أعاد توقيع عقد استجرار الكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سوريا الأمل بإمكانية تحسّن التغذية بعد أشهر طويلة من التّقنين القاسي، الذي وصل إلى 22 ساعة يومياً، فيما شهدت مناطق عديدة انقطاعات كاملة لفترات طويلة.
العقد مع الأردن سبق العقد مع مصر
توقيع العقد مع الأردن، منذ يومين، شكّل مفاجأة بالنسبة للعاملين في القطاع، انطلاقاً من أن الجهود انصبت بداية على إعادة إحياء عملية استجرار الغاز المصري إلى معمل دير عمار، فيما كانت مسألة نقل الكهرباء من الأردن قد طُرحت كملف ثانوي في الاجتماعات التمهيدية التي عقدت في عمّان، في أيلول الماضي. خاصة أن شبكة التوتر العالي في سوريا كانت متضررة بشكل كبير من جراء الحرب ويحتاج إصلاحها لما يزيد عن ستة أشهر (أنجزت خلال شهرين). كما لم يكن الربط بين الشبكتين الأردنية والسورية منجزاً.
ولهذا السبب، تكشف مصادر مطّلعة أنه بالرغم من توقيع العقد، إلا أن مسألة التمويل لم تُحسم مع البنك الدولي بعد، لكون المفاوضات معه كانت تتركز على تمويله لاستجرار الغاز المصري. علماً أن هذه المفاوضات كانت قطعت شوطاً كبيراً، تحددت بموجبها قيمة القرض وآلية الدفع. إذ بلغ إجمالي القرض 270 مليون دولار مقسّطة على أربع دفعات، تُدفع كل ستة أشهر، تبدأ ب97 مليون دولار وتنتهي ب32 مليون دولار. الهدف المفترض من هذا التوزيع للأقساط هو إفساح المجال أمام لبنان لتنفيذ شروط البنك الدولي، بما يجعله، من وجهة نظر المُقرض، قادراً على الإيفاء بالتزاماته. أبرز هذه الشروط، كما صار معروفاً، هو زيادة التعرفة بشكل كبير، بما يُخفّف من عجز المؤسسة، ويساهم في الوصول إلى التوازن المالي. أما ثاني الشروط، فهو تعيين الهيئة الناظمة للقطاع، تنفيذاً لقانون الخصخصة، وبالتالي فتح المجال أمام القطاع الخاص للمساهمة في إنتاج الطاقة. كما يترافق ذلك مع سعي لزيادة صلاحيات الشركات مقدّمة خدمات الكهرباء، بما يُفترض أن يؤدي إلى تخفيض الهدر غير الفني.
بغض النظر إن كانت وزارة الطاقة ستتمكن من الالتزام بهذه الشروط، يبدو أن الاتفاق في طريقه للتنفيذ. لكن ذلك لا ينعكس على الاتفاق معه لتمويل العقد مع الأردن. فالتواصل مع البنك الدولي لا يزال في بدايته، لكن مصادر وزارة الطاقة تؤكد أن المفاوضات إيجابية، إذ يُتوقع أن تصل قيمة القرض الخاص باستجرار الكهرباء من الأردن إلى 200 مليون دولار، مع التأكيد على الشروط نفسها.
بالنتيجة، وبالرغم من توقيع العقد مع الأردن، إلا أن تنفيذه يعوزه أمران: الموافقة النهائية للبنك الدولي على تمويل العقد، وحصول الأردن على موافقة صريحة من وزارة الخزانة الأميركية على استثناء العقد من مفاعيل قانون قيصر.
العقد ينص على حصول على لبنان على ما بين 150 و250 ميغاواط من الطاقة (حوالي 150 ميغاواط من منتصف الليل إلى السادسة صباحاً، و250 ميغاواط خلال باقي الأوقات). أما السعر، فسيكون متحركاً لارتباطه بالسعر العالمي للنفط، وقد اتفق على أن يكون 12 سنتاً للكيلو واط شاملاً النقل (ستحصل سوريا على كهرباء مقابل بدل النقل المقدّر بسنت واحد لكل كيلو واط) في حال تراوح سعر برميل النفط بين 50 و80 دولاراً (السعر الحالي)، لكنه سيرتفع في حال زاد عن 80 دولاراً وسينخفض في حال انخفض السعر العالمي عن 50 دولاراً. وفيما كان يُفترض أن تكون محطة كسارة هي محطة الاستقبال الوحيدة للكهرباء الأردنية، تمكّنت كهرباء لبنان من تهيئة البنية التحتية بما يسمح بوصول الكهرباء إلى محطتي بكفيا وعرمون أيضاً، وبالتالي زيادة القدرة الاستيعابية للشبكة.
استجرار الغاز من مصر
توقيع العقد مع الأردن يطرح أكثر من علامة استفهام بشأن أسباب تأخر توقيع العقد مع مصر، التي بدأ التفاوض معها أولاً. أضِف إلى أن مبدأ استجرار الغاز منها ليس جديداً. ففي العام 2009 وقع عقد استجرار معها، وبالتالي فإن إعداد العقد الحالي لم ينطلق من الصفر. أضف إلى أن المعوّقات نفسها تشمل الاتفاق مع الأردن ومصر، أي تلك المتعلقة بالتمويل والإعفاء الأميركي. ما يعني أن أي تأخير في توقيع العقد مع مصر يُفترض أن يؤدّي إلى تأخير التوقيع مع الأردن أيضاً. لكن التدقيق في المعلومات المتوافرة يؤكد أن بنداً وحيداً لا يزال عالقاً ويحول حتى اليوم دون التوصّل إلى اتفاق شامل. فمصر تريد من لبنان أن يستلم الغاز عند الحدود الأردنية السورية وهو ما يراه الجانب اللبناني غير منطقي، فهو يفترض أن يستلم عند الحدود اللبنانية، كما كان يحصل سابقاً. أضف إلى أن اتفاق الاستجرار يُوقّع مع مصر والأخيرة هي التي تدفع للجانب السوري بدل مرور. وينطلق لبنان في رفضه المقترح المصري من احتمال حصول أي مشكلة قد تؤدي إلى عدم وصول كامل الكمية المتفق عليها إلى لبنان، فعندها سيكون ملزماً بدفع ثمن الكمية كاملة، ومن ثم البحث عن طريقة لاسترداد الكميات الناقصة أو استرداد ثمنها. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الجانب الأردني كان سبق أن طرح الشرط نفسه في المفاوضات، أي أن يسلّم الكهرباء على الحدود السورية، لكنه عاد ووافق على أن يدفع لبنان ثمن الكهرباء التي تصل إلى الأراضي اللبنانية حصراً.
التوقّعات تشير إلى أن الجانب المصري لن يصرّ على موقفه هذا. إذ أنه لا يزال متحمّساً لتزويد لبنان بنحو 650 مليون متر مكعب من الغاز الكافي لتشغيل معمل دير عمار (450 ميغاواط)، بسعر تنافسي يُقدّر بنحو 7 دولار للمليون BTU. كذلك، فإن توقيع العقد مع الأردن يُفترض أن يساهم في تذليل العقبات التي تحول دون توقيع العقد مع مصر.
ساعات التغذية الموعودة
إذا سارت الأمور كما يرغب معظم الأطراف، فإن الكهرباء الأردنية يُفترض أن تصل إلى لبنان بعد شهرين، فيما لا يُفترض أن يتأخر استجرار الغاز المصري أكثر. وبذلك، يتأمن ما مجموعه 700 ميغاواط من جرّاء العقود الموقّعة مع مصر والأردن. بما يضمن نحو 7 ساعات تغذية، علماَ أن خطة وزارة الطاقة تشير إلى توزيع نحو ألف ميغاواط تضمن من خلالها تغذية عشر ساعات يومياً. وعليه، يتضح أن 70% من إجمالي الإنتاج سيكون مرتكزاً على الغاز المصري والكهرباء الأردنية، فيما ستكون المؤسسة مسؤولة عن إنتاج نحو 300 ميغاواط فقط، سيتم تأمينها بشكل رئيسي من تشغيل معمل الزهراني. وهذا أمر ضروريّ ليس للحصول على ساعات التغذية الموعودة فحسب، لكن لتأمين استقرار الشبكة أيضاً.
وعليه، يتضح أنّ الحاجة إلى الفيول ستبقى مستمرة. وإذا كان المصدر الوحيد لهذا الفيول حالياً هو العقد مع العراق، فإن انتهاء مدة العقد في آب المقبل، سيفتح الباب أمام السؤال عن كيفية تأمين الفيول بعد ذلك في ظل عجز المؤسسة وفي ظل الانهيار الاقتصادي والمالي. وعلى ما يشير مشروع الموازنة فإن المؤسسة ستحصل على 5200 مليار ليرة فقط، أي ما يعادل نحو 200 مليون دولار. وهو مبلغ لن يكون كافياً لتغطية الجزء اليسير من الحاجة إلى الفيول.
كيف ستسير الأمور؟ لا أحد حتى اليوم يملك الإجابة الواضحة، لكن الأكيد أنه حتى لو التزمت وزارة الطاقة بتأمين ال300 ميغاواط واط من الزهراني ومن المعامل المائية ومن معملي الجية والزوق، فإن 70% من الإنتاج سيكون بإمرة الولايات المتحدة، التي تملك وحدها القدرة على تجميد الاتفاقات الموقّعة مع الأردن (سنة قابلة للتجديد) ومصر (10 سنوات على أن يعاد النظر بالتعرفة كل 3 سنوات). فكما تعطي الإذن للبنان ومصر والأردن بتجاوز مفاعيل قانون قيصر يمكنها أن تسحب هذه الموافقة ساعة تشاء، ما يعني أن على لبنان المسارعة إلى إيجاد الحلول التي تضمن أمنه الطاقوي بعدما فقده بالكامل.