اقتراح قانون الإعلام، حنين الى عهد الانتداب: الرقابة المسبقة للأمن العام تترسخ وتتوسع ونقابة الصحافة تحشد أصحاب الامتيازات ضد “الحرية”


2013-12-03    |   

اقتراح قانون الإعلام، حنين الى عهد الانتداب: الرقابة المسبقة للأمن العام تترسخ وتتوسع ونقابة الصحافة تحشد أصحاب الامتيازات ضد “الحرية”

باشرت لجنة الإعلام والاتصالات النيابية العمل على تعديل قانون الإعلام بتاريخ 23-6-2010 وذلك بالاستناد الى الاقتراحين المقدمين من قبل كل من النائبين روبير غانم[1]وغسان مخيبر بالتنسيق مع جمعية مهارات ومن خلال الدمج بينهما. وبالطبع، دمج القانونين لافت، ففيما القانون الأول قد انبنى أصلاً في أسبابه الموجبة على توسيع الحرية الإعلامية، فإن القانون الثاني قد انبنى على أسباب مخالفة تماماً مفادها تنظيم الإعلام. فكأنما اللجنة تولت خلط منطلقات القمع بمنطلقات الحرية، فكانت النتيجة اقتراح قانون تنغل فيه توجهات معاكسة بما يجعله أقرب الى النص الهجين وفق ما نبيّنه أدناه. فإذ هو يعزز حرية ما حيناً، سرعان ما تراه يقيد حرية أخرى لا تقل عنها أهمية حيناً آخر. ورغم أن اللجنة عقدت حتى اللحظة 26 جلسة بهدف دمج المشروعين تحت مسمى “اقتراح قانون الإعلام”، فإنها لم تنجز أعمالها بعد. وقبل المضي في تفنيد بعض أحكام هذا المشروع، تجدر الإشارة الى أن هذه القراءة النقدية تتناول آخر نسخة للمشروع توصلت اليها اللجنة وهي النسخة التي وزعها النائب مخيبر على عدد من ممثلي منظمات غير حكومية ووسائل إعلام في 11/05/2013.

الرقابة المسبقة للأمن العام تترسخ وتتوسع 
وهذا هو أكثر ما يلفت في هذا المجال. وهكذا، وبدل أن يتدخل المشرّع لإلغاء الرقابة المسبقة على الإنتاج السينمائي والمسرح، ها هو يكرّس هذا التوجه في إقحام هذه الرقابة في ميادين عدة، كان بعضها قد بقي عصياً عليها حتى الآن.

وهكذا، نقرأ في المشروع بشيء من الاندهاش أن “على كل من يرغب بإصدارمطبوعة غير دورية أن يقدم إلى المديرية العامة للأمن العام في بيروت وإلى رئاسة دائرة الأمن العام في المحافظة المختصة طلباً موقعاً منه”. ورغم أن هذه المادة المقترحة عادت واستثنت من الرقابة الكتب والمؤلفات والأبحاث، فإن الصياغة على هذا النحو إنما تظهر أن المبدأ هو إخضاع المطبوعات غير الدورية للرقابة المسبقة، والاستثناء هو حرية النشر الذي كان قد أُعلن في محل آخر. وفي ذلك خير دليل على سوء الدمج الحاصل بين مشروعي قانون ذوَي توجهات متناقضة. ويبقى تالياً تحديد ما تشمله الرقابة: فهل هو يقتصر على المناشير والبيانات والبلاغات أم من الممكن توسيعها لتشمل أموراً أخرى ما دامت الرقابة المسبقة باتت هي المبدأ؟ واللافت أن هذا الدور الرقابي قد كُرّس من دون إدخال أي ضوابط على عمل الأمن العام في هذا الشأن، تاركاً له صلاحية استنسابية بالسماح أو برفض ما يريد.
فضلاً عن ذلك، وفيما نصّ اقتراح القانون الأساسي على إلغاء الفصل الثامن من قانون 1962 المتعلق بالمطبوعات الأجنبية، والذي يخوّل حالياً وزير الإعلام منع دخول أية مطبوعة أجنبية الى لبنان في حالات معينة، انتهت اللجنة النيابية الى تبني توجه معاكس تماماً في اتجاه مزيد من التقييد على الحريات، وذلك في نقاط ثلاث: الأولى، أنها أخضعت توزيع المطبوعات الأجنبية لنظام الإجازة المسبقة من قبل الأمن العام (الذي كان يمارس سابقاً هذا الدور من دون نص واضح)، الثانية، أنها وسّعت المواد التي تشملها هذه الرقابة المسبقة بحيث باتت تشمل توزيع وبث الأشرطة والأقراص المدمجة وكل أنواع التسجيلات الفنية والثقافية والوثائقية المنتجة في الخارج، والثالثة أن منح هذه الإجازات وحجبها يراعي ليس فقط القانون أو بعض المصالح الوطنية العليا (ضرورات منع التحريض الطائفي وحظر الترويج للعلاقة بالعدو الإسرائيلي واحترام القيم الأخلاقية والذوق العام) بل أيضاً، وهنا تبلغ درجة الدهشة أقصاها، قواعد احترام الإبداع الفني والثقافي بمعناها الأوسع بعدما أعطى النص الأمن العام إمكانية الاستعانة بفريق من الخبراء لإبداء الرأي بهذا الخصوص. ومن شأن هذا النص أن يجعل الأمن العام ليس فقط رقيباً على حرية التعبير بل أيضاً على مدى الالتزام بقواعد احترام الإبداع الفني والثقافي.

حرية إصدار مطبوعات دورية في مرصاد نقابة الصحافة 
أحد أهم عناوين الإصلاح في مشروع مخيبر تمثل في اقتراح فتح باب إصدار مطبوعات دورية على اختلافها بموجب إخطار، وذلك من قبل أي شخص طبيعي مقيم في لبنان أو شخص معنوي يمارس نشاطه ومسجل أصولاً فيه، بمعزل عن جنسية هذا الشخص. عدا أن هذا الاقتراح يفتح باب تملك تراخيص المطبوعات السياسية لمن ليسوا أشخاصاً طبيعيين لبنانيين أو شركات لبنانية صرف، فإنه يؤدي في حال إقراره الى إسقاط الامتيازات التيكان المشرّع اللبناني قد منحها منذ 1953 للمطبوعات الدورية السياسية المرخصة، بعدم إعطاء أي ترخيص آخر[2]. وكان من المنتظر إذ ذاك أن تغلب نقابة الصحافة (أصحاب الصحف أي الامتيازات) مصالح أعضائها بحفظ امتيازاتهم على اعتبارات الحرية. وفي موقف يقارب إعلان الحرب ضد اقتراح القانون، طلب مكتب نقابة الصحافة من رئيس مجلس النواب تجميد مشروع “قانون الإعلام”، معتبراً أن المشروع ينحو إلى إلغاء تنظيم مهنة الصحافة كمهنة حرة ويجعلها بمثابة شركات تجارية ويلغي الامتيازات الصحافية، ومشيراً إلى أن المشروع يشكل منطلقاً للفوضى الإعلامية[3]. وفي بيان لاحق، أعلن مجلس النقابة قراره برفضإباحة إصدار المطبوعات الصحافية دون أي ضوابط قانونية” وربط ذلك بأخطار كبرى على مستقبل البلاد”. ولم يكن للاقتراح أن يلقى تأييداً أفضل من نقابة المحررين بعدما تم تضمينه موادَّ تسقط احتكاراً آخر، هو احتكار الصحافيين، في أن يكونوا مدراء مسؤولين عن المطبوعات المرخصة. وهذا ما أسماه بيان نقابة الصحافة بالحق المكتسب لهؤلاء[4].

وإزاء هذه الاعتراضات، بدت اللجنة وكأنها تميل الى تكريس هذه الامتيازات أو التعويض عليها من دون أي تدقيق في مدى مشروعيتها، وخاصة من خلال تصاريح رئيسها الذي صرح في الجلسة المنعقدة بتاريخ 29-4-2013 بما يلي: “إذا كان من حقوق لأصحاب الامتيازات، فنحن لسنا في وارد أن نلغي أية حقوق، وهناك عدة اقتراحات للحفاظ على هذه الحقوق، وبالتالي فإن هذه المادة لم نبتّها في اللجنة بانتظار الصيغة التي كانت نقابة الصحافة تنوي إرسالها لنا.. نحن لسنا بوارد أن نخطو أي خطوة تلحق الضرر بأي أحد، لأن القانون هو لخدمة الشعب لا أن يشكل ضرراً لأي أحد”[5]. وقد بدا رئيس اللجنة من خلال هذا التصريح وكأنه يخلط بين نقيضين: خدمة أصحاب الامتيازات وخدمة الشعب التي غالباً ما تتعارض مع أي امتياز مهما كان نوعه، ولا سيما إذا كان من شأنه الحد من حريات أساسية للآخرين. وبذلك، بدا التوجه الإصلاحي الأبرز في هذا المقترح في مرصاد نقابة الصحافة التي بدت وكأنها تحشد ما لأصحاب الامتيازات من قوة للتصدي له؛ وبدت اللجنة وكأنها تغدق هنا بيد ما ترتقب أن يضغط عليها لاسترداده بيدها الأخرى.

ما يحظر نشره: مخالفة مبدأ المحاسبة والشفافية وتحصين السلطة السياسية
هنا، وبدل أن يخفف القانون من عدد الأمور المحظور نشرها في ضوء توسع مجال الحرية، اتجه على العكس من ذلك في اتجاه إحداث إضافات كبيرة عليها. ومن أبرز هذه الإضافات وقائع تتصل بعمل السلطات الثلاث على نحو يؤدي الى تعزيز الضبابية بهذا الشأن. فيعاقب على نشر “وقائع جلسات مجلس الوزراء ووقائع الجلسات السرية التي يعقدها المجلس النيابي أو لجانه..”. كما يحظر نشر معلومات عن مداولات مجلس القضاء الأعلى باستثناء ما يصرّح به رئيس المجلس (وهو أمر مستحدث ويؤدي الى مزيد من الضبابية فيما المطلوب هو مزيد من الشفافية في التنظيم القضائي منعاً لثقافة التدخل في أعمال القضاة ومساراتهم المهنية). ولعل أخطر المحظورات المقترحة، حظر نشر المراسلات والأوراق والملفات أو جزء من الملفات العائدة لإحدى الإدارات العامة والموسومة بعبارة “سرّي”. وإذا استعاد الاقتراح هنا محظوراً نص عليه قانون المطبوعات الحالي، فمن اللافت أنه ألغى الاستثناء الذي من شأنه رفع هذا الحظر وهو وجود “مصلحة عامة تقضي بالنشر”، وكأنه بذلك يغلّب إرادة الإدارة بحفظ سرية مستنداتها على أي مصلحة عامة قد تفرض نشرها، وعلى نحو يتعارض تماماً مع مبدأ المساءلة ومع حق المواطن في الاطلاع على المستندات وفي فضح أي إخلال بالمصلحة العامة.

جرائم الإعلام فضفاضة… وتكريس لعقوبة الحبس وللعقوبات الإدارية
خلافاً لما كان عليه توجه نص الاقتراح الأساسي المقدم من النائب مخيبر، عاد الاقتراح في صيغته الحالية الى فرض عقوبة الحبس ولو في حالات أقل مما هي عليه في القانون الحالي، وذلك في ما يتصل بحالات التعرض لرئيس الجمهورية أو لأحد السفراء أو أحد رؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدة في لبنان، وأيضاً في حالات التكرار. أياً يكن، فإن هذا التعديل المقترح، على أهميته من الناحية النظرية، يبقى شكلياً في ظل إحجام المحاكم عن تطبيق عقوبة الحبس إلا في حالات جد نادرة.

فضلاً عن ذلك، وإذ جعل الاقتراح المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع هيئة إدارية مستقلة يعين أعضاؤها مناصفة بين الحكومة والبرلمان على غرار المجلس الدستوري، فإنه سرعان ما أمدّه بصلاحية اتخاذ عقوبات إدارية شديدة الخطورة، منها وقف وسيلة إعلامية من وسائل الإعلام المرئي والمسموع عن البث لمدة تراوح بين يوم واحد وأسبوع إذا تثبت من ارتكابها جرائم مخلّة بالسلام والأمن القوميين. وما يزيد من خطورة هذه الصلاحية، التعريف المطاط لهذه الجرائم والذي يشمل كل ما من شأنه أن يشكل “تحقيراً لإحدى الديانات المعترف بها في لبنان أو ما كان من شأنه إثارة النعرات الطائفية أو العنصرية أو تعكير السلام العام أو تعريض سلامة الدولة أو سيادتها أو وحدتها أو حدودها أو علاقة لبنان الخارجية للمخاطر، أو من شأنه الترويج للعدو الإسرائيلي”.

  نُشر في العدد الثاني عشر من مجلة المفكرة القانونية



[1]مقال منشور في الأخبار بتاريخ 28 حزيران 2010 تحت عنوان اقتراح قانون المطبوعات للحدّ من حرية الإعلام!
[2]المرسوم الاشتراعي الصادر بتاريخ 13-4-1953 الذي نص على أنه لا يجوز الترخيص لأي مطبوعة سياسية في حال بلغ عدد التراخيص المعطاة 25 مطبوعة يومية سياسية و20 مطبوعة سياسية موقوتة يكون مجموعها على الأقل 15 مطبوعة يومية عربية و12 مطبوعة موقتة عربية.
[3]مقال منشور في جريدة السفير تحت عنوان الصحافة طلب تجميد مشروع اللجنة النيابيةللإعلام
[4]موقع الوكالة الوطنية للإعلام بتاريخ 2 أيار 2013.
[5]بيان منشور في جلسة لجنة الاعلام والاتصالات المنعقدة بتاريخ29-4-2013
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني