ينشر “المرصد البرلماني” تعليقه على هذا الاقتراح، علما أنه ينشر في خاتمته حوارا قصيرا أجراه مع أحد مقدّميه النائب سيزار أبي خليل.
تقدّم عدد من نواب كتلة “لبنان القوي” (جبران باسيل، جورج عطالله، سليم عون، سيزار أبي خليل، شربل مارون، سامر التّوم) في 18/07/2024 باقتراح قانون يرمي إلى تعيين محقّق جزائي خاص بالقضايا المالية.
ويهدف الاقتراح إلى تعيين محقق مالي خاص جزائي من قبل الحكومة، يناط به صلاحية التحقيق في “الانتهاكات القانونية من أي نوع كانت التي حصلت في القطاع المصرفي بما في ذلك مصرف لبنان والوزارات المعنية والمصارف التجارية وشركات التدقيق المالي”، وإصدار القرارات الظنية أو الاتهامية في هذه القضايا. كما ينصّ على حقّ وصول المحقّق إلى المعلومات وصلاحياته وحقوقه وواجباته وشغور منصبه وعزله وسير عمله.
وقد اعتبر مقدمو الاقتراح في أسبابه الموجبة أن الأزمة المالية اللبنانية كشفت عن انتهاكات كبيرة للتشريعات المالية وثغرات في النظام المصرفي، ما يستدعي تحديد المسؤوليات الجزائية والإدارية والرقابية المناسبة، وهو الأمر الذي لم يحدث نظرا لعدم إصدار أي تشريعات طارئة لمعالجة هذه الأزمة مما أدى إلى انعدام الثقة بالقطاع المصرفي والقضاء والدولة. هذا وقد أُشير إلى عدم إمكانية الحكومة الوقوف على الوضع المالي الحقيقي في مصرف لبنان لأن شركة التدقيق المالي التي تمّ تكليفها لم تحصل على البيانات الكاملة التي طلبتها من مصرف لبنان. كما اعتبر مقدّمو الاقتراح أنّ معالجة القضاء للأزمة وأسبابها لم تكن كافية لعدّة أسباب منها شروط ملاحقة المصارف والسرية المصرفية التي حالت دون المساءلة وتوزيع الصلاحيات فيما يخص التحقيق في قضايا تبييض الأموال وقواعد مرور الزمن، ليخلُص إلى ضرورة تعيين محقّق ماليّ على غرار ما ذهبت إليه دولة إيسلندا تبعا للأزمة المصرفيّة والماليّة الحاصلة فيها.
وقبل المضي في استعراض ملاحظاتنا على هذا الاقتراح، يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يقدم فيها هذا الفريق اقتراحا من هذا النوع. فبعد أسابيع قليلة من اندلاع ثورة 17 تشرين، أُدرج على جدول أعمال الجلسة التشريعية الأولى لمجلس النواب التي كان يُزمع عقدها في 12 تشرين الثاني 2019 اقتراح يرمي إلى إنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية، كان قد تقدّم به رئيس الجمهورية السابق ميشال عون عام 2013 حين كان نائبا في البرلمان. وقد علّقت “المفكرة القانونية” حينذاك على الاقتراح في مقال “المحكمة الخاصة بالجرائم المالية: محكمة السلطة، منها ومن أجلها”، مشيرة إلى العيوب التي تشوبه لناحية كيفيّة تعيين قضاة المحكمة، نظامها، صلاحياتها وحدود عملها المرتقبة وبالتالي ترجيح عدم قدرتها على القيام بالعمل الموكل إليها.
1-اقتراح ينتهك معايير استقلالية القضاء
أول ما نلحظه هو أنه ولئن أكد الاقتراح على استقلالية المحقق المالي وعلى تمتعه بالضمانات التي تحيط بالقضاة العاديين، إلا أنه سارع إلى نسف العديد من ضمانات الاستقلالية المتعارف عليها. وهذا ما يتحصّل من الأمور الآتية:
تعيين المحقق المالي
إن تعيين المحقق المالي الخاص يتمّ بقرار من السلطة التنفيذية وحدها، من دون أن يكون للهيئات القضائية المستقلة أيّ دور ولو استشاري في تعيينه. وما يفاقم من ذلك هو أن الاقتراح نص على أن التعيين يتم بقرار من الحكومة من دون اشتراط صدور مرسوم بالتعيين وتاليا من دون أن يكون لرئيس الجمهورية أي دور رقابي عليه أو في إصداره، مما يشكل تطبيعا مع شغور هذا المنصب وفي الآن نفسه تقليصا إضافيا لضمانات التعيين. وفي الاتجاه نفسه، نلحظ أن الاقتراح نص على أن القرار الحكومي يتخذ بالأكثرية العاديّة للوزراء وبناء على اقتراح وزير العدل، وهو بذلك يستبعد قاعدة التعيين بثلثي أعضاء المجلس، وذلك بما يتناقض مع الوظيفة الأساسية المرتقبة من المحقق المالي والتي تقوم على تمركز جميع ملفات الأزمة المالية والمصرفية بين يديه، وبما يتعارض مع المادة 65 من الدستور التي تشترط توفر أكثرية الثلثين عند النظر في المواضيع الأساسية ومنها مثلا تعيين موظفي الفئة الأولى. وما يضعف ضمانات الاستقلالية في التعيين أكثر فأكثر هو خلة الاقتراح من معايير ومواصفات ضامنة للكفاية والنزاهة، باستثناء شرط ممارسة المهنة القضائية لمدة 20 سنة وتمتّعه بخبرة مهنية في مجال الجرائم المالية، وهي خبرة لم يتم ربطها بأي مدة.
وما يزيد من خطورة إناطة تعيين المحقق المالي بمجلس الوزراء (الذي يمثل القوى السياسية) على هذا الوجه هو وجود حالة تضارب مصالح ساطعة، وذلك بالنظر إلى ارتباط هذه القوى بالمصارف وبالأزمة عموما. وهذا ما كانت وثقته المفكرة في معرض بحثها عما أسمته “زواج السلطة والمصارف على الأراضي اللبنانية”، حيث أشارت إلى خطورة سياسة الباب الدوّار (revolving door) التي تسمح بالعبور من العمل في السياسة إلى العمل في المصارف وبالإتّجاه المعاكس. فكيف يمكن الوثوق بحيادية الحكومة في تعيين محقّق محايد وكفء ونزيه يتولى التحقيق في قضايا مصرف لبنان والمصارف في هذه الظروف؟
لا يتوقّف الخلل عند هذا الحدّ، إذ أن أصحاب الاقتراح استحدثوا آليّة لا تقلّ سوءًا وذلك في حال عدم نجاح مجلس الوزراء في تعيين المحقق المالي. ففي هذه الحالة التي لم تحدد شروطها بوضوح، تنتقل صلاحية التعيين من مجلس الوزراء إلى وزير العدل بناء على رأي مسبق ومطابق من مجلس القضاء الأعلى ومجلس نقابة المحامين في بيروت. هذا مع العلم أن الاقتراح نص على هذه الألية أيضا في حال حصول أي شغور في منصب المحقق المالي لاحقا أو أثناء أي غياب ظرفي للمحقق يزيد عن الشهر الواحد.
عزل المحقق المالي
لم يكتفِ الاقتراح بتجاوز معايير استقلاليّة القضاء المتصلة بكيفية تعيين القضاة، بل عمد أيضا إلى تجاوز هذه المعايير بما يتصل بعزل هؤلاء. هذا ما يتحصل من فتح الباب أمام عزل المحقق بقرار حكومي أيضا بناء على أسباب مبهمة منها “أي سبب يجعله غير مؤهل لشغل المنصب، وسوء السلوك والإهمال وعدم القدرة المادية أو الفكرية”، وذلك بناء اقتراح وزير العدل مبني على رأي مطابق ملزم ومسبق من قبل مجلس القضاء الأعلى ومجلس نقابة المحامين في بيروت. كل ذلك من دون أن يكون لهيئة التفتيش القضائي أي صلاحية في التحقيق فيما نسب له أو تمكين المحقق المالي نفسه من إبداء الدفاع عن نفسه بأي طريقة من الطرق. وإذا علمنا أن مجلس القضاء الأعلى ما يزال معينا في غالبيته الكبرى من الحكومة وأن مجلس نقابة المحامين في بيروت يتكون بدوره في غالبيته من مؤيدين لقوى سياسية، فإننا نكون في معرض تمكين القوى السياسية ليس فقط تحديد هويته على ضوء مصالحها وإنما أيضا عزله في حال تضاربت أعماله مع هذه المصالح.
المنافع المادية
من جهة ثانية، يشير الاقتراح إلى تقاضي المحقّق جميع المنافع المادية والمساعدات المقرّرة لقاضٍ عامل من الدرجة 15، سواء من الخزينة العامة أو من صندوق تعاضد القضاة، أو من أيّ مرجع آخر. وفي هذا المجال، وعدا عن أن المنافع الملحوظة للمحقق هي متدنية نسبة للمهام الموكلة إليه والدور الوطني الأساسي المنتظر منه، يُلحظ فتح الباب أمام تقاضي المحقق هذه المبالغ من “أي مرجع آخر”، ما يعني حتما تعزيز سلطة هذا المرجع إزاء استقلالية المحقق التامّة المطلوبة والإخلال بمبادئ الاستقلالية المالية التي تفترض أن يكون راتبه وجميع عائداته محددة بنص قانوني.
2-شخصنة
ثاني ما يجدر التوقف عنده هو مركزة مجمل التحقيقات الأولية والابتدائية في أي من ملفات الأزمة المالية والمصرفية بين يدي شخص واحد. وبنتيجة ذلك، بإمكان السلطة الحاكمة التحكّم تماما في مسار هذه الملفات ومآلها من خلال ضمان ولاء هذا الشخص لها والتزامه بمصالحها والخطوط الحمراء التي تضعها أمامه. ويتأكد من ذلك من تفرده بهذا العمل، بغياب أي مستشارين أو معاونين أو هيئة تشرف على عمله.
وما يفاقم من ذلك هو تعريف صلاحياته بعبارات مطّاطة من دون أي تحديد زمني أو موضوعي لها، بحيث تشمل الانتهاكات القانونية من أي نوع كانت التي حصلت في القطاع المصرفي بما في ذلك مصرف لبنان والوزارات المعنية والمصارف التجارية وشركات التّدقيق الماليّ وغيرها من الجهات ذات صلة. ومن شأن ذلك أن يمهّد لنشوء نزاعات بشأن صلاحيّة التحقيق في ملفات معينة ومدى اندراجها في صلاحياته أو خروجها عنها. ويلحظ هنا أنّ الاقتراح أناط بالمحقق المالي سلطة توسيع دائرة الملفات التي يحقق فيها من خلال إغلاق الباب أمام الإدلاء بالدفوع الشكلية (وتاليا بعدم اختصاصه) أمامه، فضلا عن منع أيّ طعن على المذكّرات والاستنابات الصادرة عنه، وضمنا مذكرات التوقيف.
وبذلك، في حال قبول هذا الاقتراح، نكون في معرض صناعة قاض خارق آخر في قصور العدل. وفي حين يتولى النائب العام التمييزي سلطة شبه مطلقة على النيابات العامة وتاليا على جهاز الملاحقة برمته وهو أمر غالبا ما انتقدناه على خلفية ما يستتبعه من شخصنة، يتولى المحقق المالي سلطة شبه مطلقة في مجمل التحقيقات الأولية والابتدائية في مجمل الملفات المالية والمصرفية.
3-فعالية المحقق
أعلنت الأسباب الموجبة للاقتراح أن تعيين محقق مالي خاص هو وسيلة أساسية لمعالجة الأزمة وتطهير النظام المالي واعادة تفعيل القطاع المصرفي والوقوف على مسؤوليات مسببيْ الأزمة، بعدما أشارُوا إلى فشل الآليّات الموجودة كالقضاء في مختلف فروعه أو التي تمّ اللجوء إليها بعد الأزمة كالتّدقيق الجنائي. وقد تمّ إسناد الاقتراح على التجربة الإيسلنديّة، حيث تمّ تعيين محقّق ماليّ خاصّ.
إلا أنه ومع التسليم بأهمية هذه التجربة، إلا أنه من الواضح أن مقدّمي الاقتراح أخذوا منها التسمية وبعض الصلاحيات، من دون أن يضمنوا للمحقق المالي المزمع تعيينه الوسائل والأسلحة الفعلية والقانونية الكافية لتمكينه من القيام بهذه المهمّة فائقة الصعوبة، والأهمّ من دون أن يتنبّهوا إلى المعوقات الفعليّة والقانونيّة التي تمنعه عن القيام بعمله ومنها المعوقات التي منعت وما تزال تمنع القضاء اللبناني عن إنجاز أي تحقيق في ذات شأن هذا الخصوص.
فمن جهة أولى، اكتفى الاقتراح باستحداث منصب المحقق المالي، من دون أن يمنحه أيّ موارد بشرية أو ماديّة خاصّة به، وإن أتاح له الاستعانة بعناصر الضابطة العدلية التابعة للأجهزة الأمنية وهيئة التحقيق الخاصة التابعة لمصرف لبنان. وهو بذلك تجاهل تماما عاملا مركزيا أسهم في إنجاح التجربة الإيسلندية وهو إحاطته ب 100 معاون مختص في الجرائم الاقتصادية والمالية، فضلا عن استدعاء عدد كبير من الخبراء الأجانب لمساندته، أشهرهم المحامية Eva Joly وهي عضو سابق في البرلمان الأوروبي، ونائبة رئيس اللجنة المختصة بالتحقيق في تبييض الأموال والتهرب الضريبي والاحتيال ومكافحة الفساد. وعليه، وبدل أن يُحاط الرجل صاحب الاختصاص الخارق بكفاءات وقدرات مميزة تحصنه وتكون على مستوى اختصاصه والمهام المناطة به، بدا كأنما يُترك وحيدا في مواجهة نظام سياسيّ وقضائي وأمنيّ غالبًا ما نجح في إجهاض أيّ محاولة لجَلاء الحقائق في ملفّ الأزمة الماليّة المصرفيّة بالذات.
ومن جهة ثانية، لم يتنبّه الاقتراح إلى ضرورة تحصين المحقّق الماليّ إزاء العوامل التي تسبّبت في تعطيل القضاء وإجهاض عمله، فاتحا بذلك الأبواب واسعة أمام تعطيله وهو لمّا يزال في مهده. ومن أبرز هذه العوامل، المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية، والتي باتت تخوّل أيّ مُتقاضٍ تعطيل القضاء وعمليّا نسف سلطته ودوره وتاليًا مبدأ فصل السّلطات برمّته بمجرّد تقديم دعوى مخاصمة ضد الدولة على خلفية أعماله؛ وقد تمّ ذلك بفعل تعطيل الهيئة العامّة لمحكمة التمييز. إذ بمراجعة الاقتراح، نتبين أنه خلا من أي نصّ يحصن المحقق المالي صراحة من استخدام هذا السلاح المعطّل ضدّه. وقد بدا مقدّمو الاقتراح من هذه الزاوية وكأنهم يجهلون الأسباب التي عطلت القضاء بما يعكس عدم اهتمامهم بالشأن العام، علما أن النائب سيزار أبي خليل أوضح في إجاباته أن المادة المذكورة لا تنطبق على المحقق المالي (انظر أدناه) على أساس أن القانون نصّ على طرق عزل المحقق العدلي بآليات محددة حصرا، وهي حجة لا نراها مقنعة طالما أن المادة 751 لا تتصل بعزل القضاة.
4-إصلاح الزواريب
لعلّ أهم الملاحظات على هذا الطرح تتمثلّ في النهج المعتمد من النوّاب في اللجوء إلى آليات إصلاحية من خارج مؤسسات الدولة ومن خارج القضاء، وهو ما يسمّى بسياسة الترقيع. فمنذ بدء الأزمة المالية اللبنانية عام 2019، وهو ما أشارت إليه الأسباب الموجبة للاقتراح، لجأت القوى الحاكمة (الحكومة ومجلس النواب) والمصارف إلى تقديم حلول مجتزأة تهدف إلى إصلاح تبعات الأزمة أو إصلاح الزواريب من دون أن تصبّ أيّ من جهودها في سياق إصلاح المؤسسات العامّة أو تعزيز استقلالية القضاء او غيرها من الإصلاحات المطلوبة. فهذا الأسلوب من الإصلاح يتمّ اتّخاذه خارج المؤسسات (وفي هذه الحالة خارج القضاء) ومن منطلق التصدّي للخلل في عملها، من خلال استحداث آليّات تُصوّر على أنّها مؤقتة واستثنائية وإنما ضرورية لتجاوز هذا الخلل وتصحيحه.
وبفعل استحداث هذه الآليات الاستثنائية، نكون في أحسن الأحوال وعلى فرض توفر حسن النوايا والإمكانات وشروط النجاح أمام حلول محدودة تبقى مجردة عن أي أثر على المؤسسات والنظام ككلّ. أما في حال عدم توفر أيّ من ذلك، فإننا نكون أمام استحداث إشكالات جديدة وليس حلول، إشكالات تضاف إلى إشكالات المؤسسات العاملة، تماما كما هي حالة هذا الاقتراح وفق الملاحظات التي أبديْناها أعلاه.
ردّ النائب سيزار أبي خليل على أسئلة “المرصد”
على أساس ملاحظاتنا أعلاه، طرحنا على أحد مقدمي الاقتراح النائب سيزار أبي خليل 3 أسئلة نوردها إلى جانب إجاباته عليها.
المرصد البرلماني: حسب المعطيات المتوفرة لديكم، ما هي حظوظ أن تختار الحكومة محققا ماليا وفق معايير النزاهة والكفاءة؟
أبي خليل: لبنان دولة ذات نظام برلماني، حيث تتولى الحكومة التي تحوز على ثقة المجلس النيابي المنتخب من الشعب السلطة التنفيذية. وبالتالي، فإن الحكومة مسؤولة أمام المجلس النيابي عن حسن تطبيق القوانين، بما في ذلك عن أحكام تعيين المحقق المالي الخاص. ومن المفترض أن يتم تعيين المحقق المالي الخاص وفق معايير النزاهة والكفاءة، وهذا الاختيار يخضع لرقابة المجلس النيابي، أي للمساءلة العامة. كما ان التعيين الحكومي يجعله أكثر شفافية وأسهل على المواطن لفهمه، لأن الوزراء سيمكنهم من تقييم خبرة وكفاءة المرشحين.
لقد تقصدنا عدم تعيين المحقق المالي من قبل القضاة أنفسهم عبر مجلس القضاء الاعلى، وذلك لعدة أسباب:
المحقق المالي قد لا يكون قاضياً عاملاً.
تجارب التشكيلات القضائية تثبت أن آليات اختيار القضاة لزملائهم قد لا تكون واضحة للجمهور، وأن تقييم القضاة لزملائهم قد لا يكون موضوعياً لعدة أسباب.
الحكومة هي الحائزة على الشرعية الديمقراطية للحكم ولإدارة المرفق القضائي، فالقضاء للناس وليس للقضاة.
في حال تأخر الحكومة عن التعيين الأول، يقوم وزير العدل بالتعاون مع مجلس القضاء الأعلى ومجلس نقابة المحامين في بيروت (وهي هيئة منتخبة) بتعيين المحقق المالي الخاص.
المرصد البرلماني: نلحظ أنّكم استندتُم إلى التجربة الإيسلندية. وبمراجعة هذه التجربة، نجد أن المحقق المالي اعتمد على جهاز خاص تكون من أكثر من 100 خبير في الشؤون المالية. ألا تخشون أنكم في صدد استحداث منصب للقيام بمهمة بالغة الصعوبة من دون إعطائه الإمكانات اللازمة من أجل ذلك؟
أبي خليل: لقد تمّ منح المحقق العدلي صلاحيات الاستعانة بالضابطة العدلية وبهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان كما يمكنه الاستعانة بالخبرة الفنية تماماً كما تفعل النيابات العامة وقضاة التحقيق حالياً. وبالتالي فالإمكانات موضوعة بتصرفه وذلك في المادتين التاسعة والعاشرة. وهذا يعد كافياً.
المرصد البرلماني: تعلمون أن أغلب التحقيقات المالية (ومنها ملف أوبتيموم) تعطّلت بفعل المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية؟ وما هي التدابير التي تحول دون استخدام نفس المادة بحق المحقق المالي؟
أبي خليل: إن المحقق المالي يخضع فقط لأسباب العزل المنصوص عليها في المادة السابعة من القانون. وبالتالي فهو لا يخضع لأي سبب من أسباب الردّ المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات كما لديه حصانة في أداء واجباته وهو لا يخضع لأحكام وقف عمله المنصوص عليها في المادة 751 أ.م.م.
المرصد البرلماني: أي ملاحظات أخرى متصلة بهذا الاقتراح تودّون لفت أنظارنا إليها.
أبي خليل: ْيدخل هذا الاقتراح على النظام القضائي اللبناني مؤسسة تحقيق مأخوذة من النظام الانكلوساكسوني، بهدف الخروج من حالة اللاعدالة التي نعيشها منذ أربع سنوات في أكبر كارثة ماليّة حلّت على لبنان. يمكن انتقاد هذا الاقتراح إنما يقتضي أن يكون الانتقاد مفيدا وهو لم يكن ليتمّ إعداده لو أن القضاء التقليدي قام بواجباته او بأدنى واجباته في هذه المسائل. أننا نتمنى على المؤسسات التي تعنى بالعدالة في لبنان أن تقوم بدعم هذا الاقتراح، وبتسويقه وبتشكيل قوة ضغط لإقراره. للمرة الأولى، يتمّ فيها اقتراح إشراك مهنيين من غير القطاع العام في تعيين شخص في منصب عامّ، إلا وهو مجلس نقابة المحامين في بيروت.
وإذ أبدى أبي خليل أسفه لأنه لم يعطَ إلا 24 ساعة للإجابة على أسئلة “المرصد”، يؤكد “المرصد” له أنه يبقى على أتم الاستعداد لنشر أي تعليقات إضافية.