
توصّل فريق الدّفاع عن المعتقلين في قضيّة “التآمر على أمن الدّولة”، صباح أمس الاثنين 21 أفريل، بتفاصيل الأحكام الصادرة عن المحكمة الإبتدائية بتونس، بعد ثلاث جلسات عُقدت في 04 مارس و11 أفريل و18 أفريل 2025، لم تتوفّر فيها أدنى شروط المحاكمة العادلة ولم يُستدعَ فيها المعتقلون إلى قاعة المحكمة لمواجهة التُّهَم المنسوبة إليهم. صدرت الأحكام فجر يوم السبت 19 أفريل إثر الجلسة الأخيرة المنعقدة يوم 18 أفريل، والتي مُنِعَ المراقبون الدّوليون والصحافيّون من حضورها. تراوحت الأحكام السجنيّة بين أربع سنوات و66 سنة، بالإضافة إلى فرض مراقبة إدارية لمدّة خمس سنوات على جميع المحكوم عليهم، في جرائم تتعلّق بارتكاب اعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة، والتبرّع بأموال من أجل تمويل أنشطة لها علاقة بجرائم إرهابية، والتآمر على أمن الدّولة، وربط اتّصالات مع أعوان دولة أجنبية بغرض الإضرار بحالة البلاد، والإضرار بالأمن الغذائي والبيئة وغير ذلك، وفق نصّ الحُكم، وهي أحكام غير مسبوقة وفق ما قاله أعضاء هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في ندوة صحفية انعقدت اليوم الاثنين بمقرّ دار المحامي بالعاصمة تونس.
صدرت هذه الأحكام دون أن تولي المحكمة أي اهتمام لمطالب هيئة الدّفاع عن المُعتَقَلين، ومن دون الالتزام بشروط المحاكمة العادلة. إذ رفضت بداية إحضار المُتَّهمين بناءً على مذكّرة عمل صادرة في 26 فيفري 2025، قبل أيّام من انعقاد الجلسة الأولى فيما يُعرَف بقضيّة التآمر، استنادًا إلى الفصلين 73 من قانون الإرهاب و141 من المجلّة الجزائيّة، اللّذَين يتحدّثان عن إمكانية عقد جلسات واستنطاق المُتّهَمين عبر وسائل الاتصال السمعي البصري، ولم تتلُ قرار دائرة الاتّهام حتّى يعرف الموقوفون ما نُسب إليهم من تُهَم، ومنعت لسان الدّفاع من الترافع، ومنعت الصّحافة من الحضور رغم أنّ الجلسة كانت علنيّة. “هذه المحكمة غير جديرة بالتعليق على أحكامها”، يقول المحامي أمين بوكر في الندوة الصحفية.
كما تمّ استبعاد المراقبين الدّوليّين وعدد من أساتذة القانون من متابعة وقائع الجلسة الثالثة في قضيّة التآمر التي انعقدت يوم الجمعة الفارط ومنعهم من دخول المحكمة من دون توضيح أسباب ذلك، وعلى نحو مثّل خرقًا لحقّ النفاذ إلى المعلومة، حتّى أنّ المُحامين داخل القاعة استنكروا عدم تمكين الصحافة من حضور الجلسة، رغم أنّ عددًا من الصحافيين والصحافيات واكبوا جلستَيْ 04 مارس و11 أفريل.
وحسب المحامي سمير ديلو عضو هيئة الدّفاع عن المعتقلين السياسيّين في هذه القضيّة، فإنّه قد تمّ بموجب هذا الحكم توزيع 892 سنة سجنًا على مختلف الأطراف الّتي تمت إدانتُها ابتدائيًّا، منها 400 سنة مبنيّة على شهادة مجهولة المصدر من مُخبِر محجوب الهوية تمّت الإشارة إليه في قرار دائرة الاتهام بـXX، إذ أن هناك متّهمين مثل بشرى بالحاج حميدة ونور الدين البحيري والسيد الفرجاني بُني ضدهم الحُكم فقط على شهادة المخبر الّذي نقل عن صديقه المقيم في بلجيكا، الّذي نقل بدوره أخبارا عن صديقته التي تعيش في بريطانيا، دون أن يكلّف حاكم التحقيق أو دائرة الاتهام أو الدائرة الخامسة بالمحكمة الابتدائية بتونس أنفسهم أن يسألوا عن هويّة ناقلي الأخبار. “من أصدر الحكم في حقّ هؤلاء ليس القاضي، بل هو شاهد محجوب الهوية نقل عن شخص محجوب الهويّة نقل عن صديقته محجوبة الهوية”، يضيف ديلو.
وفي تفكيك الأحكام الصادرة، يقول المحامي سمير ديلو إنّ الفعل المُجرَّم قانونًا هو الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدّولة عبر اللجوء إلى استخدام العنف، مثل الأسلحة، ولا يمكن اعتبار التدوين أو الخطاب السياسيّ أو مشاريع المعارضة اعتداءً، بدليل أنّه لا يوجد محجوز وُضع على ذمّة المحكمة خلال الجلسات الثلاث التي عُقدت تِبَاعًا، مضيفا بالقول: “المحجوز لم يوضع على الطاولة، لأنّ المحجوز هو وثيقة سياسيّة بهدف القيام بحوار وطني”
كانت الجلسات الثلاث في قضية التآمر شاهدة على خرق الإجراءات وضرب أسس المحاكمة العادلة، إذ غُيّب الموقوفون ولم يُستمَع إليهم، ولم يُمنَحوا فرصة الدّفاع عن أنفسهم عبر تقديم حجج الإدانة وموازنتها مع قرائن البراءة، وشُطبت أسماء من عقّبوا على قرار دائرة الاتهام. يقول المحامي أمين بوكر في الندوة الصحفيّة إنّ هيئة المحكمة تمّ تعيينها بمقتضى مذكّرة عمل صادرة عن المحكمة الابتدائية بتونس ووكيل الجمهورية، والحال أنّ قانون الإرهاب يتحدّث عن تسمية القضاة بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب من قِبَل المجلس الأعلى للقضاء (لا يوجد حاليًّا مجلس أعلى للقضاء ولكن أحدث قيس سعيّد مجلسًا وقتيًّا للقضاء العدلي)، ويضيف: “في هذا الملفّ بالذات، الدائرة الجنائيّة تغيّر رئيسها ثلاث مرات في ظرف أقلّ من شهر. كيف يمكن أن يحصل هذا؟ متّهم يواجه تهمة قاسية ويُحرم من الدّفاع عن نفسه. المحكمة لم تتلُ قرار دائرة الاتهام، والمتّهمون لا يعلمون أصلًا ما نُسِب إليهم من تُهَم”.
وتفاعُلًا مع الأحكام الابتدائية الصادرة، أصدر عدد من أساتذة كليات الحقوق والمعاهد العليا للعلوم القانونية والسياسية وعلوم التصرف عريضةً يوم 20 أفريل، اعتبروا من خلالها أنّ الأحكام الصادرة في قضيّة التآمر أقرب إلى قضاء التعليمات منها إلى الأحكام القضائية، معبّرين عن مساندتهم لجميع الموقوفين والموقوفات وعائلاتهم. وندّد الممضون على هذه العريضة بمسار القضيّة برمّته واعتبروه انتهاكا صارخًا لمقوّمات المحاكمة العادلة، مُجدّدين رفضهم لما سمَّوْه وضع “الأمر الواقع” المفروض منذ 25 جويلية 2021، آملين في كشف الحقيقة خلال الطور الاستئنافي وإعادة مكانة قرينة البراءة.
متوفر من خلال: