خصص برنامج الحقائق الأربعة التلفزي الذي يعده الإعلامي “حمزة البلومي” لفائدة قناة الحوار جزءا من حصته التي تم بثها ليلة 04-10-2019 لعرض تسجيلات وشهادات توثق واقعة ارتشاء قاض ذكر أنه يشغل خطة مستشار بمحكمة استئناف صفاقس.
ذكر المتضرر في شهادته التي بثها البرنامج أنه تورط في قضايا شيكات بدون رصيد تم إيقافه على ذمتها. حينها أقنع جار لهم والده بالاستعانة بقاض لتسهيل الإفراج عنه مقابل رشوة تدفع له. قبل الأب المبدأ ودفع المبلغ الذي طلب منه كرشوة وقدره عشرة آلاف دينار. في الأثناء كان هو قد تولى خلاص شيكاته وأفرجت عنه المحكمة دون تدخل من أحد. وهنا تفطّن لكون والده كان ضحية عملية تحيّل فتولى وإياه نصب كمين يثبت واقعة الارتشاء. أوهم المتضرران القاضي بكون الأب وثق بالصوت والصورة واقعة ارتشائه وقايضا عدم تقديم دليل إدانته لرؤسائه برد ما قبض من مال، فقبل بذلك. حضر بتاريخ تسوية الوضعية التسجيل الحقيقي الذي أمنه فيما يبدو الفريق التقني للبرنامج التلفزي الاستقصائي. وثق التسجيل اعترافا بالوقائع كما بين كيف كان القاضي مرتبكا وهو يرد ما قبض من مال.
ساعة واحدة فقط بعد بث البرنامج، أعلن الناطق الرسمي بإسم وكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بصفاقس عن فتح بحث تحقيقي بمكتب قاضي التحقيق الأول بالمحكمة في الوقائع التي كشف عنها. ساعات أخرى وقرابة منتصف النهار اليوم الموالي، كشفت مصادر قضائية عن التوصل لتحديد هوية من يشتبه في ارتشائه وعن تقدم وكيل الجمهورية بطلب رفع حصانة في شأنه للمجلس الأعلى للقضاء تمهيدا لتوجيه الاتهام رسميا له، وعن إصدار قاضي التحقيق من جهته إنابة عدلية لفرقة الشرطة العدلية لإجراء أبحاث غايتها حجز المؤيدات المثبتة للجرم.عكست سرعة تعاطي القضاء مع الواقعة خشية القائمين عليه من تأثير محتمل لفتح ملف الفساد القضائي إعلاميا على الثقة العامة في القضاء.
لم يمنع الوعي بأهمية المحاسبة جانبا من القضاة من تنبيه الرأي العام1 لإمكانية أن يكون فتح الإعلام لملف الفساد القضائي الغاية منه خدمة شخصيات عامة يلاحقها القضاء بتهم فساد، منها مالك قناة الحوار التي بثت التحقيق “سامي الفهري” والمترشح للدور الثاني من الانتخاب الرئاسية نبيل القروي والذي تتهم قناة الحوار بمساندته. وهذا ما نقرأه في بيان المجلس الوطني لجمعية القضاة. فلئن تمسك البيان “باحترام ما للإعلام من صلاحية بمعالجة الانحرافات التي تحصل داخل المؤسسات ومنها القضاء”، فإنه اشترط أن تكون “تلك المعالجة في إطار طرح مبدئي وطبق الضوابط المهنية وليس ضمن مخططات إعلامية مناسبتية مكشوفة تستهدف النيل من مصداقية القضاء التونسي في هذه المرحلة التي يتعهد فيها بقضايا فساد خطيرة تهم رجال أعمال وسياسيين وأصحاب وسائل إعلام وإعلاميين”2. كما أن مجلس القضاء العدلي أصدر في ساعة متأخرة من ليلة 05-10-2019 بيانا حث فيه القضاة على التمسك باستقلاليتهم، بما يعكس تخوفا من أن يؤدي الإعلام دورا تخويفيا لعدد من القضاة، وبخاصة القضاة الناظرين في الملفات السياسية الصعبة3.
وسواء كان الربط بين بث الحصة التلفزية التي وثقت فسادا قضائيا وتعهد القضاء بقضايا فساد كبرى مؤسسا فعليا أم لا، فإن أحسن سبيل للدفاع عن الثقة العامة في القضاء يتمثل في الابتعاد عن حديث النوايا وإصدار الأحكام المسبقة والتوظيف والاعتراف بحق الشعب في حماية نزاهة قضاته وفي طلب محاسبة من ضلّ الطريق منهم. وتؤكد المؤشرات الأولية أن سلطة الإعلام تتجه للنجاح في فرض ثقافة المحاسبة داخل القضاء بدليل سرعة تعاطي عدد من السمؤولين القضائيين مع الملف، تلك السرعة التي غابت عن ملفات أخرى سبقته وهي تشكل أحسن سبيل لمنع استغلال الحديث عن الفساد القضائي كسبيل للتدخل في القضاء.
1 نشر موقع اسطرلاب بتاريخ 05-10-2019 نصا كتبه القاضي حمادي الرحماني تحت عنوان “الحوار التونسي تستبق محاكمة أفسد الفاسدين! ” ورد فيه ” يعني هذه القناة اختارت زمن “حربها” الشخصية الكبيرة مع القضاء…لتتحدث عن الرشوة!….يعني اختارت سياق محاكمة القروي المتهم بتبيض الأموال – الذي تدعمه – لإنجاز تحقيق صحفي مشبوه عن الرشوة في القضاء!…..يعني اختارت سياق محاكمة سليم الرياحي – الذي تدافع عنه لتوقظ في نفسها مكافحة الفساد ومحاربة الرشوة!…يعني اختارت القناة أوج معركة لعماري وبوغلاب ومايا القصوري وهيئة الدفاع مع القضاء لتتحدث عن الرشوة..في مظهرها الفردي..بطريق العرض الحي والخام والتلطيخ المباشر، لا بطريق التحقيق والفهم والمعالجة الصحفية والقانونية…يعني القناة اختارت سياق وجود أبحاث جدية في شبهات جرائم تبييض أموال ضد صاحبها سامي الفهري تضاف لمحاكمته في قضية الإذاعة والتلفزة التونسية والتي لم يبق للبت فيها وربما لإدانته سوى ورود نتائج الاختبارات وتقدير الخسائر المهولة…لتنجز عملا “صحفيا” قادحا بصفة مبكرة في من يحاكم مالكها……وجود فساد في القضاء ليس أمرا خافيا، ولم يكن يحتاج لكشفه سياق حزم القضاء مع المفسدين وقبضه عليهم…لكن هذا البرنامج يستبق محاكمة ومحاسبة أفسد الفاسدين! ” كما صدر لاحقا بيان عن جمعية القضاة التونسيين ذهب في الاتجاه نفسه.
2 ورد بلائحة المجلس الوطني لجمعية القضاة التونسيين ” بخصوص ما تم بثه في حلقة الأمس 04 أكتوبر 2019 من برنامج الحقائق الأربعة على قناة الحوار التونسي .وإذ يؤكدون على أهمية المعالجة الإعلامية للانحرافات التي قد تحصل داخل كل المؤسسات ومنها المؤسسة القضائية وعلى ضرورة اجراء الأبحاث فيها وكشف الحقيقة وتحميل المسؤوليات من أجل الإصلاح .فإنهم يشدّدون على أن التعاطي الإعلامي مع تلك المسالة يجب أن يكونو على أن تلك المخططات الإعلامية البعيدة كل البعد عن المعالجة الإصلاحية يزداد انكشافها عندما يتم تناولها وتقديمها من قبل اعلاميين تحوم حولهم شبهات فساد قوية وتعلقت بهم قضايا جنائية منشورة أمام المحاكم.”
3 ورد في بيان صدر عن مجلس القضاء العدلي بتاريخ 05-10-2019 ” إن مجلس القضاء العدلي المجتمع بصفة طارئة مساء اليوم السبت 05 أكتوبر 2019 يذكر كافة السادة القضاة بأنه على يقين أنكم ستظلون على عهدكم متمسكين بقيمكم القضائية في أداء رسالتكم السامية بكل عزة وكرامة وهيبة لا ينال منها أي تصرف معزول وأنّكم تمثلون السلطة القضائية التي أناط بها الدستور إقامة العدل وعلوية الدستور، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات ومدعوون جميعا للحفاظ على العهد الذي قطعتموه والقسم الذي أديتموه عندما تحملتم رسالة القضاء العظيمة لأجل ترسيخ دولة القانون.
كما يدعوكم إلى مواصلة عملكم والنظر في ملفاتكم وفصل القضايا المعروضة عليكم بكل استقلالية وحياد ونزاهة تزينكم مهابة القاضي متشحين بنبل الرسالة وجسامة التكليف لا ينال أي تصرف مهما كان مصدره منكم ومن منصتكم الشامخة ولا يحرك في عزمكم وإيمانكم برسالتكم الشريفة قيد أنملة
كما يذكر مجلس القضاء العدلي الرأي العام الوطني بأن المجلس الأعلى للقضاء هو الضامن لحسن سير القضاء واحترام استقلاله طبقا لما نص عليه الفصل 114 من الدستور والقانون المنظم للمجلس الأعلى للقضاء وأنه لا أحد فوق المحاسبة والقانون. وأن مجلس القضاء العدلي وإن كان يمثل صمام الأمان للقضاة في ممارسة أعمالهم بكل استقلالية وحياد فإنه لا يتوانى مطلقا في اتخاذ الإجراء المناسب بشأن من يثبت انحرافه عن الوظيفة الموكولة له ومن أجل ذلك فهو يتابع عن كثب سير جميع الملفات وخاصة منها ملفات الفساد المالي وقضايا الإرهاب في جميع أطوارها وأنه لن يتخلف عن اتخاذ جميع القرارات الملائمة لضمان حسن سيرها وعدم الانحراف بها عن مسارها القضائي السليم.”
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.