الاصلاحات القانونية المتعلقة بالعنف الأسري بالمغرب في منظور هيومن رايتس ووتش


2016-04-12    |   

الاصلاحات القانونية المتعلقة بالعنف الأسري بالمغرب في منظور هيومن رايتس ووتش

نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخرا وثيقة هي في الأصل عبارة عن مراسلة وجهتها للسلطات المغربية المختصة تضمنت تقييما لمشاريع الاصلاحات القانونية المتعلقة بالعنف الأسري[1]، وذلك تزامنا مع ورش اصلاحات قانونية واسعة يعرفها المغرب بهدف ملاءمة تشريعاته مع مقتضيات الدستور الجديد الذي كرس مبدأ سمو المواثيق الدولية على القانون الداخلي.

الوثيقة وإن اعتبرت المغرب في وضع "ممتاز" لتبني وتنفيذ تشريعات حول العنف الأسري، باعتباره يتمتع بسجل جيد في تعزيز حقوق المرأة من الناحية القانونية،مثل الإصلاحات الجريئة لمدونة الأسرة، ويزخر بمقدمي خدمات وقادة مجتمع مدني يتمتعون بالخبرة، إلا أنها سجلت بعض ملاحظاتها المقلقة بخصوص جدوى الاصلاحات القانونية المرتقبة[2]، حيث تضمنت العديد من المقترحات.

1-   نطاق الاصلاحات القانونية المتعلقة بالعنف الأسري بالمغرب

ركزت مراسلة منظمة هيومن رايتس ووتش على مجموعة مشاريع اصلاحات قوانين يعرفها المغرب في مقدمتها القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية ومشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء، حيث عمدت المراسلة إلى تقييم مشاريع الاصلاح المرتقبة من زاوية المعايير الدولية التي تحددها منظمة الأمم المتحدة وبالأخص تلك الواردة في "دليل التشريعات المتعلقة بالعنف ضد المرأة"[3]والذي حدد مجموعة من العناصر الأساسية التي ينبغي توفرها في التشريعات المتعلقة بالعنف الأسري وأهمها: تعريف وتحديد مجال جرائم العنف الأسري، التدابير الوقائية، انفاذ القوانين ومسؤوليات النيابة العامة، مسؤوليات نظام العدالة، الأوامر المتعلقة بالحماية، والخدمات الأخرى ومساعدة الناجين.

2-   تقييم الاصلاحات القانونية المتعلقة بالعنف الأسري بالمغرب

انطلق تشخيص مراسلة منظمة هيومن رايتس ووتش من نص القانون الجنائي الحالي حيث لا يُوجد تعريف خاص بالعنف الأسري، وإنما يحتوي على بعض الأحكام التي تفرض عقوبات مشددة إذا كان الضحية أحد الزوجين أو أحد أفراد العائلة؛ ورغم أن مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء المعلن عنه أخيراً تضمن تعريفا لمجموعة واسعة من أشكال العنف ضد النساء، ولكنه لم يقدم تعريفا خاصا "للعنف الأسري".

من جهة أخرى، تبدو أهمّ الايجابيات التي تضمنها المشروع الجديد في تجريم مجموعة أفعال ظلت إلى وقت قريب في منأى عن المساءلة الجزائية ومن بينها الإكراه في الزواج وتبديد أموال الأسرة بسوء نية من طرف أحد الزوجين والإمتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية وخيانة الأمانة وسوء التصرف في الأملاك، لكن هذه المقتضيات تبدو غير كافية لعدة أسباب من بينها أنها تنطبق على نطاق محدود لأنها لا تشمل الأزواج السابقين[4]أو الشركاء غير المتزوجين.كما أنها مقيدة جدا من حيث أنواع الجرائم التي تستهدف أحد الزوجين أو أفراد الأسرة والتي يمكن أن تنتج عنها عقوبات، فضلا عن أنها لا تشمل تجريما لعدة أفعال على رأسها الاغتصاب الزوجي. بل ويلاحظ أن بعض التعديلات المقترحة تأتي في عكس الاتجاه العام، ومنها تعديل سيشمل المادة 420 من القانون الجنائي يتعلق بتخفيف العقوبات لمرتكبي جرائم العنف في قضايا العنف ضد أفراد الأسرة الضالعين في علاقة جنسية غير شرعية[5]الشيء الذي تعتبره المنظمة انتهاكا للحق في الخصوصية، وقد يجعل الضحية عرضة للمحاكمة بهذه التهمة إذا أبلغ عن تعرضه للعنف من قبل شريكه الذي هو ليس زوجا.

من جهة ثالثة اعتبرت المراسلة أن القوانين الحالية، لا تقدم توجيهات كافية للشرطة والنيابة العامة وقضاة التحقيق فيما يتعلق بواجباتهم في قضايا العنف الأسري. وهذا الأمر يساهم في انتشار ممارسات غير متناسبة ترتكبها بعض السلطات، كما أن مشاريع الاصلاحات المرتقبة لم تتضمن أي حلول واقعية لمواجهة عبء الإثبات في قضايا العنف الذي يستهدف النساء. كما أنها لم تسهم في تطوير تجربة خلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف التي تم إحداثها على صعيد المحاكم، والتي لا تزال تواجه عدة مشاكل في مقدمتها ضعف الموارد المالية والبشرية المرصودة لإنجاح التجربة، وغياب التفرغ والتخصص لدى أغلب القائمين عليها. كما أن الخدمات المقدمة للناجيات من العنف تبقى دون مستوى التطلعات سيما فيما يتعلق بطبيعة وجدوى الأوامر المتعلقة بالحماية. فرغم أن قانون المسطرة الجنائية ينص على تدابير حماية عامة للضحايا، لكن لا توجد أوامر حماية خاصة ومحددة للعنف الأسري[6].

3-   توصيات لدعم الاصلاحات القانونية المتعلقة بالعنف الأسري بالمغرب

لم ترسم مراسلة منظمة هيومن رايتس ووتش الموجهة للسلطات المغربية صورة سوداوية حول حقيقة الوضع بقدر ما عملت على تشخيص واقع التحديات التي تواجه المجهودات المبذولة من أجل مواجهة العنف الأسري بالبلاد. فمن النقاط المضيئة التي اشتملت عليها المراسلة الدينامية التي يولدها المجتمع المدني الذي راكم تجربة غنية في هذا المجال، فضلا عن وجود ارادة حقيقية في تغيير القوانين القائمة. ومن بين التوصيات التي قدمتها المنظمة بهذا الخصوص:

·         ضرورة تعريف "العنف الأسري" بما يتناسب مع توصيات الأمم المتحدة، والتأكيد على أن الاغتصاب الزوجي جريمة؛
·         توسيع الاصلاحات القانونية المرتقبة في مجال جرائم العنف الأسري لتشمل الأشخاص الذين لهم أو كانت لهم علاقة حميمة، مثل العلاقة الزوجية أو غير الزوجية أو العلاقة بين شخصين من نفس الجنس أو علاقات غير المتعايشين والأشخاص الذين تربطهم علاقات عائلية ببعضهم البعض والأفراد الذين ينتمون لنفس الأسرة؛
·         إلغاء إمكانية فرض عقوبات مخففة في حالة جرائم الشرف؛
·         ضرورة تضمين مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء قسما خاصا بالوقاية من العنف الأسري، وتحديد مسؤوليات الهيئات الحكومية في تطبيق التدابير الوقائية؛
·         ضرورة تحديد مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء واجبات الشرطة في حالات العنف الأسري، بما يشمل منحها سلطات كافية لدخول الأماكن وتنفيذ اعتقالات، وإجراء تقييمات للمخاطر الموجودة، ومقابلة الأطراف والشهود، وتسجيل الشكاوى، وإعلام المشتكيات بحقوقهن، وإعداد تقارير رسمية، ومساعدتهن على الحصول على علاج طبي، وتوفير أشكال الحماية الأخرى لهن؛
·         ضرورة فرض مشروع القانون على الشرطة والنيابة (أو قضاة التحقيق عند الاقتضاء) التنسيق فيما بينهم في قضايا العنف الأسري، وتسهيل الاتصال المباشر ببعضهم البعض؛
·         ضرورة تأكيد مشروع القانون بوضوح على أن مسؤولية مقاضاة العنف الأسري تقع على عاتق النيابة العامة، وليس الضحايا، وأن يحدد المعايير الدنيا فيما يتعلق بالمعلومات التي يتعين على النيابة إبلاغها للضحايا؛
·         ضرورة تضمين مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء مقتضيات تتعلق بأنواع الأدلة التي يمكن اعتمادها في المحاكم، مع التأكيد على أن شهادة الضحية يُمكن أن تكون كافية للإدانة؛
·         ضرورة تضمين مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء معلومات توضيحية دقيقة بخصوص تدابير الحماية الطارئة وطويلة المدى، المدنية منها والجنائية، مع توضيح القيود أو الشروط التي يُمكن أن تفرضها، والإجراءات الخاصة بكل نوع منهما تماشيا مع دليل الأمم المتحدة؛
·         ضرورة تعريف مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء بشكل أوضح دور الحكومة في تقديم الدعم والخدمات للناجيات من العنف الأسري، بما يشمل الملجأ والخدمات الصحية والرعاية النفسية والمساعدة القانونية والخطوط الساخنة؛
·         ضرورة تضمين مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء مقتضيات تخص التنسيق والوحدات المتخصصة في الهيئات الحكومية التي تتعامل مع العنف ضد النساء والأطفال، كما يجب أن يضيف أحكاما حول تدريب الموظفين ومراقبة فعالية هذه الوحدات ومحاسبتها؛
·         انشاء صندوق ائتماني لدعم الناجيات من العنف الأسري.
 
 



[1]رسالة هيومن رايتس ووتش إلى الحكومة المغربية حول الإصلاحات القانونية المتعلقة بالعنف الأسريموجهة إلى السيدة بسيمة الحقاوي وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية و السيد مصطفي الرميد وزير العدل والحريات.
[2]-اعتمدت تعليقات وملاحظات المنظمة على مقابلات أجرتها في المغرب في 2015 مع 20 امرأة وفتاة تعرضن للعنف الأسري، و25 مقابلة مع محامين ونشطاء في مجال حقوق المرأة وممثلين عن منظمات غير حكومية تعنى بضحايا العنف الأسري وعاملين في المجال الاجتماعي وممثلين عن وكالات الأمم المتحدة.
[3]-دليل أصدرته الأمم المتحدة سنة 2010.
[4]-باستثناء مادة واحدة تتعلق بالاعتداء على الزوجة السابقة أمام أبنائها ووالديها.
[5]-يتعلق الامر بالعلاقة الجنسية بين الجنسين خارج إطار الزواج، والعلاقة بين شخصين من نفس الجنس، حيث ينص القانون الجنائي الحالي على عقوبات مخففة ضد رب الأسرة إذا ارتكب عملية قتل أو اعتداء ضد أحد أفراد العائلة متى ضبط في علاقة جنسية غير شرعية. سيوسع هذا التعديل من إمكانية تخفيف العقوبات في جرائم القتل أو الاعتداء التي يرتكبها أي فرد من العائلة يقبض على فرد آخر من العائلة نفسها في مثل هذه العلاقة. إضافة إلى ذلك، لن يلغي مشروع محاربة العنف ضد النساء ومشروع القانون الجنائي تجريم العلاقات الجنسية التي تتم بالتراضي بين بالغين خارج إطار الزواج.
[6]-يقترح مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء أن يتم تضمين "تدابير حماية" خاصة بالنساء ضحايا العنف الأسري في قانون المسطرة الجنائية منها إخراج المتهم من بيت الزوجية ومنعه من الاتصال بالضحية أو الأطفال، ونقل الضحية إلى ملجأ أو مستشفى أو تقديم الرعاية النفسية لها، وتجريد المعتدي من السلاح، ومنعه من التصرف في أموال العائلة المشتركة. وعندما يخرق أحد هذه التدابير، يواجه المتهم عقوبات مالية أو سجنية. لكن المشروع لا ينص على أي تعديلات لقانون المسطرة الجنائية، يُمكن أن تؤكد بوضوح على أوامر الحماية كحلّ مدني، فضلا عن إمكانية اللجوء إلى أوامر الحماية الجنائية، لذا اعتبرت مراسلة منظمة هيومن رايتس ووتش أن تدابير الحماية الوادرة في مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء تحتاج لمزيد من التوضيح.
 
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني