تنصّ المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي لعام 1963 أنّ تعويض نهاية الخدمة يعادل أجر شهر عن كل سنة خدمة، بموجب قيمة الأجر الذي يتقاضاه الأجير (المضمون) خلال الشهر الذي سبق تاريخ نشوء الحقّ بالتعويض. ولهذه الغاية، يسدد صاحب العمل سنويا اشتراكات للضمان الاجتماعي تصل إلى نحو قيمة أجر شهري على أن يسدد بموجب تسوية الفارق بين قيمة تعويض نهاية الخدمة وما يكون قد سدده عن الأجير خلال سنوات عمله لديه. ولكن منذ انهيار الاقتصاد اللبناني وانهيار الليرة، انهارت قيمة الاشتراكات المسددة لدى الصندوق، بحيث خسرت ما نسبته 98% من قيمتها الحقيقية، وكذلك قيمة تعويض نهاية الخدمة للأجراء الذين انتهت عقود عملهم خلال فترة الأزمة وقبل إجراء أي تصحيح على الأجور. من بين هؤلاء، مريم ع. التي استحقّ تعويضها في 29 أيلول العام 2022، عن راتب مليونين و780 ألف ليرة، ولديها 20 سنة خدمة، وبلغت قيمته 55 مليون و600 ألف ليرة، أي ما كان يعادل بالدولار 36 ألفًا و894 دولارًا أميركيًا لو احتسب على سعر الصرف الثابت القديم أي 1500. لكن مريم تقاضت ما قيمته 621 دولارًا وهذا يعني أنّها خسرت 36 ألفًا و273 دولارًا، ما يعني أنّ نسبة خسارتها بلغت 98.3%. وهكذا فإنّ خسارة الأجير الذي انتهت خدمتهم بعد 2019 حتى نهاية 2023 تعادل فعليًا نسبة الخسارة بالقدرة الشرائية لليرة اللبنانية، إزاء الدولار. إذًا عمليًا من انتهت خدماتهم خلال السنوات الخمس الأخيرة خسر تعويضه أو الأصح سرق منه، وعندما نتحدث عن سرقة جنى العمر فهذا هو، أقله هذا هو أيضا.
أما بالنسبة للأجراء الذين ستنتهي عقود عملهم بعد تصحيح الأجور، فقد طرح السؤال عن قيمة التعويض المتوجب عن السنوات السابقة: فهل نستمر في احتساب التعويض المتوجب على أساس الأجر الذي تقاضاه الأجير خلال الشهر الذي سبق تاريخ نشوء الحق بالتعويض كما درجت العادة، مع ما قد يستتبعه ذلك من أكلاف على أصحاب العمل بفعل انهيار قيمة الاشتراكات المسددة سابقا منهم؟ أم يحدد تعويض نهاية الخدمة عن سنوات ما قبل الأزمة وفق سعر الصرف السائد آنذاك أي من دون أن نأخذ بعين الاعتبار انهيار العملة الوطنية مع ما قد يستتبع ذلك من انهيار في قيمته الشرائية؟ أم يتم اقتسام الخسارة بين أصحاب العمل والأجراء، مع تحميل الدولة جزءا منها؟ وفي حال تم اقتسام الخسارة مستقبلا من دون تحميلها للأجير وحده، هل نعمد إلى تصحيح الغبن الذي أصاب الأجراء الذين انتهت خدماتهم خلال فترة الأزمة وفق المعايير نفسها؟
هذه هي الأسئلة والظروف التي دفعت النائب فيصل كرامي إلى تقديم اقتراح “قانون التسوية العادلة لتعويضات نهاية الخدمة في الضمان الاجتماعي” بتعديل المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي بشكل يخفّض إلى حوالي النصف قيمة التعويض كما كانت تحتسب قبل العام 2019 بالنسبة إلى السنوات السابقة، وعلى أن يتحمّل صاحب العمل نسبة 44% والدولة نسبة 56% من مبلغ التسوية المستحق للمضمون. ويشرح أحد معدّي الاقتراح، رامي أسوم، عضو المكتب السياسي في تيار الكرامة، أنّ الاقتراح يأتي من الحرص على عدم إفلاس الشركات التي كانت تضغط على بعض النوّاب لترتيب التعويضات على سعر صرف 15 ألف ليرة وفي الوقت نفسه على ألّا يخسر الموظف 87% من تعويضه فيما لو تم احتساب تعويضه على هذا الأساس. وقد عقدت لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية النيابية برئاسة النائب بلال عبد الله، في 22 تموز 2024 جلسة أولى لمناقشة هذا الاقتراح، بحضورا وزير العمل مصطفى بيرم، والمدير العام للضمان الاجتماعي محمد كركي والمدير المالي للضمان شوقي بو ناصيف ورئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، والنوّاب الأعضاء. إلّا أنّ الجلسة لم تنته من مناقشة اقتراح القانون، وحدّدت الإثنين المقبل في 29 تموز لاستكمال نقاشه.
وقد أعلن عبد الله أنّ “جلسة الأسبوع المقبل ستكون من أجل البتّ نهائيًا بهذا الاقتراح وكيفية إحقاق العدالة بالحد الأدنى للذين أنهوا خدماتهم، والإحاطة بهذا الملف تؤكد أنه يجب تأمين نوع من التراضي والتوافق والتسوية الداخلية بين أفرقاء العقد الاجتماعي وأصحاب العلاقة”.
وقد أبدت نقابات وتجمّعات عمّالية تحفّظات عديدة على الاقتراح وإن قبل بعضها به على قاعدة “خذ وطالب”. في المقابل رفض اتحاد النقابات العمالية للمؤسّسات العامة والمصالح المستقلّة بشكل قاطع أيّ تعديل لقانون الضمان أو تعديل لأسس احتساب تعويض نهاية الخدمة لأنّه سيؤدي إلى تخفيض قيمة تعويضات نهاية الخدمة مستقبلًا للمضمونين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ودعا إلى رفض الاقتراح لناحية تعديله أسس احتساب التعويضات مستقبلًا والاكتفاء بتعديل قيمة التعويضات السابقة للمضمونين الذين صفّوا تعويضاتهم سابقًا.
اقتراح كرامي: تخفيض التعويض إلى النصف
أزمة التعويضات كانت غائبة تمامًا عن أذهان المعنيين، وبعد 5 سنوات من عمر الأزمة، تطرقت وزارة المال إلى هذه المسألة للمرة الأولى عبر المادة 93 في مشروع موازنة العام 2024، وقد نصّت على “معالجة استثنائية لتعويضات نهاية الخدمة وفقًا لأحكام المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي”. وبحسب المادة المذكورة، “تعدّل المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي (المرسوم الاشتراعي الرقم 13955/1963 وتعديلاته) استثنائيًا، إلى حين إعادة تقييم جميع تعويضات نهاية الخدمة وإصدار قوانين عادلة، حيث يحدد مقدار تعويضات نهاية الخدمة على الوجه التالي: يحتسب تعويض نهاية الخدمة بما يعادل عن كل سنة خدمة الأجر الذي تقاضاه صاحب العلاقة خلال شهر كانون الأول 2023 عن سنوات الخدمة لما قبل 31-12-2023 على أساس 15.000 ليرة للدولار الواحد. كما يعادل عن كل سنة خدمة الأجر الذي تقاضاه صاحب العلاقة خلال شهر كانون الأول من كلّ عام أو خلال الشهر الذي سبق تاريخ نشوء الحق بالتعويض بعد 1-1-2024 عن كل سنة خدمة وفقًا لأحكام قانون الضمان الاجتماعي.
إلّا أنّه وخلال مناقشة هذا الاقتراح في جلسة الموازنة، رفضه النائب فيصل كرامي ونوّاب آخرون، كونه يشطب 83% من تعويضات المضمونين، ليس فقط للذين انتهت خدماتهم في نهاية 2023 بل كانت ستطال كلّ من سيحال إلى التقاعد بعد ذلك التاريخ. وبحسب ما يوضح أسوم لـ “المفكرة”، فإنّه حتى لو تحسّن الاقتصاد اللبناني وعاد الى مستواه السابق بعد خمس سنوات مثلًا، فإنّ الشركات ستكون قد عادت إلى وضعها السابق قبل الأزمة (من حيث حجمها في السوق، والموجودات، والأرباح)، وبذلك سيكون رأس مال صاحب العمل محفوظًا بغضّ النظر عن الأزمة. أما في حالة العامل أو الموظف، فحتى لو عاد راتبه إلى قيمته نفسها قبل الأزمة، يكون قد خسر إمكانية استعادة تعويضه عن سنوات ما قبل الأزمة إلى الأبد، بغض النظر عن تغيّر الظروف للأحسن. وهذا سيلحق ظلمًا واضحًا بالعمال والموظفين.
وعليه، وبهدف معالجة هذه المسألة بطريقة أقل غبنا للأجراء، تقدّم النائب فيصل كرامي في 12 حزيران 2024 باقتراح قانون يرمي إلى “تعديل المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي (المرسوم الاشتراعي رقم 13955/1963 وتعديلاته)، استثنائيًا، حيث يحدّد مقدار تعويضات نهاية الخدمة على الوجه التالي: يحتسب تعويض نهاية الخدمة بما يعادل عن كلّ سنة خدمة، الأجر (أو شهر ونصف للسنوات التي تفوق الـ 20 حسب المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي) الذي تقاضاه صاحب العلاقة خلال شهر عن سنوات الخدمة لما قبل 31-12-2023 على أساس نصف سعر صرف الدولار حسب سعر الصرف في السوق عند صدور قرار موافقة صرف التعويض (أو نصف سعر صرف الدولار في السوق عند تاريخ إعادة احتساب التعويض وفقًا لأحكام هذا القانون بالنسبة لمن استوفى تعويضه سابقًا) ، مقسوم على سعر 1500 ليرة مضروب بالراتب بالليرة اللبنانية المصرّح عنه قبل تاريخ 1-10-2019، على أن يتحمّل صاحب العمل نسبة 44% والدولة نسبة 56% من مبلغ التسوية المستحق للمضمون”. ويتابع الاقتراح: “كما ويعادل عن كل سنة خدمة الأجر الذي تقاضاه صاحب العلاقة خلال شهر كانون الأول من كل عام أو خلال الشهر الذي سبق تاريخ نشوء الحق بالتعويض بعد 1-1-2024 عن كل سنة خدمة محتسب وفقًا لأحكام قانون الضمان الاجتماعي. ويقوم الصندوق باللازم من أجل الاستحصال على النسبة المخصصة لمساهمة الدولة لهذه التسوية بحيث يكون مبلغ التعويض مؤمّنًا بشكل كامل عند مطالبة المستخدم المتقاعد به”.
أما بالنسبة للمستخدمين الذين استوفوا مبالغ تعويضاتهم بعد تاريخ 31-12-2019، فيُعاد احتساب تعويضاتهم، بحسب الاقتراح، على أساس المقاربة المشروحة أعلاه ودفع الفرق بين ما تقاضوه سابقًا (مقيّمًا بالدولار الأميركي) وبين ما يستحقّونه وفقًا لأحكام هذا القانون. وفي حال إغلاق الشركة التي كان يعمل المضمون لديها سابقًا، يكون على الدولة أن تتحمّل كامل قيمة الفرق في تعويضات العمال المستحقة، دائمًا بحسب ما ينص الاقتراح.
ويوضح النصّ أنّ القانون “يطبّق على كلّ الأجراء الخاضعين لقانون العمل والذين يخضعون لنظام تقاعد نهاية الخدمة في الضمان الاجتماعي، بمن فيهم الأجراء في القطاع الخاصّ و العامّ (المؤسسات العامة والمصالح المستقلة والاجراء الدائمون في الجامعة اللبنانية ومستخدمي الضمان الاجتماعي). أما بالنسبة للمستخدمين والأجراء في المؤسّسات العامّة والمصالح المستقلّة الخاضعة لقانون العمل، الذين لم تتمّ تصفية تعويضاتهم في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي قبل 17-10-2019، فتطبّق على تعويضاتهم لدى هذا الصندوق أحكام هذا القانون كما ورد أعلاه. وبالنسبة إلى القسم الآخر من التعويضات، والذي يقع على عاتق المؤسسة العامّة أو المصلحة المستقلة بكامله (أي أنّ كامل التسوية يتمّ دفعها من صناديق تلك المؤسسات والمصالح من دون مساهمة الدولة)، فتطبّق عليهم القاعدة التالية: يعتمد لاحتساب هذا القسم من تعويض نهاية الخدمة لكلّ مستحق له، الراتب الذي كان يتوجّب له في تاريخ 17-10-2019، مضروبًا بـ 30 ضعفًا. وتحسم تعويضات نهاية الخدمة التي سبق أن دفعتها المؤسسات العامة أو المصلحة المستقلة للأجراء المعنيين قبل تطبيقه”.
وتوضح الأسباب الموجبة العملية الحسابية المقترحة لاحتساب التعويضات حيث استعادت تجارب دول واجهت حالات تضخّم وربطت قيمة التعويضات بنسبة التغيير في الناتج المحلي الإجمالي (GDP indexation). وفي حالة لبنان تبلغ النسبة النصف تقريبًا (بالدولار). وإذا كان سعر الصرف قد ارتفع 60 ضعفًا (90.000/1500) وربطًا بمؤشّر الناتج الإجمالي المحلّي، تُحسب التعويضات ما قبل سنة 2023 كالتالي:
الراتّب المصرّح عنه بالليرة اللبنانية قبل 1-10-2019 مضروب بـ (سعر الصرف عند صرف التعويض حسب السوق مقسوم على سعر الصرف قبل الأزمة) مضروب بـ 0.5 (نسبة انخفاض الناتج المحلّي) مضروب بسنوات الخدمة.
مثال إذا كان سعر صرف الدولار عند صرف التعويض 90.000 ليرة لبنانية:
المعاش المصرّح عنه باللبناني قبل 1-10-2019 مضروب بـ (90.000 مقسومة على 1500) مضروبة بـ 0.5 مضروبة بسنوات الخدمة = المعاش المصرّح عنه باللبناني قبل 1-10-2019 مضروب بـ 60 مضروب بـ 0.5 مضروب بسنوات الخدمة = المعاش المصرّح عنه باللبناني قبل 1-10-2019 مضروب بـ 30 مضروب بسنوات الخدمة.
وبرأي أسوم فإنّ الاقتراح بذلك “يحفظ حق الموظفين والعمال بأحسن الممكن وقدّمنا حلًّا عمليًا ومناسبًا لأصحاب الشركات وللدولة اللبنانية”.
ويضيف: “وجدنا أنّه طالما أنّ الاقتصاد في البلد الذي يعيش فيه الموظف ويعمل فيه، فقد نصف قيمته، فإنه ليس طبيعيا أن يحصل الأجير على قيمة كامل قيمة تعويضه مئة في المئة، لأنّ هذا الأمر لا يستطيع أن يتحمّله أحد وحده. سرنا على هذه المقاربة وأعطيناه 50% لتكون عادلة بالنسبة للبلد ولكن بالتأكيد ليست عادلة بالنسبة للموظف. لا شيء عادل بالنسبة للموظف، لأنّ هذا حق له. لكن بالنسبة لوضع البلد فهو عادل”.
التسوية: 44% على أصحاب العمل 56% على الدولة
ينصّ الاقتراح على أنّ مبالغ التسوية هي كالتالي: 44% على أصحاب العمل و56% على الدولة. وقد جاء في أسبابه الموجبة أنّه “لا يمكن للدولة أن تستقيل من مسؤولياتها تجاه العمال والموظفين، وليس مسموحًا أن تتنصّل من أعباء الحفاظ على القيمة الحقيقية لتعويضات العمال، وإلّا فإنّها تكون قد أعلنت انتهاء الدور المؤسساتي للدولة كراعية للمجتمع اللبناني، فتزيد فوق الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي انهيارًا مؤسّساتيًا ينفي معه بقاء تلك الدولة من أساسه. لكلّ ذلك، فإنّ المسؤولية تقع على الدولة اللبنانية والشركات للحفاظ على قيمة تعويضات العمال في ضوء الانهيار المالي الذي شهده لبنان”.
وأورد اقتراح القانون ملاحظتين الأولى أنّ أحكام هذا القانون تطبق على الراتب المصرح عنه بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي في الضمان الاجتماعي. وهو بذلك لا يفرّق بين من يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية أو بأي عملة أجنبية. أما الملاحظة الثانية، فمفادها أنّ قيمة تعويضات نهاية الخدمة لعام 2018 كانت بحدود 750 مليار ليرة أو ما يعادل 500 مليون دولار، ستصبح حوالي 250 مليون دولار عند تطبيق أحكام هذا القانون وفق GDP Indexation بحيث تكون حصّة الدولة حوالي 140 مليون دولار سنويًا أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية وحصة الشركات 110 مليون دولار. (من دون احتساب إعادة الفرق للذين تقاضوا تعويضاتهم بين 7-10-2019 ونهاية 2023).
في دوافع الاقتراح
إضافة إلى ما ورد في الاقتراح حول تقليص الخسارة في قيمة التعويضات للعمّال والموظفين، فإنّ الاقتراح يسعى إلى تخفيف العبء عن الشركات التي وجدت نفسها أمام معضلة كبيرة يمكن أن تؤدي إلى إفلاسها بنتيجة فقدان قيمة الاشتراكات المسددة وفق تعبير أسوم. فإذا كان لدى الشركة 100 موظف يتقاضون أجر 1000 دولار، 50 منهم استحق تعويضهم بعد 20 سنة، سيترتّب على الشركة مليار و700 مليون ليرة أي حوالي 20 ألف دولار في سنة واحدة، يعني عليها دفع مليون دولار عن 50 موظفًا. ويكشف أسوم أنّ الشركات كانت تضغط على بعض النوّاب لترتيب التعويضات على سعر صرف 15 ألف ليرة كي لا تقع في مشكلة الإفلاس. “لذلك نحن جئنا لنقول لا نريد أن تفلس الشركات وفي الوقت نفسه ألّا يخسر الموظف 87% من تعويضه”، يضيف.
الهيئات الاقتصادية ترحّب والنقابات تتحفّظ
يقول مصدر في الهيئات الاقتصادية لـ “المفكرة” إنّ هناك ترحيبًا واسعًا من قبل أصحاب الشركات وأصحاب العمل في القطاع الخاص، بإيجاد حلّ لمشكلة تعويضات نهاية الخدمة، على أن تكون عادلة وشاملة، ما يريح المؤسّسات، على أن يرافق ذلك خطة إصلاح شاملة في مؤسسة الضمان الاجتماعي، اذ لا يمكن الاستمرار باللجوء إلى شركات التأمين الخاصة لتغطية تقصير الضمان في الموضوع الصحي والاستشفائي. ويرى المصدر أنّ أيّ حلّ يجب أن يراعي الأطراف الثلاثة العمال والمؤسسات وأيضًا الدولة. فالدولة شريكة في الإنتاج وإن سقطت نسقط جميعًا.
وعن وجود أي خلاف بين الهيئات الاقتصادية والضمان الاجتماعي حول تسوية الاشتراكات، يشير المصدر إلى بيان صدر عن الهيئات أوضحت فيه أنها ستُبدي ملاحظاتها “حول بعض الأمور التي تتعلق باقتراح القانون في اللجان النيابية المختصة”. وأعلنت فيه استهجانها “الضغط الذي تمارسه جهات مسؤولة في الضمان الاجتماعي على قيادات في القطاع الخاص لفرض توجهاتها من دون الأخذ بعين الاعتبار مختلف الجوانب الشائكة المتعلقة بموضوع الضمان”.
وإذ أكّدت الهيئات في البيان حرصها الشديد “على استمرارية الضمان”، نبّهت إلى أنّ “معالجة أزمة الضمان يجب أن تأتي من ضمن حوار بنّاء ومسؤول بين أطراف الإنتاج”، محذّرة من أن “فرض الحلول الأحادية وبالمفرّق سيؤدّي حتمًا الى نتائج سلبية، والخطر الأكبر في ذلك انهيار وإفلاس أعداد كبيرة جداً من المؤسّسات وتشريد آلاف العاملين فيها”.
وذكرت بأنّ “الشركات كانت قد سدّدت وطوال عشرات السنين، الأموال المطلوبة منها للضمان لا سيما لصندوق تعويض نهاية الخدمة حيث بلغت الأموال المتراكمة في هذا الصندوق عند حصول الانهيار الاقتصادي في الربع الأخير من العام 2019 حوالي 9 مليارات دولار، والآن يطلب منها دفع المبالغ مرة ثانيّة”.
ويكشف المصدر عن حصول لقاءات مع الاتحاد العمّالي العام لأخذ موافقته على هذا الاقتراح وأنّه تمّ التوافق فعليًا على تبنّي الاقتراح.
ولكن رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر يشير في اتصال مع “المفكرة” إلى “أنّنا ما زلنا في مرحلة استيضاحية. وأفاد الأسمر أنه سيحضر الجلسة المقبلة (للجنة الصحة والعمل) كلّ الأفرقاء: الضمان، الاتحاد العمالي العام، الهيئات الاقتصادية، وزير العمل وكلّ مكونات لجنة الصحة، حتى كل شخص يوضح وجهة نظره، مع الاتجاه إلى الاتفاق على الوصول إلى صيغة لا يتم فيها تعديل المادة 51 ولا أي مادة من قانون الضمان (من دون ذكر الأسباب). ويوضح أنّ الاتحاد يفضّل أن يكون اقتراح القانون واضحًا تجاه مبالغ التسوية المستحقّة على أصحاب العمل. ويفضّل أن يكون تمويل هذا القانون من خارج أموال الضمان الاجتماعي.
بدوره رئيس الاتحاد الوطني للعمال والمستخدمين كاسترو عبدالله يطالب في حديث إلى “المفكرة” إشراك الاتحاد في الجلسات لأنّ “لدينا ملاحظات نريد طرحها، وكنّا وضعناها في لقاء مع كرامي”. ويعتبر عبد الله أنّ “إشراك الدولة في دفع قيمة التسوية عن القطاع الخاص هي ورقة لوتو للهيئات الاقتصادية. نريد معرفة أعداد الذين أحيلوا إلى التقاعد في فترة الأزمة”، مضيفًا: “نحن نعلم كم تمّت سرقة الضمان على مدى أعوام. هذا الملف متشعّب، ولا بد من فتحه وفيه مغاور علي بابا”.
ويقول عبد الله: “نريد إعادة ما فقدناه من قوّة شرائية لتعويضاتنا وتحسين التقديمات الاجتماعية”. ويطالب بـ “الحفاظ على ديمومة الضمان الاجتماعي” معربًا عن خشيته “من خصخصة الضمان الذي طرح منذ فترة من قبل شركات التأمين وبعض النوّاب الذين قدّموا هذا الطرح وأعلنوا عنه من مقرّ الاتحاد العمالي العام، وهو يهدف إلى إضعاف مؤسسة الضمان، وصولًا إلى إلغائها لصالح شركات التأمين الخاصة”.
من جهته، يعلن عبدالله مشيمش أحد مؤسّسي تجمّع الأجراء المتعاقدين في الإدارات العامّة لـ “المفكرة” الموافقة المبدئية للتجمّع على اقتراح القانون على قاعدة “خذْ وطالب”. ويرى أنه من الضروري الفصل بين القطاع العام والقطاع الخاص، إذ أنّ أعداد موظفي القطاع الخاص المتقاعدين تتعدى 500 ألف، بينما أعداد موظفي القطاع العام لا تتعدى 5 آلاف موظّف متقاعد، وصاحب العمل في القطاع الخاص هي الهيئات الاقتصادية. أما صاحب العمل في القطاع العام فهي الدولة اللبنانية. ويتابع “مطالبنا نحن هي من مسؤولية الدولة وعليها أن تغطّي كل الخسائر التي تكبّدناها. سنقبل بالـ 50% بتحفّظ، على أن تبقى مطالبنا مرفوعة باسترداد الـ 50% المتبقية، وهذا حق طبيعي ومكتسب”.
أما رئيس اتحاد النقابات العمالية للمؤسّسات العامة والمصالح المستقلّة شربل صالح، فيؤكّد رفض الاتحاد بشكل قاطع أي تعديل لقانون الضمان أو تعديل لأسس احتساب تعويض نهاية الخدمة لأنّه سيؤدي إلى تخفيض قيمة تعويضات نهاية الخدمة مستقبلًا للمضمونين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبالتالي يطالب بإلزام أصحاب العمل بالتصريح عن كامل الراتب وإدخاله مع المساعدات والزيادات في الراتب الأخير الذي يُتّخذ أساسًا لاحتساب تعويض نهاية الخدمة من دون أي تعديل لقانون الضمان الاجتماعي الذي يحفظ حق الأجراء بتعويض نهاية الخدمة على أساس الراتب الأخير الذي يستحقّ عند تاريخ التقاعد مضروبًا بعدد سنوات الخدمة.
ويطالب الاتحاد الحكومة المباشرة بدرس سلسلة رتب ورواتب عادلة تحفظ القيمة الشرائية للرواتب من دون الكلام عن مساعدات وزيادات لا تدخل في أساس الراتب.
علوية: الاقتراح يغفل شريحة كبيرة من المضمونين
يرى رئيس مصلحة القضايا في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، صادق علوية، بصفته الأمين العام لاتحاد النقابات العمالية للمصالح المستقلة والمؤسسات العامة في تقرير أعدّه وزوّد “المفكرة” بنسخة منه أنّ هذا الاقتراح وإن كان في مصلحة المضمونين الذين سبق أن تقاضوا تعويضات نهاية خدمتهم قبل تاريخ الأول من العام 2024 إلّا أنّه يظلم جميع المضمونين الذين سيتقاعدون مستقبلًا اعتبارًا من تاريخ الأول من العام 2024.
لذلك، يشير علوية إلى “أنه يقتضي رفض هذا الاقتراح لناحية تعديله أسس احتساب التعويضات مستقبلًا، وأن يكتفي بتعديل قيمة التعويضات السابقة للمضمونين الذين صفّوا تعويضاتهم سابقًا من دون المساس بأصول احتساب التعويضات عن الفترات اللاحقة اعتبارًا من بداية العام 2024.
ويوضح علوية أنّه تمّ تقسيم فترة عمل الأجير إلى قسمين: القسم الأول قبل 31-12-2023 إذ يُحتسب تعويض نهاية الخدمة بما يعادل عن كلّ سنة خدمة، الأجر الذي تقاضاه صاحب العلاقة خلال شهر عن سنوات الخدمة لما قبل 31-12-2023 على أساس نصف سعر صرف الدولار حسب سعر الصرف في السوق عند صدور قرار صرف التعويض (إضافة إلى التعويض الإضافي المذكور آنفًا). أما القسم الثاني بعد 1-1-2024: يعادل التعويض عن كلّ سنة خدمة الأجر الذي تقاضاه صاحب العلاقة خلال شهر كانون الأول من كل عام أو خلال الشهر الذي سبق تاريخ نشوء الحق في التعويض بعد 1-1-2024 عن كل سنة خدمة محتسبًا وفقًا لأحكام قانون الضمان الاجتماعي.
ويرى علوية في ملاحظاته أنّ خسارة الأجير تكبر كلّما ارتفع عدد سنوات الخدمة اللاحقة لبداية العام 2024 وكلّما تعدل الحد الأدنى للأجور ارتفاعًا.