.
موقف الجمعية الاردنية لحقوق الانسان
على النقيض من موقف المنظمة العربية لحقوق الانسان اعتبرت الجمعية الاردنية لحقوق الانسان ان تراجع الحكومة الاردنية عن وقف تنفيذ عقوبة الاعدام شكل صدمة قوية لكل الذين كانوا يأملون في تطوير موقف الاردن السابق، بحيث يصل الى مستوى القرار الانساني والحضاري بالغاء عقوبة الاعدام على غرار ما فعلته حتى الان 137 دولة في العالم التي الغت هذه العقوبة اللانسانية سواء في تشريعاتها او في التطبيق، وهي دول ليست كلها غربية كما يزعم البعض في معرض تبريره للتمسك بعقوبة الاعدام . وان التذرع بزيادة نسبة الجرائم في البلاد لتسويغ العودة الى تنفيذ عقوبة الاعدام يعيدنا من جديد الى المربع الاول ، اذ اثبتت دراسات قامت بها وكالات تابعة للامم المتحدة ومراكز دراسات عالمية ومنظمات حقوق الانسان في العديد من الدول – بما فيها مجتمعات عربية – بأن عقوبة الاعدام لا تشكل رادعا فعالا يمكن ان يؤدي الى انخفاض نسبة الجرائم ، وان اسباب الجرائم كما هو معروف تعود لعوامل اقتصادية واجتماعمية ، وعندما تعالج هذه الاسباب فإن عدد الجرائم سوف ينخفض ، اما الاسباب المبدئية لمعارضة عقوبة الاعدام فهي معروفة ويزداد العالم اقتناعا بها ، والدليل على ذلك ازدياد عدد الدول التي الغتها في السنوات الاخيرة ، ولا ندري كيف ستبرر الحكومة التراجع الذي وقع بالامس القريب في حين لا يزال العالم يتذكر تصريح الامير زيد بن رعد المفوض السامي لحقوق الانسان في الامم المتحدة قبل اسابيع بدعوة دول العالم التي تطبق عقوبة الاعدام الى الغائها ووصفها بالعقوبة المهينة والقاسية ، وتساءلت الجمعية الا تتسبب هذه الاعدامات بالاحراج للمفوض السامي الاردني الجنسية ؟ ، وكيف ستوفق الحكومة بين توجهها لوضع خطة لحقوق الانسان وتطبيق توصيات المركز الوطني لحقوق الانسان وبين هذه الاعدامات التي تثير التساؤلات حول صدقية التوجه ؟ . ان الخشية في ان يكون قرار التراجع نابعا من الرغبة في كسب شعبية بعد ان اشتد السخط على الحكومة مؤخرا بسبب سياساتها الاقتصادية وتوجهها لعقد اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني . ودعت الجمعية الاردنية لحقوق الانسان الحكومة الى العودة الى قرار وقف تنفيذ عقوبة الاعدام وفتح المجال لمناقشة عامة حول السياسات الحكومية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وفي مجال الحريات العامة وحقوق الانسان ، اذ ان الخيارات عديدة للعمل على الحد من الجرائم بدلا من الخيار السهل الذي لجأت اليه الحكومة ، والذي لن يؤدي للاسف للنتيجة المتوخاة [3].
موقف الحكومة الاردنية
في ظل الانتقادات الحادة التي وجهت لتنفيذ اعدامات يوم الاحد سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي سارعت الحكومة الاردنية الى تبرير قرارها اذ قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية الوزير محمد المومني، إن الأردن مهتم جدا بتعزيز حالة حقوق الإنسان في البلاد، وتعزيز إجراءاته التي تحترم حقوق المواطنين وحرياته الأساسية، فيما اعتبر أن تعليق عقوبة الإعدام منذ العام 2006 جاء لدراسة الآثار الأمنية والمجتمعية والتي خلصت إلى ضرورة استعادتها في ظل ازدياد معدلات الجريمة، بحسبه. وبين المومني أن الدراسات المحلية أفضت خلال السنوات السابقة، إلى تسجيل سلبيات واضحة انعكست على ازدياد نسبة الجريمة وزيادة معدلات العنف المجتمعي، وقال: "وذلك أثر على هيبة الدولة الأردنية وسيادة القانون." وفي ذات السياق، أشار المومني إلى أن بعض دول العالم والتي تصنف بالمتقدمة، تطبق عقوبة الإعدام، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، لافتا إلى أنه لا بد من التركيز على بعض التطورات والايجابيات المتعلقة بعقوبة الإعدام بالأردن، من بينها حصر المشرع الأردني عقوبة الإعدام بالجرائم الجنائية و"الأشد خطورة"، إضافة إلى عدم تنفيذ أي عقوبة إعدام في الأردن تعسفيا، بحسب تعبيره، عدا عن عدم تنفيذ أية عقوبة بالإعدام متعلقة بالجرائم السياسية كما أن عقوبة الإعدام لا تفرض على الأحداث ممن هم أقل من 18 عاما. ومن بين تلك الإيجابيات أيضا، بحسب المومني، إلغاء الأردن لعقوبة الإعدام في أربع جرائم منذ العام 2006 ، والتي حددتها مواد وردت في قوانين كل من العقوبات، و المخدرات والمؤثرات العقلية، والمادة 12 من قانون المفرقعات.وإجرائيا أوضح المومني، أن السلطات الأردنية كثيرا ما لجأت إلى إرجاء تنفيذ الأحكام إلى أطول فترة ممكنة لغايات إعطاء الفرصة للفرقاء للمصالحة وإسقاط الحق الشخصي في قضايا القتل العمد" ، وذلك في الوقت الذي يتميز فيه المجتمع الأردني بالعشائرية التي غالبا لا يسقط فيها الحق الشخصي إلا بتنفيذ العقوبة وإجراء المصالحة.واستشهد المومني بأرقام مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية التي كشفت عن تأييد ما نسبته 74 في المائة من العينة الوطنية لتنفيذ عقوبة الإعدام في شهر آذار الماضي، مقابل 73 في المائة سجلت تأييدها في شهر آب الماضي، فيما أعلن المركز قبل ايام عن تأييد ما نسبته 81 في المائة من العينة الوطنية لعقوبة الإعدام ، مقابل 80 في المائة من المؤيدين من عينة قادة الرأي.
ومن جهته قال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية الأردنية إن إعادة تطبيق عقوبة الإعدام، هو عودة للمسار القانوني الشرعي الصحيح، وأن عدم تنفيذ القانون ينتقص من شرعيته وفعاليته.وعلق مضيفا على الانتقادات التي وجهت للأردن بسبب تنفيذ الأحكام: "العقوبة هي وسيلة للردع والدراسات المحلية جميعها تشير إلى ارتفاع نسبة الجرائم خلال السنوات السابقة كما أن المجتمع الأردني العشائري لا يسقط الحق في قضايا القتل إلا بشروط تنفيذ عقوبة الإعدام بحق الجاني." واستند الناطق الرسمي إلى دراسة تحليلية تكشف عن وقوع 1220 جريمة جنائية في عام 2009 مقابل وقوع 1812 جريمة جنائية في العام 2013، من بينها 50 جريمة قتل عمد عام 2009 مقابل 74 جريمة قتل عمد في عام 2013.وتشير دراسة أعدتها إدارة البحث الجنائي في الاردن إلى وقوع 50 جريمة قتل عمد عام 2009 مقابل 74 جريمة قتل عمد في عام 2013، ما اعتبرته السلطات الأردنية ازديادا ملحوظا في نسبة الجرائم الجنائية المجمدة عقوبة الاعدام فيها منذ العام 2006 ، بينما سجلت الأرقام في إدارة البحث الجنائي وفقا للدراسة، وقوع 392 جريمة شروع بالقتل عام 2009، مقابل 561 جريمة عام 2013 [4].
وحاولت الحكومة كسب تأييد شعبي لقرارها الاخير من خلال نشر تفاصيل الجرائم التي ارتكبها الاشخاص الذين تم اعدامهم، والتي تتركز معظمها بالقتل المرافق للسرقة والاعتداء الجنسي على الضحية وذلك لاظهار مدى بشاعتها وخطورتها على الامن الاجتماعي [5].
وفي الختام لا يزال السؤال الملح دون اجابة وهو: هل ستواصل الحكومة الاردنية تنفيذ الاعدامات بحق بقية المحكومين بالاعدام المتبقين بعد اعدامات الاحد الماضي والبالغ عددهم 111 محكوما؟ ام ان هذه المجموعة المختارة كانت بمثابة بالون اختبار لاستطلاع ردة الفعل المحلية والدولية على هذه الخطوة؟ وعلى ضوء ذلك سيتحدد الموقف من عقوبة الاعدام مجددا؟ كل هذه التساؤلات لم تجد اجابة صريحة وواضحة من السلطات الرسمية وسط تكهنات وتوقعات غير رسمية بتنفيذ وجبات اخرى من الاعدامات خلال فترات زمنية متقاربة نسبيا .
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.