شكل الإعتصام الذي دعا إليه “الائتلاف الشعبي للمقالع والكسارات”، وتخلله مؤتمر صحافي   في ساحة رياض الصلح في بيروت مناسبة لتشارك  اللبنانيين مآسيهم البيئية والصحية الناتجة عن المقالع والكسارات التي تأكل أخضر مناطقهم ويابسها، وتتسبب بانتشار الأمراض الخطيرة بين أطفالهم وشبابهم وشيبهم. كل ذلك في ظل سياسة رسمية إما مستهترة أو متواطئة وعلى الأقل غير آبهة بالموت الذي يتربص بالناس.  وجاء الإعتصام الذي وحّد اللبنانيين المتضررين والمعارضين للمقالع والكسارات المخالفة للقانون، استنكارا “لسياسة الحكومة المدمرة لما تبقى من لبنان الأخضر، والتي كشفت عنها بإعطاء مهلة ثلاثة أشهر للمقالع المعتدية على بيئة لبنان ومحمياته وصحةً أهله إضافة إلى محاولات تغيير المخطط التوجيهي للمقالع والكسارات” .

وكان مجلس الوزراء قد أوعز إلى وزيرة الداخلية ريا الحسن إمهال أصحاب المقالع والكسارات  تسعين يوماً ريثما يصار إلى  إيجاد”مخطط توجيهي جديد – أي تعديل المرسوم 8803/2002 وتعديلاته”. وجاء قرار  المهل، الذي فضل جريصاتي تسميته ب”فترة سماح”، مؤكداً أن “المهل غير قانونية” عندما تصدر عن وزير ، وليس عن مجلس الوزراء، خلال إطلالته في نقابة المهندسين بتاريخ 16 نيسان 2019 ، بعد أسابيع على قرارٍ آخر قضى بتوقيف جميع الكسارات والمقالع.  قرار استقبله الناشطون بإيجابية كبيرة دون إخفاء تخوفهم من الأسوأ.

عند الساعة الحادية عشرة صباحاً حضر الى ساحة رياض الصلح ناشطون وناشطات وأهال وأطفال من مختلف المناطق اللبنانية من الكورة في الشمال الى عين دارة وقب الياس، التويتة و كفرسلوان، تنورين و ميروبا، جبل الريحان وجبل الرفيع، ليؤكدوا أن المقالع والكسارات المدد لها تأكل الأخضر واليابس في كل لبنان وليس في منطقة معينة.

حمل المشاركون لافتات اختصرت أوجاعهم ومطالبهم، “اوقفوا مقالع الموت الأحمر للحفاظ على ما تبقى من لبنان “الأخضر”، تراب الكورة مجبول بأرواح الشهداء لن نسمح باستباحته مجدداً”،”نشيدنا الوطني أزالت منه مقالع ومصانع اسمنت شكا سهله والجبل”. ورفع كلام  على يافطة ، كما سبق أن وثقته المفكرة القانونية في العدد 58 الذي حمل عنوان”الكورة في فم التنين من رخص بالقتل؟”. كما حمل أشخاص من قب الياس لافتات نددت بالجرائم البيئة “جريمة منظمة بحق أطفال قب الياس”.

وكانت كلمة لرئيس لجنة كفرحزير البيئية جورج عيناتي اعتبر خلالها أن”الحكومة اللبنانية ارتكبت خطأً استراتيجياً فادحاً بإعطائها مهلة ثلاثة أشهر للمقالع غير الشرعية”. وأن هذا القرار هو “وصمة عار على جبين لبنان” وهو يُعد “تواطؤ مفضوح مكشوف مع مافيا المقالع ومصانع الاسمنت  ليس له تبرير الاّ ان كتل سياسية لها مصالح مادية وحصص من هذه المقالع والمصانع”.

ولفت “عيناتي” إلى التقدم “بطعن إلى مجلس شورى الدولة لإبطال قرار مجلس الوزراء رقم 45 ووقف تنفيذه”. ودعا “مجلس شورى الدولة أن يقف موقفاً مستنداً إلى العدالة والخير العام وألاّ يكون شريكاً للطبقة السياسية في تدمير بيئة لبنان”.

واستغرب أن”يمر قرار مدمر لبيئة لبنان هكذا من دون اعتراض من أي مكونات الحكومة” وقال:”كنا نأمل أن يكون هناك قفزة إلى الأمام في موضوع المقالع والكسارات ومصانع الاسمنت ، فإذا بنا نفاجأ أن هناك قفزة إلى الوراء في مخالفة القوانين وضرب البيئة وحقوق الناس”.

ودعا إلى”محاسبة كل من ساهم وشارك في هذه المقالع طوال عشرات السنين”،مطالباُ “بنقلها إلى سلسلة جبال لبنان الشرقية حيث يفترض أن تكون بموجب المخطط التوجيهي للمقالع والكسارات”.

وختم مشدداً على أن “الائتلاف الشعبي ضد المقالع والكساراتلن يقبل بتشريع واقع المقالع الحالي تحت أي ذريعة”، وقال: “سنبقى في حالة جهوزية واستنفار لمواجهة هذه المخططات والمشاريع والسياسات التي لا تتناسب لا مع تطلعات اللبنانيين ولا مع صورة لبنان الأخضر”.

وقد شرح المحامي واصف الحركة مضمون الطعن  المقدم أمام مجلس شورى الدولة قائلاً:”تقدمنا بطعن  مع وقف تنفيذ في غرفة المذاكرة، وهناك شقيّن  للموضوع فاليوم مجلس شورى الدولة أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية ووطنية لأن هذا الطعن لا يمكن التهاون به”.

ولفت إلى ثلاث نقاط تضمنها الطعن وهي:”

النقطة الاولى وتتحدث عن الواقع الموجود في المناطق التي تحوي الكسارات والأضرار الناتجة عن ذلك.

النقطة الثانية تتوقف بالشكل عند بعض النقاط القانونية التي يجب الالتزام بها وتتمحور حول عدم صفة مجلس الوزراء لإعطاء قرار مهل، وفي الأصل عدم وجود قرار مهل في القوانين التي ترعى هذه المسائل.وبالتالي إن قرار المهل هو مخالفة دستورية ومخالفة قانونية لأنه لا يمكن إعطاء أي قرار وأي مرسوم الا استنادا الى القانون، وهذا الأمر لم يحصل.

النقطة الثالثة هي مخالفة قرار المهل للمرسوم المتعلق بالمقالع والكسارات والمتعلق بقانون البيئة 444″.

ونوه بأنه “على مجلس شورى الدولة الإنتباه إذا أراد اتباع الإجراءات التي يتبين منها أنه يراعي القانون لكن هي في الهدف تبغي أن يمر التسعين يوم وتكون أكلت جبال لبنان، لأن هناك من يعمل 24/24 ساعة لاستغلال هذه المدة”.

وشدد أنه”لا يمكن أن تعطى مهلة لمخالفة قانون ليستمر بإجرامه كما يحصل، ومن أجل هذه النقاط طلبنا وقف تنفيذ في غرفة المذاكرة”.

أمن جهته أوضح رئيس هيئة المبادرة المدنية في عين دارة عبدالله حداد أنه تم”نسب بيان من قبل شركة فتوش لمجلس شورى الدولة يفيد أن المجلس كرّس لهم مقالعهم و كساراتهم القائمة على مليون متر مربع. هذه المقالع والكسارات التي يهللون أنه شرعنها لهم بها هي 25 عاما من الجرائم البيئية والمالية والتعدي على الأوقاف والمشاعات في جبل عين دارة وسط محمية أرز الشوف”.

وشدد على أنه بالنسبة للهيئة والأهالي”هناك قانون واحد يحكم عين دارة هو قانون محمية أرز الشوف الصادر سنة 1996، أما كل القرارات وكل التراخيص والاحكام الصادرة بعدها والتي تخالفه فهي قانوناً غير موجودة”.

وأكد أن مطلب “الائتلاف”،”من الكورة الى عكار الى جبل الريحان، هو مطلب واحد أن تقوم الدولة بتطبيق القانون”.

وفي حديث “للمفكرة” مع رئيس تجمع الأطباء في لبنان الدكتور غسان جعفر أشار إلى أن التجمع سبق أن”تقدم بمذكرة تم وضعها بتصرف وزيريّ البيئة والصحة السابقين والحاليين توضح أن هناك تداعيات خطيرة معنية بها وزارة الصحة تحديداً وتتطلب إجراء دراسات ميدانية وعملية وأخذ عينات لأن هناك أمراض سرطانية تنتشر، سيما سرطان الرئة والشُعب الهوائية، كما يحصل الكثير من حالات التشوه بالأجنة إضافة إلى الاجهاض التلقائي و الولادات المبكرة، وكل ذلك نتيجة تلوث البيئة والمواد المسرطنة التي تبثها المصانع والغبار الصادر عن الكسارات”.

وجدد دعوة وزير الصحة  إلى “وضع يده على الموضوع، وأن يلعب دوره في هذا المجال لأن هناك تأثير صحي خطير على المواطنين في مناطق شكا وكسروان وجبل الريحان وغيرها”. كما دعا النقابات التي تعنى بالشأن الصحي إلى ممارسة  دورها في هذا السياق وقال:”نحن على أبواب انتخاب نقابة الاطباء في بيروت، وهذه المهنة مهنة نبيلة وهم لديهم لجان بيئية ولكنها حبر على ورق، ومن المفروض أن تمارس هذه اللجان دورها وأن تكون جزءاً من الحراك الشعبي الذي ينظمه الناشطون البيئيون، وأن تنفذ دراسات في هذا السياق وأن يضع الاطباء أنفسهم في خدمة المرضى في هذه المناطق”.

وردا على سؤال  عن جواب الوزارات المعنية على هذه المذكرة أجاب:”لم نلق  أي جواب ولا يوجد اهتمام إنما هناك استلشاق في صحة الناس وحياتهم”.

إذاً  من حكومة إلى أخرى ومن وزير إلى آخر يبدو أن الجامع الاكبر لكل هذه الحكومات والوزارات أن الشأن البيئي والصحي  وحياة الناس خارج اهتمامات المعنيين.