أثارت جمعيات حقوقية قضية احتجاز الأمن العام اللبناني لعائلة سودانية-سيريلانكية مؤلفة من سبعة أفراد بسبب عدم تمتعها بوضع هجرة نظامي. العائلة التي عاشت في لبنان منذ نحو 20 عاماً، لديها أربعة أطفال دون 18 عاماً، وشاب في عمر 18. اليوم، أفراد الأسرة كافة محتجزون، مما يعرّض الأطفال لأضرار نفسية وجسدية، ويشتت العائلة كون الأمن العام أخبر الأم (42 عاماً) أنه سيتم ترحيلها إلى بلدها سريلانكا، والأب (57 عاماً) مع الأولاد إلى السودان. لا ترتبط القضية فقط بصعوبة ظروف المهاجرين في لبنان والتمتع بوضع سليم قانونياً وعدم مخالفة شروط الإقامة، إنما أيضاً بالحق باللجوء للأفراد الذين هم في خطر في حال إعادتهم قسرياً إلى بلادهم، وحقوق الأطفال، ووحدة الأسرة، كما ينسحب على نظام الكفالة في لبنان الذي يُقيد حرية العمال والعاملات الأجانب، ويجعلهم في وضع هشّ، بالإضافة إلى الحق بالدفاع عن النفس عند اتخاذ قرارات الترحيل.
العائلة، ووفقاً للبيان الذي أصدرته منظمات “حركة مناهضة العنصرية ARM” و”منظمة العفو الدولية” و”المركز اللبناني لحقوق الانسان” و”هيومن رايتس ووتش”، عاشت طوال فترة عشرين عاماً في لبنان، رُزقت خلالها بخمسة أولاد، ولهم ابنة في الخامسة من عمرها أطلقوا عليها اسم المدينة التي يحبون “بيروت”. طالب البيان الأمن العام، “الجهاز المسؤول عن دخول الأجانب وخروجهم، بإطلاق سراح العائلة بانتظار حل إجراءات ترحيلها، مع التشديد على أنه عليه أن يضمن بقاء أفراد الأسرة معا. وفي حال وجود أسباب محددة ومُقنعة لفرض قيود على العائلة، ينبغي له اتخاذ تدابير أخرى غير الإحتجاز. كما ينبغي عدم احتجاز الأطفال بأي حال من الأحوال لأسباب متعلقة بالهجرة، لأن الإحتجاز قد يؤذيهم بشدة”. وبالتالي احترام حقوق الأطفال في عدم الإحتجاز كما عدم فصلهم عن أهلهم، وفقا لمقرري الأمم المتحدة الخاصّين المعنيين بالتعذيب وحقوق المهاجرين.
واستند البيان إلى موقف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في كانون الثاني 2017، والذي يقول أنه “يجب ألا يُحتجز الأطفال، بمفردهم أو مع أهلهم، لأغراض الهجرة بصرف النظر عن وضع الهجرة الخاص بهم وبوالديهم”. وتدعو اتفاقية حقوق الطفل التي وقع عليها لبنان عام 1991، إلى أن يكون أي حرمان من الحرية على أساس وضع هجرة الطفل “محظورا بموجب القانون وإلغاؤه مكفولا في السياسة والممارسة العملية“.
هذه المرة يظهر أن الأمن العام اللبناني اعتمد طريقة مغايرة في التعامل مع مخالفي شروط الإقامة عبر “مداهمة منازلهم”. وبحسب البيان، بداية احتجز الأمن العام أكبر أبناء الأسرة وعمره 18 عاماً في 14 شباط 2019. وفي 3 تموز 2019 داهم الأمن العام منزل العائلة في بيروت واعتقل الوالد وزوجته، ومعهما طفلة في الخامسة من عمرها. وتمت إحالة الأم وأصغر طفليها إلى ملجأ تديره مؤسسة كاريتاس. وفي اليوم التالي، احتجزت السلطات اللبنانية الأبناء الآخرين الذين تركوا من دون رعاية عند احتجاز الأم والأب، وهم أطفال أعمارهم 11 و13 و16 عاماً. وأشار البيان إلى أن الوالدين حاولا سابقا تسجيل طلبات لجوء لدى “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، لكنهم لم يحصلوا عليها.
ترك الأب، وهو سوداني الجنسية، بلاده تجنباً للتجنيد الإجباري بعدما قُتل شقيقاه في الحرب الأهلية قبل عشرين عاماً، فيما عملت الأم (سريلانكية الجنسية) عاملة منزل قبل عشرين عاماً، وتركت العمل عند صاحب العمل الذي يسيء معاملتها ويضربها ولم يدفع أجرها لمدة عام، فصادر جواز سفرها وبالتالي فقدت وضعها النظامي في لبنان. وهي تواجه خطر على سلامتها في حال عودتها إلى سريلانكا بسبب اعتناقها الإسلام وزواجها من مسلم، خاصة بعد وقوع أحداث شغب عنيفة ضد المسلمين في مسقط رأسها. ويُشكل تفريق العائلة خطرا إضافيا على أفرادها، ليس فقط بسبب أنه سيتم تشتيتها، بل أيضا لأن الأولاد لا يملكون أوراقاً ثبوتية في السودان بلد الأب.
ويذكر أن الاحتجاز لدى مؤسسة كاريتاس أصبح حالة متكررة. فقبل سنوات وقعت المؤسسة اتفاقية مع الأمن العام تسمح لكاريتاس باحتجاز الأمهات والأطفال لديها لحساب الأمن العام. وفيما أظهرت المؤسسة الاحتجاز لديها على أنه بديل عن الاحتجاز في السجن، إنما الأشخاص الذين يتم إحالتهم إليها لا يتمتعون بحريتهم، ويفتقر وجودهم لديها للخصوصية وخاصة بالنسبة للأطفال، وكل ذلك خلافا للمادة 8 من الدستور التي تنص صراحة أن “الحرية الشخصية مصونة بحمى القانون ولا يمكن القبض على أحد أو يحبس أو يوقف إلا وفقا لاحكام القانون”. وهذا الأمر يجعل المؤسسة متواطئة مع الأمن العام في سلب حريات الأفراد، وذلك بمعزل عن نواياها.
تشرح ممثلة الخدمات القانونية في حركة مناهضة العنصرية ميرا بينيه للمفكرة، أن “وجود الأم وطفليها لدى كاريتاس هو احتجاز، لأن كافة القيود على الحرية موجودة”. وهي تضيف: “بالنسبة للمعايير الدولية، فإن الملجأ يُشكل مساحة آمنة واختيارية للشخص الذي يلجأ اليه طلباً للحماية من ظروف قاسية خارج الملجأ”. وفي هذا الصدد، ترى بينيه أنه “على فرض اعتبار الأم خارج السجن بوجودها لدى كاريتاس، فهي غير قادرة على العمل لتأمين الأموال لتغطية كلفة الترحيل، عدا عن أن الأطفال ليسوا في أماكن آمنة ليؤمن لهم الحياة الطبيعية كأطفال، انطلاقاً من الخصوصية، والتعليم، والترفيه المطلوب ليمارسوا طفولتهم”.
وترى بينيه أن هناك بدائل عن الاحتجاز في حالات مماثلة، مثال أن “يؤخذ بعين الإعتبار مكان إقامتهم، حيث بإمكان العائلة توفير الإحتياجات اللازمة لتسوية وضعها”. وتلفت بينيه إلى لجوء”عدد من البلدان لحل قضايا مخالفة شروط الإقامة عبر وضع إشارة على سجلات المخالفين، باعتبار المخالفات أموراً إدارية وليست جرائم حتى تلجأ للإحتجاز. إنما في لبنان تتعامل السلطات مع الموضوع كأنه جريمة دون الأخذ بعين الاعتبار الظروف التي أودت بالعائلة إلى هذه المحنة. فمثلاً في هذه الحالة، الأم تعرضت للعنف عند صاحب العمل مما اضطرها إلى ترك منزله. وتاليا، ما تقوم به السلطات اللبنانية هنا هو وضع المسؤولية كاملة على الحلقة الأضعف”. ومن جهة ثانية، ترى بينيه أن “عاملات المنازل على وجه الخصوص، يتعرضن للتعنيف من عدة أوجه، مثال منعهن من حق الزواج وحق الإنجاب وحق السكن في مكان غير مكان العمل أي منزل رب العمل، وهي حقوق طبيعية”. وهي تشرح: “لا يوجد ما يُجرم الزواج والإنجاب إنما هي أعراف معتمدة، بحيث أنه في حال تزوجت العاملة وأصبح لديها أطفال تعتبر مخالفة لشروط الإقامة، لأن هذه الشروط تفرض عليها أن تسكن في منزل رب العمل “دون عوائق”، ومن هذا المنطلق يُعتبر الطفل عائقا، كما أنه لا يوجد تسهيلات لإصدار إقامات للأطفال الذين يولدون في البلد”. وتضيف، “تم فتح باب ضيق للسماح للعاملات بالزواج على شرط أن يكون الزوج مكفولا من نفس الشخص، على أن تتعهد الزوجة بعدم العمل، وهذا الأمر يُعد حرماناً إضافياً لناحية حقها بالعمل”.
من جهتها، تقول مسؤولة الحملات الإعلانية في “منظمة العفو الدولية” ديالا حيدر، بأن “احتجاز الأطفال مرفوض وعلى السلطات أن تبحث عن بدائل لا تسبب ضرراً على العائلة”. وتضيف، إن “سلامة الأطفال الجسدية والنفسية ووحدة العائلة هي القواعد الأساسية، نظراً للالتزامات الدولية التي وقع عليها لبنان”. لذا، على الأمن العام إيجاد بدائل تتماشى مع وحدة الأسرة وسلامتها كأولويات لمنعها من التشتت”.
مقالات ذات صلة:
لبنان: خطر ترحيل لاجئين سودانيين قيد الاحتجاز التعسفي المطوّل
مرافعة نموذجية للدفاع عن اللاجئين المهددين بالترحيل والاحتجاز التعسفي
الإحتجاز التعسفي في سبع إشكاليات: التقاعس المنظم، والإنتهاك المعتاد لحقوق الإنسان