الإدعاء العام الأردني يوجه تهمة بالاستناد إلى اتفاقية دولية


2013-06-24    |   

الإدعاء العام الأردني يوجه تهمة بالاستناد إلى اتفاقية دولية

في سابقة هي الأولى من نوعها، قام مدعي عام جنوب عمان، القاضي أحمد الرواحنة، بإسناد تهمة الاتجار بالبشر وفقا لأحكام قانون منع الاتجار بالبشر رقم 9 لسنة 2009 ,بروتوكول منع وقمع الاتجار بالبشر لمدير شركة خدماتية متخصصة بالعمالة الوافدة. وبحسب ما جاء في وسائل الإعلام، فان الشركة وضعت 60 عاملا من الجنسيتين المصرية والهندية في مساكن غير صالحة وأوضاع صحية سيئة، حيث كانت المساكن بغرف صغيرة مكتظة بأعداد كبيرة، لا يتوفر فيها الماء والكهرباء والصرف الصحي، ومحاطة بسياج يمنع دخول أو خروج أي من العمال، كما أن القائمين على الشركة تذرعوا بأوضاعهم غير القانونية لتخويفهم وفرض بقائهم داخل تلك المساكن من أجل سلامتهم وعدم القاء القبض عليهم خلال الحملات الأمنية المنظمة للعمالة.
القرار لاقى ترحيبا من نشطاء حقوق الإنسان لتوجيه تهمة بالاستناد إلى الاتفاقيات الدولية. وفي مقابلة مع راديو عمان نت، صرّح القاضي الرواحنة “نحن نسير بخطوات وثيقة نحو تطبيق أوسع للاتفاقيات الدولية، وسوف نشهد قضايا وأحكام أكثر وأكثر وملاحقات لتطبيق الاتفاقيات الدولية وسموها على القانون الوضعي الأردني”، وأضاف “لجوؤنا كنيابة عامة ممثلة بالمدعين العامين لتطبيق الاتفاقيات الدولية وبتوجيهات مستمرة من الجسم القضائي وعلى رأسه رئيس المجلس القضائي، يتجه نحو تطبيق كل القوانين بما فيها الاتفاقيات الدولية”.
القرار الذي يعطي مجموعة من الدلائل الإيجابية، يطرح بعض علامات الاستفهام بشأن قانون منع الاتجار بالبشر الأردني: ففيما رأى البعض أن القانون المذكور لا يغطي الأفعال الجرمية التي نص عليها البرتوكول كافة، الأمر الذي أجبر القاضي الرواحنة إلى اللجوء الى برتوكول منع الاتجار بالبشر لسد النقص، رأى البعض الآخر أن اللجوء إلى البرتوكول حصل من باب التأكيد وليس بسبب القصور في القانون.
وبحسب ليندا كلش، المديرة التنفيذية لمركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، فان هؤلاء العمال يواجهون مشكلة أخرى وهي عدم قدرتهم إلى العودة إلى بلادهم في إجازة لأن أسس نظام الخروج والعودة للعمالة الوافدة المطبق من قبل وزارة العمل أعطت العامل الوافد إجازة مدتها 60 يوما بحد أقصى لجميع القطاعات و90 يوما لقطاع الزراعة شريطة أن تنتهي مدة الإجازة قبل تاريخ انتهاء التصريح الممنوح له وبموجب موافقة صاحب العمل وبعد توقيع مخالصة لتسوية الحقوق العمالية المترتبة على الطرفين (العامل وصاحب العمل). ولم يأخذ نظام الخروج والعودة بعين الاعتبار وجود مطالبة حقوقية أو شكوى جزائية من قبل العامل في مواجهة رب العمل الذي يستطيع ان يتعسف في الموافقة على الإجازة.
وتجدر الإشارة إلى أن تطبيقات قانون منع الإتجار بالبشر الأردني محدودة نسبيا وهي تنحصر عموما في مجال بيع الأعضاء البشرية. ومرد ذلك هو أن المشرع الأردني استعاد العبارات نفسها الواردة في البرتوكول، والتي لها معان ومدلولات محددة ومعينة في القانون الدولي العام ولكن ليس في القوانين الأردنية الداخلية. فعلى سبيل المثال، العمل بالسخرة التي وردت في القانون والبروتوكول نجد لها تعريفا بالمادة (2) من اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 29 لسنة 1930، وكذلك عبارة استرقاق نجد لها تعريفا في اتفاقية الرق لسنة 1926، فيما لا نجد لها تعريفا واضحا في القانون الأردني الداخلي. لذلك أصبح تعريفالجريمةفي القانون الوطنييتصف بالعمومية والغموض ويفتقر إلى الدقة. كما أن هناك عبارات أغفلها المشرع الأردني مثل “التجنيد” و”التنقيل” وكذلك الأمر بالنسبة لعبارة “الممارسات الشبيهة بالرق” التي نجد تعريفاً لها في الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرقيق والأعراف والممارسات الشبيهة بالرق لسنة 1956. وأخيرا تشكل بعض الأفعال الواردة في التعريف جرائم مستقلة بموجب قانون العقوبات من مثل الخطف والاحتيال وإجبار المرأة على ممارسة البغاء وهي جرائم تخضع لعقوبات أقل قسوة من عقوبة الاتجار بالبشر. وفي هذه الحالات، غالبا ما يميل القضاء الى تكييف أفعال الاتجار ضمن الأوصاف القانونية لقانون العقوبات، على خلفية أنها أكثر وضوحا مثل الإيذاء وهتك العرض والحرمان من الحرية، أو غيرها من الجرائم، أو ربما أيضا على خلفية أنها أقل قسوة. ويذكر أنه أمام فعل واحد متعدد الأوصاف الجرمية، تنص الفقرة 1 من المادة 57 من قانون العقوبات الأردني بأنه “إذا كان للفعل عدة أوصاف ذكرت جميعها في الحكم، فعلى المحكمة أن تحكم بالعقوبة الأشد”، في حين تنص الفقرة 2 من ذات المادة على أنه “على أنه إذا انطبق على الفعل وصف عام ووصف خاص أخذ بالوصف الخاص”. لذلك قد يكون اعتماد المدعي العام لبروتوكول منع الاتجار بالبشر هو من باب التأكيد ومحاولة لتقليل احتمالية قيام المحكمة بتكيف الأفعال الجرمية تحت بند جريمة أخرى.
ولم يتناول الدستور صراحة الرتبة القانونية للاتفاقيات الدولية المصادق عليها، إلا أن اجتهاد محكمة التمييز، أعلى محكمة نظامية في الأردن، استقر على إعطاء الاتفاقيات الدولية المصادق عليها حسب الأصول رتبةً أعلى من القوانين العادية، وان اقتصر تطبيق هذه القاعدة على الاتفاقيات المتصلة بالعلاقات التجارية أو الاقتصادية بين الأردن وغيرها من الدول، إضافة إلى كونها اتفاقيات تلقائية التنفيذ، بمعنى أن تطبيقها في النظام القانوني الأردني كان متاحا دون الحاجة لاتخاذ أي تدابير وطنية بهذا الخصوص كما هو الحال عند إلغاء رسوم جمركية على بضائع مستوردة أو تحديد طريقة احتساب التعويض عن الأضرار التي تنجم عن حوادث الطيران الدولي. ومن هذا المنطلق، يبقى تطبيق بروتوكول منع الاتجار بالبشر مباشرة في قضية جزائية موضع تساؤل: فهو ليس من الاتفاقيات تلقائية التنفيذ بل هو يقتصر على الزام الدولة الموقعة له بتعديل تشريعها الوطني ليتواءم مع أحكامه، ومبدأ الشرعية الذي ينص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص يلزم القاضي الوطني بالجرائم والعقوبات التي حددها القانون الوطني.
وختاما، الجدير ذكره أن القاضي الرواحنة حقق انجازا آخر في نيسان 2013 عندما وجه تهمة التعذيب لستة ضباط في إدارة مكافحة المخدرات سندا لأحكام قانون العقوبات على إثر وفاة نزيل في مركز إصلاح وتأهيل الجويدة بعمان.

 

نُشر في العدد الحادي عشر من مجلة المفكرة القانونية    

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، مجلة لبنان ، مقالات ، الأردن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني