إنهيار جزئي لمبنى تراثي في الأشرفية (تصوير سينتيا بوعون)
بعد أسبوع على نكبة بيروت جرّاء إنفجار2700 طن من مادّة الأمونيوم نيترات المخزّنة في العنبر 12 من مرفأ بيروت في 4 آب 2020، تتردّد أصداء خطرة عن توجّه سماسرة البناء (المرتبطين ببعض السياسيين النافذين) إلى أحياء الجمّيزة ومار مخايل والأشرفيّة لحضّ مالكي المباني التراثية المهدّمة على بيعها مقابل مبلغ نقدي بالعملات الأجنبيّة. كنسرٍ يترقّب اللحظة المناسبة لينقضّ على فريسته وينهال على جيفتها المنكوبة، يجوب هؤلاء الأحياء التراثية مهوّلين على سكّانها المشرّدين بتصدّع بيوتهم المكسّرة فيوهموهم بعدم إمكانيّة ترميمها وضرورة هدمها حفاظًا على سلامتهم، ليتمكّنوا من شرائها بأبخس الأثمان واستبدالها لاحقًا بالأبراج الحديثة كما حصل في إعادة إعمار وسط بيروت والمناطق المجاورة بعد الحرب.
بالمقابل، تنشط أكثر من 30 جمعيّة على الأرض ومئات المتطوّعين منذ اليوم الأوّل بعد وقوع الفاجعة لإزالة الركام وتنظيف الشوارع وإجراء المسح الأولي للأبنية المتضرّرة وتجسيدها على الخرائط بغية إعادة إعمارها في المرحلة اللاحقة. بعض هذه الجمعيّات لديها تمويلها الخاص وقد نجحت في استعطاف الجالية اللبنانية والأجانب في التبرّع لها عبر المنصات الإلكترونية لا سيّما بعد انعدام الثقة بالمؤسّسات الرسميّة والخوف من أن تضيع المساعدات قبل وصولها إلى المنكوبين. الجميع يعمل ولكن كلّا على حدة، من دون وجود هيئة مركزيّة توحّد الجهود حتّى الآن، فيتكرّر العمل ذاته من قبل مجموعات مختلفة. إنتشرت خرائط على مواقع التواصل الإجتماعي تجسّد بطريقة مبسّطة حالة المباني حسب 3 فئات (جيّدة، متوسّطة، سيّئة) من دون أن نفهم ما هي المعايير التي اعتمدت لهذا التوزيع وإذا ما كان المقصود حالة البناء الإنشائيّة (structural condition) أو حالته الهيكليّة والجماليّة (Architectural condition). تعدّدت المجموعات وامتلأت مواقع التواصل الإجتماعي بالإستمارات والدعوات إلى التطوّع لمساعدة السكان في إعادة إعمار المدينة المنكوبة من دون أن نعرف ما هي الجهة الداعية ومع من تنسّق وهل حقًا سيستخدم المسح في حماية الأبنية التراثية أم سيشكّل قاعدة بيانات يستغلّها سماسرة “متنكّرون”؟ مئاتٌ من المهندسين يرغبون بالتطوّع ليضعوا مهارتهم المهنيّة خدمةً لما يعتبرونه واجبًا وطنيًّا لإعادة إعمار العاصمة المنكوبة ولإنقاذ ما تبقّى من نسيجها التراثي وهويّتها، ولكن لا يعرفون لمن يلجؤون وبمن يتّصلون.
جميلٌ جدًّا مشهد المتطوّعين والتكافل الإجتماعي الذي عمّ شوارع المدينة، وقد يكون غياب التنسيق في الأيّام الأولى طبيعيّا ومفهومًا. فهي نكبةٌ تستدعي تضافر كل الجهود والسرعة في التفاعل. ولكن اليوم، آن الأوان لتوحيد الجهود تحت مظلّة واحدة وضمن عملٍ منهجيّ واضح لفعاليّة أكبر، خاصّةً بعد ظهور مبادرات “رسميّة” لتوحيد العمل تحت مظلّة واحدة وبالتعاون مع المؤسّسات الإداريّة المحليّة والدوليّة المعنيّة بالحفاظ على التراث.
هذا المقال يتوجّه بالدرجة الأولى إلى المسؤولين في لبنان كي يتّخذوا الإجراءات الضروريّة دون مماطلة لإغاثة السكّان المنكوبين والحفاظ على حقوقهم وعلى هويّة المدينة بنسيجها العمراني والإجتماعي من جهة، كما ويتوجّه إلى أصحاب المباني التراثيّة ليحثّهم على الصمود وعدم الإنجرار إلى بيع منازلهم مهما كانت حدّة الدمار، لأنّ الدعم والتمويل لترميمها آتٍ والمبادرات قد بدأت بدعمٍ من اليونسكو والايكروم[1]ICCROM وغيرها من الجهات المانحة كما سنبيّن تباعًا.
– العدد التقديري للوحدات السّكنية المتضرّرة من الإنفجار: ٢٠٠ ألف.
– عدد المباني المدمّرة بالكامل: 30 إلى 40 مبنى.
– عدد المنازل المدمّرة جزئيًّا التي أصبحت غير قابلة للسّكن: 2300 إلى 2500 منزل.
– إنهيار هام لحيطان الدعم وأسقف المنازل التي أصبحت غير قابلة للسّكن: 800 إلى 900 منزل.
– العدد الإجمالي للمباني المتضرّرة: 39000 إلى 40000 مبنى.
مستند رقم 1: جدول الأرقام التقديريّة الناتجة عن المسح الأوّلي الذي أجرته نقابة المهندسين في بيروت
من جهةٍ أخرى، أعلن وزير الزراعة والثقافة في حكومة تصريف الأعمال عبّاس مرتضى عن تضرّر 601 مبنى تراثي من بينهم 70 مبنى معرّض للهدم إذا لم نسارع إلى ترميمها. وكان محافظ بيروت قد طلب من قيادة شرطة بيروت إخلاء الأبنية التي تشكّل خطرًا على قاطنيها ومنع المرور ضمن الشوارع والأملاك العامة المحيطة بها بصورة مؤقّتة لحين التأكّد من رفع الخطر. وقد شمل هذا القرار 60 عقارًا في الرميل والصيفي والمدوّر. إذًا، الضرورة الملحّة اليوم هي تدعيم المباني التراثية بسرعة وحماية أسقفها المهدّمة من تسرّب مياه الأمطار بالشوادر العازلة تفاديًا لانهيارها، بمبدأ أنّ كل الأبنية قابلة للترميم وإن ارتفعت الكلفة بنسبٍ متفاوتة حسب حجم الأضرار.
بالمقابل، على الحكومة (عبر البلديات) تأمين البديل من المساكن للمنكوبين لتمكينهم من الحفاظ على منازلهم التراثية وعدم الإنجرار لبيعها. لذلك ، يفاجئنا أن يضطر الأهالي غير الراغبين بإخلاء العقار لعدم وجود سكن بديل أن يوقّعوا تعهّدًا “بتحمّل المسؤولية الشخصيّة عن كلّ ضرر يرتدّ عليهم نتيجة عدم إخلاء العقار” (مستند رقم 2). ومفاجئٌ أكثر هذا المستند بعدما أعلن رئيس بلديّة بيروت جمال عيتاني من نقابة المهندسين في بيروت خلال إطلاق المسح الميداني المتعلق بالسلامة العامة في المباني المتضررة في 12/8/2020 أنّ برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat) قد “خصّص مبلغًا كبيرًا لمساعدة الناس لإيوائهم خلال مرحلة تدعيم المباني المتضرّرة”.
مستند رقم 2: نموذج تعهّد
من جهةٍ أخرى، لمنع هدم أي مبنى في المناطق المنكوبة، على الحكومة إعلان المناطق المدمّرة أراضي منكوبة غير قابلة للمسّ ومباشرة العمل ضمن أجهزتها (المجلس الأعلى للتنظيم المدني ومديريّة الآثار) على إطلاق مخطّط توجيهي شامل لإعادة إعمارها كما كانت قبل الإنفجار بالتعاون مع المنظمات الدولية لترميم المباني حسب الأصول المتبعة من قبل اليونسكو والايكروم، مع تحديد مهلة زمنية لإنتهاء أعمال الترميم وعودة الأهالي إلى بيوتهم ومحالّهم. وقد أعلن وزير الثقافة عباس مرتضى في 12/8/2020، بعدما إنتشرت مخاوف حصول عمليّات بيع للأبنية التراثية، “أنه قد تقرر منع إجراء أي معاملة بيع أو تصرف أو تأمين تتعلق بالعقارات المتضررة من كارثة تفجير المرفأ ومنع تسجيلها في الدوائر العقارية إلّا بعد الإنتهاء من كافة أشغال الترميم وبعد موافقة وزارة الثقافة وفقًا للأصول المتعلقة بحماية الأبنية التاريخية والتراثية وذلك لحماية الطابع العمراني والديموغرافي والتاريخي للمناطق المتضررة من كارثة انفجار مرفأ بيروت، ولمنع أي استغلال للمساس بالملكية أو المضاربة العقارية، أو تغيير في الطابع العمراني أو التراثي أو التاريخي في تلك المباني”. وقد أعلن محافظ بيروت بدوره أنّه لن يعطي أيّة تراخيص لإقامة أبنية حديثة لأصحاب الأبنية، خاصًّة تلك المصنّفة تراثيّة، الذين يستغلون حالة الطوارئ للقيام بهدمها من دون ترخيص (مستند رقم 3). وطلب من “مالكي الأبنية المتضررة وخاصة المصنّفة تراثيّة إبلاغ مصلحة الهندسة في بلدية بيروت فوراً عن الحالات التي تستوجب العمل على رفع الخطر الداهم لإتخاذ الإجراءات المطلوبة، علماً بأنه عند المباشرة بعملية إعادة الإعمار سيتم إعطاء الأذونات بالسرعة اللازمة وشرط تنفيذ الأعمال بالتنسيق مع المديرية العامّة للآثار ووفقاً للقوانين المرعيّة الإجراء حفاظاً على شكل الأبنية الهندسي التراثي”. بدوره، سيدعو نقيب المهندسين جاد تابت المجلس الأعلى للتنظيم المدني في أوّل جلسة يعقدها لوضع كامل المنطقة تحت الدرس.
مستند رقم 3: قرار محافظ بيروت منع هدم الأبنية
هل يمكن إعادة بناء جميع المباني التراثيّة كما كانت قبل الإنفجار، مهما بلغ حجم الأضرار؟
في الهندسة المعماريّة، كلّ بناء قابل للترميم. ونستذكر هنا مثال إعادة إعمار مدينة وارسو في نهاية الحرب العالمية الثانية بعدما دمّرت الجيوش النازية الوسط التاريخي للمدينة بالكامل (أكثر من 85%) قبل انسحابها عام 1945. حينها، شرعت بولندا في إعادة إعمار المدينة إلى ما كانت عليه مرتكزةً على لوحات الفنان الإيطالي برناردو بيلوتو الذي كان رسّام البلاط لملك بولندا عام 1768 ورسم بأدقّ التفاصيل المباني والساحات. أتاحت لوحات بيلوتو بعد 200 سنة إضافةً إلى خبرة المهندسين المعماريين ومؤرّخي الفن والمرمّمين والمحافظين إعادة إعمار المدينة في فترة زمنية قصيرة وتحويلها من ركام إلى أحد مواقع اليونسكو للتراث العالمي. ولهذه الغاية تمّ استخدام أنقاض المدينة في عمليّة الترميم لإنتاج الطوب (brique) الجديد لبنائها فيما استعيدت الأجزاء الأصليّة للمباني التاريخية من الركام كالزخرفات والأجزاء المعماريّة (architectural elements) واستخدمت في الواجهات التي أعيد بناؤها. وكما في بيروت، قام السكان المحلّيون بالمساعدة في إزالة الكمّيات الهائلة من الحطام ليصبح شعار “الأمّة بأسرها تبني عاصمتها” صرخة المدينة المنكوبة. نستعيد مثال إعادة إعمار مدينة وارسو اليوم في بيروت المنكوبة لأنه يعطينا درسًا مهمًا في إمكانيّة الحفاظ على هويّة المدينة وجمالها التراثي والعمراني والتاريخي لا سيّما أنّ التقنيّات الحديثة اليوم تسهّل ذلك عبر الصور الفوتوغرافية والفيديو والبرامج الهندسية المتقدّمة والمجسّمات الثلاثية الأبعاد (3D models) وأرشيف مديريّة الآثار إضافةً إلى الدراسات والمسوحات العديدة التي أجرتها الجامعات والجمعيّات الغير حكوميّة في السنين الماضية. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر مسح منطقة الجمّيزة الذي أجرته كليّة العمارة في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة ALBA (2009). وفي هذا السياق، وسط تكاثر الدعوات للتطوّع وإزالة الركام، أطلق المهندس المعمار فضل الله داغر (وهو عضو سابق في الجمعيّة اللبنانية للحفاظ على التراث APSAD) نداءً لجميع المتطوعين والعاملين على تنظيف المنازل والشوارع من الركام متمنّيًا الحفاظ على مواد البناء وفرزها كلّاً على حدة (خشب، زجاج، المنيوم، حديد، الخ.) والإنتباه بشكلٍ خاص إلى الأجزاء المتساقطة من الأبنية التراثية وعدم رميها (كالنوافذ والأبواب الخشبية والأباجور، مسكات الأبواب، رخام الشرفات، الكرانيش الحجريّة، زخرفات القناطر، الخ.) لأنّنا من جهة، سنعيد إستخدامها في عمليّة الترميم وأي جزء، مهما كان صغيرًا، مهمّ جدًّا لهذه الغاية؛ ومن جهةٍ أخرى لأنّ كلّ مواد البناء قابلة للتكرير وإعادة الإستعمال وهذه خطوة ضرورية في بلد مفلس وغير قادر على الإستيراد.
بادرت نقابة المهندسين في بيروت لإرساء عمل ممنهج لمسح عام للأضرار في كافّة المناطق بدءًا بالمناطق الأكثر تضرّراً في الكارنتينا والمسلخ والمدوّر ومار مخايل والجعيتاوي والجمّيزة والمرفأ والروم والحكمة وثمّ في منطقة النهر وبرج حمّود والأشرفيّة وزقاق البلاط والمناطق المحيطة. ولتوحيد الجهود في إطار تشاركي، تمّ تشكيل لجنة تنسيق في النقابة لتنظيم عملية الكشف على الأضرار تضمّ بالإضافة إلى النقابة واتّحاد المهندسين اللبنانيين كلّاً من بلديّة بيروت ووزارة الأشغال والمديريّة العامّة للآثار بالتعاون مع عمداء الجامعات والهيئة العليا للإغاثة. وهي تقوم الآن بوضع خريطة للمناطق الأكثر دمارًا تكون قاعدة واحدة لكافة هذه الهيئات ويتمّ على أساسها الكشف على الأبنية وتحديد كيفيّة ترميمها. ويفيد النقيب جاد تابت أنّه “تمّ الاتفاق أن يُمنع هدم أي جزء من أي بناء مهما كان من دون كشف مهندس من المديرية العامّة للآثار الذي لديه القرار الأخير”. وشرح النقيب وفريق العمل خلال إطلاق هذه الورشة من نقابة المهندسين في بيروت نهار الأربعاء 12 آب 2020 تفاصيل المنهجيّة المعتمدة بعدما كلّف محافظ بيروت النقابة إجراء مسح تقني كامل متعلّق بالسلامة العامّة للكشف على الأضرار التي تطال هيكل المباني وأقسامها العامّة من غلاف وأسطح وواجهات وثكنات. وقد شكّلت النقابة فرق عمل متخصّصة من 650 مهندس متطوّع توزّعوا على حوالي 50 مجموعة ستجري المسح الأولي للمناطق المنكوبة على أن تنتهي الأعمال خلال أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر لطمأنة المواطنين وتأمين عودتهم إلى منازلهم بسرعة. وقد وضعت النقابة خطًا ساخنًا يختصّ بسلامة هيكليّة الأبنية المتضررة نتيجة الإنفجار الكارثي (71-692181 عبر تطبيق واتساب و 01-850111-EXT 1001).
تمّ تقسيم بيروت إلى 97 منطقة مراعاةً للتقسيمات الإداريّة المعتمدة من قبل البلديّة والهيئة العليا للإغاثة (رميل، الصيفي، الخ.) لضمان سهولة التنسيق ولكي تستفيد كل الجهات المختصّة من ورشة المسح والخرائط وقاعدة البيانات الناتجة عنها. سيكون المسح الميداني إلكترونيًا وبطريقة تفاعليّة مرتبطة بغرفة عمليّات جغرافيّة في مبنى نقابة المهندسين في بيروت. وقد قامت النقابة بتطوير نظام خاص لتجميع المعلومات من أرض الواقع وإجراء تقييم للأبنية المتضرّرة وإصدار تقارير دوريّة لمتابعة أعمال الفرق على أرض الواقع. وبذلك، تظهر نتائج المسح بشكل تفاعليّ ومباشر على الخرائط ضمن نظام المعلومات الجغرافي GIS الموجود في غرفة العمليّات. وقد طوّر فريق النقابة تطبيقًا خاصًّا بها (Mobile application) يخوّل كلّ مهندس مسؤول عن منطقة مسح بإدخال المعلومات التي يملؤها عبر الإستمارة من هاتفه، مباشرة من أرض الواقع.
وعند نهاية التقرير، سيخلص إلى توصيات موجّهة إلى بلديّة بيروت لكي تتصرّف على أساسها أكانت عزل المبنى أو إخلاؤه أو تدعيمه في المرحلة الأولى. ويؤكّد رئيس لجنة السلامة العامّة في النقابة المهندس علي حنّاوي أنّ التقرير الذي يحتوي على بيانات معرّفة مسبقًا (Multiple choice entry) لا وجود فيه إطلاقًا لتوصية بالهدم (لا مربّع في الإستمارة) وكلّ المباني قابلة للترميم.
ضرورة تحديث القوانين وإقرار مشروع قانون حماية الأبنية التراثية
مرّةً جديدة، كما بعد كل نكبة، يهدّد تجّار البناء البيوت التراثيّة في ظل غياب قانون عصري يحميها وارتفاع معدّلات الإستثمار في الأحياء التي يحوي نسيجها أكبر عدد من المجموعات التراثيّة حيث تعاقبت أجيال من العائلات التي لم تهجرها وجعلتها مدينة حيّة ليلًا نهارًا بعادات سكّانها وتقاليدهم ونشاطاتهم وعلاقتهم بالتجار الصغار… فالبيوت التراثيّة لا تزال خاضعة اليوم لقانون نظام الآثار القديمة[2] الصادر عام 1933 فيما يقبع مشروع قانون حماية الأبنية التراثية[3] في أدراج البرلمان منذ عام 2017 بعد مسارٍ إعداديٍّ طويل إستمرّ منذ عام 1996. (سنخصّص لمشروع القانون مقالًا آخر).
وقد إعتبر محافظ بيروت خلال إطلاق المسح الميداني أنّ إدارة النكبة ضمن النظام الحالي “إدارةٌ خشبيّة قائمة على نصوصٍ متوارثة منذ العصر العثماني. وعندما أردنا تدعيم البيوت التراثية على حساب البلدية إصطدمنا بعدم وجود نص قانوني يسمح لنا بتدعيمها”. ولكن في ظل النكبة، لا وقت للتجاذب القانوني ولتقاذف المسؤولية و”على الجميع أن يهجم لملء الفراغ. وستقوم البلدية بتدعيم البيوت إذا وجب ذلك، أكان هناك من نص قانونيّ أم لا، ويلّي ما عاجبو يروح يبلّط البحر”[4]. وأضاف عبّود أنّهم بانتظار قانون وإعفاءات ضريبية لأصحاب العلاقة، لن يتركوا مجالًا للفراغ “لأنّ هناك أناساً حاضرة بعتادها تريد أن تغتنم الفرصة لافتراس ما تبقّى من بيروت ولن نسمح لهم ذلك. فإقرار القوانين في لبنان يطول خصوصًا في ظل النظام السياسي الحالي”. وعقّب مدير عام الآثار سركيس خوري أنّ التقييم الأوّلي للمناطق التي أجرته المديرية مع 40 مهندس متخصّص بالترميم أظهر أنّ المناطق التي تضرّرت أكثرها تراثيّة “وملفّ الأبنية التراثيّة ليس ملفًّا تراثيًّا كما يخال الجميع. هو ملف إجتماعي لأنّ التاريخ والإنسان مرتبطان ببعضهما ولا نريد أن نعيد تجربة هدم مبنى تراثيّ واستبداله ببناء حديث وأبراج وتغيير السكان عبر تهجير السكان القدامى واستبدالهم بجدد”.
تمويل إعادة الإعمار: المساعدات الدوليّة قادمة فلا تبيعوا بيوتكم.
من سيموّل ويرمّم المباني المتضرّرة هو الهمّ الأكبر لسكّانها ومالكيها لا سيّما المباني التراثيّة منها. فقد تزامنت الفاجعة مع الإنهيار الإقتصادي للبلاد وعجز الدولة عن تمويل أي مشروعٍ كان فيما استولت المصارف على مدّخرات الناس وجنى أعمارهم التي هم بأمسّ الحاجة إليها اليوم للنهوض من نكبتهم.
تعدّدت المبادرات لجمع التبرّعات وتأمين المساعدات والتمويل الضروري لورشة إعادة الإعمار وقد بدأت تتدفّق الأموال من الخارج إلى الجمعيّات الناشطة في هذا المجال كجمعيّة فرح العطاء و arcenciel والصليب الأحمر وغيرها من الجمعيّات التي باشرت بجولات ميدانية لمسح الأضرار. سيتمّ التنسيق بين كل هذه المجموعات تحت إدارة مديريّة الآثار التي تتعاون مع قدامى الجامعة اللبنانية المتخصّصين بالترميم (بإشراف د. ياسمين معكرون لإنشاء جرد لأرض الواقع يتبعه خطّة تدخّل) واكوموس[5] لبنان (ICOMOS) وهي جمعيّة تهتمّ بالأبنية التراثية و”بلو شيلد” Blue Shield واليونسكو وايكروم (التابعة لليونسكو). وقد تواصلت مديريّة الآثار بعدد من الجهات الأجنبية المستعدّة للتمويل من شركاء فرنسيين (المدير العام للتراث ومدير متحف اللوفر في باريس ومدير المعهد الوطني للتراث INP) وغيرهم من جميع أنحاء العالم كمتحف Getty في الولايات المتحدة الأميركيّة والمركز الإقليمي العربي للتراث التابع لليونسكو ومنظمّة Aliph (التحالف الدولي لحماية التراث العالمي) التي أعلنت بدورها عن تخصيص مبلغ ضخم لدعم ترميم الممتلكات الثقافية[6]. وأعلن مدير عام الآثار من نقابة المهندسين أنّ اليونسكو ستطلق حملة لجمع التبرّعات fundraising لتمويل الأبنية التراثية.
إذًا الأموال آتية في الأيّام أو الأسابيع المقبلة وستعمل الجمعيّات المستفيدة تحت مظلّة مديريّة الآثار التي ستشرف على كلّ أعمال المسح والترميم. فلنترقّب ولنتساعد جميعًا في إعادة إعمار مدينتنا.
[1] المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية. هي منظمة حكومية دولية تعمل في خدمة الدول الأعضاء على تعزيز عملية صون وإعادة التأهيل لكافة أنواع التراث الثقافي في كل منطقة من العالم وتعمل إنطلاقاً من روح البيان العالمي لمنظمة اليونسكو.
[4] كلمة محافظ بيروت خلال إطلاق المسح الميداني المتعلق بالسلامة العامة في المباني المتضررة في 12/8/2020 من نقابة المهندسين في بيروت. يمكن مشاهدة كافّة المداخلات على الصفحة الرسميّة لنقابة المهندسين في بيروت على الرابط التالي: https://www.facebook.com/watch/?v=312225613260647
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.