بعد طول انتظار ترأس العاهل المغربي محمد السادس اجتماعا موسعا حول موضوع تعديل مدونة الأسرة، حيث قدم وزير العدل مخرجات الهيئة المكلفة بتعديل المدونة، كما قدّم وزير الأوقاف مخرجات رأي المجلس العلمي حول عدد من المقترحات التي أحيلت عليه لدراستها من الناحية الشرعية، وذلك بعد احتدام الجدل بين التّيارين الحداثي والمحافظ حول مضامين التعديل المرتقب الذي يأتي بعد أزيد من 20 سنة على إقرار مدونة الأسرة.
جلسة عمل حول تعديل مدونة الأسرة
بحسب بلاغ الديوان الملكي، ترأّس العاهل المغربي محمد السادس جلسة عمل خصصت لموضوع مراجعة مدونة الأسرة، وذلك في أعقاب رفع الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة، بعد انتهاء مهامها داخل الأجل المحدد لها، تقريرا يتضمن أكثر من مائة مقترح تعديل.
وأضاف البلاغ أن هذا الاجتماع يأتي بعد القرار الملكي بإحالة بعض التوصيات المرتبطة بنصوص دينية على نظر المجلس العلمي الأعلى، الذي أصدر بشأنها رأيا شرعيا، كما أنه يأتي بعد قيام العاهل المغربي بـ “التحكيمات الضرورية بالنسبة للقضايا التي اقترحت فيها الهيئة أكثر من رأي”، أو تلك “التي تطلب الأمر مراجعتها في ضوء الرأي الشرعي، والتي رجح فيها العاهل المغربي الخيارات التي تنسجم مع المرجعيات والغايات المحددة في مضمون الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، وكذا تلك الواقعة في دائرة الضوابط المحددة لعمل الهيئة”، وفي مقدمتها ضابط “عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام”.
وزير العدل المغربي يستعرض أهم توصيات هيئة تعديل مدونة الأسرة
خلال جلسة العمل قدم وزير العدل أهم التوصيات المصادق عليها بخصوص تعديل مدونة الأسرة والتي تشمل جميع كتبها، ويتعلق الأمر:
على مستوى الزواج: تمّ الإبقاء على تحديد سن الزواج في 18 سنة للجنسين، مع الإبقاء على استثناء ضيق بإمكانية تزويج القاصر مع تحديد سن الزواج الأدنى في 17 سنة؛ كما تم الإبقاء على اعتبار عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج مع تحديد الحالات الاستثنائية لاعتماد سماع دعوى الزوجية، كما تم السماح لمغاربة الخارج بإمكانية إبرام الزواج من دون حضور شاهدين مسلمين.
وبخصوص تعدد الزوجات، تمّ التنصيص على “إلزامية استطلاع رأْي الزوجة أثناء إبرام عقد الزواج، حول اشتراطها عدم التزوج عليها، من عدمه، والتنصيص على ذلك في عقد الزواج. وفي حال اشتراط عدم التزوّج عليها، فلا يحقّ للزوج التعدّد وفاء منه بالشرط”؛ أما في حالة غياب هذا الاشتراط، فقد تم حصر “المبرر الموضوعي الاستثنائي” للتعدد، في حالتين هي “إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو بمرض مانِع من المعاشرة الزوجية”.
على مستوى الطلاق والتطليق، تمّ تسهيل مسطرة الطلاق الاتفاقي بجعله موضوع تعاقد مباشر بين الزوجين من دون الحاجة لسلوك مسطرة قضائية. كما تمّ التنصيص على تقليص أنواع الطلاق والتطليق، التي لم تعد موجودة على أرض الواقع والاكتفاء بالإبقاء على مسطرة التطليق للشقاق مع تحديد أجل ستة أشهر كأجل أقصى للبت في دعاوى الطلاق والتطليق، وإلزامية اللجوء إلى الوساطة غير القضائية.
بخصوص الحضانة، تمّ التأكيد على “اعتبار حضانة الأطفال حقا مشتركا بين الزوجين أثناء قيام العلاقة الزوجية، مع إمكانية امتداده، في حال الاتفاق، بعد انفصام العلاقة الزوجية، وتعزيز الحقّ في سُكْنى المحضون، بالإضافة إلى وضع ضوابط جديدة فيما يخصّ زيارة المحضون أو السفر به”، كما تم التأكيد على عدم سقوط حضانة الأم المطلقة على أبنائها بالرغم من زواجها.
بخصوص الولاية والوصاية على الأطفال، تم إقرار “النيابة القانونية المشتركة بين الزوجين في حال قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها. وفي الحالات التي لا يَتَأتى فيها الاتفاق بين الزوجين، على أعمال النيابة القانونية المشتركة، يُرجع، في ذلك، إلى قاضي الأسرة للبت في الخلاف الناشئ، في ضوء معايير وغايات يحددها القانون”.
بخصوص اقتسام الأموال المكتسبة بعد الزواج، تمّ التنصيص على “تأطير جديد لتدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، مع تثْمين عمل الزوجة داخل المنزل، واعتباره مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية”.كما تم ولأول مرة إقرار حق الزوج أو الزوجة بالاحتفاظ ببيت الزوجية، في حالة وفاة الزوج الآخر، وفق شروط يحددها القانون.
وزير الأوقاف يقدم مخرجات رأي المجلس العلمي
من جهته قدم وزير الأوقاف مخرجات رأي المجلس العلمي الأعلى بصفته المؤسسة الدستورية المخول إليها شؤون الفتوى في البلاد، حيث أكد أن المجلس “أحيلت عليه سبع عشرة مسألة حيث قرر الموافقة على 10 توصيات تتعلق بتحديد سن الزواج الأدنى في 17 سنة، إمكانية الاستغناء عن شهادة مسلمين اثنين في عقود الزواج بالخارج، والنيابة القانونية المشتركة، واعتبار العمل المنزلي مساهمة في ثروة الزوج، والعمرى الإجبارية للسكن لفائدة الزوج الباقي على قيد الحياة، ومرتبة ديون الزوجين المتعلقة بالأموال المشتركة، وبقاء حضانة من تزوّجت، والمتعة لفائدة طالبة التطليق للشقاق، والمساواة بين أبناء البنت والولد في الاستفادة من الوصية الواجبة مهما نزلوا”.
وأضاف أن المجلس رفض 3 توصيات لاصطدامها بنصوص قطعية، واقترح حلولا بديلة، ويتعلق الأمر بما يلي:
- رفض الخبرة الجينية للاعتراف بنسب الطفل المزداد خارج إطار مؤسسة الزواج. واقترح في هذا الصدد تحميل الأبوين المسؤولية المادية تجاه الطفل من دون ثبوت النسب، معتبرا أن “ثبوت النسب في هذه الحالة مخالف للدستور وللشرع ويؤدي الى هدم مؤسسة الأسرة وخلق أسرة بديلة”.
- رفض الوصية للوارث إذا لم يجزها بقية الورثة، مقترحا إمكانية لجوء صاحب المال إلى ابرام عقود الهبة من دون اشتراط الحيازة الفعلية؛
- رفض إلغاء التعصيب لفائدة البنات، مقترحا أيضا إمكانية اللجوء إلى الهبة دون اشتراط الحيازة الفعلية.
في نفس السياق، أكد وزير الأوقاف أن مجلس العلماء اقترح أيضا حلولا بديلة لبعض توصيات الهيئة، وذلك في مسألتين.
- إمكانية اللجوء إلى ابرام الهبة في حالة اختلاف الدين الذي يعتبر مانعا من موانع التوارث، أو إمكانية إقرار تنزيل (وهو شكل من الوصية الواجبة لفائدة الزوجة غير المسلمة)؛
- إمكانية اللجوء إلى الهبة وعدم اشتراط الحيازة الفعلية لفائدة الطفل المكفول، أو إمكانية اللجوء إلى الوصية الإرادية أو إقرار تنزيل لفائدته، أو تنازل الدولة عن نصيبها لفائدة المكفول في حالة عدم وجود أي وارث.
وأضاف وزير الأوقاف أن العلماء “فوضوا إلى الملك النظر فيما أبدوه من الآراء وذلك من زاوية المصلحة” التي هي المقصد الأسمى للدين، والتي يعتبر ولي الأمر أحسن من يقدّرها، حيث أوصاهم العاهل المغربي بمواصلة “التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة، عبر إحداث إطار مناسب ضمن هيكلته، لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، وما تتطلبه من أجوبة تجديدية تساير متطلبات العصر”.
ملاحظات عامة حول توصيات هيئة تعديل المدونة
بقراءة المخرجات العامة لهيئة تعديل مدونة الأسرة التي تم الإعلان عنها يمكن إبداء الملاحظات التالية:
- جاءت غالبية التوصيات بطريقة توافقية ترضي التيارين الحداثي والمحافظ، من خلال اللجوء الى آراء وسطية، فبالنسبة لزواج القاصر، تم تأكيد الإبقاء على سن الزواج القانوني المحدد في 18 سنة، مع الإبقاء على استثناء ضيق لإمكانية زواج من هم دون هذا السن (17 سنة)؛ وهو نفس الموقف من تعدّد الزوجات الذي تم تضييق إمكانية اللجوء اليه في حالتيْ العقم أو المرض المانع من المعاشرة، دون منعه تماما، وكذلك الحال بالنسبة للزواج العرفي الذي تم إبقاء حالات استثنائية لقبوله.
- جاءت غالبية التوصيات بطريقة عامة تحتمل أكثر من قراءة وتفتح المجال أمام السلطة التقديرية، حيث تم تخويل وزارة العدل أثناء صياغة القانون تدقيق عدد من التوصيات، مثل حالات استفادة أحد الزوجين من بيت الزوجية بعد الوفاة، وشروط ذلك، وطريقة تقدير العمل المنزلي لاحتساب مساهمة الزوجين في تنمية أموا الأسرة، وتحديد الحالات التي يمكن فيها الاعتراف بالزواج العرفي، وهو ما يعني عمليا استمرار ترافع المنظمات النسائية والحقوقية ليشمل مرحلة اعداد مشروع القانون الجديد.
- لم يتم نشر التقرير النهائي لهيئة تعديل مدونة الأسرة كما لم يتمّ نشر الأسس التي اعتمد عليها مجلس العلماء في بناء رأيه “الشرعي” رغم الإعلان عن موقف حاسم من رفض بعض التوصيّات التي تهمّ حقوق الطفل أو حقوق الزوجين، مثل سبب رفض إلغاء التعصيب لفائدة البنات وسبب رفض الخبرة الجينية للحوق النسب، وتمّ الاكتفاء بمبررات عامة من قبيل اصطدام هذه التوصيات بنصوص قطعية، دون تحديد هذه النصوص ومناقشتها على ضوء التغييرات المجتمعية.
- يلاحظ أن توصيات هيئة تعديل مدونة الأسرة ورغم عدم الإعلان عنها بشكل واضح جاءت شاملة لكل كتب المدونة بما فيها كتاب الإرث والوصية وهو ما يعني تبني المقترحات التي قدمتها الجمعيات والمنظمات الحداثية، لكن إحالة هذه التوصيات على مجلس العلماء أدى الى تقييدها.
- رغم رفض مجلس العلماء لعدد من التوصيات إلا أنه لم يحسم في مآلها مفوضًا للعاهل المغربية إمكانية إقرارها في إطار أدوار مؤسسة إمارة المؤمنين لما فيه المصلحة، ويلاحظ أن العاهل المغربي رفض هذا التفويض ودعا العلماء إلى تحمل مسؤوليتهم، كما أوصاهم بمواصلة “التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة”.
- ينتظر أن تشرع وزارة العدل في تنزيل توصيات هيئة تعديل مدونة الأسرة في شكل مشروع قانون سيحال للمناقشة على أنظار البرلمان المغربي، وقد كلفت الوزارة بوصفها الجهاز التنفيذي بشرح مضامين التعديلات المقترحة لفائدة الرأي العام، ومواصلة تتبع هذا الملف دون باقي مكونات الهيئة من مؤسسات حقوقية وقضائية، ويلاحظ أن التوصيات المعلنة تشمل أيضا إجراءات مواكبة من قبيل اعتماد الشباك الواحد داخل محاكم الأسرة وإعداد برامج للتوعية ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة.
- وأخيرا يلاحظ أن التوصيات المعلن عنها تكرس الطابع الجزئي للتعديلات التي ستعرفها مدونة الأسرة والتي تستهدف ملاءمة هذا القانون مع التطوّرات المجتمعية، وهو ما لا يضع حدّا لمطلب التعديل الجذري لهذا القانون والذي ترفعه المنظمات النسائية.
مواضيع ذات صلة
المغرب يفتح ورش مراجعة مدونة الأسرة بعد 18 سنة من صدورها
ورشة لتعديل مدوّنة الأسرة في المغرب: أيّ توافق بين المرجعيّتين الحقوقية والدينية؟
انطلاق ورش تعديل مدونة الأسرة بالمغرب: تشكيل لجنة قانونية وتقليص سلطة “العلماء”
هيئة تعديل مدونة الأسرة بالمغرب تعلن انتهاء جلسات الاستماع
هيئة تعديل مدونة الأسرة بالمغرب تسلّم تقريرها الختامي
خلافات بشأن تعديل مدوّنة الأسرة في المغرب: “العدالة والتنمية” يلوّح بمسيرة مليونية
إحالة مخرجات هيئة تعديل مدونة الأسرة على مجلس العلماء
وأخيرا.. للأم المغربية حق استخراج جواز سفر لأبنائها القاصرين دون اشتراط موافقة الأب: صدور دورية تستبق تعديل مدونة الأسرة
محكمة الاستئناف تلغي أول حكم بأبوة طفلة مولودة خارج الزواج: هل آن الأوان لتعديل مدونة الأسرة؟
نادي قضاة المغرب يقدّم مذكّرة حول مدوّنة الأسرة: “الاجتهاد البنّاء” انطلاقا من قضايا الناس
من أجل الارتقاء بأقسام قضاء الأسرة الى محاكم متخصصة في الأسرة بالمغرب
سابقة في اعمال آلية التظلم للأطفال بالمغرب: الجمعيات تطلب الانتصاف لطفلة ضد مقرر قضائي
جلسة مساءلة حول تمكين المرأة في البرلمان المغربي: 13000 حالة زواج قاصرات سنويا
هكذا يبرر القضاة تزويج الطفلات في المغرب
هل يرفع المغرب الحظر القانوني على الزواج عند اختلاف الدين؟
مقترح قانون للاعتراف بالخبرة الجينية كسبب لإثبات النسب بالمغرب
تنسيقية المناصفة في المغرب تأخذ زمام المبادرة : مقترح قانون لإقرار المساواة في الإرث
مقترح قانون يُتيح للأم الحاضنة السفر بمولودها لخارج المغرب دون إذن طليقها
المغرب: مقترح قانون لمنع تزويج الطفلات