الاستغلال يقتل طفلًا انتحارًا: قرار ظنّي رائد في قضية عصابة التيك توك


2025-06-10    |   

الاستغلال يقتل طفلًا انتحارًا: قرار ظنّي رائد في قضية عصابة التيك توك

15 عاماً بلغ عمر ضحيّة “عصابة التيك توك” يوم أطلق النار على نفسه في منزل والده، منهيًا سنواته القليلة في مطلع العام 2024. يومها، قرر القاصر أنّ السبيل الوحيد للخروج من متاهة شبكة الإتجار بالبشر التي وقع ضحيّتها، هو الانتحار. لم يكن انتحاره هروبًا من الحياة بل قطعا مع جحيمٍ صنعه الاغتصاب والابتزاز والتهديد. إذ لمْ يكتفِ حينها المعتدون من أجل إشباع غرائزهمْ البيدوفيليّة بسلب براءة أطفالٍ واستغلالهم جنسيًّا وتحويلهم إلى أشياء مقيّدة بالخوف، بل استشرسوا في كل ذلك إلى درجة جعل الحياة جحيما ليس بوسع ضحاياهم العيش فيه. 

هذه هي زبدة ما نقرأه في القرار الظني الصادر عن القاضي نقولا منصور في 5/12/2024، الذي جاء بمثابة مرثية لطفل لم تُنصفه الحياة علاوة على كونه مضبطة اتهام للأفعال المرتكبة ضدّه. وهذا ما نقرأه تحديدًا في اعتباره أن الشخصين المدعى عليهما قد “حملا المغدور على الانتحار نتيجة الابتزاز والضغط الذي مارسوه عليه بعد اغتصابه وتصويره وتهديده وممارسة التخويف والضغط النفسي عليه”

ويلحظ أن دوافع انتحار القاصر كادت أن تبقى لغزًا، لولا جهود والده، الذي تمكّن من ربط الخيوط بعد تداول وسائل الإعلام خبر توقيف “عصابة التيك توك” المتورّطة في استدراج الأطفال واغتصابهم. فبعد عدّة أشهر من وفاة ابنه، حضر الوالد إلى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتيّة، وصرّح أن ابنه كان يتردّد إلى محلّ الألبسة العائد لأحد أعضاء العصابة الوارد اسمه في الإعلام، وطلب التوسّع في التحقيق للكشف عن ملابسات انتحار ابنه. 

وبالنظر إلى أهمية هذه القضية، تنشر “المفكرة القانونية” هنا أبرز وقائع القرار الظنّي، مركّزة على أبعاد الظنّ بارتكاب جرم الحمل على الانتحار، والدور المركزي لأبّ الضحية في تحريكها. وتجدر الإشارة إلى أنّ قضية “عصابة تيك توك”، والتي أصدر القاضي نفسه قرارًا ظنيًّا فيها في مطلع هذا العام، قد تكون من القضايا القليلة المتعلقة بالاستغلال الجنسي للأطفال أمام القضاء اللبناني، وستحمل في طياتها اجتهادات لافتة حتمًّا. 

قصّة القاصر كاملة

من أجل فهم الأبعاد المأساوية للقضية، نروي فيما يلي تفاصيل ما تعرّض له الطفل الضحية من ممارسات دفعته إلى الانتحار، وذلك بحسب التحقيقات التي انبنى عليها القرار الظنّي، على أن نستعمل أسماء مستعارة للإشارة إلى الأشخاص المعنيين احتراما لخصوصية عائلة الضحية وذكراها وسريّة التحقيقات

وكما سبق بيانه، بدأت فصول هذه القضيّة تبعا لحضور والد الضحية إلى مكتب المعلومات على خلفية ما تناهى إليه عن تورّط أشخاص في استدراج أطفال واغتصابهم. يومها، أفاد الأب وفق ما جاء في القرار الظني أنّ صديق ابنه، “سامر” البالغ 15 عاما، أخبره بأنه اصطحب إبنه إلى محلّ الألبسة العائد للمدّعى عليه الموقوف “بلال” البالغ 45 عامًا، وفي إحدى الزيارات قدّم “بلال” للطفليْن شوكولا وعصيرًا فيهما مادة مخدرة، ونقل بعدها الإبن المخدّر إلى مكان في ضبيّه، حيث تعرّض للضرب والاغتصاب وتمّ تصويره. وبحسب ما نقله والد الضحية عن “سامر”، تسبّبت هذه الاعتداءات بضغوطات نفسيّة كبيرة عليه وأصيب بالاكتئاب إلى درجة أنه عبّر أكثر من مرة عن رغبته في الانتحار. 

وقد تبيّن بالتحقيق مع المدعى عليه القاصر “سامر”، أنه يعرف شخصين آخريْن من “عصابة التيك توك”، هما من عرّفاه أوّلًا على المدعى عليه الثاني “منير” البالغ 39 عامًا والمتواري عن الأنظار، وأخذاه يومًا، بعد بناء علاقة ثقة معه، إلى شاليه في منطقة نهر الكلب “للعب هناك”. حينذاك، طلب “منير” من “سامر”، الذي لم يكن تعدَّى حينها الرابعة عشر عامًا، مرافقته إلى الطابق العلوي من الشاليه، وأقفل الباب وبدأ “بالتحرّش به” وصولا إلى ممارسة أفعال جنسية عليه. لم يستطع القاصر مقاومته “كونه أكبر وأقوى منه”، مكتفيًا بالصراخ ومستغيثًا عبثًا بالمتواجدين في الطابق السفلي من الشاليه. بعد ذلك، أعطى “منير” القاصر “سامر” مبلغ 50$، وبعدئذ، تكررت واقعة اغتصاب سامر ليرغم على ممارسة الجنس مع المدعى عليه “بلال” أيضًا، تحت وطأة الابتزاز والتهديد. وقد أكّد سامر أنّ شخصًا ثالثًا كان يقوم بتصوير العلاقات التي تحصل في محل الألبسة وفي الشاليه.

وقد تبيّن أن أعضاء العصابة لم يكتفوا باغتصاب الأطفال ومواصلة استغلالهم فحسب، بل عمدوا علاوة على ذلك إلى تجنيدهم من أجل استدراج أطفال ضحايا آخرين تحت ضغط التهديد والابتزاز. وهذا ما أكّده “سامر”، حيث أدلى أنّه بالفعل أخذ الطفل الضحيّة إلى محلّ الألبسة العائد للمدعى عليه “بلال” نزولًا عند رغبات الأخير: “رفيقك كتير طيب جبلي ياه، وكل شي بالمصاري بيمشي”، ليقدم بعدها “بلال” و”منير” على التناوب على اغتصاب المغدور وتهديده بنشر صوره إذا لم يستجِب لرغباتهما. 

وتكلّلت القصّة بأقوال شاهد قاصر آخر في القضية، هو صديق الطفل الضحية. وقد جاء فيها أنه لاحظ أنّ الأخير كان متضايقا بشكل دائم، وأنه قد أسرّ له أنّ “سامر” كان يهدّده بأنّه في حال لم يتردّد على “بلال” و”منير”، سيخبر أهله بواقعة اغتصابه، علمًا أنّ “سامر” كان على معرفة بأنّ هؤلاء “متشددون دينيًّا”. وتبيّن عمليًّا أنّ “بلال” و”منير” استعملا “سامر” لتهديد وابتزاز الطفل الضحية بفيديوهات وصور اغتصابه. وقد أكّد الشاهد توّرط “سامر”، كونه “الوحيد الذي كان يعرف ما حصل مع الضحية، وهو من عرّفه على المدعى عليهما لقاء بدل مادي”، وأنّ “سامر” أرسل إلى الشاهد رسالة جاء فيها حرفيا بشأن الضحيّة: “انشالله يقرط موته وما يعيش”.

وفي اليوم الذي أقدم فيه الطفل الضحيّة على الانتحار، أفاد “سامر” والشاهد أنه تواجد مساءً في أحد المجمّعات التجارية، وأنه حصل إشكالٌ بينه وبين أشخاص “مجهولين” قاموا بتهديده. وبحسب الدراسات التقنيّة لأجهزة الهواتف وحسابات التواصل الاجتماعي، تلقّى الطفل الضحية يومها أيضًا، تسجيلات صوتية، حوّلت له من “سامر”، تتضمن تهديدات من العصابة بالتعرض له بالضرب المبرح.

في هذه الليلة، أقدم المغدور على إطلاق النار على نفسه، بعد أنّ أصبح استمراره عيشه في هذا الخوف مستحيلًا. وقد عمد والده بحسب ما برز في التحقيقات إلى تقصي الحقيقة بنفسه، بعد أن كرّر التواصل مع “سامر” سعيًّا منه للحصول على إجابات، وترتيب لقاء مع الشاهد صديق ابنه. هذا وقد أنكر “بلال” ما أسند إليه، مقابل تواري المدعى عليه “منير”، أحد رؤوس العصابة، عن الأنظار إلى يومنا هذا.  

وخلص القرار الظنّي من جهة أولى إلى أنّ المدعى عليهما الراشدين، “منير” و”بلال”، أقدمَا، وبتدخّل وتسهيل من القاصر “سامر”، ولقاء بدل مادي، وبواسطة العنف والتهديد، على إجبار الطفل الضحية على ممارسة الجنس معهما، الأمر الذي ينطبق عليه وصف الجناية المنصوص عليها في المادة 503 (الاغتصاب) والمادة 505 (مجامعة قاصر) عقوبات معطوفة على المادة 219 (التدخل) عقوبات بالنسبة إلى سامر، معطوفة على المادة 6 (التدابير والعقوبات التي تفرض على الحدث) من القانون 2002/422.

ومن جهة ثانية أنّ المدعى عليهما الراشدين، “منير” و”بلال”، أقدما، من خلال التهديد بنشر مقاطع الفيديو للطفل الضحية وهما يمارسان الجنس معه، على دفعه للانتحار، الأمر الذي ينطبق عليه وصف الجناية المنصوص عنها في المادة 553 (الحضّ على الانتحار) عقوبات.

وعليه، يستدعي هذا القرار الملاحظات الآتية:

  1. أي أبعاد للظنّ بالحمل على الانتحار؟ 

كما تمّ تبيانه أعلاه، خلص القرار الظنيّ إلى اعتبار أفعال المدعى عليهما الراشدين، من نوع جناية المادة 553 عقوبات، التي تعاقب من “حمل إنسانًا بأي وسيلة كانت على الانتحار، أو ساعده، بطريقة من الطرق المذكورة في المادة 219 (إعطاء إرشادات، تشديد العزيمة بوسيلة من الوسائل، المساعدة أو المعاونة)، على قتل نفسه”، بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر إذا تمّ الانتحار. 

وأول ما نلحظُه هنا هو أن القاضي اعتبر شبهة جرم “الحمل على الانتحار” قائمة ليس بفعل اغتصابه، إنما قبل كل شيء بفعل تهديده بنشر مقاطع ممارسة الجنس معه وابتزازه بفعل ذلك بهدف إرغامه على مواصلة الخضوع للاستغلال الجنسيّ. إذ أن تهديده وابتزازه على هذا الوجه إنما أدّيا إلى أسر الطفل الضحيّة في ماضيه وجعل مستقبله بمثابة دوامة يتكرر فيها هذا الماضي من دون أيّ أمل في التحرّر أو التعافي منه. هذا فضلا عن أن مجرد وجود هذه الفيديوات يشكّل في حالة الطفل الضحية وانتمائه إلى عائلة محافظة حائلًا مطلقًا أمام الإبلاغ إلى أي كان عمّا يتعرّض له طلبا الحماية، على نحو يزيد من وحدته ويأسه.

ويتميّز هنا القرار الظنّي في توسعه في تفسير مفهوم “الحمل على الانتحار”, فجريمة الحمل على الانتحار لا تتوفر عناصرها فقط في حال توفير الوسائل المادية المساعدة للقيام به، بل أيضا في حال ثبوت ممارسة  ضغوط نفسية هائلة على شخص ما تجعله عاجزا عن تخيّل غير الموت للخروج من الترهيب والوضع المأساوي الذي يعيش فيه وتولد تاليا لديه رغبة جامحة في الانتحار. بمعنى أن التجريم هنا يتسع ليشمل كمّا من التصرفات الاستغلالية والظالمة بما تمثله من ضغوط نفسية. 

ومن البيّن أن تفسير قاضي التحقيق لهذا المفهوم على هذا الوجه إنما يقرّب الفقه القضائي اللبناني من التوجّهات المعتمدة في دول عدة، وقوامها اعتبار شروط “الحضّ على الانتحار” متوفرة عند ثبوت مؤثرات نفسيّة قويًة من شأنها دفع الشخص المعني بها إلى اتخاذ قرار بقتل نفسه، وهو قرار لم يكن ليتخذه بمفرده وبمعزل عن هذه المؤثرات. وهذا ما كانت شرحته د,ة هلا كرباج الأخصّائية في الأمراض العقلية والنفسية، تعليقًا على حالة انتحار سابقة شهدت انتحار فتيات ثلاث، بحيث اعتبرت أنّ الاستغلال الجنسي عامل أساسي يدفع الأطفال والمراهقين على الانتحار، تحت ضغط مشاعر الذنب والعار والضعف ممزوجة بشعورهم بعدم القدرة على البوح والكلام وتاليا باليأس. 

ويذكر في هذا المجال أنّه كان بإمكان القاضي أن يستند علاوة على ذلك على المادة 589 فقرة 5 من قانون العقوبات المعدّل بموجب قانون معاقبة جريمة الإتجار بالأشخاص رقم 164/2011، والتي تعاقب الجاني مرتكب الاتجار بالبشر بالحبس إلى حدّ الاثنتيْ عشرة سنة، “حين ينطوي الجرم على أذى خطير للضحية أو لشخص آخر أو على وفاة الضحية أو شخص آخر بما في ذلك الوفاة الناتجة عن الانتحار”، ولا سيما أن القاضي نفسه ظنّ بالمدعى عليهم أنفسهم في قرار ظنيّ آخر تعلّق بقضية “عصابة التيك توك” ككلّ، بجناية الإتجار بالبشر. 

وعليه، يؤمل أن يشكل القرار الظني سابقةً من شأنها منح النيابات العامة والقضاء مزيدًا من الأسلحة القانونية للتصدي لأفعال الاستغلال المرتكبة بحق أشخاص من ذوي الوضعيات الهشّة، على خلفية وجود شبهة تسبّب هذا الاستغلال بالانتحار. وهذا ما ينطبق بشكل خاص على العاملات الأجنبيات، اللواتي غالبًا ما يكون انتحارهنّ مؤشّرًا على وقوع أفعال حملتْهن على ذلك كـالعمل القسريّ والتعرّض للعنف والتهديد من دون أن يكون لديهن في أغلب الأحيان أي وسيلة للتبليغ طلبا للحماية. وهذا ما كانت المفكرة القانونية دعت تكرارا إلى التحقيق فيه في معرض تعليقها على الانتحارات المتكررة للعاملات. وهذا ما كانت منظمة كفى إدّعت به في 2013 على خلفية انتحار عاملة أثيوبية، داعية إلى التحقيق في ظروف استغلالها وفيما إذا كان من شأنها التسبب بانتحارها، وبخاصة أنه كان ثبت في تلك القضية أن العاملة كانت تتعرض للضرب والاعتداء عليها وتحرم من الطعام والخروج من المنزل.

  1. دور الأب في جلاء أسباب انتحار ابنه

ثاني ما نلحظه، هو الدور المركزيّ الذي لعبه والد الطفل الضحية في هذه القضية والذي شكل نموذجًا لافتًا في وجه تقاعس الأجهزة المعنيّة في التحقيق في ملابسات انتحاره. فلولا مبادرته الفردية، وإصراره على ربط الخيوط إثر انكشاف “عصابة التيك توك” إعلاميًا، لكانت قضيّة وفاة ابنه قد أُقفلت كحادثة انتحار معزولة من دون التطرّق إلى ظروفها ودوافعها، وهو المنحى الذي غالبا ما اتّخذته قضايا انتحار العاملات (الذين لا أنسباء ولا آباء لهم في لبنان) كما سبق بيانه. 

إنّ هذا الدور المفصليّ للأب، الذي شمل تقصّي المعلومات، والتواصل المباشر مع أصدقاء أبنه، ومن ثمّ اللجوء إلى الأجهزة الأمنيّة، يطرح أسئلة جوهرية حول مسؤولية الدولة في حماية الأطفال من جهة، ومسؤوليتها في حالات الانتحار والبحث في أسبابها ودوافعها، لا سيّما في الظروف التي تكثر فيها الأدلة على تعرّض الضحية لاستغلال جنسي أو تعنيف نفسي أو جسدي، بالأخصّ في حال كان الشخص من الفئات الهشّة كالقاصرين أو العاملات المهاجرات. ففي حالات كهذه، لا يجوز التعامل مع الانتحار على أنه حدث مأساوي أو حالة مرضية، بل قبل كل شيء على أنه شكّل المخرج الوحيد المتاح للضحية للتحرر من العنف المنظّم والاستغلال.

  1. القاضي يتجنب وصم الضحية: تجنب المادة 534 عقوبات

أخيرا، يسجّل للقاضي نقولا منصور، امتناعه عن الظنّ بجرم المجامعة خلافا للطبيعة وفق المادة 534 من قانون العقوبات في القضيّة الراهنة، والتي تُستخدم غالبًا لتجريم العلاقات المثلية. ويؤشّر ذلك إلى تعمّد القاضي التركيز على الجرائم الأكثر خطورةً من دون خلطها بأيّ اعتبارات أو سلوكيّات أخلاقيّة. فالقضية التي نحن بصددها هي أولا وأخيرا قضية استقواء واستغلال واغتصاب ويقتضي التعامل معها على هذا الأساس حصرا، تأكيدا على خطورتها من جهة والأهم صونا لكرامة الضحية.     

وهذا ما كانت أوضحته المحامية والباحثة في القانون لمى كرامة، في مقالها حول قضية “عصابة التيك توك”، محذرة من خطورة الربط بين الاستغلال الجنسي والمثلية الجنسية، والذي يندرج وفقها في سياق “أساطير الاغتصاب” (rape myths)، وهي مجموعة من المعتقدات الخاطئة حول أسباب الاغتصاب، من بينها أن المثليين فقط يتعرّضون للاغتصاب، وأن من يقوم باغتصاب الذكور هم المثليون حصراً. وقد ثبتت عدم صحة هذه النظرية، بحيث أن كلّ شخص عرضة للاعتداء الجنسي، بما في ذلك الرجال والأطفال من جميع التوجهات الجنسية، وأن لا علاقة للميول الجنسية للجاني بإقدامه على الجريمة. وإضافة لكونه خاطئاً، فإن لهذا الخطاب تداعيات سلبية على الضحايا. فمن جهة، هو يعكس سوء فهم جريمة الاستغلال الجنسي والاغتصاب، بحيث يصوّرها وكأنها مرتبطة بالرغبة الجنسية للمعتدي، فيما أنه بات من المتعارف عليه أن هذه الجرائم تنبع من رغبة بالسيطرة على الضحية واستغلالها، وأن الدافع وراء هذه الجرائم ليس “نشر المثلية”، بل استغلال ضعف الضحية لتسهيل استغلالها من قبل الآخرين. ومن جهة أخرى، يعزز هذا الخطاب تنميط هذه الجرائم والناجين منها، ويرسّخ أفكاراً مسبقة عن الضحايا مما قد يثنيهم عن التبليغ عن تعرضهم للجريمة، أو حتى يدفعهم إلى لوم أنفسهم لتعرضهم للاعتداء.

وعليه، يشكّل هذا التوجّه، سابقة إيجابية في اجتناب تجريم الضحايا أو وصمهم، ويُعيد توجيه العدالة إلى حيث يجب أن تكون: نحو حماية القاصر ومساءلة مجمل أشكال التعديات عليه، بدل الانشغال في تأطير سلوك الضحية والمرتكبين ضمن معايير تتعلّق بالميول الجنسيّة لا علاقة لها بالجرائم. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، محاكم جزائية ، الحق في الحياة ، حقوق الطفل ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني