الإعلان الدستوري، ردة إلى الخلف


2013-07-10    |   

الإعلان الدستوري، ردة إلى الخلف

في 8-7-2013، أصدر رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور إعلاناً دستورياً[1]بعد تعطيل دستور 2012-حتى يمكن العمل به خلال مرحلة ما بعد عزل رئيس الجمهورية السابق وحتى تعديل الدستور المعطل.
لكن هذا الإعلان الدستوري يعد ردة إلى الخلف حيث أنه أتى ببعض المواد المدرجة بدستور 2012،على الرغم من الاعتراض على صياغتها ومضمونها. كما أنه لم يتطرق الىحالة خلو منصب رئيس الجمهورية المؤقت لأي سبب من الأسباب، فمن سيشغل هذا المنصب؟ هل سيتقدم نائب رئيس المحكمة الدستورية لشغله أم سيقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتنصيب شخص آخر يختاره وفق ما يراه مناسبا من دون قيد؟
كما أنه لم يتطرق إلى انتخابات مجلس الشورى ولم نعد نعرف هل أن توجه الدولة يشير إلى عدم وجود مثل هذا المجلس في الدستور الجديد، أم أن الإعلان الدستوري قد جاء على عجل وغفل واضعه عن تنظيمه.
ومن أبرز الملاحظات المقلقة، الآتية:
1-  موقف الشريعة الإسلامية من التشريع:
أقر دستور 1971 بعد تعديله في 22 مايو 1980 مبدأ "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع"، الذي قيد السلطة التشريعية عند إقرارها النصوص التشريعية، بأن تكون متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية. إلا أن دستور 2012 أتى، بدفع من حزب النور، بحكم جديد يتمثل في أن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة[2] والذي أبقى عليه الإعلان الدستوري الحالي. وبالتالي فإن هذا الإعلان الدستوري أدخل إلى أحكام الشريعة الأحكام المختلف عليها بين الفقهاء والمذاهب الفقهية المتغيرة بحسب الظروف والزمان والمكان، والتي تشمل آراء فقهية راقية ومتسامحة وآراء فقهية بالغة التعصب ولا تتناسب مع متطلبات العصر.
كما أن ما قررته هذه المادة يعد مخالفاً لما قررته المحكمة الدستورية العليا في العديد من أحكامها والتي طالما قررت أن مبادئ الشريعة الإسلامية تعني ألا يجوز لنص تشريعي، أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعاً لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً. وبالتالي من غير المتصور أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان إذ هي عصية على التعديل ولا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها. إذ هي إطارها العام، وركائزها الأصيلة التي تفرض متطلباتها دوماً بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها وإلا اعتبر ذلك تشهياً وإنكاراً لما علم من الدين بالضرورة، ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالاتها أو بهما معاً ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد لسواها وهى بطبيعتها منظورة تتغير بتغير الزمان المكان لضمان مرونتها وحيويتها ولمواجهة النوازل على اختلافها تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً ولا يعطل بالتالي حركتهم في الحياة على أن يكون الاجتهاد دوماً واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها ملتزماً ضوابطها الثابتة متحرياً مناهج الاستدلال على الأحكام العملية، والقواعد الضابطة لفروعها كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال.[3]
الحريات الدينية:
لم يقرر الإعلان الدستوري الحريات الدينية لكافة المواطنين، بحيث أنه كفل حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية لأصحاب الديانات السماوية دون غيرها. وبذلك يكون الإعلان الدستوري قد مايز بين المواطنين في هذا الشأن، حيث حرم أصحاب الديانات الأخرى من ممارسة شعائر ديانتهم، ومثالاً على ذلك أصحاب الديانة البهائية. ورغم اعتراف الدولة بهم في مطلع عام 2008 بموجب حكم قضائي صادر من محكمة القضاء الإداري، والذي قرر إثبات علامة (-) أو التأشير عليها أمام خانة الديانة، لم يستطيعوا ممارسة شعائر ديانتهم بدعوى أنها ديانة غير سماوية.
وفي الاتجاه نفسه، يذكر أن الإعلان الدستوري قد أغفل ما قررته المادة (3) من الدستور المعطل والتي نصت على أن "مبادئ شرائع المصريين المسيحين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قيادتهم الروحية".
الجمعيات والنقابات العمالية:
عمل الإعلان الدستوري في المادة 10 على التمييز بين الجمعيات الأهلية والنقابات العمالية وبين الأحزاب السياسية، عندما حظر حل الأحزاب السياسية إلا بحكم قضائي، وبسكوته عن هذا الأمر في شأن الجمعيات والنقابات يكون الإعلان الدستوري قد أتاح حل كلاهما بالطريق الإدارية.
كما أنه قضى على واحدة من أهم المكتسبات في الدستور المعطل، والتي تتمثل في اكتساب الأحزاب السياسية والجمعيات والمؤسسات الأهلية للشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار.
وبالتالي فإنه فيما يخص الجمعيات والمؤسسات الأهلية وبعد مطالبة المحكمة الإدارية العليا لمجلس الشورى المصري سرعة إصدار قانون جديد للجمعيات الأهلية يكون متوافقاً مع الدستور عند الإنشاء، ردة إلى القانون 84 لسنة 2002 الذي يأخذ في تأسيس هذه الكيانات بنظام الترخيص.
كما أنه يمكن وفقا للقوانين المنظمة للجمعيات الأهلية والنقابات العمالية السارية حل مجالس إداراتها بموجب قرار إداري صادر من السلطة التنفيذية، بخلاف ما هو مقرر في الدستور المعطل من "لا يجوز للسلطات حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي".
إباحة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية:
على الرغم من أن الدستور تضمن في المادة 15 منه مبدأ حق المواطن في الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، إلا أنه عاد وسلبهم هذا الحق في المادة 19 التي تحدد اختصاص القضاء العسكري بكافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها.
كما يسجل في السياق نفسه، أن الإعلان تعمد وضع المادة 19 المتصلة بالمحكمة العسكرية ضمن المواد المتصلة بالجهات القضائية المستقلة، وليس ضمن المواد المتصلة بالمؤسسة العسكرية. وبذلك، يكون الإعلان قد انحاز للمطالب التي كانت قدمها قضاة المحكمة العسكرية وردتها الجمعية التأسيسية بدفع من رئيسها آنذاك حسام الغرياني منعا لتشريع هذه المحكمة التي كانت مسؤولة عن كثير من المظالم واخراجها من طابعها الاستثنائي.
فمن المعلوم للكافة أنه من بين المطالب التي لا يمكن إغفالها مطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة القائم بإدارة شئون البلاد ومجلس الشعب المنحل بعدم محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية باعتبارها محاكم ذات استثنائية، والتي أصبحت في هذه الآونة القضاء الطبيعي لكافة المواطنين المصريين.    
1.    انفراد رئيس الجمهورية بسلطة التشريع:
أن هذا الإعلان الدستوري لا يختلف عن نظيره الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 30 مارس 2011 والذي منح صلاحية التشريع لرئيس الجمهورية أو من يقوم بإدارة شئون البلاد، وبالتالي فإن رئيس الجمهورية يعتبر جامعاً ما بين السلطات الثلاث في الدولة حيث أنه باعتباره رئيساً للجمهورية يمثل رأس السلطة التنفيذية، بالإضافة إلى سلطة التشريع المقررة له وفقاً للفقرتين الأولى والثانية من المادة 24، هذا فضلا عن احتفاظه برئاسته للمحكمة الدستورية العليا والتي تعتبر بنص الدستور هيئة قضائية مستقلة.
فإن هذا الجمع ما بين السلطات الثلاث في الدولة – حتى لو في ظل الظروف الاستثنائية -يمهد لدولة ديكتاتورية، ولا يؤسس لدولة القانون الذي هو أساس الحكم في الدولة. مهدراً لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يعد نموذج الحكم الديمقراطي، والذي يفرض استقلال كل سلطة عن السلطتين الأخريين.
 
2.    حالة الطوارئ:
منح الإعلان الدستوري –المادة 27- سلطة إعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة اشهر على الأكثر وفق ما ينص عليه القانون. ورغم أنه نص على أنه لا يجوز مدها إلا لمدة مماثلة وبعد موافقة الشعب في استفتاء عام، فان الإعلان لم يتضمن أي شروط مقيدة أخرى لاعلان الطوارئ.
وبالتالي، يرجح أن يمهد الإعلان الدستوري الى زيادة سنوات الطوارئ في مصر والتي تقدر بما يقرب من خمسة وسبعون عاماً.
 
خلاصة القول: أن الإشكاليات الواردة بهذا الإعلان الدستوري لم تكن فقط في الصياغة أو المضمون، ولكن الإشكالية الأكبر أنه بلا هدف أو توجه ما، يكمن من خلاله الوقوف على خارطة طريق للخروج من هذا المأزق السياسي.
محام وباحث قانوني بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان



[1]نشر بالجريدة الرسمية – العدد 27 مكرر (أ) في 8 يوليه 2013
[2]يراجع في ذلك المادة 2 ، 219 من دستور 2012 المعطل.
[3]حكم المحكمة الدستورية العليا – القضية رقم 8 لسنة 17 قضائية – بتاريخ 18 مايو 1996.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، دستور وانتخابات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني