“
انعقدت بتاريخ 12 حزيران جلسة جديدة أمام محكمة التمييز العسكرية في قضية أحداث عبرا، التي يحاكم فيها الشيخ أحمد الأسير و7 من رفاقه. وللتذكير، تتصل القضية بالمواجهات الحاصلة في عبرا بين مجموعة الأسير والجيش اللبناني في 2013 وكان صدر أحكام إدانة على هؤلاء، وصلت عقوبة بعضها إلى الاعدام. وقد باشرت المحكمة باستجواب إثنين من المدعى عليهم هما: عبد الباسط محمد بركات وخالد عدنان عامر، فيما إمتنع الأسير عن الإدلاء بأي إفادة في ظل غياب وكيله المحامي محمد صبلوح وتعيين محامين عسكريين من قبل المحكمة لتمثيله.
وكان الإستجواب قد أرجئ خلال الجلسة السابقة التي انعقدت بتاريخ 18 نيسان بسبب تغيّب أحد محامي الدفاع أيضاً، وهو تغيب تكرر حصوله في أكثر من جلسة سابقة.
“لا يؤثر على المحكمة غير رب العالمين“
إذن، مثل الأسير افي الجلسة السابعة أمام التمييز العسكرية، وحيداً من دون محاميه. هذه المرة، حسم الرئيس طاني لطوف المسألة بتعيين محاميين عسكريين لأداء مهمة الدفاع عن الأسير، متسلحاً “بالسلطة المعطاة لهذه المحكمة وسنداً إلى قانون القضاء العسكري”. يطرح هذا التعيين بطبيعته تساؤلات عدة، حيث أن الحكم الصادر بحق الأسير هو على خلفية المعركة التي دارت في عبرا بين الجيش اللبناني ومجموعة تابعة للأسير.
وكان القاضي لطوف قد عبّر في كل الجلسات السابقة عن رغبته بسير الاستجواب بحضور محامي المدعى عليهم، مفضلاً إستبعاد تمثيلهم بمحامين عسكريين. كما حرص على إرسال كتب إلى نقابة المحامين في بيروت لتكليف محامين للدفاع عن المدعى عليهم الذين يتغيّب وكيلهم، من دون أن يرده أي جواب. من هذا المنطلق، أردف القاضي لطوف، بعد أن انتهى من تدوين قراره، متوجهاً إلى الأسير: “شيخ، أنا المرة الماضية بلّغتك عم تجرّو المحكمة على محل ما بدها هو (تأخذون المحكمة في مسار لا تريده)”.
وقد علّق الأسير على قرار المحكمة بتعيين محامين عسكريين للدفاع عنه بالقول أنه “انظلم في هذا الملف كثيراً”. يضيف مؤكداً أن ما “يهمّه هو أن يحاكم محاكمة عادلة، وليس كما حصل قبل (أمام المحكمة العسكرية الدائمة). يستطرد هنا بالقول أن “وزير العدل قال علناً عبر وسيلة إعلامية أنه طلب من وزير الدفاع أن يعيّن لي محامين عسكريين”. يقاطع القاضي كلام الأسير لإحتواه المضمون السياسي، فيضيف الأخير: “كنت رافضاً لفكرة تمييز الحكم، لكن المحامون أقنعوني أن هذه المحكمة رئيسها والقاضي فيها هو مدني”. ثم يذهب أبعد من ذلك بالقول أن “قناعتي أن المحكمة العسكرية هي محكمة ضد الأقلية السنية، والآن بهذا القرار تأكدت لي قناعتي”. لينتهي إلى الإعلان صراحةً “أنا لا أريد محاميا عسكريا”.
“غير رب العالمين لا أحد يمكن أن يؤثر على هذه المحكمة” بهذه العبارة يجيب الرئيس لطوف على كلام الأسير، ويكررها مرتين. يضيف “أنا من الجلسة الأولى كمحكمة تعهدت أن أؤمن كل حقوق الدفاع، وأنا كرئيس محكمة وأفتخر بها، أقول أن رب العالمين وحده يضغط على هذه المحكمة”.
بعدها أشار إلى الكاتب بتدوين إعتراض الأسير “تكليف ضباط محامين للدفاع عنه”، ثم قراره “السير باجراءات المحاكمة واعتبار المدعى عليه ممثلا بوكيليْ الدفاع المعينين من المحكمة. وقد بوشر إستجواب الأسير، فرفض الكلام وأعلن أنه يلتزم الصمت. يشار إلى أن حضور محامي الأسير في الجلسة القادمة ينهي تكليف الضابطين، ويتيح أمامه الإدلاء بإفادته.
لاجئون لبنانيون في لبنان
باشرت المحكمة إستجواب المحكوم عليه خالد عدنان عامر، الذي تبيّن أنه محاكم خطأ على أنه من الجنسية السورية، فيما هو بالواقع لبناني الجنسية كان يقيم وعائلته في منطقة حدودية بين لبنان وسوريا تسمى “جوسي”.
يستهل عامر كلامه بالقول: “منذ 6 سنوات وأنا أنتظر لترفع المظلومية عني، هناك أشياء ذكرت عني وتتعلق بي لا علاقة لي بها، مثلاً أنني سوري، وأنا لبناني”. يشرح بعدها أنه “يوجد حي في سوريا سكانه بالكامل لبنانيون، اسمه جوسي، يعيش فيه حوالي 5000 لبناني بموجب إقامة ونملك أراضي وبيوت”. بقي عامر وعائلته في هذه المنطقة حتى عام 2013 عندما “دمّرت”، عندها “جئنا إلى لبنان”. يؤكد أنه هناك، كما “باقي السكان، تسلحنا للدفاع عن أراضينا ضد كل من يتعرض لها سواء نظام أم معارضة”. عام 2013 “جئنا إلى لبنان، وأقمت وعائلتي في مخيم للاجئين في منطقة القاع، وحاولنا جاهدين أن يؤخذ بعير الإعتبار أننا لبنانيون ولسنا لاجئين، غير أننا لم نحصل على شيء”.
يضيف عامر أنه في ظل هذه الظروف تعرّف إلى مسؤول العلاقات العامة في دار الفتوى الشيخ محسن شعبان، عندما زار المخيم الذي يقيم فيه. يظهر من إفادة عامر أنه في هذا السياق أبلغه شعبان “أنه في صيدا يوجد الشيخ أحمد الأسير لديه مجمّع للاجئين السوريين يديره يمكن أن يؤمن لكم سكن”. من هذا المنطلق “حضرت إلى صيدا قبل حوالي ستة أيام من معركة عبرا، حيث تم استقبالي في غرفة للضيافة في مسجد بلال بن رباح”. هناك أقام حوالي يومين أو ثلاثة قبل أن “تهجم سرايا المقاومة على المسجد، وكان ذلك يوم ثلاثاء، وهو قبل المعركة مع الجيش”. عندما حصلت الهجمة “أعطي لي سلاح كلاشن كوف وصعدت إلى السطح، كان يوجد الكثير من المدنيين يحملون السلاح ويطلقون النار في الهواء”. عندما إنتهى الأمر يومها “نزلت إلى المسجد واجتمعت مع شخص إسمه نوح أو أبوحمزة، وتكلّمنا عن إحضار أهلي وأكّد أن لا مشكلة في ذلك، وأن الموضوع سيهتم به الشيخ (الأسير)”. بعدها بقي عامر وفقاً لروايته عددا من الأيام، وقد شعر أنه يوجد توتر كل الوقت يتعلق بسراي المقاومة: “أنا هربان من الحرب، وشعرت أن لا نتيجة وأن الأجواء متوترة حول المسجد فإتصلت بالشيخ شعبان الذي كان وقتها يتعذّر عليه العبور بين اللبوة وعرسال بسبب أحداث أمنية أيضاً”. إذاً لم يأتِ الشيخ شعبان، فيما بدأت المعركة في غضون يومين، حيث كان عامر لا يزال مقيماً في المسجد”.
يقول عامر أنه لم يشارك في معركة عبرا، وقد انضم إلى المدنيين المتجمعين في مدخل أحد المباني في عبرا للإحتماء. لكن “قذيفة أصابت المبنى، وطار حجر كبير أصابه في رأسه أدى إلى إغمائه”. على الإثر “تم نقلي إلى مستشفى في صيدا. هناك بقيت في الطوارئ، وما أن بدأت أستعيد وعيي حتى جاءت مجموعة من المسلحين أخذوني من المستشفى، وتم نقلي إلى مجمّع الزهراء”. بعدها “جاء عناصر من الجيش اللبناني إلى مجمع الزهراء وأخذوني من هناك”. في خلاصة ما يقوله عامر هو أن الحكم الصادر بحقه، والأحكام في هذه القضية تصل إلى الإعدام، هو نتيجة إقامته في صيدا لما لا يزيد عن الأسبوع. بالمقابل، يؤكد أنه يعاني من مشكلة في نظره مثبتة بتقارير طبية تمنعه من القيام بتدريبات عسكرية، وأن كل ما يعرفه عن المتفجرات مرتبط بخبرته بتصنيع الديناميت كما كل سكان عرسال والمدن المحيطة في تلك المنطقة الجبلية، نظراً للعمل في الكسّارات.
من أبرز الإدلاءات التي تقدّم بها عامر لجهة إجراءات المحاكمة، أنه تعرّض للكثير من الضرب، ما حعله يعترف بأمور هو يعلم أنها تعود لشخص آخر يحمل نفس إسمه، وهو من المعروفين بانتمائهم للجماعات السورية المعارضة المسلحة. أيضاُ أن إفادته تحتوي على مقاطع لم يدلِ بها هو، إنما طلب منه أن يكمل سرد بقيتها بعد كتابتها من قبل المحقق، ويظهر أنه يعتقد أن هذا الإجراء مقبول وطبيعي لكتابة رواية متكاملة مستوحاة من أقوال باقي المدعي عليهم، يمكن للمحقق القيام بها. الأهم أيضاً أنه أكّد أنه “لم أكن أعرف أنني أمثل أمام قاضي تحقيق عندما أخذت أمام القاضي أبو غيدا، وكنت خائفا”.
رسالة نصية من المسجد
يقول عبد الباسط محمد بركات أنّه “يوم أحداث عبرة كنت في عملي في النبطية”، وهو يعمل في مجال البناء. وبينما هو في عمله، تلقى رسالة من مسجد بلال بن رباح لنصرة المسجد لأنه يتعرض لهجمة. يوضح بركات مجيباً على سؤال المحكمة عن سبب مراسلته أنه “ترك رقمه في المسجد لإعلامه كلما كان ممكنا تلقي مساعدات يمكنه الاستفادة منها”. يقول بركات أنه كان يتردد إلى مسجد بلال بن رباح لأنه الأقرب إلى منزله، وأنه لم يتابع أي محاضرات ضمنه إنما فقط كان يأتي للصلاة. يؤكد عامر أنه توجّه إلى عبرا بعدما تلقى الرسالة، وهناك قام بتغيير ملابسه منتظراً أن تهدأ الأمور، وهو كان يتوقّع أنها “ساعتين وتنتهي”. إلا أن إستمرار المعركة و”حريق بعض المنازل المجاورة له دفعته لترك منزله والبقاء في الشارع مع أخويه وعائلتهما. وقد بقي كذلك حتى صباح اليوم التالي عندما انتهت المعركة، عندما قرر الذهاب الى منزل شقيقه الثالث حيث كانت زوجته وأبواه. يقول أنه وهو في طريقه كان هناك حاجز للجيش، حيث تولّى مدنيان إثنان إلقاء القبض علي وأخذ هويتي، وقاما بتسليمي إلى العسكريين، نقلوني بدورهما إلى ثكنة الجيش حيث “تم ضربي وتصويري فيديو أجبرت فيه على القول انني أحمل سلاحاً، فيما أنني قلت ذلك تحت تأثير الضرب”.
وقد أنكر بركات كل ما جاء في إفادته الأولية، وإفاته لدى قاضي التحقيق معبّراً عن عدم تمكّنه من التأكد ما إذا كان يتم تدوين أقواله فعلا ًأم أقوال أخرى، وهو تعبير عن عدم ثقته المطلقة بالمحكمة التي تتم محاكمته أمامها.
النيابة العامة فاعلة
بدا لافتاً خلال الجلسة التفاعل المستمر للمحامي العام (معاون مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية)، حيث حرص على طرح الأسئلة على كلا المستجوبين، والتدقيق في الشهادات، وذلك خلافاً للمعتاد لهذه الجهة.
“