لم يعد سرّاً أنّ قطاع الاتصالات الذي كان يوصف بأنّه نفط لبنان تحوّل إلى قطاع مهدّد بالانهيار نتيجة انخفاض الإيرادات. لكن المشكلة ليست بالأزمة المالية التي أرخت بظلالها عليه فحسب. المعاناة الفعلية بدأت مع فساد القيّمين عليه والذين كانت شهيتهم مفتوحة على المال العام، معتمدين على السلطة المطلقة المعطاة لمن يتربع على عرش وزارة الاتصالات. وليست تقارير ديوان المحاسبة سوى دليل موثوق على وجوب أن تمتلئ الزنازين بمن حولوا القطاع إلى وسيلة للإثراء غير المشروع.
قبل التقرير المتعلق بمبنييْ “تاتش”، وقبل التقرير المتعلق بقطاع الخلوي، صدر تقرير لا يقل خطورة ويتناول إدارة الشبكة الثابتة، لكنه لم يحظَ بالاهتمام الرسمي الكافي. عقدت لجنة الاتصالات النيابية بشأنه اجتماعاً في آذار الماضي تبيّن أن أياً من النواب لم يكن مطّلعاً عليه، لتُعاد الكرّة في بداية نيسان، وينتهي الأمر عند هذا الحدّ. التقرير الذي أعدّته الغرفة السابعة في الديوان برئاسة القاضية زينب حمود وعضوية المستشارين عبد الله الأتات وسنا كروم سلمان في 11/11/2021، تطرق إلى مسألة توزيع الإنترنت بشكل غير شرعي بما تُشكّله هذه الأزمة المتفاقمة من خسائر كبيرة على الخزينة العامة وبما تُفوّته من إيرادات ضخمة.
تلك مشكلة نشأتْ أساساً نتيجة تخلّي الدولة عن مسؤوليّاتها تجاه المقيمين. وهي توسّعت تحت ناظريْ وزارة الاتّصالات وأوجيرو من دون أن تعمد إلى مواجهة مُسبّبات هذه الظاهرة، وهو ما تطوّر ليجعل قطاع توزيع الإنترنت غير الشرعي يستحوذ على أكثر من 60% من سوق الإنترنت في لبنان، وليجعله الخيار المفضّل بالنسبة للمشتركين، على اعتبار أن الخدمة المقدّمة صارت أفضل من الخدمة الشرعية، إن لناحية سرعة الإنترنت أو لناحية سهولة الاشتراك بالمقارنة مع القنوات الرسمية أو حتى لناحية توفّرها في كل المناطق.
لا إنترنت بلا الشبكة غير الشرعية
بحسب تقرير الديوان، يوجد 419 ألف مشترك شرعي بالإنترنت، 274 ألفاً لدى أوجيرو، و145 ألفاً لدى شركات الإنترنت. لكن في المقابل، يبلغ عدد المشتركين عبر الشبكات غير الشرعية 635 ألف مشترك وسطياً، علماً أن هذا الرقم لا يُمكن حسمه بدقة. فالرقم الذي أعلن في لجنة الاتصالات كان 800 ألف مشترك غير شرعي، فيما أبلغ وزير الاتصالات جون القرم “المفكرة القانونية” أنه يُقارب 700 ألفاً، من أصل مليون و200 ألف مشترك.
لذلك، عندما قرّرت الحكومة وضع حدّ لهذه الظاهرة لما تُشكّله من خسائر على الخزينة، لم تستطِع التعامل معها كأنها حالة شاذّة وجب إنهاؤها. فالحالة الشاذّة تحوّلت إلى القلب النابض لقطاع الإنترنت وإنهاؤها يعني حرمان نسبة كبيرة من المشتركين من حقّ الوصول إلى الإنترنت، ببساطة لأن الدولة لا تزال حتى اليوم عاجزةً عن تأمين الخدمة لكل المناطق. أما لماذا لم تستطِع ذلك؟ يمكن اعتبار العام 2017، مفصلياً في تراجع خدمة الإنترنت وتراجع خطط جعل لبنان من الدول المتقدمة على صعيد الولوج للإنترنت. قبل ذلك، كان الوزير شربل نحاس أطلق في عهده البنية الأساسية للفايبر أوبتيك (2009)، من خلال وصل كل السنترالات في لبنان، إضافة إلى المستهلكين الأساسيين بالشبكة، بشبكة من الألياف الضوئية. لكن بعد ذلك، شهدت تلك الخطط تباطؤاً لأسباب عديدة، كان أبرزها الإجراءات التي اتخذها الوزير جمال الجراح في عهده، والتي لا تزال نتائجها الكارثية جاسمة حتى اليوم. ويمكن على الأقل إحصاء إجراءين ساهما في إنهاء حلم الوصول إلى مجتمع المعرفة:
- أول هذه الإجراءات منع أوجيرو من استكمال مشروع التمديد شبكة الفايبر أوبتيك إلى المنازل والأحياء الذي كانت بدأته في عهد المدير العام السابق لأوجيرو عبد المنعم يوسف، عبر قدراتها الذاتية، ومن ثم تلزيم المشروع إلى شركة “سيرتا” المملوكة من هشام عيتاني المقرب من نادر الحريري، بكلفة 300 مليون دولار. المشروع كان يفترض أن ينتهي خلال 3 سنوات ويؤدي إلى إيصال الفايبر أوبتيك إلى كل المناطق وكل الأحياء وأغلب الأبنية، بما ينهي مرحلة الاعتماد على الشبكة النحاسية غير القادرة على نقل سعات وسرعات كبيرة، وبالتالي غير القادرة على تأمين الحاجات المتطورة للمجتمع والاقتصاد. لكن بعد الكثير من المماطلة بحجة التحضير وإجراء الدراسات وإعداد الخرائط ومراجعتها، كانت النتيجة أن المشروع توقف تماماً مع بداية الأزمة المالية في العام 2019، لأسباب تتعلّق بانهيار العملة الوطنية. حينها كان يفترض أن يكون أنجز 35% من المشروع لكن الواقع أنه لم ينجزْ أكثر من 7% منه. وفيما كانت الشركة حصلت على 50 مليون دولار عند توقيع العقد، على أن تحصل على مبالغ إضافية مع تقدم المشروع، وبعدما كان المعنيون يؤكدون أنها لم تحصل على أي مبلغ آخر، جاء تقرير الديوان ليكشف أنها حصلت على 150 مليون دولار، أي على نصف مستحقاتها عن كامل المشروع، من دون أن تكون قد أنجزت أكثر من 10%.
- الترخيص لثلاث شركات بتمديد الفايبر في المسارب الخاصة بأوجيرو على نفقتها الخاصة، والسماح لها بتمديد الاشتراكات بنفسها. هذه المخالفة التي أسهب الديوان في شرح مخاطرها، فتحتْ الباب أمام شركة “جي دي أس” تحديداً (مرخّصة لنقل المعلومات وتملك أكثر من شركة لتوزيع الإنترنت) كونها الأكبر بين الشركات والأكثر قدرة على منافسة أوجيرو (حصلت على الترخيص الأول بموجب القرار 365/1). ومدّدت الفايبر في عدد من المناطق منها الأشرفية والحمرا (تعاني من عدم القدرة على تفعيل الشبكة بسبب التأخير في الحصول على الموافقات الرسمية)، بالرغم من الحصرية التي يُفترض أن تتمتع بها الدولة، والتي لا يفترض أن تكسر إلا بمرسوم مشروط بعدم قدرة الدولة على مدّ الشبكة. لكن ما حصل أن مجلس الوزراء عمد إلى إصدار المرسوم رقم 3260/2018، بحجة وجوب مراعاة المساواة بين الشركات، فكان أن تضمن الترخيص إلى ثلاث تراخيص جديدة بالإضافة إلى التراخيص الممنوحة سابقا من الوزير بقرار مخالف. إلا أن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة للديوان، انطلاقاً من أن وزارة الاتصالات أصبح لديها شبكة ألياف ضوئية خُصصت لها اعتمادات طائلة للاستمرار في بناء وتشغيل واستثمار هذه الشبكات. وعليه، لا يجوز التذرع بعدم قدرة الوزارة على تقديم هذه الخدمات مما يجرد المرسوم من العذر القانوني.
وأكثر من إشارة الديوان إلى إعطاء الوزير وبعده مجلس الوزراء الأفضلية للشبكات الخاصة على شبكة الدولة، ثمة من يشير إلى أن التباطؤ في تمديد شبكة الدولة كان متعمّداً ويهدف إلى إفساح المجال أمام الشركات الخاصة لمدّ شبكتها في أكبر عدد ممكن من المناطق وتعزيز حصتها السوقية، بما يؤدي إلى القضاء على مشروع “ليبان تيليكوم”.
بالنتيجة، خُلق أمرٌ واقعٌ مفاده أن “أوجيرو” عاجزة عن تغطية كل حاجة السوق، والشركات الخاصة لم تكترثْ بمدّ الفايبر سوى في المناطق مرتفعة الكثافة السكانية، ولاسيما في عدد من أحياء بيروت وجبل لبنان، ليكون المشترك المتعطّش إلى الإنترنت فرصة ذهبية لمن يمدّون شبكات غير شرعية (لا يزيد عدد مشتركي الفايبر الشرعيين عن 15 ألف مشترك)، بحيث تشتري شركات الإنترنت السعات الدولية من الوزارة بشكل شرعي، ثم تبيعها بشكل مخالف للقانون، ومن دون دفع الرسوم المتوجّبة لتمديد الخطوط (مبلغ مقطوع عند تأسيس خطّ الإنترنت ولاحقاً نسبة من الاشتراك)، ومن دون الحاجة إلى وجود خط هاتفي، ما حرم الخزينة من مبالغ كبيرة.
شبكات غير شرعية لشركات مرخّصة
تجدر الإشارة إلى أن التقرير يشير إلى وجود 8 شركات مرخّصة لنقل المعلومات (DSP) و96 شركة لتوزيع الإنترنت (ISP)، بحيث أن شركات نقل المعلومات تتكفّل بنقل الكميات الضخمة من المعلومات من منطقة إلى أخرى عبر الفايبر وعبر الترددات الهوائية المخصصة لها، في حين تعمل شركة التوزيع على تأمين الإنترنت إلى المنازل والمشتركين. وبحسب التقرير أيضاً، تملك أوجيرو 280 ألف مشترك وتستعمل سعات دولية تبلغ 92 جيغابيت/ الثانية لتغطية استعمالهم للإنترنت، في حين تستهلك الشركات المرخصة 470 جيغابيت/ الثانية لتأمين الخدمة لـ145 ألف مشترك. وهذا يقود إلى أن تلك الشركات تشتري سعات أكبر بكثير من حاجتها المصرّح عنها، ما يؤكد أنها تدير أو تؤمن حاجات السوق غير الشرعية من سعات الإنترنت. وأكثر من ذلك، ثمة تأكيد أن 90% من هذه الشركات لديها شبكات غير شرعية، علماً أن التقرير نفسه يشير إلى أن 36 شركة من ال96 تستحوذ على 80% من السعات المستأجرة من الدولة. وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى المرسوم 956/2017 الذي أعطى حسومات تصل إلى 40% على رسوم تأجير الخطوط الرقمية الدولية لمزودي خدمات الإنترنت الذين يستأجرون سعات كبيرة، ما جعل هؤلاء يتحكّمون بالسوق، ويقضون على المنافسين الصغار.
يشير الديوان إلى أن “شركات الISP وDSP تستخدم، إضافة إلى شبكة الألياف الضوئية والشبكة النحاسية في توزيع خدمات الإنترنت بشكل شرعي، شبكات لاسلكية مرخصة وغير مرخصة، بالإضافة إلى كابلات عشوائية غير مرخّصة في توزيع خدمات الإنترنت لعدد غير مُحدّد من المشتركين (تشير التقديرات إلى أن معدّل المستفيدين منه يبلغ 635 ألف مشترك)، عبر موزعي الأحياء”.
وفيما اتفق الديوان مع المعنيين، أي وزارة الاتصالات وأوجيرو، على آلية محدّدة لمواجهة هذه “الآفة”، إلا أن الاتفاق رُبط بضرورة الطلب إلى شركات نقل المعلومات وتوزيع الإنترنت تعبئة نماذج محددة. لكن الجهات المعنية أبلغت الديوان ما حرفيته أن “تنفيذ الآلية ليس بالأمر الهيّن أو السهل نظراً لما تواجهه الإدارة من عراقيل ورفض وتمنّع ومماطلة من قبل الشركات المعنية بإعطاء كافة المعلومات المطلوبة منها الأمر الذي صعّب عمل الإدارة”. أما أبرز هذه العراقيل فتتعلق بكون “غالبية الشركات مدعومة أو مغطاة من قبل مرجعيات عليا تُمسك بزمام الأمور، بحيث يتم قطع الكابل اليوم إلا أنه في اليوم الثاني يعاد تركيبه”.
عقد إذعان أم كلام فارغ؟
في تجاوز لما واجهه الديوان والجهات المعنية من عقبات، عرض وزير الاتصالات الحالي على الحكومة اقتراحاً، تمت الموافقة عليه في جلستها الأخيرة قبل تحوّلها إلى حكومة تصريف الأعمال (20 أيار 2022)، يشير إلى وجوب ضبط شبكات التوزيع والربط المخالفة أو المنشأة من دون تراخيص، وتعمد وزارة الاتصالات إلى تأمين استمرارية الخدمة من خلال الشبكات المضبوطة من خلال التعاقد مع منشئي هذه الشبكات لصيانتها، على أن لا تتجاوز مدة التعاقد 3 سنوات، مقابل ما بين 30 و50% من العائدات عن المشتركين في خدمات الإنترنت، ومقابل ما بين 5 و10% لصيانة شبكات الربط.
هنا، ثمّة أسئلة جدّية تطرح عن مدى إمكانية مصادرة هذه الشبكات، ولماذا سيقوم أصحابها بتسليم الداتا التي يملكونها للوزارة، ولماذا سيقومون بتسليم الشبكات التي استثمروا فيها إلى الوزارة؟ وإذا كانت التجربة تؤكد أنهم لم يسلّموا أيّ معلومات كان طلبها الديوان، فما الذي سيتغيّر اليوم؟ رغم ذلك، يؤكّد القرم ل”المفكرة” أنه “من أصل 108 شركة (العدد بحسب “الديوان” كان 104 شركات) قدمت 105 شركة المعلومات المطلوبة، ويبقى بالتالي ضبط الشبكة فقط مقابل عقد الصيانة”.
لكن هل من آلية للتأكّد من الأرقام المقدمة؟ وهل سمحت الشركات للوزارة بالدخول إلى خوادمها؟ ثم، لماذا لم يعلن عن توقيع أي عقد حتى اليوم، طالما أنّه تم تجاوز كل العراقيل ولم يبقَ سوى توقيع العقود؟
بالرغم من كل هذه الأسئلة وغيرها، تجدر الإشارة إلى أن الوزارة أعدّت عقداً رضائياً تفترض فيه أنها الجهة الأقوى فتطلب أن تتعهد الشركات بتقديم كل المخططات العائدة للشبكة السلكية واللاسلكية التي أنشأتها من دون ترخيص مع لوائح المشتركين وكل المعطيات التي تطلبها الوزارة لتمكينها من ضبط الشبكة لإدارتها إلى حين اتّخاذ القرار اللازم بشأنها. كما تكلّف الوزارة الشركات بالقيام بأعمال صيانة الشبكة المضبوطة بكافّة مكوّناتها بما فيها الشبكة السلكية واللاسلكية والتجهيزات العائدة لها وتأمين كلّ ما يلزم لضمان استمرارية عملها وتقديم الخدمات المشتركة والقيام بكافة الأعمال التشغيلية وإجراء الصيانة الوقائية الدورية التصحيحية اللازمة وفق أحسن المعايير المهنية. كما على الشركات تسهيل وتأمين ولوج مندوبي الوزارة إلى مرافق الشبكة والتجهيزات العائدة لها للكشف ومراقبة التشغيل.
مصادر تقنية معنية تجزم أن مضمون العقد هو عبارة عن كلام فارغ لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع. النقطة الأبرز، وعلى افتراض توقيع المخالفين لـ”لعقد الإذعان”، هو كيفية استيفاء العائدات، وهي إيرادات عامة، من قبل الدولة. وحتى مع افتراض حلّ هذه المشكلة، كيف ستدفع الوزارة كلفة الصيانة والتشغيل، طالما أنها ملزمة بالالتزام بقانون المحاسبة العمومية؟ وكيف ستلحظ الاعتمادات الخاصة بالصفقة؟ ثم كيف يمكن قياس قانونية الكشوفات وكيفية استيفائها الشروط القانونية المالية والتعاقدية؟ وماذا سيحصل لو لم يلتزم الفريق الثاني بالعقد، أو ماذا لو فسخه، هل فعلاً ستُضبط الشبكة نهائياً؟ كيف ومن سيديرها؟
تلزيم الشبكة للمخالفين
السؤال الأخير تجيب عنه المادة 17 من المرسوم المذكور. وهي تعطي الحق لشركات نقل المعلومات المرخّص لها التقدم بطلب لاستثمار الشبكات المضبوطة على أن تسدد الرسوم المتوجبة عليها عن هذه الشبكات. وفيما يؤكد ديوان المحاسبة، أن الشركات المرخصة هي أساس المشكلة انطلاقاً من أنها تمدّد الشبكات غير الشرعية أو على الأقل تؤمن لها السعات الدولية من الإنترنت، فهل سيكون الحلّ بضبط الشبكات غير المرخّصة من الشركات المرخّصة، ثم إعادة السماح لها باستثمار الشبكات المضبوطة؟ تلك، خطوة توحي أن المطلوب مرة جديدة تفريغ “أوجيرو” لصالح الشركات الخاصة، بحيث تصبح هذه الشركات المالك الفعلي للقطاع، على أن تبقى حصة بسيطة لا تزيد عن 25% لأوجيرو، بما يساهم في زيادة تهالك الهيئة، التي صار أقصى طموحها تأمين الرواتب الهزيلة لموظفيها، بدلاً من العمل للاستفادة من الطاقة البشرية التي تملكها بشكل يساهم في تطوير عملها. وعلى سبيل المثال، ما الذي يمنع، بدلاً من المبالغة في افتراض استعداد أصحاب هذه الشبكات تسليمها للدولة، بالرغم من أنهم هم من أوجدها ومن أمن الخدمة للناس، التعامل معها بواقعية، والعمل على تنظيم القطاع والاطلاع على تفاصيله، والتحكم بمفاصله الأساسية، بالاعتماد بشكل خاص على ملكية الوزارة للسعات الدولية. فمن دونها لا يمكن لهذه الشركات أن تعمل. ولذلك إضافة إلى إلزامها بتسعيرة محدّدة شبيهة بالتسعيرة الرسمية، يمكنها أن تُلزمها، على سبيل المثال، بتكفّل أوجيرو بالصيانة وتأمين جودة الخدمة لقاء نسبة من العائدات، بما يؤمّن للهيئة عائدات إضافية ويسمح بالاستفادة من طاقتها البشرية لتحسين إنتاجيتها، بدلاً من تحوّلها إلى عالة على الخزينة، بما يؤدي لاحقاً، أي عندما تقوم الدولة بواجبها في تأمين الخدمة لكل الناس، إلى سهولة التعامل مع الشبكة الرديفة وتطبيق القانون بحقها وانتقال مشتركيها إلى الشبكة الشرعية، علماً أن أوجيرو تشير إلى أن مجموع الإيرادات التي يمكن تحصيلها في حال تأمين خدمة الانترنت بطريقة شرعية إلى المشتركين في الشبكات غير الشرعية، تصل إلى 22 مليار ليرة بدلاً من 13 مليار ليرة تُحصّلها حالياً من مشتركي الإنترنت، أي ما يساوي بحسب التعرفة الحالية إمكانية تحصيل 105 مليار ليرة بدلاً من 39 ملياراً.
وللمناسبة، سيكون أي اقتراح يعطي دوراً لأوجيرو في إدارة أو صيانة الشبكات غير الشرعية أكثر فائدة من ابتكار حلول التفافية لتأمين الأموال للهيئة مثل السعي إلى إبرام “عقد اتفاق رضائي بين الهيئة وشركتي الخلوي بمبلغ مقطوع تؤمن من خلاله هيئة أوجيرو كافة أعمال الصيانة والتشغيل” (قدم وزير الاتصالات طلباً رسمياً بذلك إلى رئاسة الحكومة في 6 نيسان الماضي)، بالرغم من أن الشركتين نفسيهما لديهما فائض في الموظفين وقادرتان على إجراء عمليات الصيانة. علماً أن الطلب ينتظر إبداء هيئة الاستشارات والتشريع رأيها في الطلب، بعدما حوله الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية إليها.