“
أثرت الاعتداءات على المتظاهرين في ساحتي رياض الصلح والشهداء على ردة فعل المتظاهرين في النبطية من استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري. وبالتالي لم تعلُ الأصوات فرحةً بما قد يعتبر نصراً للحراك الشعبي. وخيّم الوجوم على المتظاهرين نتيجة عناصر القلق والاضطراب وخصوصاً نتيجة الخوف من انعكاسه على الناشطين في النبطية.
وجاءت استقالة الحريري وسط حال من الإحباط تسيطر أصلاً على النبطية وكفررمان. فيومي الإثنين والثلاثاء كان الاعتصام في النبطية هزيلاً حيث حضر منظمو الحراك الرئيسيين. أما في كفررمان فكان الإحباط سيّد الموقف بين المعتصمين لاسيّما بعد فتح الحزب الشيوعي للطريق “تلافياً للفتنة” كما قال محازبوه.
ويعود انكفاء المعتصمين في النبطية إلى عناصر عدّة تراكمت في الأيام الماضية أهمها الاعتداء على المعتصمين من قبل شرطة البلدية وإعادة فتح الطرقات بالقوّة والتهديدات المستمرّة التي تصل إلى المشاركين. وآخر هذه التهديدات يوم الإثنين حيث تلقّى عدد من المتظاهرين اتصالات من أشخاص معروفين نصحوهم بعدم النزول إلى ساحة الاعتصام، بينما وصلت رسائل تهديد إلى آخرين، بقطع أرزاقهم في حال فكروا بالالتحاق بالاعتصام.
ويوم الثلاثاء حاول مجهولون اقتحام الساحة إلّا أنّ عناصر من مخابرات الجيش منعوهم من ذلك وطمأنوا المعتصمين أنه طالما هم خلف العوائق الحديدية فلن يمس أمنهم أحد.
وزادت الأمطار الطين بلّة فقد حالت أيضاً دون توافد المعتصمين إلى ساحة الاعتصام المجاورة للسرايا خصوصاً بعد رفض البلدية طلباً قدّمه المنّظمون لنصب خيمة وسط ساحة الاعتصام لتقيهم من المطر. وبالتالي، احتمى من التحق بالاعتصام وهم قلة، بخيمة مبنى السراي. وحتى بعد توقّف المطر ظهراً يوم أمس الإثنين، لم يتقاطر سوى عدد قليل من المحتجّين إلى الساحة ولم يتجاوز عددهم الإجمالي مئة شخص، ونظموا مسيرة باتجاه مصرف لبنان، هتفوا خلالها ضد حاكم المصرف والفاسدين، وجابوا والتفوا من جهة شارع مرجعيون ثم عادوا إلى نقطة التجمّع في ساحة العلم.
والإثنين استأنفت المدارس التابعة لحركة “أمل” و”حزب الله” دروسها بعد أن بعثت رسائل إلى الأساتذة والطلاب بوجوب حضورهم وإلّا فالطرد بانتظارهم. كما استدعت وزارة المالية والمنطقة العقارية في النبطية موظفيهما. والثلاثاء فتحت المدارس الخاصة أبوابها اليوم أيضاً، كذلك بعض المصارف. وواصل أهالي المنطقة جني موسم الزيتون وتزاحموا على أبواب معاصر الزيت.
إذاً قررت النبطية الخروج من عطلتها القسرية التي دخلتها استجابة لضرورات الثورة، فاستأنفت حركتها اليومية الروتينية منذ الصباح الباكر.
الحركة التجارية سيئة منذ ما قبل التظاهرات
ولكن طبعاً بقيت حركة السوق التجاري على حالها، كما كانت قبل الثورة، وخلالها، وبعد قرار فتح الطرقات الذي اتخذته البلدية ونفذته بالقوة. فقبل الثورة، ارتفعت أصوات كثيرة في المنطقة تنعى الحركة التجارية في سوق النبطية، وتحدثت عن موجة إفلاس أصابت أصحاب المحال التجارية، بسبب انهيار الوضع الاقتصادي وتراجع قدرة الناس الشرائية، مما دفع عدداً منهم إلى إغلاق محالهم والبحث عن مورد آخر للرزق. قبل الثورة أيضاً، شهد مول النبطية الشهير “ذا سبوت” إقفالاً جماعياً للمحال التجارية فيه، ولم يبق منها إلّا محال عدد من العلامات التجارية الأجنبية.
وقد لمسنا في استطلاعنا لآراء بعض من أهالي النبطية الذين ثاروا بالدرجة الأولى اعتراضاً على الوضع المعيشي وغياب الإنماء وروائح الفساد التي فاحت في ملفات كثيرة، أهمها ملف النفايات، استياءً كبيراً من خنق مطالبهم خصوصاً بعد أن نجحت القوى المهيمنة على المنطقة في تسييسها. لذلك تشهد الثورة في النبطية انكفاءً وتراجعاً يوماً بعد يوم.
وخاب أمل المتظاهرين إثر تصريح أدلى به أحد أعضاء البلدية، ادّعى فيه أنّ شرطة البلدية لم تعتد على المعتصمين بل العكس، في حين كانوا ينتظرون من بلديتهم اعتذاراً.
“الشيوعي” يفتح الطريق في كفررمان
بالتوازي مع اعتصام النبطية، كانت الثورة في بلدة كفررمان على موعد مع مفاجأة من العيار الثقيل، حيث قرر الحزب الشيوعي فتح الطريق المغلقة منذ اليوم الأول للثورة، رغم أنّه كان مقرراً الاستمرار بقطع الطرقات يوم الاثنين. وبرر الحزب خطوته بأنها لتلافي الفتنة، وتسهيلاً لوصول الطلاب إلى مدارسهم والموظفين إلى أعمالهم، وقام المنظّمون بإزاحة موقع الاعتصام من “الدوّار” إلى جانب الطريق.
ورغم مشاعر الإحباط التي خيّمت على الثوار إثر فتح الطريق في كفررمان، بقي الاعتصام على حاله. وتوافد الناس بعد انتهاء الدوام الرسمي إلى الساحة التي استضافت وفداً من نقابة المهندسين في صيدا والجوار. وألقى المهندس عاطف الميري، كلمة باسم الوفد، طالب فيها نقيب المهندسين في بيروت وأعضاء مجلس النقابة بـ”اتخاذ موقف واضح من الحراك، لجهة تأييده”. واعتبر الميري أنّ “المهندسين مثلهم مثل سائر مكوّنات المجتمع اللبناني، لا يمكن أن يكونوا إلّا في صلب الحراك الشعبي الذي تشهده ساحات الوطن، للمطالبة بحقوقهم ولمحاربة الفساد”.
وكذلك ألقت سلام بدر الدين كلمة، تحدثت فيها عن معاناة الأساتذة المتقاعدين، لجهة الاقتطاعات الجديدة من الحكومة على معاشاتهم التقاعدية، وقالت: “عادة المعاش التقاعدي تحسب ضريبته خلال الخدمًة، وممنوع أن يضاف إليه حسم آخر، ممنوع حسمين على المعاش نفسه”. وأضافت أن الأمر لم يقتصر على ذلك بل “حرم الأساتذة من الدرجات الستة، ولم يحسبوها من ضمن رواتبهم التقاعدية، فإن ما يطال نقابة المعلمين هو نفسه الذي يطال النقابات الأخرى، بمعنى آخر هذه سرقة لمال نحن ادخرناه على مدى سنوات الخدمة”.
وعلى هامش الاعتصام خصص الثوار زاوية من ساحة ليتيحوا للأطفال المشاركة بالثورة فكانت لهم حصتهم من التعبير من خلال الرسم والألوان. وشهدت ساحة الاعتصام أيضاً مع غروب الشمس يوم الإثنين، حفلة زجل للشاعر الشعبي ابراهيم كنعان، حيث ألهب الساحة بقصيدة من وحي الثورة، عدد خلالها مطالب الثوار.
وانتهى اليوم الثوري الثاني عشر في النبطية، بتقديم الدكتور عباس وهبي والدكتور أحمد ضاهر، استقالتيهما بشكل رسمي إلى البلدية، وبتراجع محمد صباح عن استقالته بشكل رسمي.
“