تقود الجمعيات النسائية اليوم إحدى أكبر حملات المناصرة لإقرار اقتراح القانون الرامي إلى تحديد سنّ الزواج والحد من زواج القاصرين. بحسب آخر مسودّة لاقتراح القانون الذي ما زال قيد النقاش أمام لجنة الإدارة والعدل البرلمانية، يحدّد سنّ الزواج بـ18 عاماً لكلّ من الذكور والإناث، مع إمكانية الترخيص لمن أكملوا 16 سنة استثنائياً بالزواج من قبل قاضي الأحداث (علماً أنّ المراجع الدينية السنيّة والجعفرية تصرّ على إبقاء هذه الصلاحية بيد القضاة الشرعيين حصراً كما أعلمنا أحد النوّاب في اللجنة). وفي حين أنّ معظم الجمعيات النسائية تعتبر أنّ هذا الاستثناء يشكّل تراجعاً عن مطلبها الأساسي بتحديد سنّ الزواج بـ18 سنة، تصرّ اللجنة على هذا الإستثناء سنداً لمبدأ التدرّج التشريعي ومراعاةً لحساسية الطوائف[1].
إنطلاقاً من ذلك، ومع التأكيد على أهمية الاقتراح المطروح، تدعو هذه المقالة إلى مقاربته ضمن سياقه الاجتماعي وعلى نحو يتواءم مع الإشكاليات المعاصرة في مجال حقوق الطفل. فكيف يرى القانون جنسانية القاصر؟ وما هي الإصلاحات المطلوبة لمواكبة هذا التشريع؟ وماذا تعلّمنا التجارب المقارنة؟ وأخيراً، كيف يمكن أن يوازن هذا القانون بين حماية القاصر وحقه في إتخاذ القرارات؟
التعددية القانونية تنتج وضعاً هجيناً: جنسانية القاصر “قانونية” في إطار الزواج فقط
يأتي النقاش حول اقتراح القانون المتعلّق بتزويج الأطفال في ظلّ أرضية قانونية ملتبسة ومتعددة: فقانون العقوبات، في المادة 505 منه، يعاقب العلاقات الرضائية مع قاصر أتمّ الخامسة عشرة من عمره ولم يتمّ الثامنة عشرة، بالحبس من شهرين إلى سنتين، فيما أنّ جميع قوانين الأحوال الشخصية تتيح زواج القاصرين، إن من خلال تحديد سنّ زواج تحت 18 سنة، أو بوضع استثناءات تسمح به. بمعنى آخر، يُمكن للقاصرين أن يتزوّجوا (ضمن شروط تنظمها قوانين الطوائف التي يخضعون لها)، فيما ليس لهم ممارسة الجنس مع أيّ كان، تحت طائلة تعريض العلاقة للملاحقة. ففي حال حصول المجامعة مع شركاء قاصرين، يُلاحق الشريكان معاً، أما في حال حصول المجامعة مع غير قاصر، فيلاحق هذا الأخير وحده بغض النظر عن فارق العمر بينه وبين القاصر.
يتخذ إذاً القانون اللبناني موقفاً ملتبساً من جنسانية المراهق، فلا يعترف بها سوى ضمن الإطار التقليدي للزواج الذي ينظمها، وإن حادت عن هذا التنظيم، يجرّمها. وعليه، وفي حين تتجه معظم التشريعات نحو فرض سنٍّ للزواج أعلى من سنّ الرشد الجنسي على أساس أنّ الزواج يرتّب على الأزواج إلتزامات طويلة الأمد، نشهد وضعاً هجيناً ومخالفاً تماماً في التشريع اللبناني، وهو وضع مرشّح للإستمرار. وقد أعادت مناقشة الاقتراح التأكيد على ذلك من خلال تقديم أفكار قوامها السماح بزواج شخص وهو لمّا يزال قاصراً (16 سنة) مع إبقاء تجريم أي علاقة جنسية خارج الزواج يشترك فيها قاصر.
وما يزيد هذا الوضع مدعاة للتساؤل هو اعتراف عدد من النوّاب بجنسانية القاصرين. هذا ما جاء صراحة على لسان النائبين عماد الحوت وعلي عمّار خلال المناقشات النيابية حول إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات التي كانت تسمح بكفّ الملاحقة ضد المعتدي على امرأة في إحدى الصور المبيّنة في مواد محددة في قانون العقوبات في حال زواجه اللاحق منها. فقد تدخّل النائبان آنذاك للمطالبة بإبقاء بعض مفاعيل المادة 522 وبالأخص في حال تمثّل الجرم الذي تمّ كفّ الملاحقة على أساسه بمجامعة قاصرة بين 15-18 سنة برضاها ومن دون غصب. وقد جاء دفاع النائبين عن هذا الاستثناء ضمن روحية التشريع نفسه: العلاقات الجنسية بين المراهقين باتت شائعة في المدارس والجامعات، لذا، يقتضي تنظيمها وقولبتها ضمن إطار الزواج[2]. وبدل أن تؤدي النقاشات آنذاك إلى حث النواب على إلغاء تجريم هذه العلاقات، اتجهوا نحو تنظيمها في إطار الزواج، وإلّا، معاقبتها. وهذا ما عاد وأشار إليه النائب نوّاف الموسوي في مقابلة مع “المفكرة”، حيث برر إبقاء مفاعيل المادة 522 على القاصرين بـ”أنّ هناك علاقات ليست اغتصاباً، ولنكن واقعيين ونعترف أن العلاقات الجنسية تبدأ في الثانويات اليوم، وأن الوعي الجنسي يبدأ في عمر 12 سنة، فهل إذا أغرم شاب بعمر 16 سنة بامرأة في العشرينات وأقاما علاقة نذهب بهما إلى المحكمة؟ وهما لم يرتكبا جرماً“. وعن أسباب استمرار القانون في تجريم هذه العلاقات – بين راشد وغير راشد أو بين قاصرين – يتوقّف الموسوي عند التباين بين التوجّهين الديني والمدني، حيث يقبل الأول بالزواج بعمر 16 سنة ولا يقبل العلاقات الجنسية في العمر نفسه، بينما يغض المدني النظر عن العلاقات الجنسية تحت 18 سنة ولا يقبل بالزواج تحت السنّ نفسه، ليقول “ربما تحل المشكلة شرعياً عند الشيعة بالزواج المؤقت، فأين المشكلة إذا التقت رغبة الطرفين، فالأمر كله متعلق بسنّ الرشد” الذي لا يرى أنه مرتبط بسنّ معين بل بمستوى الوعي والنضج الفكري والعاطفي والجسدي والجنسي والإجتماعي[3].
أكثر من ذلك، تظهر نتائج دراسة لأحكام الإغتصاب أمام محكمة الجنايات النتائج الواقعية للإبقاء على هذا التجريم. فقد تبيّن أنّ محكمة الجنايات انتهت إلى رد دعويين أقامهما وليّا أمر قاصرتين ضد راشدين على خلفية مجامعة ابنتيهما سنداً للمادة 505 (مجامعة قاصرة)، على أساس أنّ المجامعة تمت برضا هاتين الأخيرتين[4] وتبعاً لثبوت وجود عقد زواج ديني (وهو في إحدى الحالتين عقد “زواج متعة” شفهي)[5].
بذلك، يظهر تجريم علاقات القاصرين الرضائية في ظل السماح بزواجهم وكأنّه يهدف ليس إلى حماية هؤلاء إزاء الانعكاسات النفسية والجسدية لهذا النوع من العلاقات، بل بالدرجة الأولى إلى تكريس سلوكيات اجتماعية معيّنة، قوامها حصر العلاقات الجنسية بإطار الزواج.
أبعد من رفع سنّ الزواج… أي نظرة تقاطعية؟
يخفي غياب البيانات الرسمية حول مسألة زواج القاصرين إلى حدّ كبير ماهية المشكلة التي ينوي اقتراح القانون معالجتها وحجمها ومعها الكثير من الإصلاحات الضرورية. فما هي الفئات الاجتماعية أو المناطق التي تشهد زيجات مماثلة؟ وهل يرتبط هذا الزواج المبكر بتقاليد لا تزال سائدة في محيط ما أم بموارد العائلات المعنيّة؟ وأيّ صلة مع التسرّب المدرسي؟ فأهمية الإحصاءات ليست نظرية وحسب، بل من شأنها أن تكشف طبيعة المشكلة وعمقها، مما يسمح لنا باستشراف سبل الإصلاح الأكثر نجاعة. مثلاً، في حال ثبت ارتباط هذه الزيجات بالإمكانات المادية للعائلات، فإن الحلّ الأكثر قابلية للنجاح ربما يكمن في وضع سياسات تضامن اجتماعي.
من أبرز الأسباب الموجبة التي طرحت لإقرار اقتراح القانون هي وجوب متابعة القاصر لتعليمه، وخطورة الزواج المبكر على صحة القاصرة، إضافة إلى أرجحية الزواج القسري. وفي حين أنّ هذه المخاطر ترتبط فعلاً في العديد من الأحيان بزواج القاصرين، إلّا أنّ معالجتها تتطلب حلولاً شاملة وجذرية في النظام القائم أبعد من رفع سنّ الزواج.
فلا بدّ مثلاً من طرح السؤال التالي: هل سيؤدي رفع سنّ الزواج إلى الحد من التسرّب المدرسي، بخاصة في ظلّ منظومة تربوية قائمة على تعزيز التعليم الخاص وغيابٍ شبه تام للسياسات التعليمية المجانية والإلزامية؟ فالزواج ليس العائق الوحيد ولا الأساسي أمام متابعة القاصر لتعليمه، حيث يبقى الفقر من أبرز هذه الأسباب وأهمّها. ويجدر التذكير هنا بأنّ المرسوم رقم 10227[6] الصادر في 8 أيّار/مايو 1997 والقانون رقم 150 الصادر في 17 آب/أغسطس 2011 اللذين كرّسا التعليم الإلزامي والمجّاني تباعاً في مرحلتي التعليم الأساسي والإعدادي، لا يزال تنفيذهما معلّقاً على صدور مراسيم تطبيقية لم تصدر لحينه. بذلك، وفي حين أنّ التعليم أساسي لكثيرين منّا، إلّا أنه ليس بالضرورة ضمن أولويات جميع الأشخاص والفئات، ذكوراً كانوا أم إناثاً ولا ضمن قدراتهم.
ففي مصر مثلاً، بيّنت الدراسات أنّ رفع سنّ الزواج جاء لمصحلة القاصرات من الطبقة الوسطى والغنية، اللواتي أعطين فرصة متابعة تعليمهن، فيما تبيّن أنّ هذا التعديل اعتبر “كحمل ثقيل” على القاصرات من الطبقة الفقيرة[7].
من جهة أخرى، وفي حين أنّ الكثير من الحملات تركّز على مخاطر الزواج المبكر (الولادات المبكرة، وخطر التعرّض “لتسمّم حملي مميت”، وحصول تمزّق مهبلي، وعدم جهوزية الحوض للحمل، إلخ…)، إلّا أنّنا نسجّل غياب أيّ نقاش أو حملات حول الصحّة الإنجابية أو الصحّة والثقافة الجنسية، مما قد يفاقم من حدّة هذه المخاطر، ليس فقط على القاصرات، وإنّما أيضاً على الراشدات غير القادرات على الوصول إلى الرعاية الصحية المناسبة والمتابعة اللازمة.
أخيراً، وفي حين أنّ الزواج القسري قد يطال القاصرات بشكل خاص، إلّا أنه يطال الراشدات أيضاً. فإمكانية المرأة على مجابهة الضغوط الإجتماعية والعائلية للزواج تختلف وفقاً لظروفها الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وليس فقط حسب سنّها. ولعلّ النقطة الأهم في هذا السياق هي خطورة حصر الخطاب الحقوقي حول مسألة الزواج القسري بفئة القاصرات، وبالتالي حصر الحلّ في رفع سنّ الزواج. ففي حين أنّ اقتراح القانون المطروح يتضمّن ضمانات إجرائية مهمّة للتأكّد من رضا القاصر بالزواج، ولا سيما وجوب تقديمه طلب الزواج مباشرة والإستماع إليه من قبل قاضي الأحداث[8]، فقد غيّب هذا الخطاب الإشكالية الأساسية ألا وهي العنف والاستغلال اللذين تتعرض لهما النساء لأسباب اجتماعية ويرغمهنّ على إبداء الموافقة على الزواج، قاصرات كنّ أم راشدات. ففِي حين يعوّل على هذا القانون للحدّ من الزواج القسري للقاصرين، إلّا أنه يشكل حلاً جزئياً وغير كافٍ لهذه المسألة، بخاصة في ظل جوّ عامّ يطغو فيه التفلّت من العقاب. فهذا العنف الذي تتعرض له النساء بشكل خاص يتطلب حلاً شاملاً أبعد من رفع سن الزواج، وقد يتطلب معركة أكبر بحيث يفرض رقابة أوسع وأدق على عمل المحاكم الشرعية والمذهبية والروحية، مع ما يتّبعه من محاسبة لرجال الدين وربما، أولياء الأمر. ولعلّ الأخطر في هذا المجال أنّه يغيّب النقاش عن حرية الإرادة في الزواج بشكل عام، بغض النظر عن المعيار العمري. وفي حين أنّ القانون المطروح قد يعالج مسألة زواج القاصرين، إلّا أنّه لم يلحظ مسألة حق القاصر في تقديم دعوى الطلاق، مما يبقي القاصرة تحت رحمة وليّ أمرها.
هكذا إذاً، ترتبط مسألة زواج القاصرين وتتشابك مع عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية وربما سياسية (اكتساب الجنسية) معقّدة، مما يحتّم قراءة هذه المشكلة ليس فقط من المنظور التقني البحت (رفع السن)، وإنّما أيضاً ضمن سياقها الأوسع، مع ما يستتبع ذلك من إصلاحات بنيويّة في المنظومة التعليمية والصحية والعدلية.
أبواب التحايل على القانون؟
لا تبشّر التجارب العربية في رفع سنّ الزواج بدور تغييري للقانون. مثلاً، تشير الدراسات في المغرب[9] إلى أنّ رفع سنّ الزواج أدّى إلى ازدياد في الزيجات غير المسجّلة رسمياً، حيث يتمّ الزواج أمام المرجع الديني، بدون تسجيله لدى دوائر النفوس إلّا عند بلوغ القاصر سنّ الزواج. ولعلّ أخطر ما في الأمر أنّ هذا الزواج يضع القاصرات في موقع هشّ وأكثر تعقيداً، لا سيما في ما يتعلق بإثبات نسب أطفالهنّ، وعدم قدرتهنّ على التمتّع بالتغطية الصحية.
أضف إلى ذلك ما برز في مصر من إشكالية اللجوء إلى تزوير الأعمار[10].
وعليه، لا بد من الإعتراف بمحدودية التشريع في إحراز تغيير اجتماعي، ما لم يأتِ ضمن سلسلة من التدابير الاجتماعية والاقتصادية الشاملة. وهذا ما دعت إليه أيضاً المنظّمات الأردنية في خضم النقاش حول رفع سنّ الزواج بحيث عبّرت عن ضرورة إرفاق إقرار هذا القانون بحملات توعية إجتماعية جديّة[11]. ولعلّ ما يزيد من صعوبة تفعيل هذا القانون في لبنان هو اعتراف القانون بأشكال مختلفة للزواج، ولا سيما عقد الزواج الشفهي (زواج المتعة مثلاً) الذي لا يتطلّب وجود مأذون أو رجل دين، مما يطرح أسئلة جدية عن مدى قابلية فرض هذا القانون.
بين حماية القاصر وحقه في إتخاذ القرارات
تظهّر مسألة زواج القاصرين العديد من الإشكاليات التي ما زالت قيد النقاش في مجال حقوق الطفل بشكل عام. ولعل أبرز هذه الإشكاليات تتعلق بكيفية التوفيق بين إحترام خيارات القاصرين وتعزيز دورهم في إتخاذ القرارات، مقابل ضمان حمايتهم. فمن الثابت اليوم أنّ هذا النقاش يخضع لتجاذبات بين تيارين: الأوّل، هو التيار الحمائي الذي يدعو إلى حماية الأطفال وحصر سائر الحقوق بالراشدين، والثاني، وهو التيار التحرري/الحقوقي الذي يدعو إلى منح الأطفال أوسع الحقوق وإحترام خياراتهم وتكريس مفهوم الطفل ككائن مستقلّ وصاحب حقوق. ولعلّه من البديهي القول إنّ التيار الأكثر رواجاً في معظم التشريعات المحلّية والدولية هو ذلك الداعي إلى الموازنة بين حق الطفل في إتخاذ القرارات مع وضع قيود تضمن حمايته، وهو ما يعرف بالمقاربة الأبوية “اللطيفة” gentle paternalism[12].
وكانت إتفاقية حقوق الطفل (1989) كرّست هذه المقاربة من خلال منح الأطفال مجموعة من الحقوق، وذلك بعدما ثبت أنّ النظرة الرعائية/الحمائية للأطفال – والتي تنظر إلى الطفولة كمرحلة من العجز والهشاشة – تؤدي فعلياً إلى تهميش قدراتهم وتعزز من هشاشتهم. وهذا ما أثبتته الدراسات في مجالات عدّة، لا سيما التاريخ[13]، وعلم الإجتماع[14]، وعلم النفس[15]، والتعليم[16]، والقانون[17].
وقد كرّست المادة 12 من الإتفاقية حقّ الطفل في التعبير عن رأيه في المسائل المتعلّقة به، ووجوب إيلاء هذه الآراء الإعتبار الواجب وفقاً لسنّ الطفل المعني ونضجه. ولعلّ هذه المشاركة تصبح أكثر إلحاحاً مع اكتساب الطفل لمستوى إدراك أعلى لا سيما في القضايا المتّصلة بالمراهقين.
من هذا المنطلق، نسجّل ملاحظتين ختاميّتين: الأولى، وهي متعلّقة بالمسار التشريعي للإقتراح. فإضافة إلى أنّ من صاغ هذا الاقتراح وناقشه وعارضه ودافع عنه هم من الراشدين حصراً (وهو أمر شبه مبرر في الوقت الراهن)، إلّا أنّ غياب الدراسات التي توثّق الواقع الذي يعيشه القاصرون في مسائل الزواج المبكر يؤدي ليس فقط إلى تغييبهم عن صنع القرار، بل أيضاً إلى تغييب أصواتهم في تحديد المشكلة وتقييم أثرها عليهم. هكذا، فإن التشريع في هذا المجال بدون حتى محاولة الإستماع إلى الأطفال يشكّل إنزلاقاً نحو هيمنة المسار الحمائي وتغييباً لمعطيات أساسية لتحديد وجهة التشريع والسياسات العامة الأكثر ملاءمة.
أما الملاحظة الثانية، فتكمن في نصّ القانون المقترح. فبحسب آخر مسودّة، نصّ الإقتراح على وجوب الترخيص للقاصر الذي أكمل الـ16 من عمره بالزواج من قبل قاضي الاحداث، وهو أمر قد يسجّل في خانة الموازنة بين قدرات القاصر على إتخاذ القرارات وحمايته. إلّا أنّ المادة نفسها قد أوجبت الإستماع إلى القاصر من قبل قاضي الأحداث “بحضور المندوبة الإجتماعية ووالديه”، مما يعيد تكريس سلطة الأهل على القاصرين ويفتح المجال أمام الضغوطات عليهم. لذا، من الضروري استتباع القانون بضمانات إجرائية للقاصر أمام قاضي الأحداث تعزّز حقه في الإستماع إليه كصاحب للحقوق.
مما لا شك فيه أنّ السلطات غالباً ما تفضّل “الحلول السريعة” التي تحسّن صورتها، من دون أن تضطر إلى إجراء أيّ تغيير أو نقد حقيقي للمنظومة القائمة. وبالطبع، فإن الاقتراح سيجنّب، في حال إقراره، العديد من القاصرات من أخطار جمّة. إلّا أنّ أيّ تعديل قانوني برفع سنّ الزواج لن يكون كافياً إلّا في حال تكامله مع إصلاحات جذرية للمنظومة الاجتماعية والإقتصادية القائمة، منها التعليم والصحة والتضامن الاجتماعي، وبالطبع قوانين الأحوال الشخصية في اتجاه تعزيز حقوق النساء، القاصرات والراشدات، وسبل حمايتهنّ.
أخيراً، وفي حين أنّ النظرة الحمائية للطفولة قد تجد لها مبرراً عاطفياً في نيّة حماية الأطفال ومبرراً “عقلانياً” في حصر الوعي بفئة الراشدين وإنكاره على القاصرين، إلّا أنّه بات من الثابت أنّ هذه المقاربة ليست الأفضل بالنسبة للأطفال.
- نشر هذا المقال في العدد | 63 | آذار 2020، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
أربع جبهات للنساء ضدّ التمييز والعنف
[3] عن المقابلة، راجع: لمى كرامة وسعدى علوه، الموسوي في جردة حساب لبعض طبخ البحص التشريعي، المفكرة القانونية، عدد 63، شباط/فبراير 2020.
[5] راجع في العدد نفسه: لمى كرامة، توجّهات المحاكم في قضايا الاغتصاب في بيروت وجبل لبنان، المفكرة القانونية العدد رقم 62، شباط/فبراير 2020.
[6] المرسوم رقم 10227 المتعلّق بتحديد مناهج التعليم العام ما قبل الجامعي وأهدفها، 8 أيّار/مايو 1997.
[7] Badran, M. (1995). Feminists, Islam and nation: gender and the making of modern Egypt. Princeton: Princeton University Press, p.126.
[8] تجدر الإشارة إلى أن اقتراح القانون لم يلحظ حق القاصر في تقديم دعوى الطلاق، وأشار في المادة 3 منه إلى وجوب حضور والديه أو الوصي عند إستماع قاضي الأحداث للقاصر، مما قد يشكل ضغطاً معنوياً عليه.
[10] Badran (1995), p.126
[11] Welchman (2007), p. 66.
[12] Fortin, J. (2003). Children’s rights and the developing law. Cambridge University Press. p.26
[13] Ariès, P. (1962). Centuries of childhood. London: Cape.
[14] James, A. and Prout, A. (1990). Constructing and reconstructing childhood. Basingstoke: Falmer Press.
[15] Mertz, E. and Melton, G. (1989). Reforming the Law: Impact of Child Development Research. Contemporary Sociology, 18(3), p.405.
[16] Alderson, P. and Goodwin, M. (1993). Contradictions within concepts of children’s competence. The International Journal of Children’s Rights, 1(3), pp.303-313.
[17] Gillick v West Norfolk and Wisbech Area Health Authority [1986].
(تابع المرجع السابق) إعتبرت المحكمة أن الطفل الكفؤ هو الذي يحقق فهماً كافياً وذكاءً يمكنه من فهم ما هو مقترح له، كما وأن لديه السلطة التقديرية الكافية لتمكينه من الإختبار الحكيم لمصلحته.