الإضراب العام في قطاع الصحة تزامنا مع تواصل خطر الكورونا: أعوان الصحة في الشوارع بدل المستشفيات


2020-06-25    |   

الإضراب العام في قطاع الصحة تزامنا مع تواصل خطر الكورونا: أعوان الصحة في الشوارع بدل المستشفيات

بعد سلسلة من التحركات الإحتجاجية التي قام بها مهنيو قطاع الصحة في الآونة الأخيرة وعدم استجابة سلطات الإشراف لأي من مطالبهم، اتجه مسار الاحتجاجات نحو مزيد من التصعيد. فقد تجمّع مئات المحتجين أمام مقر وزارة الصحة في إضراب قطاعي عام تحت إشراف الجامعة العامة للصحة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل يوم 18 جوان 2020، مطالبين وزارة الإشراف والحكومة بالإلتفات إلى مطالبهم والنظر فيها دون تسويف ومماطلة، ورافعين شعارات منددة بالوضعية الكارثية التي بلغتها المستشفيات العمومية، وضرورة تنظيم القطاع بإصدار نظام أساسي خاص في الغرض. تحرك لقى استجابة واسعة من مهنيي القطاع خارج العاصمة حيث تجمعوا أمام مقرات الاتحادات الجهوية والمحلية للشغل بكافة المحافظات الأخرى رافعين نفس المطالب ومذكرين سلطات الإشراف بدورهم خلال معركة التصدي لوباء كورونا.

أعوان الصحة العمومية في الصفوف الأمامية من دون ضمانات كافية

بالرغم من أن التحذيرات من تدهور متواصل للمنظومة الصحية العمومية لم تنقطع منذ سنوات، إلا أن وزارة الصحة لم تنتبه إلى الوضع الكارثي في المستشفيات العمومية سوى خلال الحرب ضد جائحة كورونا التي أجبرت الجميع على فتح هذا الملّف والنقاش جديّا حول سبل التدارك والإصلاح. واقع قطاع الصحة العمومية، لم يكن السبب الوحيد لاحتجاج مهنيي قطاع الصحة. فقد مثّل الإضراب القطاعي العام يوم 18 جوان الجاري صيحة غضب حيال سياسة وزارة الصحة تجاه مطالبهم كإصدار نظام أساسي ينظم القطاع وتحيين الأمر عدد 1173/85 المتعلق بالمهن الشاقة والمرهقة، إضافة إلى إعلان موقف رافض للمنشور المتعلق بتجميد الترقيات في الوظيفة العمومية.

تحرك اعتبره الكاتب العام للجامعة العامة للصحة عثمان الجلولي في تصريحه للمفكرة القانونية أنه ناقوس إنذار نقرعه على مسامع سلطة الإشراف لإيلاء قطاع الصحة إهتماما أكبر، خاصة أن جائحة كورونا قد كشفت عن متغيرات جديدة تفرض إعادة ترتيب الأولويات ومن بينها أن قطاع الصحة يجب ألا يستمر على حاله في فترة ما بعد الكورونا، ناهيك أن مهنيي القطاع لن يقبلوا مجددا بالتسويف والمماطلة إزاء مطالب بسيطة على غرار سنّ نظام أساسي. ليضيف؛ نحن ما زلنا نطالب بالحد الأدنى من حقوقنا، في حين بدأت حكومات عديدة في العالم في صرف مكافآت إلى الأطقم الطبية وشبه الطبيّة جزاء جهودهم في مواجهة جائحة كورونا.

الإضراب العام؛ مكره أخاك لا بطل

لم يكن الإضراب العام الذي دعت إليه الجامعة العامة للصحة يوم 18 جوان 2020 سوى آخر خيار مُتاح أمام مهنيي قطاع الصحة. حيث انطلقت التحركات الاحتجاجية بصفة رسمية منذ يوم 28 ماي المنقضي بتنفيذ يوم غضب للمطالبة بإصلاح القطاع.

تحرك تبعه اجتماع للهيئة الإدارية القطاعية للصحة يوم 4 جوان لإعادة النظر في المطالب وترتيبها، والتي تلخصت في تطبيق الإتفاقيات الحاصلة حول النظام الأساسي الخاص وسحب الفصل 2 من قانون الوظيفة العمومية[1] على كافة العاملين في القطاع، وتلك المتعلقة بالترقيات. إضافة إلى فتح الآفاق العلمية للإطارات العلاجية والتمريضية والتقنية والإدارية للصحة وربط المسار المهني بالعلمي، وبعث الإدارة العامة للشؤون العلاجية والتمريضية علاوة على إقرار عدد من المنح على غرار منحة الجوائح والأوبئة وإعادة توظيف الأعوان وفق شهائدهم العلمية.

مطالب حملها المفاوضون باسم مهنيي قطاع الصحة إلى الوزارة يوم 8 جوان في جلسة تفاوض مع السلط المعنية إلا أنها قوبلت بالرفض وفق الجامعة العامة للصحة مما أدى إلى المضي نحو تنفيذ الإضراب القطاعي العام.

تحركات أبناء الصحة لم تتوقف بل ظلت متواصلة منذ تاريخ الإعلان عن الإضراب العام حيث اجتمع مهنيو قطاع الصحة بكافة أصنافهم في العاصمة تونس أمام المقر المركزي لوزارة الصحة في وقفة احتجاجية يوم 11 جوان 2020، تنديدا بفشل جلسة التفاوض التي جمعت الطرف النقابي ووزارة الإشراف. وفي حركة رمزية قاموا بإلقاء ستراتهم البيضاء أمام مقر وزارة الصحة، تعبيرا عن إستهجانهم من إنكار الحكومة لمستحقاتهم المشروعة وبالأخص ضرورة سحب الفصل 2 من قانون الوظيفة العمومية على كافة الأعوان وتمكينهم من نظام أساسي خاص.

ضغط متواصل ظل مسلطا على وزارة الإشراف لإعادة النظر في مطالب المحتجين. إلا أن الطرف الحكومي ظلّ على موقفه المراوح بين الرفض والمماطلة. وفي هذا السياق اعتبر عثمان الجلولي كاتب عام الجامعة العامة للصحة أن الإضراب العام كان آخر السيناريوهات المحتملة إلا أن تعنت سلط الإشراف قد أجبرنا على المضي فيه، ناهيك أننا قد استبشرنا خيرا بجلسة التفاوض إلا أن تعاطي الوزارة مع مطالبنا لم يكن في المستوى المطلوب.

إضراب 18 جوان؛ حلقة جديدة في مسار طويل

لئن شغل التحرك الاحتجاجي الأخير لمهنيي قطاع الصحة اهتمام طيف واسع من الرأي العام لتزامنه مع أزمة كورونا إلا أنه يترجم استمرارية نضال أبناء القطاع منذ سنوات، وجزءا مما يشكو منه أحد القطاعات الأكثر حيوية. فقد سبق تحرك مهنيي الصحة تحركات أخرى للأطباء المقيمين وأطباء الأسنان والأطباء الشبان والممرضين وغيرهم.

فقد نفذ أعوان الصحة العمومية في  سنة 2016 إضرابا عن العمل بسبب تجاهل سلطة الإشراف آنذاك تفعيل اتفاقية سابقة أبرمت منذ 5 نوفمبر 2015 تقضي بإعادة تصنيف حاملي شهادة الفني السامي وحاملي الشهادة التطبيقية في التمريض، مع إقرار الترقيات الإستثنائية المتفق عليها، وإصدار الأمر المتعلق بأعوان التنفيذ والإستقبال، إضافة إلى تسوية وضعية العاملين بكافة الأشكال الهشة، والمطالبة بسحب الفصل 2 من قانون الوظيفة العمومية على أعوان الصحة.

لم يكن الوضع أفضل خلال سنة 2018 حيث بدأت السنة باحتجاجات قام بها الأطباء المقيمون والطلبة خلال شهر مارس بسبب قرار يؤجل تسليمهم لشهاداتهم العلمية لسنوات، وخلال شهر أوت من نفس السنة دعت الجامعة العامة للصحة مهنيي القطاع لتنظيم وقفة احتجاجية لمدة ساعتين يوميا بسبب عدم تطبيق محضر الجلسات القطاعية والجهوية والمحلية المتعلقة بالعمل الاجتماعي.

 لم تتراجع حدة الاحتجاجات خلال سنة 2019 حيث قام أطباء الأسنان خلال شهر جوان بحمل الشارة الحمراء للمطالبة بإلحاقهم بالسلك الطبي وتصحيح مسارهم المهني. حراك احتجاجي تلاه إضراب بيومين دعت إليه الهيئة الإدارية القطاعية للصحة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل يومي 4 و5 سبتمبر 2019 بسبب عدم تطبيق محضر الاتفاق الممضي بين الجامعة العامة للصحة ورئاسة الحكومة بتاريخ 11 مارس 2019 والمتعلق بإصدار الأوامر الخاصة بالترقيات الاستثنائية وأعوان المساندة للصحة.

وفي تعليقه على هذا المسار النضالي المضني ، اعتبر الكاتب العام للجامعة العامة للصحة عثمان الجلولي في تصريحه للمفكرة القانونية أنه دلالة واضحة على حقيقة ما يعانيه القطاع منذ عقود ويعكس سياسة الدولة في التعاطي مع ما نطرحه من مطالب، معتمدة في كل مرة على الوعود والتسويف أو الصمم.

خروج الأطباء والإطارات شبه الطبية إلى الشارع بدل أن يكونوا في مواقع عملهم خصوصا وأن خطر الجائحة لم ينقض بعد، يضع الدعاية الحكومية حول تغيير سياساتها تجاه قطاع الصحة العمومية محل شكّ، خاصة في ظل محدودية ميزانية وزارة الصحة لسنة 2020 والتي لن تتجاوز حوالي 5.4% من الميزانية العامة للدولة والقرارات الأخيرة للحكومة بإيقاف الإنتدابات في القطاع العام وتجميد الترقيات والمنح. غضب الأطباء والإطارات شبه الطبيّة سيترجم في حال تواصل التجاهل الحكومي إلى تجدّد هجرة الكفاءات الطبيّة خارج تونس التي تحوّلت إلى معضلة حقيقية ونزيف للعقول والمهارات يهدد حق المواطنين في الصحة.


[1] قانون عدد 112 لسنة 1983 مؤرخ في 12 ديسمبر 1983 يتعلق بضبط القانون العام لأعوان الدولة والجماعات العمومية المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية

فصل 2 (جديد) – نقح بمقتضى القانون عدد 62 لسنة 1991 المؤرخ في 22 جويلية 1991 – تضبط الأنظمة الأساسية الخاصة كيفية تطبيق هذا القانون بالنسبة لكل صنف من الأعوان وتتخذ هذه الأنظمة الأساسية في صيغة أمر.

وفيما يخص أعوان السلك الديبلوماسي وأعوان السلك الإداري والتقني الخاص بوزارة الشؤون الخارجية وأعوان سلك العالي للمصالح الخارجية التابعين للإدارة الجهوية وأعوان الديوانة وأعوان سلك المصالح النشيطة للغابات وأعوان سلك المراقبة العامة للمصالح العمومية التابعين للوزارة الأولى وأعوان سلك المراقبة العامة للمالية التابعين لوزارة المالية وأعوان هيئة الرقابة العامة لأملاك الدولة وأعوان سلك محرري العقود بإدارة الملكية العقارية وأعوان سلك الأطباء ومن يوازيهم وأعوان سلك مراقبي التراتيب البلدية وأعوان السلك التقني وسلك المنشطين الرياضيين التابعين لوزارة الشباب والطفولة وأعوان سلك المراقبة الاقتصادية التابعين لوزارة الاقتصاد الوطني وأعوان سلك متفقدي الشغل والمصالحة وأعوان سلك الخدمة الاجتماعية التابعين لوزارة الشؤون الاجتماعية[1]، فانه يمكن للأنظمة الأساسية الخاصة بهم أن تخالف بعض أحكام هذا القانون التي قد لا تتماشى وطبيعة وظائف هؤلاء الأعوان.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، لبنان ، الحق في الصحة والتعليم ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني