أقرّت لجنة الإدارة والعدل في مجلس النوّاب في 30/01/2024 اقتراح قانون لتنظيم اللجوء المؤقت تحت عنوان “تنظيم أوضاع طالبي اللجوء إلى الأراضي اللبنانية”. إذ بعد عقود من التّقاعس التشريعيّ، استفاق النوّاب على ضرورة التشريع، ليأتي هذا الاقتراح كأوّل محاولة تشريعيّة لتنظيم حقّ اللجوء إلى لبنان منذ العام 1962. يأتي هذا الاقتراح في وقت يبحث فيه لبنان عن كيفية معالجة أزمة اللجوء الجماعي من سوريا بعد 13 عاماً من الإهمال والعشوائية، ووسط تصاعد خطاب عامّ يُطالب بالعمل على عودة السوريين إلى سوريا وغالباً ما ينزلق إلى تجريدهم من إنسانيتهم والتحريض على العنف ضدّهم. وفيما كان من المتوقّع أن يقدّم مشرّعو اليوم أدوات قانونية مدروسة تُتيح معالجة الأزمة الحاليّة وفقاً للمبادئ القانونية الأساسية وتُوازن بين حق اللجوء ومبدأ عدم التوطين، جاء هذا الاقتراح في انفصال تام عن الدستور والأنظمة القانونية اللبنانية والدولية، كما عن واقع اللجوء في لبنان، وكأنّ الهدف منه اعلاني فقط مع معرفة مسبقة بعدم قابليته للتطبيق.
وكانت لجنة الإدارة والعدل قد عقدتْ 13 جلسة لمناقشة موضوع تنظيم إقامة السوريين في لبنان من دون أن توضح ما هي الاقتراحات التي درستْها، حيث كان “المرصد البرلماني” في “المفكّرة القانونية” قد رصد ورود اقتراحيْن بهذا الشأن إلى مجلس النوّاب: الأوّل مقدّم في 9/1/2022 من قبل كتلة لبنان القوي يرمي إلى “تنظيم الوضع القانوني للنازحين السوريين في لبنان”، والثاني مقدّم في 19/09/2023 من قبل أربعة نوّاب (الياس جرادة وجميل السيّد وميشال ضاهر وسجيع عطيّة) يرمي إلى “تنظيم إقامة السوريين في لبنان وترحيلهم”، علما أننا كنّا أبدينا ملاحظاتنا على كلا الاقتراحين سابقاً. ويظهر من مراجعة اقتراح اللجنة أنّه يستند بشكل أساسي إلى اقتراح النوّاب الأربعة، إلا أنّ اللجنة قررت توسيع نطاقه ليشمل طالبي اللجوء واللاجئين مهما كانت جنسيتهم (باستثناء الفلسطينيين)، بعدما كنّا قد انتقدنْاه بصفته اقتراحاً تمييزياً لحصر نطاقه بطالبي اللّجوء من جنسية واحدة (السورية).
وفي حين أعادتْ اللجنة صياغة اقتراح النوّاب الأربعة وأدخلت عدداً من التعديلات عليه بخاصّة لجهة تقييد حقوق اللاجئين وتوسيع صلاحيات البلديات، إلا أنّها أبقت على التوّجه العامّ في مقاربة مسألة اللجوء والذي كان محلّ انتقادنا لاعتماده على أدوات عقيمة وغير دستورية. وبالفعل، يُعيد اقتراح اللجنة إحياء اتّفاقية العام 2003 الموّقعة بين لبنان والمفوّضية الساميّة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (المفوّضية) والتي نظّمت مسألة اللجوء الفردي والمؤقت في لبنان.
وقد كررت الأسباب الموجبة للاقتراح بعض ما ورد في مقدمة اتفاقية العام 2003، بعد أن أشارت إلى “تفاقم أزمة طالبي اللجوء السوريين في لبنان وعدم قيام الحكومات المتعاقبة بدورها لجهة تطبيق القوانين والأنظمة التي ترعى شؤون طالبي اللجوء عبر مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين خلال وجودهم المؤقت في لبنان”، مضيفةً بأنه “ظهرت الحاجة الملّحة للتأكيد على المعالجة القانونية لهذه الأزمة الخطيرة على الكيان اللبناني، في ظل عدم انضمام لبنان إلى الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين … كونه غير مهيأ أصلاً ليكون بلد لجوء بالنظر لاعتبارات اجتماعية واقتصادية وديموغرافية بالإضافة إلى وجود اللاجئين الفلسطينيين على أرضه الذين ترعى وجدهم قوانين خاصة.”
لكن الاقتراح لم يعالج أيّا من الثغرات التي جعلت هذه الاتفاقية غير قابلة للتطبيق خلال العقدين الأخيرين، إن كان لجهة قدرتها على معالجة حالات اللجوء الجماعي (كما هي الحال بالنسبة للاجئين من سوريا) أو لجهة إمكانية إلزام المفوّضية بموجبات تخرج عن صلاحيتها القانونية (إعادة توطين اللاجئين في بلد ثالث). أما الأخطر، فهو توّجه الاقتراح إلى تقييد حقّ اللجوء ونسف مبدأ حماية اللاجئين من التّرحيل القسري اللذيْن يشكّلان الحجر الأساس لمؤسسة اللجوء القانونية وفقاً للقانونين اللبناني والدولي.
قبل المضي في إبداء ملاحظاتنا على اقتراح لجنة الإدارة والعدل، ، نتوّقف سريعاً أمام السياق القانوني لمؤسسة اللجوء في لبنان، لما له من أهمية في سياق تعليقنا على الاقتراح كونّها المرّة الأولى التي تقرّ لجنة نيابية تنظيما قانونيا جديدا للجوء منذ العام 1962.
1- بين مشرّع الأمس ومشرّع اليوم: لبنان من “بلد الملجأ” إلى “بلد اللجوء المؤقت”
“لأن رسالة لبنان، وهذه كلمة يجب أن نرددها ونعيدها في كل مناسبة، هي رسالة إنسانية، ومن أهم أسسها، اللجوء إلى لبنان.” النائب نهاد بويز، 1962.
“إننا جميعاً هنا، متفقون على أن لبنان كان ولا يزال ويجب أن يبقى ملجأ للمضطهدين وملاذاً لمن عصفت بهم بعض التيارات السياسية. وأن يبقى فاتحاً قلبه، شارعاً أبوابه لكل من اضطهد في بلده، أو ضغط عليه بسبب عقيدته، أو بسبب مبدأ سياسي أو ميل، مهما كان لونه.” النائب بهيج تقي الدين، 1962.
“أما اللجوء السياسي يا دولة الرئيس، فنحن من الذين يريدون أن يظل لبنان كما هو واقعه بالنسبة للأحداث الشرقية والعربية، موئلاً وملاذاً وملجأً لكل من ضاقت به بلاده من أجل أية عقيدة مذهبية أو سياسية أو فلسفية، ولا شرط لنا عليه إلا، أن لا يتخذ من جو حريتنا منطلقاً لدعاية أو لغاية مأجورة. هذا هو لبنان، معترض واجباً ووجوداً أن يبقى متنفساً في الشرق لكل من لا يتنسم مناخ الحرية في غير أجواء.” النائب لويس ابو شرف، 1962.
هذه بعض مقتطفات من تصريحات للنوّاب اللبنانيين في الهيئة العامّة لمجلس النوّاب التي شهدت إقرار قانون “تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه” في تموز 1962 والذي تضمن التنظيم القانوني الأوّل لمؤسسة اللجوء في لبنان في الباب الثامن منه. وكانت الحكومة قد قدمت إلى مجلس النوّاب مشروعيْ قانون: الأول يتعلّق بالدخول إلى لبنان والإقامة فيه، والثاني يتعلّق باللجوء السياسي، مبررة ذلك بضرورة “إيجاد نظام قانوني يكرس هذه المبادئ (القانونية) العامة يستوحى من العرف الدولي والأنظمة المعمول بها في بعض البلدان كسويسرا وسواه”. وعليه، انكبّت اللجان النيابية والهيئة العامة على مناقشة أحكامهما بعدما قررت ضمهما في قانون واحد، وهو ما يُعرف اليوم بقانون الأجانب، والذي يحتوي باباً مخصصًا للجوء السياسي. ويسمح القانون للأجانب بالتقدّم بطلب للاعتراف بهم كلاجئين ومنحهم إقامة ومنع ترحيلهم إلى بلاد قد تتعرّض فيها حريّتهم أو حياتهم للخطر، تماشياً مع الأعراف اللبنانية والدولية (المواد 26 إلى 31).
حينها، كان ممثلو لبنان يُدافعون بشراسة عن حقوق اللاجئين في المنابر الدولية، فشاركوا في مناقشة الاتفاقية الدولية للاجئين وفي تأسيس مفوّضية الأمم المتحدّة لشؤون اللاجئين. وحينها كان بناء المؤسسات وضمان حق المضطهدين باللجوء واحترام التزامات لبنان الدولية من هواجس النوّاب لارتباطها الوثيق بهوية الدولة والوطن، بخاصّة خلال عهد الرئيس فؤاد شهاب. أما اليوم، فيبدو أنّ نوّاب لجنة الإدارة والعدل قد تخلّوا عن هذه المبادئ، كما عن هذا القانون، إذ لم تردْ أيّ إشارة في الاقتراح الذي أقرّته اللجنة في بداية العام 2024 إلى قانون الأجانب واللجوء رغم أنّه لا يزال جزءاً من المنظومة القانونية اللبنانية.
بالطبع، لا يخفى على أحد أن السياق السياسي والاقتصادي قد اختلف بين العام 1962 واليوم. فمنذ إقرار هذا القانون، شهد لبنان موجات تهجير قسري جماعي من فلسطين بعد نكسة 1967، ومرّ بعد العام 1975 في موجات من الحروب دامية أدّت في العام 1990 إلى تعديل دستوري أقرّ مبدأ عدم التوطين بهدف حماية وحدة أرض لبنان “أرض واحدة لكل اللبنانيين” (الفقرة -ط- من مقدمّة الدستور). لكنّ في موازاة تكريسه لهذا المبدأ، كرّس أيضاً هذا التعديل الدستوري حقّ طلب اللجوء في لبنان الذي أصبح ذات قوّة دستورية أيضاً، وذلك بموجب الفقرة -ب- من مقدمة الدستور التي كرّست التزام لبنان بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 14 منه التي تمنح كل فرد الحقّ في “التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتُّع به خلاصًا من الاضطهاد.” وعليه، يفرض الدستور، من خلال تكريسه حقّ طلب اللجوء في لبنان ومنع التوطين على أرضه، على المشرّع أن يوازن بينهما في أي تشريع يصدر عنه، حتى ولو أعلن لبنان رفضه الانضمام إلى اتفاقية اللاجئين لعام 1951.
ورغم هذا الواقع الدستوري الذي ينفي صحّة مقولة أن “لبنان ليس بلد لجوء”، ورغم وجود نظام قانوني للجوء في قانون الأجانب، لم تمنح الدولة اللبنانية “صفة اللجوء السياسي” رسمياً إلا مرّة وحيدة، وذلك في العام 2000 حين حصل المواطن الياباني كوزو أوكاموتو على أوّل بطاقة لاجئ صادرة عن الأمن العام (خلال توّلي النائب الحالي جميل السيّد إدارته) منعاً لتسليمه للسلطات اليابانية بعد أن تعرّض للتعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي نتيجة نضاله إلى جانب المقاومة الفلسطينية. وتوضّحت سياسة الدولة اللبنانية في هذا المجال في العام 2003 لدى إقرارها اتفاقية مع مفوّضية اللاجئين لتنظيم معالجة طلبات اللجوء، حيث جاء في مقدمتها ما كررته لجنة الإدارة والعدل في الأسباب الموجبة لهذا الاقتراح لجهة ما يلي:
“أن لبنان يرى أنه غير مهيأ ليكون بلد لجوء بالنظر لاعتبارات اجتماعية واقتصادية وديموغرافية بالإضافة إلى وجود مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على أرضه، وحيث أن لبنان ليس بلد لجوء، وأن الحل المناسب هو في إعادة توطين اللاجئين المعترف بهم من قبل مكتب المفوضية في بلد آخر، لذلك فإن عبارة “طالب لجوء” وحيثما وردت في هذه المذكرة, تعني طالب لجوء إلى بلد آخر غير لبنان.”
وعليه، ورغم إقرار الاتفاقية بأن “لبنان ليس بلد لجوء”، إلا أنّها أوضحت أنّه يشكّل بلد لجوء مؤقتاً وليس دائماً، إذ وضعت آلية تهدف إلى إيجاد “حلول انسانية مؤقتة” لطالبي اللجوء على الأراضي اللبناني، وذلك من خلال منحهم تصاريح تجوّل وتمكينهم من طلب الحماية الدولية عبر مفوّضية اللاجئين على أن تتم إعادة توطينهم في بلد ثالث خلال مهلة سنة. وعليه، أوكلت الدولة اللبنانية مسؤولية دراسة طلبات اللجوء إلى المفوّضية، وهي الجهة التي منحتها الجمعية العامّة للأمم المتحدّة صلاحية استقبال طلبات الحماية في جميع الدول والبحث عن حلول دائمة للاجئين (العودة الطوعية إلى بلد الأصل، الاندماج في بلد اللجوء، أو إعادة التوطين في بلد ثالث).
وما أن أبصرتْ هذه الاتفاقية النور، بدأت موجات اللجوء من العراق إلى دول المنطقة، ومنها لبنان، تبعاً لاجتياحه من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها. وفيما كان عدد طالبي اللجوء واللاجئين المسجلين لدى المفوضية لا يتجاوز 3000 شخصاً لدى إقرار الاتفاقية، ارتفعتْ أعداد مقدّمي طلبات اللجوء سريعًا إلى 10 آلاف شخصاً من العراق في العام 2009، وقُدّر عدد العراقيين في لبنان ب 50 ألف. أما اليوم، فوصل أعداد السوريين الذين تقدموا بطلبات لجوء لدى المفوّضية إلى ما يٌقارب 780 ألف شخصاً (ما يقدّر ب 186 ألف عائلة). وعليه، بات من الواضح أن آليات معالجة حالات اللجوء وفق هذه الاتفاقية، والتي تستند على معالجة فردية لطلبات اللجوء بهدف إعادة توطينهم في بلدان أخرى، فقدتْ فعاليتها مع تحول اللجوء إلى حالة لجوء جماعي. وقد استمرّ لبنان الرسمي بتأكيد التزامه بعدم ترحيل الأجانب الذين قد يتعرّضون للخطر في بلادهم حتّى بعد تيّقن وجود استحالة عملية في تطبيق هذه الاتفاقية.
من هذا المنطلق، ومن قراءتنا للإطار القانوني اللبناني، يمكن اختصار التزامات لبنان الدستورية والدولية تجاه اللاجئين (إن لجأوا بشكل فردي أو بشكل جماعي) بالآتي: ضمان حقّهم بتقديم طلبات اللجوء إلى مكتب المفوّضية، منحهم إقامة مؤقتة، والامتناع عن ترحيلهم قسراً إلى بلادهم، وذلك إلى حين إيجاد حلّ دائم لهم إما من خلال توّفر الظروف لعودتهم الطوعية والآمنة إلى بلادهم أو في حال قبول دولة ثالثة إعادة توطينهم على أراضيها، كل ذلك من دون أن يكون لبنان ملزماً بتجنيسهم أو توطينهم. وفيما نشهد تراجعًا جسيمًا من دول الشمال السياسي على صعيد القيم الإنسانية والمبادئ القانونية الأساسية في سياق حرب الإبادة في غزة، كيف سيتعامل المشرّع اللبناني مع هذه المبادئ القانونية الهامّة، فيما يواجه أزمة لجوء غير مسبوقة من سوريا؟
2- ملاحظات حول المنهجية التشريعية للاقتراح
بالعودة إلى إقتراح لجنة الإدارة والعدل لتنظيم أوضاع طالبي اللجوء إلى لبنان، يظهر من مراجعة مضمونه وتقرير اللجنة وجود قصور جديّ في المنهجية التشريعية المتّبعة منها لإقرار الاقتراح، أبرزها:
أولاً: رغم أن اللجنة قدّمت الاقتراح على أنّه “منسجماً ومتسقاً مع القوانين ذات الصلة النافذة” في أسبابه الموجبة وأشارت في تقريرها إلى أنّها اطعت “على القوانين ذات الصلة والاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص، سواء التي لم ينضم إليها لبنان أم تلك التي وقع عليها”، إلا أنّه في الواقع يأتي الاقتراح كنصّ قائم بشكل منعزل عن المنظومة القانونية اللبنانية. فلم يستند إلى النصوص القانونية السارية المفعول التي ترعى إقامة الأجانب في لبنان، ولم يتضمّن أي توضيح حول كيفية ملاءمتها مع النصوص الجديدة المقترحة. ولا يُشير إن كان في أسبابه الموجبة أو في مواده إلى قانون العام 1962 الذي يتضمّن باباً خاصّاً حول “اللجوء السياسي”، ولا إلى الدستور اللبناني الذي يكّرس حقّ طلب اللجوء في لبنان، إذ اكتفى بالاستناد إلى اتفاقية العام 2003 الموقعة مع المفوضية.
ثانياً: استمعت اللجنة إلى آراء خمس وزارات (العدل، الداخلية والبلديات، الخارجية، الشؤون الاجتماعية، والمهجرين) والمديرية العامة للأمن العام، ولم يظهر أنها استطلعت رأي المفوضية، في حين أنّ الاقتراح يفرض موجبات قانونية على هذه الأخيرة. وما يزيد من خطورة هذا الأمر هو أن هذه الموجبات (إعادة توطين اللاجئين في بلد ثالث) التي يلقيها الاقتراح على المفوضية تخرج عن صلاحياتها، كما عن صلاحيات الدولة اللبنانية.
ثالثاً: لم يستند الاقتراح إلى أية دراسة أو أرقام حول واقع اللجوء في لبنان واحتياجات المؤسسات المعنية فيها في ظلّ الأزمة الحادّة في القطاع العام، فجاء منفصلاً عن الواقع.
رابعاً: تضمّن الاقتراح عدداً من الأخطاء اللغوية، كما غابت الدقّة القانونية عن صياغته بشكل عام، فتضمن بعض البنود المصاغة بشكل ركيك (مثلاً “الدخول غير الشرعي” بدلاً من الدخول من دون المرور بالمعابر الرسمية، و”التأكد من الأوراق القانونية” بدلاً من التثبت من حيازة تصريح التجوّل الذي يمنحه الأمن العام). كما شملت بعض المفاهيم المبهمة (مثلاً “الجهة التي ترعى لجوءه”) من دون أن يقدّم لها تفسيراً واضحاً. ويستخدم الاقتراح تارةً عبارة “طالب لجوء” وطورًا عبارة “لاجئ” وأحيانا كلتا العبارتين من دون سبب واضح.
3- تقييد الحق في طلب اللجوء: مخالفة دستورية؟
بعد أن ألغت اللجنة حصر الاقتراح باللاجئين السوريين، ينصّ اقتراحها على أنّه ينطبق على “كل أجنبي دخل إلى لبنان بصورة غير شرعية وتقدم بطلب لجوء إلى بلد ثالث عبر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان”، على أن يستتثنى منه “اللاجئون الفلسطينيون الذين تنظم أوضاعهم القوانين والأنظمة الخاصّة بهم” (المادة الأولى). وعليه، فهو لا ينطبق على جميع المواطنين السوريين، بل فقط على فئة من الأجانب الذين تقدموّا أو سيتقدّمون بطلبات لجوء إلى المفوّضية. وعليه، فإنّه من المتوقع أن يطال الاقتراح في حال إقراره ما يقارب 780 ألف لاجئاً من سوريا مسجّلين لدى المفوّضية (وفقاً لأرقام المفوضية في 31 آذار 2024)، وما يقارب 12 آلاف لاجئاً وطالب لجوء من دول أخرى (مثل العراق والسودان وأثيوبيا)، بالإضافة إلى الطلبات الجديدة التي قد تقدّم بعد صدوره في حال إقراره.
ويظهر أنّ الاقتراح يحصر نطاقه بطالبي اللجوء الذين دخلوا إلى لبنان بصورة “غير شرعية”، أي من دون العبور بالمعابر الحدودية الرسمية، من دون توضيح الأسباب لذلك، علماً أنّ طالبي اللجوء قد يدخلون إلى لبنان بالطرق القانونية نظراً لمنحه تأشيرات دخول تلقائية على الحدود للعديد من الجنسيات العربية وغير العربية. بالإضافة إلى ذلك يمنع الاقتراح الأجنبي الذي دخل لبنان بطريقة غير قانونية أن يتقدم بطلب لجوء بعد انقضاء مهلة “شهرين من تاريخ دخوله الأراضي اللبنانية أو من تاريخ نفاذ هذا القانون” (المادتان 2 و12)، وهو ما يتجاهل الحالات التي تظهر فيها أسباب اللجوء بعد مغادرة الأجنبي بلاده وخلال تواجده في لبنان (مثلاً في حال اندلاع حرب أو المباشرة بملاحقته في بلاده أو أخذه علماً بالخطر على حريته أو حياته بعد مغادرته بلاده)، أو ما يعرف بالقانون الدولي بال “refugee sur place”.
ومن الواضح أن هذين الشرطين الواردين في الاقتراح لممارسة حق طلب اللجوء (الدخول غير القانوني وتقديم طلب اللجوء خلال مهلة شهرين) يخالفان بوضوح المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي لا تجيز وضع شروط مماثلة على حق الأجنبي بطلب اللجوء. ولئن يشكل الإعلان العالمي جزءا لا يتجزأ من الدستور وفقاً للاجتهاد المستقر للمجلس الدستوري ومجلس شورى الدولة ومحكمة التمييز، فإن من شأن إبقاء هذين الشرطين أن يعرّض القانون في حال إقراره للإبطال لعلة عدم الدستورية.
كما تجدر الإشارة إلى استعادة الاقتراح لعبارة “طلب لجوء الى بلد ثالث عبر المفوّضية” التي وردت في اتفاقية 2003، في حين أنّها لا تستقيم قانوناً. فعدا عن أنّ طلب اللجوء يقدّم فعلياً في لبنان (ويشكل فتح المجال لتقديمه موجبًا دستوريًا كما أسلفنا) وليس في بلد ثالث، كان من الأجدى على الاقتراح استخدام عبارة “طلب الحماية الدولية” كما يرد في قرارات الجمعية العامّة للأمم المتحدة التي منحت المفوضية الصلاحية القانونية لاستقبال طلبات الحماية الدولية من طالبي اللجوء في جميع الدول.
4- نسف مبدأ عدم جواز الإعادة القسرية
عندما أحالت الحكومة اللبنانية في العام 1962 مشروع القانون المتعلق باللجوء السياسي إلى المجلس النيابي، أصرّت حينها لجنة الإدارة والعدل على إضافة نصّ واضح يمنع ترحيل اللاجئ “إلى أرض دولة يخشى فيها على حياته أو حريته” استناداً للاتفاقيات الدولية الجماعية. وقد جاء ذلك تماشياً مع العرف الدولي الذي يمنع الإعادة القسرية للأجانب إلى بلد قد تتعرضّ فيه حريتهم أو حياتهم للخطر. وفيما لا يزال هذا المبدأ محفوراً في المادة 31 من قانون العام 1962 كما في المادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادق عليها لبنان، لم يتوقّف أي من نوّاب لجنة الإدارة والعدل اليوم أمام هذه المبادئ القانونية المُلزمة، بل على العكس تماماً ذهبوا في اتجاه نسفها. إذ ينصّ الاقتراح على أن “يفقد طالب اللجوء هذه الصفة بالنسبة للدولة اللبنانية في حال مخالفته القوانين اللبنانية أو تعرضه لأحكام قضائية فيجرى تحضير ملف ترحيل من قبل المديرية العامة للأمن العام التي تتخذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن” (المادة 13).
عدا عن صياغته الركيكة، يأتي هذا البند في تناقض تامّ مع أبسط الأعراف والمبادئ القانونية كونه يقترح ترحيل اللاجئ في حال ارتكابه أي مخالفة للقوانين، وهو ما قد يشمل مخالفات بسيطة مثل مخالفات السير وصولاً إلى الجنايات الأكثر خطورة. وفيما كانت اتفاقية عام 2003، كما الاقتراح، قد أكّدا على أن صفة اللجوء لا تحول دون ملاحقة اللاجئ في حال مخالفته القوانين اللبنانية (وهو أمر بديهي لا يحتاج لنصّ قانوني لكن الاقتراح أصرّ على تكراره)، إلا أنّها حصرت إمكانية إخراجه من البلاد “في حالة ارتكابه جريمة كبرى مثل تشكيله تهديداً للأمن الوطني كالانتماء إلى مجموعات إرهابية أو ارتكابه جريمة منظمة أو غير ذلك” (البند 7). فضمنت الاتفاقية مبدأ الموازنة بين الخطر الذي قد يتعرّض له اللاجئ في حال إعادته إلى بلاده والخطر الذي قد يشكّله بقاؤه في لبنان، ولم تُجز ترحيل اللاجئ إلا في حال ارتكابه جريمة ذات خطورة كبرى تماشياً مع المعايير الدولية. كما تجدر الإشارة إلى أنّ فقدان صفة اللجوء يخضع لشروط محددة في القانون الدولي قد تشمل ارتكاب حائزها على جريمة ذات درجة عالية من الخطورة، علماً أن الخطورة تُقاس بشكل فردي وفقاً لكل لاجئ وليس بشكل جماعي (كأن يشكّل بقاء كلّ السوريين خطرًا محتملًا على لبنان) كون ذلك يصل إلى مرتبة العقاب الجماعي.
ولم يكتفِ اقتراح لجنة الإدارة والعدل بنسف مبدأ عدم الترحيل القسري لمجرّد ارتكاب اللاجئ أي مخالفة قانونية، بل أوكل مهمة ترحيل اللاجئين إلى المديرية العامة للأمن العام بموجب نصّ مصاغ بشكل ركيك، ومن دون وضع أي ضوابط لهذا الإجراء إن كان لجهة شروطه أو لجهة الأصول المتبعة للترحيل. هنا أيضاً ذهب مشرّعو اليوم في اتجاه مناقض تماما لما ذهب إليه مشرّعو الأمس، إذ أثارت المادة 17 من قانون عام 1962 جدلاً كبيراً في النقاشات النيابية حيث اعترض النوّاب على منح مدير العام للأمن العام صلاحية واسعة للاستفراد بقرار ترحيل الأجنبي من لبنان. فصرّح مثلاً النائب أميل البستناني أن:
“هذا البلد، ننادي ونفاخر جميعاً بأنه بلد الحريات، منها الحرية للمعتقد، والحرية السياسية، والحرية الصحفية إلى غيرها من الحريات المنسجمة، فتحنا صدرنا وسنظل نفتح صدرنا في لبنان لكل من يريد أن يعيش معنا بهدوء وسلام، وطبعاً قد يسيء البعض أحياناً إلى مبدأ الضيافة ولا بد من الإخراج لمن أساء، ولكن يا سيدي أن نضع نحن، وأن يضع لبنان مبدأ الإخراج، بيد شخص واحد فهذا ما لا يمكن أن نقبله أبداً! مهما علا مقام هذا الرجل!! (…) هذا يا سيدي، لا يمكن أن نوافقكم عليه أبداً، إلا إذا وقفتم وقلتم هنا وسجلتم على أنفسكم، أن للوزير أو للوزراء الحق بنقض هذا القرار. عند ذلك نعلم أن هنالك ضمانة بحيث ان الوزير يحاكم هنا في هذا المجلس.”
وعلى أثر هذه النقاشات، رفض النوّاب حينها منح المدير العام للأمن العام صلاحية ترحيل الأجانب إلا في حالات استثنائية (إذ كان في وجوده ضرر على الأمن والسلامة العامين) وضمن ضوابط عدّة (كإبلاغ وزير الداخلية) أُضيفت إلى المادة 17 من قانون عام 1962.
وما يزيد من خطورة توّجه الاقتراح، هو أنّ العديد من عمليات الترحيل لمواطنين من سوريا أو من دول أخرى التي ينفذها الأمن العام اليوم تفتقر للضمانات القانونية الضرورية، ومنها الضمانات المتعلّقة بحقوق الدفاع كأن يتم تبليغ قرار الترحيل وأسبابه للأجنبي ومنح هذا الأخير مهلة كافية للاعتراض عليه. كما أنّ عمليات الترحيل غالباً ما تجري من دون أي رقابة فعلية من الحكومة أو من مجلس النوّاب وفي تجاهل تام لقرار مجلس شورى الدولة الذي فرض على الحكومة تنظيم شروط دخول السوريين إلى لبنان والإقامة فيه لعدم صلاحية الأمن العام القيام بذلك منفرداً.
5-آلية عقيمة لمعالجة طلبات اللجوء
كما أشرنا سابقاً، لا يقدّم الاقتراح أداة فعّالة لمعالجة أزمة اللجوء الحالية بل يُحاول إعادة إحياء أداة قديمة، عقيمة وغير منتجة. واستندت أسبابه الموجبة على اتفاقية العام 2003، واكتفت معظم بنوده بتكرار بنود الاتفاقية مع إعادة صياغتها بشكل بسيط. وعليه، استعاد الاقتراح الآلية العقيمة التي تعتمدها هذه الاتفاقية لمعالجة طلبات اللجوء والتي كناً قد فصّلنا حدودها أعلاه وفي إطار تعليقاتنا السابقة على العريضة النيابية المقدمة في تموز 2023 وعلى الاقتراح الأساسي المقدّم من النوّاب الأربعة في أيلول 2023، نستعيدها هنا بشكل موجز:
أولاً: وُضعت هذه الآلية لمعالجة عدد قليل من طلبات اللجوء كما أشرنا سابقاً، وليست قابلة للتطبيق في حالات اللجوء الجماعي كما هي الحال بالنسبة للجوء من سوريا. كما أن الاقتراح لم يتضمن أي بنود انتقالية لمعالجة طلبات اللجوء المقدّمة بتاريخ سابق لصدوره، والتي تتجاوز 790 ألف شخصاً.
ثانياً: تستند الآلية على إلزام المفوّضية بإعادة توطين اللاجئين إلى بلد ثالث خلال مهلة أقصاها السنة، ويحصل اللاجئون خلالها على تصريح تجوّل مؤّقت من الأمن العام (3 أشهر لطالب اللجوء خلال دراسة المفوّضية لطلبه، و9 أشهر للاجئ المعترف فيه لإعادة توطينه). بالإضافة إلى كون هذه المهل غير واقعية كلياً كون دراسة طلبات اللجوء وطلبات إعادة التوطين غالباً ما تتجاوز السنة (واحياناً السنوات)، يبقى أن المفوّضية لا تملك قرار إعادة توطين اللاجئين بيدها، إذ أنّ هذا القرار يعود للدول التي تستقبل اللاجئين والتي لديها برامج لهذا الهدف (ومنها كندا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا). هذا فضلاً عن أن برامج إعادة التوطين تبقى غير كافية لتوفير الحل الدائم لأغلبية اللاجئين في لبنان.
ولتكوين فكرة واضحة في هذا الشأن، يجدر التذكير بأن القانون الدولي يعتمد في حالات اللجوء الجماعي على آليات مختلفة ترتكز في مرحلة أولى على اعتبار أن كلّ من غادر مناطق النزاع هو “لاجئ بشكل ظاهري”، ما يستوجب منحه الحماية الدولية “المؤقتة” بالحد الأدنى، مقابل أن تحصل الدولة المستضيفة على دعم من الدول الأخرى سنداً لمبدأ التضامن الدولي. بالطبع، تعكس أزمات اللجوء انعدام المساواة بين دول العالم، إذ تستقبل اليوم الدول ذات الدخل المتوسط والأدنى 75% من اللاجئين في العالم، غالباً بسبب موقعها الجغرافي المتاخم للدول التي تشهد النزاعات والتهجير القسري، كما هي الحال بالنسبة للبنان وسوريا. أما الدول ذات الدخل العالي والتي غالباً ما تكون شريكة في سبب اللجوء، فتختار من يدخل أراضيها بالقطارة عبر برامج خاصّة لإعادة التوطين وفقاً لشروط قاسية تختلف عن شروط الهجرة العادية.
وإن تأتي برامج إعادة التوطين تنفيذاً لمبدأ التضامن بين الدول في حماية اللاجئين، غير أنّها تبقى غير كافية لتوفير الحلّ الدائم لأغلبية اللاجئين في الدول الأكثر فقراً غير القادرة على توفير احتياجات مجتمعاتها. وفي العام 2022، لم يتمكّن سوى حوالي 50% من اللاجئين في مختلف دول العالم من أصل الذين طلبت المفوّضية إعادة توطينهم من مغادرة بلد اللجوء الأوّل إلى بلد ثالث (حوالي 58 ألف من أصل 116 ألف طلب)، علمًا أنّ دول الاتحاد الأوروبي لم تستقبل في إطار برامج إعادة التوطين سوى 21 ألف لاجئ، من ضمنهم 13 ألفًا من سوريا. وتقدر المفوّضية أنّ حوالي 245 ألف سوري في لبنان سيكونون بحاجة لإعادة التوطين في العام 2024. ورغم تأكيد الميثاق العالمي بشأن اللاجئين في العام 2018 على المسؤولية الدولية المشتركة عن اللاجئين، ووضعه آلية تعاون دولي تهدف إلى تخفيف الضغوط على الدول المستضيفة، وتعزيز قدرة اللاجئين على الاعتماد على الذات، وتوسيع نطاق الوصول إلى حلول في دول ثالثة، ودعم ظروف العودة إلى بلد الأصل، لم تظهر بعد آثار هذا الميثاق في لبنان.
وفيما اتكل لبنان لغاية الآن على جهود المفوضية لمطالبة دول الشمال بتعزيز برامج إعادة التوطين من لبنان، قد يكون من الأجدى أن يتم تكليف وزارة الخارجية اللبنانية صراحة بالتباحث مع دول أخرى لتأمين حلول للاجئين السوريين المقيمين في لبنان وغير القادرين على عودة إلى سوريا في المرحلة الراهنة.
6- تقييد حقوق اللاجئين: مخالفة دستورية أخرى؟
يُضيف الاقتراح عدداّ من القيود على طالبي اللجوء واللاجئين المعنيين بنطاقه. فقد أضاف بنداً يُعاقب الأجنبي الذي يُخالف الشروط المدوّنة على تصريح التجوّل الذي يمنحه الأمن العام (بالحبس من أسبوع حتى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين ثلاث مرات الحد الأدنى الرسمي للأجور وعشرة أضعافه)، وذلك من دون وضع أي ضوابط على هذه الشروط التي يعود للأمن العام تحديدها بإرادته المنفردة، وهو ما قد يشكّل أيضاً مخالفة دستورية لعدم جواز وضع قيود على الحريات والحقوق الأساسية (كحرية التنقل) إلا بإرادة المشرّع الصريحة. ويمنح الأمن العام الحق في إصدار “جميع التعليمات اللازمة” للمفوضية “بما يحفظ سيادة وسلامة واستقلال الأراضي اللبنانية” وتنفيذ اتفاقية العام 2003 من دون توضيح نطاق هذه التعليمات أو طبيعتها، ما يمنح الأمن العام صلاحيات واسعة على مؤسسة أممية تتمتع بالحصانة الدبلوماسية.
بالإضافة إلى ذلك، ينصّ الاقتراح على فرض سلسلة من القيود على اللاجئين الذين يخضعون لنطاقه. فهو “يمنع مطلقاً منح الجنسية اللبنانية لأي لاجئ أو طالب لجوء” (المادة 3)، فيما يشكّل ترجمة لمبدأ عدم التوطين، إلا أنّ هذا الحظر العام قد يصطدم بحق اللبنانيين في وحدة أسرتهم في حال حصول زواج بين لاجئ(ة) ولبناني(ة) قبل أو بعد تقديم طلب اللجوء، وهو ما أغفله الاقتراح.
بالإضافة إلى ذلك، ينصّ الاقتراح على منع “طالب اللجوء” من “تملك أي حقوق عينية على الأراضي اللبناني” (المادة 3)، كما يمنع “حامل بطاقة طالب لجوء” من “العمل في لبنان طيلة مدة إقامته” (المادة 5)، وهي قيود تشكّل تمييزاً غير مبرر بحق طالبي اللجوء مقارنة مع غيرهم من الأجانب، طالما أنّ هناك أنظمة قانونية خاصّة تقيّد حقوق جميع الأجانب من العمل والتملّك في لبنان.
7-البلديات رقيب على اللاجئين وتجريم المؤجر
يُلزم الاقتراح اللاجئ بالتسجيل لدى البلدية التي يقيم في نطاقها، ويُلزم البلديات بإفادة الأمن العام “تفصيلاً عن كل لاجئ أو طالب لجوء يقيم في نطاقها بالأسماء، والجنسيات، والعناوين، وحيازتهم بطاقة طالب لجوء، كما الإفادة عن كل تعديل في تلك اللوائح تباعاً بما فيهم اسم الجهة التي ترعى لجوءه” من دون توضيح ما المقصود بعبارة “الجهة التي ترعى لجوئه” (المادة 4).
ولا يكتفي الاقتراح بحصر دور البلدية بالتصريح عن اللاجئين المقيمين في نطاقها، بل يمنحها الحق في “اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتنظيم قانونية وضبط اقامة وانضباط طالبي اللجوء ضمن النطاق البلدي بما فيها تقييد حرية التنقل وأي حق آخر وذلك تحت رقابة القضاء المختص”. هنا أيضاً يعتمد الاقتراح عبارات مبهمة وغير واضحة. فما المقصود ب “ضبط إقامة” طالبي اللجوء طالما أن هذا الصلاحيات المتعلّقة بالإقامة تعود إلى الأمن العام؟ وما المقصود ب “ضبط انضباط” طالبي اللجوء، طالما أنّ البلديات لا تتمتع بصلاحية “تأديبية” بحق المقيمين في نطاقها؟ ويبقى أخطر ما في هذا البند هو منح البلديات صلاحية تقييد الحقوق الدستورية والحريات الأساسية لطالبي اللجوء، ومنها حرية التنقل، من دون وضع أي ضوابط لذلك، في حين أن تقييد الحريات العامّة (للمواطنين كما للأجانب) يشترط أن يحيطه المشرّع بضوابط صارمة وفقاً للمبادئ القانونية العامّة (لا سيما مبدأي الضرورة والتناسب في فرض القيود) منعاً لأي تعسّف. ورغم الإشارة إلى أنّ هذا التقييد للحريات يحصل “تحت رقابة القضاء المختص”، لم يوضح الاقتراح طبيعة هذه الرقابة، وما إذا كان المقصود بها رقابة مسبقة كأن تستحصل البلديات على إذن قضائي مسبق لاتخاذ أي قرار يقيّد الحريّات العامّة، أم رقابة لاحقة في حال الطعن في هذا القرارات أمام القضاء. وفيما من المرّجح أن هذا البند يأتي في محاولة لإضفاء الشرعية على قرارات حظر التجوّل بحق السوريين أو الأجانب التي صدرت عن أكثر من بلدية، يُخشى أن يتم استغلاله من أجل توسيع صلاحية البلديات في التعدّي على حقوق الأجانب كما المواطنين.
بالإضافة إلى ذلك، يضع الاقتراح موجبات جديدة على المؤجرين مع ربطها بعقوبات قاسية. فهو يُلزم “كل مالك عند تنظيم عقد إيجار لأحد طالبي اللجوء التأكد من أوراق هذا الأخير القانونية” وإفادة البلدية لدى تسجيل عقد الإيجار لديها بأنّ “المستأجر هو من طالبي اللجوء وإرفاق الإفادة بصورة عن البطاقة المؤقتة الممنوحة من الأمن العام” (المادة 5). كما أنّه يُنشئ جنحة جديدة حيث يفرض على المالك في حال مخالفته هذه الموجبات عقوبة الحبس من شهرين إلى ثلاث سنوات وغرامة مقدارها 30 مرة بدل الإيجار الشهري. وعدا عن قساوة هذه العقوبة وعدم تناسبها مع طبيعة المخالفة الإدارية، جاءت صياغة هذا النصّ مبهمة بما قد بشكّل مخالفة لمبدأ شرعية الجريمة، إذ ينصّ الاقتراح على مُعاقبة “كل مخالف لأحكام الفقرة الأولى” من المادة 4 من الاقتراح التي تتضمن أكثر من موجب على المالك. فهل يُجرّم المالك مثلاً لعدم تسجيله عقد الإيجار لدى البلدية أو لتسجيله عقد الإيجار من دون التصريح أن المستأجر هو طالب لجوء أو لمجرد عدم إرفاق صورة عن تصريح التجوّل مع عقد الايجار؟ ويُخشى أنّ يؤدّي هذا البند، في حال إقراره، إلى ربط الحق في السكن اللائق بحيازة الأجنبي للإقامة الرسمية خلافاً للمعايير الدولية وإلى تجنّب المالكين من إبرام عقود إيجار مع الأجانب بشكل عام، خوفاً من الملاحقة في حال تقدّم أي منهم بطلب لجوء خلال مدة الإيجارة.
للاطلاع على اقتراح قانون تنظيم الوضع القانوني للنازحين السوريين في لبنان كما عدلته لجنة الادارة والعدل