“
ألقيت هذه الكلمة باسم المفكرة القانونية في المؤتمر الصحافي الذي انعقد في مقرها بتاريخ 6/12/2018، للإعلان عن شكاوى ثلاث تم تقديمها لوزارة الداخلية.
رغم تكريس حقوق الأشخاص المعوقين في المشاركة الكاملة في الحياة السياسية والعامة والتمتع ببيئة مؤهلة والوعود المتكررة بتفعيلها، ما يزال الأشخاص المعوقين يعانون تجاهل حقوقهم هذه في الاستحقاقات الانتخابية المتعاقبة. وفي العموم، يخير هؤلاء بين أمرين: إما الامتناع عن حق التصويت وإما التنازل عن شيء من كرامتهم لممارسة حق التصويت، كأن يُحملون حملاً لطوابق عدة ليتمكنوا من التصويت. في كلتا الحالتين، يكون تم انتهاك حق الأشخاص المعوقين بالمواطنة من خلال تجريدهم من الحقوق السياسية فيتكبدون ضررا من جراء تخييرهم بين صوتهم وكرامتهم.
من هنا تقدّم الإتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً والمواطنتان مهى شعيب وأمل الشريف، بالتعاون مع المفكرة القانونية، بثلاثة طلبات تعويض إلى وزارة الداخلية والبلديات مع ربط نزاع، عن الضرر الناتج عن غياب تجهيز مراكز الإقتراع في انتخابات 2018 النيابية. وقد لجأ المتقاضون إلى مطلب التعويض على أساس أنه المطلب الوحيد المتوفر لتفعيل هذا الحق، بحيث يعتبر مجلس شورى الدولة أن القانون يمنعه من إعطاء أوامر للإدارة العامة. وتتميز المطالب الثلاثة بتكاملها: ففيما قدم الاتحاد شكواه بصفته العامة كمدافع عن جميع الأشخاص المعوقين، مثلت السيدة مهى شعيب من خلال شكواها الشخصية جميع الأشخاص المعوقين الذين حرموا من حق الانتخاب، ومثلت السيدة أمل الشريف جميع الأشخاص الذين تمّ حملهم وتاليا إهانتهم لتمكينهم من ممارسة هذا الحق. ومن البيّن أن هذه الطلبات لا تهدف فقط إلى ضمان حق الانتخاب، بل هي تهدف في الآن نفسه إلى ضمان حق المعوقين ببيئة مؤهلة، وخصوصا في ما يتصل بالوصول إلى مراكز الاقتراع التي هي في غالبها مدارس رسمية.
ويلحظ أن هذه الطلبات تمثل ممرا أساسيا لمقاضاة الدولة: فإما أن تستجيب وزارة الداخلية والبلديات للمطالب خلال مهلة الشهرين القانونية، وإما يكون لهؤلاء حق مقاضاة الدولة أمام مجلس شورى الدولة في هذا الخصوص.
هكذا أخلت الإدارة العامة بالتزاماتها تجاه الأشخاص المعوقين
في 29/5/2000 صدر القانون رقم 220/2000 المتعلّق بحقوق الأشخاص المعوقين، وقد كرّس هذا القانون الحق بالبيئة المؤهلة للأشخاص ذوي الإعاقة. وعلى أساس هذا القانون، صدر المرسوم رقم 7194/2000 في 2011 الذي حدد معايير الحد الأدنى التي يجب على أساسها على جميع السلطات العامة تأهيل الأبنية والمنشآت والمرافق العامة والدوائر الرسمية القائمة ضمن مهلة انتهت في نهاية 2017.
من جهة ثانية، كرّس القانون 220/2000، حق الأشخاص المعوقين بأن تؤخذ حاجاتهم الخاصة بعين الإعتبار عند تنظيم كافة العمليات الإنتخابية من نيابية وبلدية. وعليه، صدر في 6/6/2009 المرسوم رقم 2214/2009 الذي حدّد الإجراءات والتدابير المتعلقة بتسهيل مشاركة ذوي الإحتياجات الخاصة في الإنتخابات النيابية والبلدية، منها توفير: المواقف/ والمدخل والممرات/ والمنحدرات/ والمصاعد/ والمرافق الصحية المناسبة، وتأمين امكانية الدخول والتحرك داخل قلم الاقتراع. وفي حال تعذر توفر المواصفات الهندسية هذه، فرض المرسوم اعتماد الطوابق الأرضية في جميع المراكز الانتخابية، أو الطابق الأول شرط وجود مصاعد.
إلا أنه رغم مرور ثلاثة استحقاقات انتخابية منذ ذلك الحين، لم يتم احترام هذا المرسوم. بل دأبت الدولة منذ 2009 على تقديم الوعود بأنها ستقوم بما يلزم لتأمين حق الانتخاب للمعوقين عند أول استحقاق انتخابي، لكنها أخفقت عن الإيفاء بأي منها. وهذه الاستحقاقات هي على التوالي: الإنتخابات البلدية والإختيارية لعامي 2010 و2016، والإنتخابات النيابية للعام 2018.
وقد ثبت تخلف الإدارة عن هذه الموجبات في تقارير إعلامية عدة وتقارير صادرة عن منظمات غير حكومية لبنانية وثقت المخالفة والضرر الذي أصاب الأشخاص المعوقين أبرزها التقارير الصادرة عن “الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات” و”حملة حقي” والتي تم تفصيلها في الشكاوى المقدمة.
جديد الإنتخابات النيابية لعام 2018، أنّ كلا من رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية أقرا بحصول أخطاء إدارية في إدارة ملف اقتراع الأشخاص المعوقين.
ففي يوم الإنتخاب وأمام أحد مراكز الإقتراع، وبحضور الاعلام، واجهت السيدة سيلفانا اللقيس – رئيسة جمعية الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً – رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، بما يلي:
“كذب علينا [وزير الداخلية] المشنوق في ال2016 بأنه سيجهّز [مراكز الإقتراع] وقدّمنا له خطة لتجهيز مراكز الإقتراع وتكييف بطاقة الانتخابات [وليتم استخدام لغة الصم]، ولم يقم بأي شيء. دولة الرئيس هذه مذلة. عندنا مطلب وهو الإقرار الفوري في مشروع الموازنة عن بند خاص مخصص لتجهيز الأماكن [كي لا نقع دائماً في وضع عدم توفر الوقت للتجهيز قبل الانتخابات]، نحنا لسنا كراسٍ، نحنا بشر جالسون على كراسٍ، ونحن مواطنون. والإنتخابات التي لا يشارك بها جميع المواطنون ليست ديمقراطية وليست عادلة. ويجب محاسبة [وزير الداخلية] المشنوق”.
وأجابها رئيس مجلس الوزراء:
“معك ألف حق. وهذا أمر سأهتم به شخصياً. واعتبري إن شاء الله أن أي انتخابات في المستقبل سيكون فيها كل ما يحتاجه الأشخاص مثلكم لينتخبوا بكل كرامة (…) وسأعلن البند في الموازنة إن شاء الله. بتأمري (…) هذه من أهم الإصلاحات التي يجب أن نقوم بها وأنا أعتذر منك وأبوسكم من رأسكم”.
وفي اليوم نفسه، عقد وزير الداخلية والبلديات مؤتمراً صحفياً أجاب عن أسئلة الصحافيين أثناء إجراء العملية الانتخابية. وجوابا على سؤال حول ظروف إنتخاب ذوي الإحتياجات الخاصة، صرّح الوزير بما لا لبس فيه بما يلي:
“أصدرت بياناً أعلنت فيه عن أسفي الشديد إزاء خطأ إداري وتقصير إداري من مجموعة كانت مكلّفة بالملف (أي تسهيل عملية الإقتراع لذوي الإحتياجات الخاصة) ولم تقم بأي شيء جدي، وذلك ثغرة جدية في المسار الإنتخابي بمعنى إعطاء ذوي الإحتياجات الخاصة نفس الحقوق المعطاة للأشخاص الأصحاء جسدياً”
“هنالك قانون مقرّ من سنوات عديدة ويجب تطبيقه في كل أماكن الإقتراع”
“هنالك تقصير من الدولة في الكثير من المجالات تجاه ذوي الإحتياجات الخاصة”
“أنا أعترف أنه حصل تقصير بحقّ ذوي الإحتياجات الخاصة بسبب تصرّف مجموعة إدارية (انضوت) بالتعاون مع الأمم المتحدة بمسار غير جدي للوصول إلى نتيجة ما، مع العلم أن التعليمات أعطيت بعد الانتخابات البلدية حيث لوحظ الأمر نفسه، وللأسف تبيّن أنه لم ينفّذ شيء“
وفي ليل 6-7 أيار 2018 عقد وزير الداخلية والبلديات مؤتمراً صحفياً على إثر اختتام العملية الانتخابية، أعاد فيه تكرار الإعتراف ب:
التقصير الذي حصل بسبب خطأ إداري.
وأن حصيلة النهار الإنتخابي كانت مساعدة 4007 أشخاص من ذوي الحاجات الخاصة او المسنين على الاقتراع، (أي من خلال حملهم)
وأنه يعد الآن أنه في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء سيطالب ويؤكد ضرورة إدراج بند يتعلق بتأمين ذوي الحاجات الخاصة في كل المراكز بلبنان”.
الضرر الناجم عن إخلال الدولة لموجباتها
أدى تقاعس الدولة عن تنفيذ موجباتها إلى إلحاق ضرر كبير بالأشخاص المعوقين تمثل في أمرين:
- إما حرمان عدد كبير من الأشخاص المعوقين من الإدلاء بصوتهم وتاليا من ممارسة حق أساسي مكرّس لهم في المواثيق الدولية وهو المشاركة الفاعلة بالحياة السياسية،
- إما حرمانهم من كرامتهم بسبب الخيار المعطى لهم بأن يتم حملهم بغية الاقتراع، أي بشكل ينتقص من كرامتهم ويعرضهم للخطر (نتيجة حملهم من قبل أشخاص غير مختصين وخلافاً للأصول).
وإثباتا لهذا الضرر الأخير، تضمنت الطلبات المقدمة لوزارة الداخلية قرارات صادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان[1] اعتبرت بما لا لبس فيه أن حمل الأشخاص المعوّقين بسبب غياب التأهيل، يُعتبر “معاملة لا إنسانية وحاطّة بالكرامة”، وهي معاملة تحظّرها المادة 3 من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، والموازية للمادتين 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
لمَ مساءلة الدولة من خلال طلبات التعويض الثلاثة هذه؟
بقي أن نجيب على السؤال: لماذا هذه الطلبات اليوم؟
لأنه بات أكثر من ضروري تفعيل التعامل مع الأشخاص المعوّقين كأصحاب حق وبمنطق المواطنة، من خلال القضاء بعدما أخلت إدارات الدولة طوال 18 سنة بموجباتها تجاه مواطنيها. فبذلك، وبقوة المطالبة، تكف الحقوق عن كونها شكلية لتصبح فعلية. والأمل كل الأمل أن لا يشوب الاستحقاق المقبل مخالفات بهذا الحجم. فلا عرس للديمقراطية من دون مشاركة فاعلة لجميع المواطنين، وبالأخص لهؤلاء الذين يعانون من غبن مزمن.
[1] CEDH, 24 oct. 2006, n° 6253/03, Vincent c/ France, D. 2007. 1229, obs. J.-P. Céré, M. Herzog-Evans et E. Péchillon ; AJ pénal 2006. 500, note J.-P. Céré ; RDSS 2007. 351, obs. A. Boujeka ; Rev. science crim. 2007. 350, chron. P. Poncela ; SJCAT n° 9, 26 février 2007, 2048, chron. O. Dubos.
للاطلاع على مضمون الطلبات انقر/ي على الروابط أدناه:
طلب أمل الشريف
طلب الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً
طلب مهى شعيب