هذه المقالة هي جزء من سلسلة مقالات ينشرها المرصد البرلماني في الأيام المقبلة لتقييم أبرز اقتراحات قوانين 2021 التي لم تُدرج على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب. وتمّ اختيار الاقتراحات هذه بناء على أهميّتها أو خطورتها، واختيار الاقتراحات هذه أتى بناء على أهميّتها أو خطورتها، ولأنها لم تكن مشمولة ضمن تقييم المرصد لجَلسات الهيئة العامة.
بتاريخ 3 آذار 2021، قدّم النائب أيّوب حميّد من كتلة التنمية والتحرير والذي يرأس لجنة الزراعة والسياحة في مجلس النواب، اقتراح قانون بإنشاء وتنظيم سجلّ المزارع. يرمي هذا الاقتراح بحسب أسبابه الموجبة إلى التعويض عن النقص في المعلومات عن المزارعين في لبنان وعن طبيعة وعناصر نشاطهم، ما يعيق عمل وزارة الزراعة بتدبير شؤونهم. فيطمح هذا الاقتراح إلى وضع معايير تحدّد هويّة المزارع وماهية العمل الزراعي بهدف إحصاء المزارعين تمكيناً للوزارة من رسم سياساتها بشكل أفضل وتوزيع المساعدات بعدلٍ وفعاليّة، كما إحصاء المزارعين وربطهم بالوزارة لتسهيل التعامل معهم.
يأتي هذا الاقتراح في خضمّ أزمة اقتصادية خانقة يتحمّل المزارع اللبناني جزءاً كبيراً من تبعاتها، فضلاً عن تضرره جرّاء إغلاق الحدود الخليجية بوجه منتوجاته ممّا يحرمه من أهمّ أسواق التصريف التي كان يعتمد عليها. فبات المزارع اللبنانيّ كالعديد من أصحاب المهن الأخرى في لبنان يرى نفسه رهينة المساعدات، بخاصّة الدوليّة، في ظلّ عجز الدولة عن توفير أيّ ضمانات له، ممّا يحتّم مسك سجلّات عن المزارعين في لبنان يمكّن التعويل عليها لرعاية شؤونهم وتوزيع المساعدة عليهم. ولهو من المؤسف أن يحدد الهدف من هذه السجلّات في توفير قاعدة عادلة لتوزيع المساعدات فقط. ولكن يبدو أيضاً أنّ هذا الأمر البديهي قد لا يؤمّنه السجل إن أنشئ بصيغته المدوّنة في الاقتراح، لكثرة نواقصه وعلله. ولا يكون خلاف ذلك إلا في حال صدور مراسيم تنظيمية عدة لملء الثغرات فيه.
وهذا ما أكده د. رياض سعادة، خبير الشؤون الزراعية ومدير المركز اللبناني للبحوث والدراسات الزراعية، في حديث مع المرصد البرلماني، حيث بيّن محدوديّة الاقتراح بالنظر إلى حاجات المزارع اللبناني الكثيرة، كما ثغراته التي تعرّضه لأن يكون باباً جديداً للزبائنيّة في القطاع الزراعي في لبنان. وقد اعتبر سعادة رغم ذلك بأنّ الاقتراح قد يضع حدّا للفوضى في السجلات المتعددة الموجودة والتي وضعت في أوقات متعددة ولغايات عديدة، هذا إذا أرفق من دون إبطاء بمراسيمِه التطبيقية وتمّ تعديل العديد من النقاط الشائكة فيه.
فعلى صعيد الأسباب الموجبة للاقتراح، يرى سعادة أنّها لا تلبّي الحاجة الماسّة لقانون إطار (Loi cadre) مبني على خطّة شاملة تنطلق من رؤية واضحة للمجتمع الريفي وتحدد أي اقتصاد زراعي نريد في لبنان وتطبقها الوزارات والإدارات المعنية من خلال سياسة زراعية تراقب تنفيذ المشاريع تحاسب وتعاقب. فيأتي عندها تنظيم السجل الزراعي كأداة لهذه السياسة، يتم تحديد معالمه من خلال مراسيم تكمّل القانون الأساسي. أمّا الاقتراح المطروح فهو يحاول متعثراً معالجة الشق التقني للسياسة الزراعية دون وجود هذه السياسة بحدّ ذاتها، ممّا يجعله محدود الفعالية.
وبخصوص مضمون الاقتراح، يبدي سعادة بداية ملاحظات عدة حول التعريفات المعتمدة فيه:
إنّ تعريف المزارع بأنه “كل شخص طبيعي ومعنوي، أو مجموعة من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين، يمارس نشاطه الزراعي بصفة مالك أو مستأجر أو مستثمر زراعي، كليًّا أو جزئيًّا، في حيازة زراعية” واسع جدا. فهو يشمل من يمارس الزراعة كمهنته الوحيدة ويعتاش منها حصرياً ومن يملك قطعة أرض أيًّا كان حجمها، يمارس فيها نشاطاً زراعيًّا أيًّا كان، إلى جانب مهنته الأساسية. فمثلاً، يُعتبر مزارعاً محامٍ يملك قطعة أرض مزروعة شجر صنوبر تعطيه محصولاً من حبّ الصنوبر بنظر هذا الاقتراح.
إن تعريف النشاط الزراعي، هو أيضاً يفتقر للدقّة. فهو يشمل أيّ إنتاج نباتي أو حيواني أو استثمار للمراعي والغابات، دون تفاصيل أخرى، مما يساوي بين نشاط المزارع الفعلي ونشاط أيّ شخص ينتج الزهور في حديقته في بيروت أو في الريف أو يربّي الدواجن قرب منزله.
إن تعريف الحيازة الزراعية واسع ولا يميّز بين أحجام الأراضي ونوعياتها، فبالإمكان التساؤل بالنسبة لسعادة عمّا إذا كانت قطعة أرض مساحتها 10 أمتار مربّعة مملوكة أو مستأجرة من عسكريّ مثلاً قد تشكلّ حيازة زراعيّة إذا كان يمارس عليها نشاطاً زراعيًّا.
فبهذه التعاريف الفضفاضة والسطحية، يصبح السجل شاملاً للعديد من الأمور الغريبة عن النشاط الزراعي الفعلي، ما يفقده فعاليته وعلّة وجوده، كما يجعل منه باباً للمحسوبيات، فيُضمّ إليه أشخاصٌ تحت ذريعة الإحصاء الزراعي فقط لاستفادتهم من تقديمات وزارة الزراعة، فيصبح المال العام مالاً سياسيًّا بتصرّف النافذين في الدولة.
وبخصوص كيفية إنشاء السجل، يربط الاقتراح السّجل بوزارة الزراعة من خلال عطفه على مهام وزارة الزراعة المنصوص عليها في المرسوم الاشتراعي الذي أعاد تنظيمها سنة 1983، وهذا أمر يبدو منطقيّا نظراً لطبيعة عمل الوزارة. إلآ أن د. سعادة يلفت النظر إلى أنّ هذا التوكيل لوزارة الزراعة بمسك السجل يتركه بتصرّف الإدارة من دون رقابة على احترامها لمعايير الحفاظ على البيانات الشخصية للمزارعين. فالاقتراح المذكور لا يأتي على ذكر أي ضمانة للمزارعين بأنّ بياناتهم الشخصية المدوّنة ستكون محميّة ضمن إطار الوزارة. وذلك خطير إذ أنّ قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي الصادر سنة 2018 تحت الرقم 81 قد أعفى في المادة 94 منه القطاع العام من موجبات حماية البيانات ذات الطابع الشخصي، حاصراً هذه الموجبات بالقطاع الخاص.
وفي النهاية، إن هذا الاقتراح يحتّم على المزارع التسجيل فيه للاستفادة من تقديمات الوزارة. ولكن بالنظر إلى نواقص الاقتراح في شكله الحالي وعدم وجود خطة وطنية زراعية متكاملة، فإنه يُخشى عدم شموله من يستأهلون فعلاً المساعدة من قبل الوزارة، فنقع في المحسوبية والاستنسابية المعهودة.
قدّم النائب أيّوب حميّد من كتلة التنمية والتحرير والذي يرأس لجنة الزراعة والسياحة في مجلس النواب، اقتراح قانون بإنشاء وتنظيم سجلّ المزارع.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.